- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
محمد بن عبد الله ﷺ قدوة ونور
لا يستغني الإنسان عن اتخاذ قدوة يحبه ويعجب به، وهي غريزة تظهر من السنوات الأولى وأنت ترى الطفل يقلد أباه، ثم تتطور هذه الغريزة مع تعطش الفطرة إلى معاني الشجاعة والقوة والنخوة والعطاء والحكمة، وغيرها.
ما من أمة إلا وتعرف أهمية القدوة، فالقدوات للأمم أعظم الكنوز؛ هم رموز مضيئة تنير طريق الأمة بل هم عنوان للأمة بهم تُعرف، وبآثارهم تشتهر، وعلى خطواتهم تسير، وبعملهم تستنير. لذلك أخذت الأمم تمجد هذه القدوات فيقيمون لها التماثيل ويصورونها لأجيالهم تصويرا مبالغا فيه.
فهذا نابليون رمز للفرنسيين وتاريخه تاريخهم، ولو نُظر للرجل بعين الإنصاف لعلم أن حاله لا يستحق كل هذه الهالة التعظيمية؛ فالرجل باختصار قاد بلاده للفوز في معارك وأخفق في أكثرها، وانتهى أمره إلى أن يموت منبوذاً منفيّاً، أما أخلاقه ومنهجه فيكفيه سوء صنيعه في مصر وفلسطين، وقتله آلاف الأسرى فيها، هذا ولم يعرف للرجل علم ولا فن اختص به، فكيف صار حاله كذلك؟!
لكن قومه يفتقدون القدوات الحقيقيين فصنعوا لأنفسهم وهماً وصدَّقوا هذا الوهم حتى صار يُدرَّس للأجيال، وفق إعلام قويّ يساعد على تأسيس مثل هذا الوهم وترسيخه في النفوس. والعجيب أنه في الوقت الذي تبحث فيه الأمم عن قدوات ليتبعوها، وعظماء ليظهروهم، نعمد نحن إلى عظمائنا فنهدمهم وإلى أبطالنا فنحطمهم!
درسنا في المدارس عن حملات نابليون بونابرت ولم نسمع شيئا يُذكر عن يوسف بن تاشفين وألب أرسلان ومحمد الفاتح وغيرهم. بل لم نعرف عن جيل الصحابة والتابعين إلا القليل! نُدرَّس تاريخ الآشوريين والفراعنة والكنعانيين والآراميين والبابليين والإغريقيين فترات تاريخية قبل الإسلام ثم عن أوروبا في العصور الوسطى والحديثة. وحين نسأل أبناءنا ما بالنا اليوم من قائد المسلمين في معركة تل حارم المفصلية في صد الصليبيين؟ لا يعرفون! من قائد المسلمين في معركة الزلاقة التي أخرت سقوط الأندلس قروناً؟ لا يعرفون! وعندما نسأل أبناءنا: كيف تتخذ من غاندي عابد البقر قدوة؟! غاندي الذي لمعته بريطانيا، وأعانته على إبراز الهندوسية على حساب طمس الهوية الإسلامية؟ كيف تتخذ من مانديلا النصراني قدوة؟! أتدرون ماذا يجيبون؟ يقولون: "بغض النظر عن معتقداتهم، فيهم جوانب حسنة، أليس من العدل أن نثني على الجوانب الحسنة في أي إنسان؟! يعجبني فيهما التحرر والصمود".
إن أعداء الأمة يكيدون للأمة ليلا ونهارا يستخدمون كافة الأساليب والوسائل للإساءة إلى قدوتنا. يقومون بكل هذا بهدف إفقاد الشباب القدوة الصالحة التي يتعلمون منها ويقتدون بها، وبالتالي يفقدون الثقة في مجتمعهم ويتحولون عن الدين ومبدئه، ولا شك أن الإعلام يسهم بشكل كبير في تفاقم المشكلة، حيث يظهر العلماء بصورة سيئة، فكثير من أعمال الدراما اليوم، تسيء إلى العلماء وإلى منظومة القيم والأخلاق التي تعلي من شأنها كل الرسالات.
وفي ظل كل هذه الفتن وهذه الحروب الفكرية القاسية، وفي ظل كون أماكن القيادة أعطيت للتافهين كي يقودوا الأمة إلى ما لا تحمد عاقبته من شبهات وشهوات، لا يخفى أن حاجة النشء للقدوة في الزمن الحاضر ملحة وضرورية.
لقد اهتم الإسلام الاهتمام البالغ بإبراز أثر النماذج بجميع أنواعها وصورها حين خاطب الله رسوله محمداً ﷺ ﴿أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾. فكان ﷺ يتذكر حين يُعادى ويؤذى صبر موسى عليه السلام، وحين يحج أو يعتمر يتذكر مرور إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، وكثيراً ما كان يقص النبي ﷺ على أصحابه رضي الله عنهم من قصص إخوانه ومن سلف ليقتدوا بهم.
يقول الله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾. وفي تفسير هذه الآية، يقول ابن كثير: "إن إبراهيم قد جاء بالأوامر كلها وترك النواهي كلها وبلغ الرسالة على أتمها فاستحق أن يكون إماما وقدوة يقتدى به ويحتذى حذوه".
لا ريب أن أعظم القدوات قاطبة هم الرسل العظام والأنبياء الكرام عليهم السلام ولكن الله عز وجل خص الحبيب المصطفى والنبي المجتبى ﷺ بقوله سبحانه: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾. نعم من كان يرجو الله واليوم الآخر فقدوته وأسوته محمد ﷺ الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، والذي رفع لواء الإسلام. محمد ﷺ الذي ديدنه الإحسان، محمد ﷺ الذي بعث إلى ملوك الأرض وزعمائهم أن أسلم تسلم، محمد ﷺ الذي فتح مكة، محمد ﷺ الذي قال: «لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
أتعلمون ما الفرق بين الصحابة وبيننا؟ أهي الصلاة أم الصيام أم قراءة القرآن؟ فهذا هو القرآن الذي بيننا هو هو الذي كان بين يديهم، وها هي السنة هي هي. فما الفرق إذا؟! الفرق أنهم اتخذوا حبيبنا وسيدنا محمداً قدوة فكانوا إذا رأوه صلى صلوا، وإذا قام قاموا، وإذا غضب غضبوا، وإذا أحب أحبوا، وإذا سعى سعوا، وإذا عمل لإقامة حكم الله عملوا. وها هو عمر بن الخطاب في قصته مع خالد بن الوليد، أتدرون من هو خالد؟ خالد الذي لم يهزم في معركة قط، أقاله عمر بن الخطاب، فقال سيدنا خالد: "لم أقلتني يا عمر؟" فقال: "والله إني أحبك" فيكرر سؤاله ثلاث مرات، فيجيبه عمر: "والله إني أحبك، ولكنني أخاف أن يفتتن الناس بك". لقد علم عمر وغيره أن سيدنا محمداً هو فقط خير قدوة ونور للأمم أجمعين.
نعم من كان يرجو الله واليوم الآخر فقدوته محمد ﷺ. وأما من كان يرجو الدولارات والمناصب ويرجو الدنيا فإن قدوته زعيمه وولي نعمته. قدوتهم هؤلاء الذين لم يقيموا عدلا ولم يحفظوا مقدسا ولم يحموا مسرى ولم يحرروا أسرى ولم يعيدوا منتهكا ولم يحرروا شبرا ولم يحفظوا عرضا. ثم تخيلوا أن هؤلاء الأراذل يريدون أن يكونوا قدوة لأمة محمد يؤلفون كتبا بعنوان: قدوتنا رئيسنا"! ويريد علماء السلاطين أن يكونوا على دينهم!
هؤلاء الذين ضيعوا البلاد والعباد يريدون أن يصبحوا لنا قدوة! ألا خسئوا وخابوا.
وهكذا يظن هؤلاء الطغاة في لحظة من اللحظات أنهم أصبحوا قدوة ويظنون أنهم إن ضللوا العامة وإن نسوا ما فعلوا وما اقترفوا، وكيف أنهم وقفوا أمام الإسلام، بل وهاجموا دعاته ومكنوا الكفار، يظنون أن الأمة تنسى فظنوا من أنفسهم قدوة.
نسي أبو جهل ماذا فعل بالمصطفى، نسي صده عن سبيل الله، ونسي أن محمدا مرسل. نعم نسي وتحدى رغم أنه كان يدرك أنه نبي مرسل وأن الملائكة تؤيده وتحميه وكان يدرك إعجاز القرآن الكريم. لكنه كان يضلل كل البشر ويصد عن سبيل الله. وفي لحظة من اللحظات ظن نفسه قدوة. وطُمِس على قلبه أتدرون متى ذلك؟ إنها معركة بدر قبل سويعات من هلاكه، وقف يدعو الله أن ينصره ونسي أنه عدو الله. وقف يدعو الله أمام جيش قريش الكافر وقف يدعو الله أن ينصر الذي يحبه أكثر ومن كان يصل الرحم أكثر. وقف أبو جهل ونسي نفسه وظن أنه قدوة. أراد أن يوهم الجيش أنه على حق وأنه يعمل الخير لهم وأنه متدين مخلص، كما فعل فرعون من قبله. وهكذا فعل الطواغيت من بعدهم؛ نسوا أنفسهم وظنوا أنفسهم قدوة يتكلمون عن الشرف والأمانة والإصلاح وهم ناهبون للمال هاتكون للأعراض مستبيحون للحرمات.
نعم يأتي ذلك الطمس في لحظاته الأخيرة من نهاية الطغاة وهلاك الظلمة. نسأل الله أن يكون هلاكهم قريبا غير بعيد.
لهؤلاء نقول إن أمة محمد عظيمة، لم ولن تنسى قدوتها، فقائدنا وقدوتنا للأبد سيدنا محمد ﷺ، وأبطالنا هم أبطال الأمة الإسلامية، الأبطال الفاتحون الذين فتحوا البلاد وكسروا إمبراطوريتي الشر في ذلك الزمن وكسروا ظهر فارس والروم، أبطالنا هم صلاح الدين الذي حرر بيت المقدس، وقطز الذي كبر وكسر المغول وكنسهم من بلاد المسلمين، فأين أنتم أيها الأقزام من هؤلاء الأبطال الأفذاذ؟ أين أنتم من عمر وخالد والفاتح؟
ليعلم كل الطغاة أن أمة محمد قلوبها تسكن فيها قدوتها، وتشتاق لدولة أسسها حبيبها وعانى ما عانى من أجل إقامتها. إنهم ينتظرون تلك اللحظات التي تعلن فيها إقامة الخلافة على منهاج النبوة. ينتظرون تلك اللحظة التي تفعل بها بطولاتهم ليقوموا ويضحوا من أجل الإسلام.
وفي الذكرى المئوية لهدم الخلافة نقول اعملوا لها أيها المسلمون تنالوا عز الدنيا والآخرة.
#أقيموا_الخلافة
#ReturnTheKhilafah
#YenidenHilafet
#خلافت_کو_قائم_کرو
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
دانا محمد – الأرض المباركة (فلسطين)