الجمعة، 29 ربيع الثاني 1446هـ| 2024/11/01م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مغالطات فوكوياما في مقالة الظل الطويل 09/11

 

نشر موقع أمريكان بيربوس مقالاً للمفكر فرانسيس فوكوياما حول هجمات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وفشل أمريكا في تطبيق نموذج بناء الدولة الحديثة في كل من العراق وأفغانستان، ولا أريد التعرض لأبرز ما ذكره، بل أريد التعليق على مسألة بناء الدول، والتي تعرض لها في معرض رده على إخفاق أمريكا في بناء الدول التي احتلتها وهي العراق وأفغانستان، ونذكر أبرز ما قاله: "كان للعديد من الدروس المستفادة من هذه الاحتلالات الطويلة علاقة بصعوبة بناء مؤسسات سياسية مستدامة، والتي يُعتقد أنها ضرورية لمنع عودة ظهور تهديد إرهابي، كانت هناك ثلاثة أهداف محتملة؛ أولاً: بناء دولة يمكن أن تمارس احتكار القوة الشرعية على أراضي الدولة، وثانياً: إنشاء دولة حديثة لديها القدرة على تقديم الخدمات الأساسية على أساس غير شخصي، وثالثاً: جعل تلك الدولة مسؤولة ديمقراطياً أمام مواطنيها. وكما اتضح فيما بعد كان هدف بناء الديمقراطية هو الأسهل القابل للتحقيق من بين الأهداف الثلاثة.

 

أجريت في كل من أفغانستان والعراق انتخابات أو (أحداث شبيهة بالانتخابات) وتم اختيار القادة السياسيين على أساس التنافس السياسي الحقيقي، وكان البلدان يعانيان من تفشي الفساد والاحتيال، لكن الانتخابات مع ذلك أسفرت عن نتائج عكست تقريباً إرادة الشعب في كل بلد"، وذكر أيضا: "إن بناء دولة حديثة ذات قدرة عالية ومستويات منخفضة من الفساد - وهو ما وصفته في مكان آخر بأنه (الوصول إلى الدنمارك) - ثبت أنه يفوق تماماً قدرة الولايات المتحدة وحلفائها على تحقيقه. كل منظمة تنموية في العالم لديها شيء مثل الدنمارك في الاعتبار وهي تتابع برامجها في الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد، لكن الدولة الدنماركية الفعلية استغرقت حوالي ثمانمائة عام للوصول إلى المكان الذي هي عليه الآن، ولا ينبغي أن نتوقع ظهور نتائج مماثلة في أفقر الأماكن وأكثرها فوضى في العالم في أي وقت قريب".

 

ثم يعزو الإخفاق لعوامل عدة منها التاريخ والجغرافيا ولم تحقق الحكومة التي نصبها الأمريكيون في كابول أبداً الشرعية التي تحتاجها على الرغم من الانتخابات على حد قوله، ثم يتعرض للسؤال التالي الذي يطرح نفسه وهو: لماذا ارتكبت حكومة أمريكا هذه الأخطاء في المقام الأول؟ كان الجواب البسيط هو الغطرسة.

 

مما لا شك فيه أن مفكراً مثل فوكوياما صاحب عقلية كبيرة ومحل اعتبار ونظر عند الكثير من المفكرين على مستوي العالم، ولكن يبدو لي أنه أراد التقليل من تداعيات الحرب الأمريكية على البلاد الإسلامية وحجم الانتكاسات والإخفاقات والفشل نتيجة انطلاقها من الغطرسة آنذاك، وليس من خلال فكرة استراتيجية قابلة للتنفيذ كما قال كيسنجر في مقال له عن سبب إخفاق أمريكا في أفغانستان أنها "وضعت أهدافاً غير قابلة للتحقيق"، ولعلي انطلق من هذه الفكرة (وهي للعلم فكرة رائدة وصحيحة في مجالات الحياة كلها وليست في السياسة فقط) مفادها أن من وضع هدفاً غير قابل للتحقيق فمن الطبيعي جدا الإخفاق به مع الحذر الشديد هنا أن الأهداف لا أعني بها واقعية؛ بحيث يكون الواقع مصدر التفكير كما يتعامل الغرب من باب أن السياسة هي فن الممكن، بحيث يكون الواقع مصدراً للتفكير لا محلا للتغيير، مع الصحيح أن الممكن هو الممكن من حيث النظر وليس من حيث الواقع، فقد يكون الأمر مستحيلاً واقعياً لكنه من حيث النظر والتفكير هو الحل الذي يجب تغيير الواقع على أساسه، وإلا كيف نفهم مثلاً أنه في بداية الاحتلال الأمريكي لأفغانستان كانت فكرة الانسحاب والإخفاق مستحيلة واقعياً مع أنها واردة بقوة في مسألة النظر لا من حيث التمني؟ بل من حيث توفر أسباب ومقومات الفكرة مع إرادة التغيير في عمل جماعي، وبحث هذه المسألة قد يطول وليست هي محل البحث، لكن أريد مناقشة فوكوياما في مسألة بناء الدول والأهداف الواقعية وقدرة الدول المحتلة على إحداث تغيير فيها وبناء دولة نموذجية.

 

إن بناء الدول يعود إلى فكرة يؤمن بها مجموعة من الناس بحيث تصبح نظرتهم واحدة تنبثق عنها مشاعرهم، ويقيمون سلطة تطبق عليهم تلك النظرة التي جمعتهم أو يـَسكتون عمن أقام نفسه لحماية الفكرة وتطبيقها؛ فيصبح التفاف الناس حول الفكرة لأنها فكرتهم ونظرتهم للحياة ويصبح قبولهم بسلطة ما متعلقاً بمدى علاقة تلك السلطة بالفكرة، فإذا كان النظام منبثقاً عن فكرتهم كانوا معه مهما كانت المصاعب والمخاطر ولن يتخلوا عنه إلا إن جاءت قوة غاشمة أقوى منهم استطاعت أن تزيل النظام الذي يمثلهم وهذا هو عامل هدم تستطيع أي قوة غاشمة أن تفعله، لكن عامل البناء الذي نتحدث عنه لن يكون من خلال فكرة دخيلة على المجتمع لا يؤمن بها؛ بل لديه نظرة تخالفها جملة وتفصيلا، فكيف لمجتمع أن يتقبل فكرة جديدة وهو يؤمن بفكرة مغايرة؟ وكيف له أن يتقبل نظاماً أقامه مُحتل على فكرة تخالف نظرة الناس وعقيدتهم؟ فضلاً عن النظرة السلبية للمحتل وعملائه.

 

تستطيع أمريكا أن تقيم دولة حديثة لبلد احتلته في حالات منها:

 

1- إذا استطاعت تغيير نظرة الناس وفكرتهم بفكرة جديدة فيصبح المجتمع قابلاً للنظام الجديد وسلطته طبيعياً بلا شك.

 

2- إذا كان أهل البلد لا يحملون فكرة كلية شاملة عن الكون والإنسان والحياة، بل يحملون أفكاراً لا تنظر إلى الفكرة الجديدة نظرة العداء والمخالفة العقائدية أو يحملون فكرة المحتل نفسها، ولعل هذا السبب هو الذي دفع فوكوياما من خلال قراءته للواقع التاريخي في احتلال اليابان التي لم تكن تحمل فكرة كلية، بل كانت تحمل أفكاراً معينة لا تعارض الفكرة الجديدة، وكانت نهضة اليابان من كونها حملت الفكر الرأسمالي نهضت على أساسه، هذا من حيث الأصل. وأما ألمانيا فكانت تحمل الفكر الرأسمالي أصلاً ونهضت على أساسه، ولعل النجاح لأي محتل في بلد لا توجد فيه نظرة كلية شاملة مثل دول في أفريقيا هي من هذا الباب، وما مسألة فساد الطبقة السياسية إلا مسألة فرعية على خطورتها، وليست هي السبب الوحيد في بناء الدول الحديثة، لكن مع البلاد الإسلامية الأمر جد مختلف لأن أهلها يحملون فكرة وجوديةً كلية شاملة ونظاماً شاملاً للحياة يعالج كل أفعال الإنسان، فهم ليسوا بحاجة إلى فكر جديد ولا إلى علاقات وتشريعات جديدة، ولا إلى سلطة تخالف نظرتهم، ولولا تلك القوة الغاشمة وهي السند غير الطبيعي في ارتكاز العملاء على المحتل لما ثبت نظام عميل، والدليل ما حدث في أفغانستان أقرب مثال بحيث فـرّ النظام مع خروج تلك القوة الغاشمة.

 

لذا ما ذكرته أن فكرة بناء الدول لا تأتي من خلال القوة العسكرية، اللهم إلا إذا كانت مستندة إلى قوة غاشمة لكن لا يمكن لها البقاء مهما طالت، لأن أصل البناء الصحيح راجع إلى إيمان الناس بفكرة وجودية معينة، وليس من خلال فرض فكرة تخالف عقيدة الناس لذا كان الإخفاق في هذه المسألة، ومن هنا كان إخفاقاً حتمياً مهما كانت قوة المحتل وضعفت قوة الآخرين، فلا بد للناس طالما أن إيمانهم بفكرتهم ثابت وأصيل أن ينقضوا على الفكرة الجديدة ومن وراءها وأدواتها. فنجاح أمريكا صحيح في قدرتها على الهدم المؤقت كونها قوة غاشمة لكنها لا تملك فكرة البناء مع أمة تعتز بفكرتها ونظرتها وتتطلع إلى إعادة مجدها، ومن هنا كانت الأهداف غير قابلة للوجود بالذات مع الأمة الإسلامية، فكل الأفكار الدخيلة ستتحطم على قاعدة العقيدة الإسلامية، وكل محتل وأدواته سينتهون على يد هذه الأمة ولو بعد حين.

 

#أفغانستان       #Afganistan#     Afghanistan

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

حسن حمدان

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع