الإثنين، 21 صَفر 1446هـ| 2024/08/26م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

تقصيرُ الدولة في توفير الدواء تهاونٌ بحياة الناس

 

 

كشفت اللجنة التسييرية لشُعبة ملاك الصيدليات ولاية الخرطوم، عن إحجام حوالي 600 شركة دواء عن استيراد الأدوية لمدة أسبوعين مضيا، وأعلنت عن إفلاس عدد من الصيدليات، فضلاً عن توقف كثير من الصيدليات عن العمل وحذرت من ارتفاع أسعار الدواء بنسبة 150 إلى 200% في أعقاب رفع سعر دولار الدواء من 55 إلى 120 جنيهاً. وأكد نائب رئيس اللجنة د. أنس الحسين أن الصيدليات ستدخل في إضراب خلال يومين بسبب انعدام الدواء، فضلاً عن الوضع المتهالك للصيدليات.

 

وأكد تسبب انعدام الأدوية المُنقذة للحياة في وفيات، مشيراً إلى انعدام أدوية الأمراض المزمنة وأمراض القلب والكبد والمحاليل الوريدية، وأشار إلى وجود ربكة في صنع القرارات الخاصة بالدواء، ونوه إلى أن أرفف الصيدليات خلت من الدواء، ووصف نظرة الحكومة تجاه الدواء بالتجارية.

 

وقال أنس وفق (الصيحة) إن إدارة الرقابة على الدواء تفرض على الصيدليات 10 آلاف على الصنف الواحد، مؤكداً وجود تهميش وتعامل تجاري مع الصيدليات، وقال إن الصيدليات تصرف على رسوم عداد الكهرباء فقط دون الإمداد 4 آلاف شهرياً، فضلا عن المياه والإيجار، واستنكر حديث الجهات الحكومية وقولها إنّها تدعم دولار الدواء عبر محفظة السلع الاستهلاكية، ونادى بضرورة إغلاق شركات الأدوية التي تحجم عن الاستيراد إذا صح الحديث عن الدعم. (النورس نيوز).

 

إن استهانة الدولة بأمر الدواء لهو أمر في غاية الخطورة، ويعني التفريط في حياة الناس، وربما يؤدي انعدام الدواء للموت في ظل هذا التهاون المريع من الدولة، التي تنفق الأموال في أمور ليست أساسية للحياة، بينما تتغافل عن الحاجات الأساسية، وإن توقف 600 شركة عن توفير الدواء لهي كارثة في ظل رفع الدولة يدها عن توفيره للناس. وأيضا هذا الارتفاع الجنوني لأسعار الدواء هو مشكلة كبيرة لعدم مقدرة المريض على شرائه، والأصل أن توفر الدولة الدواء للناس بالمجان وفق أحكام الإسلام العظيم.

 

لقدْ سيطرتِ الرأسماليةُ على العالمِ رَدْحاً مِنَ الزمانِ، سادتْ خلالَهُ أنظمةٌ قامتْ على فصلِ الدينِ عنِ الحياةِ، وَحَكَمَتْ على امتدادِهِ دولٌ لمْ تقمْ لترعَى شؤونَ الناسِ، فَتَأْخُذَ على يدِ الظالمِ وتزجُرَهُ، وتَجْزِيَ المُحْسِنَ أوْ تُعينَهُ وتشكرَه. دولٌ لمْ ترحمِ الضعفاءَ، ولمْ تأخُذْ بأيدي الفقراءِ، هذا ولمْ تَسْلَمِ الرعايةُ الصحيةُ مِنْ جَوْرِ الرأسماليةِ، ولمْ تَنْجُ منْ أنظمتِها وطريقةِ عيشِها، فأضْحَتْ أداةً لرؤوسِ المالِ، يستغلونَها كما استغلُّوا كلَّ شيءٍ، لمصِّ دماءِ المرضى الضعفاءِ وأموالهِم، ولإشباعِ جَشَعِهِمْ وَنَزَوَاتِهِمُ التي لا تشبعُ. ومنْ فُحشِ الرأسماليةِ، أنْ ظهرَ الفسادُ في كلِّ نَواحي الرعايةِ الصحيةِ تقريباً: في نظامِ التأمينِ الصحيِّ وشركاتِهِ، وشركاتِ الأدويةِ وأبحاثِها، واستغلالِ هذهِ الشركاتِ للأطباءِ واستغلالِ الأطباءِ للمرضى. وظهرَ الفسادُ كذلكَ في بِدْعَةِ الملكيةِ الفكريةِ وبراءاتِ الاختراعِ، حتى غَلا سعرُ الدواءِ وثمنُ الرعايةِ الصحيةِ وَأَضْحَتِ القضيةُ هيَ تحقيقَ الربحِ على حسابِ حاجةِ المرضى للعلاجِ والرعايةِ. وَكما في كُلِّ مكانٍ دخلتهُ الرأسماليةُ لا بقاءَ ولا حياةَ للضعيفِ، ولا قيمةَ إلا للمالِ!

 

لقدْ ضَجَّ الغربُ نفسُهُ بهذا الفسادِ الصحيِّ، مما اضْطُرَّ دولَهُ إلى الترقيعِ على عادتِها، وتوفيرِ بعضِ الرعايةِ الصحيةِ القاصرةِ لرعاياها تخديراً لهمْ وصرفاً عنْ إزالةِ أصلِ الفسادِ. ولكنَّ هذا الترقيعَ كانَ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً.. وما يحدث في السودان لهو شيء ليس بمستغرب لأنه بلد يطبق النظام الرأسمالي بأبشع صوره، وهذا الواقع الأليم، ولا سيما في مجال التطبيب والرعاية الصحية، لهو شيء طبيعي في ظل الرأسمالية البشعة.

 

الصيدلةُ كالتطبيبِ خدمةٌ صحيةٌ يجوزُ للفردِ أنْ يَعْرِضَها للناسِ بشكلٍ خاصٍّ، كأنْ يقومَ بفتحِ صيدليةٍ ويصرفَ الدواءَ، أوْ يُنْشِئَ مصنعاً للدواءِ بقصدِ الربحِ. إلا أَنَّ كَوْنَ الصيدلةِ قدْ تُؤَدِّي إلى ضررٍ إنْ لمْ يَكُنِ المتعاطي لها منْ أهلِ العلمِ بفنونِها يجعلُها كالتطبيبِ بحاجةٍ إلى ترخيصٍ مِنَ الدولةِ لممارسَتِها، وذلكَ مَنْعاً للضررِ المترتبِ على مباشرةِ الجاهلِ لصُنْعِ الدواءِ وَصَرْفِهِ، وَفْقَ القاعدةِ «لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ».

 

وفوقَ ذلكَ فإنَّ على الدولةِ أنْ تُشْرِفَ على صُنْعِ الدواءِ وإنتاجِهِ مباشرَةً، لِما أخرجَهُ الحاكمُ في المستدركِ عنْ عبدِ الرحمنِ بنِ عثمانَ التيميِّ، قالَ: «ذَكَرَ طَبِيبٌ الدَّوَاءَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ فَذَكَرَ الضِّفْدَعَ يَكُونُ في الدَّوَاءِ، فَنَهَى النَّبِيُّ عَنْ قَتْلِهِ»، وَأَخرجَ البيهقيُّ وأَبو داودَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: «سَأَلَ طَبِيبٌ النَّبِيَّ عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِى دَوَاءٍ فَنَهَاهُ النَّبِيُّ عَنْ قَتْلِهَا»، صحَّحَهُ الألبانيُّ. ووجهُ الاستدلالِ بهذا الحديثِ أنهُ يَدُّلُّ بدلالةِ الإشارةِ على أنَّ الدولةَ تُشْرِفُ على إنتاجِ الأدويةِ، إذِ الحديثُ سيقَ لبيانِ النَّهْيِ عنْ قتلِ الضفدعِ، لكنهُ يفيدُ أيضاً بدلالةِ الإشارةِ أنَّ الدولةَ لها أنْ تمنَعَ صناعةَ نوعٍ ما مِنَ الأدويةِ.

 

وعملاً بالأدلَّةِ القاضيَةِ بأنَّ التطبيبَ واجبٌ على الدولةِ مجاناً لرعيتِها، وكَوْنَ الإمام راعياً وهوَ مسؤولٌ عنْ رعيتِهِ، فإنَّ الدولةَ تُوَفِّرُ الدواءَ للمرضى، إما بشرائِهِ مِنْ مصانِعِ الدواءِ وشركاتِهِ في الدولةِ أوْ في الخارِجِ، وإمَّا بإنشاءِ مصانعَ للدواءِ تملِكُها الدولةُ وتنتجُ الأدويةَ المطلوبةَ.

 

وصناعة الأدوية يجب أن تتولاها الدولة بنفسها وتشرف عليها، قال رسول الله ﷺ: «الإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أخرجه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. وهذا نص عام على مسؤولية الدولة عن الصحة وتوفير الدواء والتطبيب لدخولهما في الرعاية الواجبة على الدولة، وهناك أدلة خاصة على الصحة والتطبيب؛ فقد أخرج مسلم من طريق جابر قال: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ طَبِيباً فَقَطَعَ مِنْهُ عِرْقاً ثُمَّ كَوَاهُ عَلَيْهِ». وأخرج الحاكم في المستدرك عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: "مَرِضْتُ فِي زَمَانِ عُمَرَ بِنِ الْخَطَّابِ مَرَضاً شَدِيداً فَدَعَا لِي عُمَرُ طَبِيباً فَحَمَانِي حَتَّى كُنْتُ أَمُصُّ النَّوَاةَ مِنْ شِدَّةِ الْحِمْيَةِ".

 

إن دولة الخلافة القائمة قريباً بإذن الله لا وجود فيها للضرائب ولا الجمارك التي تغلي أسعار الدواء، كما ستلغي كل شرط من الشروط غير الشرعية ومنها براءة الاختراع، فعقد البيع الشرعي كما يعطي للمشتري حق الملكية يعطيه أيضاً حق التصرف بما يملك، وكل شرط مخالف لمقتضى عقد البيع فهو باطل.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

الأستاذ عبد الخالق عبدون علي

عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية السودان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع