الأحد، 20 صَفر 1446هـ| 2024/08/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

مسارات نقل الطاقة

أهميتها الاستراتيجية وصراعاتها

خط "السيل الشمالي 2"

 

تناقلت الوكالات العالمية الثلاثاء الماضي 2022/2/22 خبر إعلان المستشار الألماني، أولاف شولتس تعليق المصادقة على تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" مع روسيا، وتحذيرِه من عقوبات إضافية محتملة، وأنّ هذا التعليق ردٌّ على اعتراف موسكو بالمنطقتين الانفصاليتين في شرق أوكرانيا. (وكالة الحرة)، و(وكالة فرانس 24). وكان المستشار نفسه قد أعلن في 2021/12/17 رفضه إلغاء تشغيل خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2" أو ربطه بالأزمة الأوكرانية، واصفاً إياه بأنه مشروع اقتصادي ولا علاقة له بالسياسة. (وكالة dw الألمانية).

 

يأتي هذا الخبر في غمرة النزاع العالمي الجاري حول أوكرانيا. ومع أنه أقلُّ أهميةً بكثير من قضية النزاع المذكور، من حيث وزن أطرافه التي هي دولٌ كبرى، ومن حيث كونه صراعاً مصيرياً سيكون له تأثيره على الموقف الدولي، بل على النظام العالمي برمته، ومن حيث تداعياته المفتوحة على استقطابات واصطفافات دولية، وعلى احتمالات مختلفة إلى حد التناقض، على الرغم من ذلك، إلا أنه يظل مع ذلك مهماً إلى حد كبير، كأهمية الطاقة؛ النفط والغاز، ومصادرهما وطرق نقلهما، وتأثير ذلك في المواقف والعلاقات الدولية.

 

إن الطاقة ومساراتها موضوع شائك ومتشعب ومحل دراسات، ومحل صراعات بكافة أدوات الصراع السياسي وإمكاناته، وأحيانا بالحروب التقليدية، ويمكن أن تتطور إلى ما هو أخطر. لذلك، سيقتصر هذا التعليق على الأهمية السياسية والاستراتيجية لطرق نقل الطاقة عموماً، ولخط نورد ستريم 2 أو خط السيل الشمالي 2 خصوصاً؛ لبيان حجم الصراع عليه، وأهميته من حيث ما يوفره من قوة اقتصادية للمستفيدين منه، ومن نفوذ سياسي لروسيا على أوروبا، وإضعاف للقبضة الأمريكية عليها.

 

أهمية مسارات نقل النفط والغاز

 

لا يزال النفط والغاز من أهم مصادر الطاقة في العالم اليوم، وبخاصة للدول الصناعية والمتقدمة؛ للمصانع والآلات، وللوسائل العسكرية والمركبات الفضائية، وسائر وسائل النقل المحلية وعبر العالم، براً وبحراً وجوا، وكذلك للتدفئة والإنارة وسائر الاستعمالات المنزلية والمدنية. ولا تعد هذه المصادر مجرد سلع تجارية، بل هي سلع استراتيجية، والحاجة إليها اليوم كحاجة الجسم إلى الدماء، وقد يقتضي استمرار الحصول عليها وتدفقها إشعالَ الحروب لأجلها وبذل الدماء. ولذلك، فرضت الدول الكبرى وخاصةً أمريكا على الدول التي تمتلك احتياطيات كبيرة منها، اعتبارَها سلعاً عالمية، لما لها من تأثير على الأمن والسلم الدوليين. وبسبب الحاجة الماسة إليها والتنافس عليها، صارت سبباً للصراعات الدولية على هذه الدول.

 

لقد وفرت هذه الطاقة للدول التي تملكها ثروات مالية حرّكت أعمال العمران والتجارة والاستهلاك، وجعلت لها شأناً بين الدول، ووفرت للدول التي تستوردها زيادة الإنتاج والمنافسة وقوة الاقتصاد والسيطرة. لذلك، كان من الأهمية بمكان للفريقين استمرارية الإنتاج والتصدير والوصول إلى أماكن الاستهلاك. والدول التي تعجز عن الإنتاج أو البيع تتراجع اقتصاديا، والتي تعجز عن الحصول على كفايتها من الطاقة يتعرقل إنتاجها وتقدمها، وتتراجع مكانتها الدولية، وهو ما يُعَدُّ تهديداً أمنياً للدول المصدرة والمستوردة على حد سواء. ولذلك نشأ تعبير أمن الطاقة؛ ومعناه تأمين الاستخراج والإنتاج، ثم التصدير والوصول، بما يتضمنه ذلك من تأمين مسارات النقل والإمداد من وإلى كل قارات العالم ودوَلِه. وقد كان للغاز أهميته المتميزة على النفط، فأُطلق على أنابيبه العابرة للقارّات اسم شرايين الطاقة الجديدة.

 

ولذلك كان تأمين خطوط النقل عملاً سياسياً وليس تجارياً أو اقتصادياً فحسب، وقد تفوق أهميته أهمية مادة الطاقة نفسها. وتضفي هذه الإمدادات تعقيدات على تجارة النفط والغاز، بسبب دخول أطراف إضافية فيها غير المصدِّر والمستورِد، هي الدول التي تمر هذه التجارة في بلادها البرية أو المائية.

 

حروب النفط والغاز

 

تُبين مختلف قوائم الدول المنتجة للنفط أن الولايات المتحدة وروسيا تتناوبان على مركز الدولة الأكثر إنتاجاً، تليهما السعودية. وعلى صعيد الاستهلاك، تأتي أمريكا في رأس القائمة ثم الصين، وهما الأكثر استيراداً له أيضاً مع أنهما من أكبر المنتجين، تليهما الهند، فاليابان، فالسعودية ثم روسيا. أما بالنسبة للغاز الطبيعي فأكبر الدول من حيث الإنتاج لعام 2019 هي بالترتيب: أمريكا، روسيا، إيران، الصين... وأكبرها من حيث التصدير هي بالترتيب: قطر، أستراليا، ماليزيا، نيجيريا، إندونيسيا، الجزائر، ثم روسيا... وأما من حيث الاستهلاك فتأتي أمريكا أولاً تليها روسيا، وتأتي الصين في مرتبة متأخرة. ويأتي مجموع ما تستهلكه دول الاتحاد الأوروبي بعد أمريكا وقبل روسيا. وأكثر الدول تأثيراً في المنافسات التجارية العالمية، والتي تلقى اهتماماً في الصراعات السياسية في موضوع النفط والغاز هي الدول الأكثر تصديراً أو استيراداً لأي منهما. وأهم الدول المصدرة هي دول منطقة الخليج العربي وعلى رأسها السعودية يليها العراق بالنسبة للنفط، وقطر وروسيا بالنسبة للغاز الطبيعي. وأهم الدول المستوردة هي الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والصين. وقد اكتشف الغاز الطبيعي مطلع القرن الحالي شرقيَّ البحر الأبيض المتوسط بكميات ضخمة، ما جعل المنطقة محل اهتمام الدول الكبرى بهدف فرض النفوذ ووضع اليد على ثرواتها.

 

ولذلك، فإن حروب النفط والغاز بمعنى التخطيط الاقتصادي والمواجهة السياسية لأجل التقدم والسبق، أو السيطرة ومدِّ النفوذ، إنما يصنعها بشكل رئيسي الدول الكبرى، أي الولايات المتحدة وروسيا والصين وكبريات دول الاتحاد الأوروبي، وتستفيد من ذلك اقتصاديا وسياسياً الدول المصدرة ودول العبور. وأهم الصراعات حول هذه المشاريع اليوم هي بين أمريكا وروسيا. والصين مرشحة لتكون طرفاً مهماً فيها، وبخاصة بعد صعودها الاقتصادي والتكنولوجي المنافِس عالمياً، وبعد شروعها بتنفيذ مشروعها العالمي الضخم: مبادرة الحزام والطريق، والتي يطلق عليها أيضاً: حزام واحد، طريق واحد. ومن أبرز ما تتجلى فيه هذه الحروب اليوم المشاريع الضخمة لإنشاء طرق ووسائل نقل الطاقة.

 

وأهم هذه المشاريع هي: مشروع خط نابوكو، ومشروع السيل الجنوبي، والسيل التركي، والسيل الأزرق، وخط جنوب القوقاز، وخط تاناب، وخط تاب، والسيل الشمالي 1 والسيل الشمالي 2، والأخيران هما نورد ستريم 1، ونورد ستريم 2.

 

وفيما يلي تعريف موجز بهذه المشاريع:

 

خط نابوكو

 

ظهرت فكرة خط نابوكو عام 2002، وهي مدّ أنبوب طوله 3300 كلم، لنقل الغاز من آسيا الوسطى والقوقاز، بواسطة أنابيب من أوزبيكستان وكازاخستان إلى تركمانستان التي هي المزوّد الرئيسي للخط بالغاز. ثم يتجه غرباً عبر بحر قزوين إلى أذربيجان التي تزودِّ الخط بالغاز أيضاً، ثم يتابع سيره عبر القوقاز إلى جورجيا، ثم تركيا التي يعبرها إلى أوروبا، حيث يواصل مساره إلى بلغاريا ورومانيا وهنغاريا والنمسا. وبذلك يتجنب الأراضي الروسية، علاوةً على تقليص الاستيراد منها.

 

وهذا الخط أحد أوضح المشاريع في الدلالة على حدة التنافس والصراع الاقتصادي والسياسي. وقد طَرحت إنشاءَه دولٌ أوروبية بهدف الحفاظ على أمن الطاقة لأوروبا؛ وذلك أن حاجة أوروبا لاستيراد الطاقة ماسة، وهي تعتمد في ذلك على روسيا إلى حد كبير، ما يوفر للأخيرة قدرة على الضغط عليها في العديد من القضايا والمواقف. وتقوم فكرة هذا الخط على تزويد أوروبا بالغاز من دول غير روسيا، ومن غير المرور عبر الأراضي الروسية. وقد ازدادت القناعة بالحاجة إليه بسبب خلافات روسيا المتكررة مع أوكرانيا، أهمِّ معبر للطاقة الروسية إلى أوروبا آنذاك، وما ينتج عن ذلك من ضغوط روسية تتأذى منها أوروبا، كأزمة الغاز التي نشبت بينهما عام 2006، والنزاع الذي وقع بين روسيا وأوكرانيا عام 2009 في فصل الشتاء، والذي أدى إلى توقف إمدادات الغاز إلى أوروبا. ولذلك كان خط نابوكو مُلِحاً لتقليص الاعتماد على الغاز الروسي. وقد كان من أهداف أمريكا من هذا المشروع توجيه ضربة إلى روسيا، فسعت إلى تنفيذه، وسارت المفوضية الأوروبية في ذلك، وقدمت له الدراسات والمال، وأيّده حلف الأطلسي. فتم توقيع اتفاقية تنفيذه في تموز 2009. ولا يخفى أن هذا المشروع جزءٌ من الصراع الروسي الأمريكي؛ لذلك واجهته روسيا بقوة وأجهضته. وكانت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية قد أجهضت قبل ذلك مشروعاً روسياً ضخماً لتزويد أوروبا بالغاز الروسي هو خط "السيل الجنوبي".

 

مشروع السيل الجنوبي أو ساوث ستريم:

 

وهو من أهم خطوط الأنابيب الروسية لنقل الغاز الروسي إلى جنوب أوروبا ووسطها عبر البحر الأسود وبلغاريا. وكان من دوافع روسيا لبناء هذا الخط تجنب الأراضي الأوكرانية، وضمان عدم انقطاع تدفق الغاز الروسي إلى الدول الأوروبية المعنية، وذلك بسبب النزاعات المتكررة بين روسيا وأوكرانيا، وبخاصة نزاع عام 2009، وكذلك محاربة خط نابوكو الذي يستهدف ضرب تصديرها للغاز.

 

كان المخطط أن يمتد هذا الخط بطول 930 كلم عبر البحر الأسود، وأن تبلغ طاقته 63 مليار م3 سنوياً، تتوزع على أربعة أنابيب، تزوِّد كلاً من بلغاريا وهنغاريا والنمسا وإيطاليا وكرواتيا وصربيا. وعلى الرغم من أهمية هذا الخط لبلغاريا وعائده الاقتصادي عليها، فقد أوقفت مدَّه عبر أراضيها تحت ضغط أمريكا والمفوضية الأوروبية. ثم انتهى الصراع القوي بين هذا الخط وخط نابوكو بفشل الخطين.

 

لقد كشفت هذه الصراعات بين روسيا وأمريكا عن انقسام دول أوروبا حيال هذه المشاريع، تبعاً لاختلاف مصالحها ومخاوفها. فمع أن حاجة أوروبا إلى الغاز الروسي تمكِّن روسيا من الضغط عليها، فإن أوروبا لا تستطيع مسايرة أمريكا في مواجهة روسيا لأنها هي المتضررة من وقف تدفقه إليها. يضاف إلى ذلك أن أوروبا لا تأمن جانب أمريكا، وتدرك أن تحررها من الضغط الروسي سيكون لصالح أمريكا أكثر مما هو لصالحها، وقد يكون أشدَّ خطراً عليها.

 

السيل التركي والسيل الأزرق

 

بعد ظهور فشل خط السيل الجنوبي، سارعت روسيا إلى الإعلان عن خط السيل التركي؛ وذلك لأجل المحافظة على اقتصاد روسيا ومصالحها، باستمرار تدفق غازها إلى جنوب أوروبا وشرقها، ومواجهة أمريكا وبعض دول أوروبا في هذه الحروب السياسية. وتقوم فكرة السيل التركي على عبور الغاز من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود دون مروره بدولة ثالثة، ثم عبور الحدود التركية إلى اليونان ليتم توزيعه بعد ذلك في أوروبا. ويعد هذا المشروع مصلحة اقتصادية وسياسية كبيرة لتركيا أيضاً.

 

أما السيل الأزرق أو بلو ستريم: فهو خط أنابيب بطول 1213كلم، يزوِّد تركيا بالغاز من البر الروسي إلى البر التركي مباشرة عبر البحر الأسود متجنباً المرور في أراضي دولة ثالثة. بدأ الضخ فيه عام 2003، وهو يعمل مع خط آخر يسمى خط البلقان يمر من روسيا عبر أراضي أوكرانيا ومولدوفا ورومانيا وبلغاريا. والخطان للاستهلاك التركي. وبعد أن تأكدت روسيا من عرقلة خط السيل الجنوبي، لوح بوتين في 2014 بأنه سيرفع كمية الغاز المارة إلى تركيا عبر السيل الأزرق. وكأنه يلمح إلى بلغاريا بأنها هي الخاسرة بخضوعها لأمريكا بمنع مرور السيل الجنوبي عبر أراضيها.

 

خطوط جنوب القوقاز وتاناب وتاب

 

وهي سلسلة من ثلاثة خطوط أو مشاريع مختلفة لتوريد الغاز الطبيعي، تم إنشاؤها في فترات مختلفة، وتم وصل أنابيبها ببعضها لتصل من باكو في أذربيجان إلى شرق أوروبا وجنوبها؛ الأول منها هو خط جنوب القوقاز، يبدأ من باكو على بحر قزوين ليصل إلى تركيا عبر جورجيا. والثاني خط تاناب أي خط أنابيب الغاز عبر الأناضول، ويبدأ من الحدود الجورجية التركية، ويعبر تركيا من شرقها إلى غربها. والثالث خط تاب أي خط أنابيب عبر الأدرياتيك، وهو يبدأ من الحدود التركية اليونانية ويعبر اليونان إلى أوروبا عابراً بحر الأدرياتيك غرباً. ويُطلق على هذه الخطوط الثلاثة من مبتداها في باكو إلى منتهاها في أوروبا بعد عبور الأدرياتيكي اسم الممر الجنوبي.

 

وتُعدُّ سلسلة الخطوط هذه خطاً منافساً لخطوط أنابيب روسيا، وتؤدي إلى تنافس بين روسيا وأذربيجان؛ وذلك لأن الدول المستورِدة تفضل تنويع مصادر استيراد الغاز كي لا تظل رهينةً لضغوط مصدر واحد، يفرض السعر الذي يراه. فأوروبا تعاني من حجم احتياجها للغاز الروسي، ولها مصلحة كبيرة في إيجاد خيارات إضافية. وتركيا هي ثاني دولة في حجم استيراد الغاز الروسي بعد ألمانيا. لذلك - ومع أنها تحصل على ثمن عبور الغاز الروسي عبر أراضيها - كانت لها مصالح كبيرة في تنويع مصادر الغاز.

 

السيل الشمالي1 والسيل الشمالي2، أو نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2

 

وهما من أضخم مشاريع روسيا لتزويد أوروبا بالغاز؛ تمر خطوطهما من روسيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ولهما أهميةٌ في التخطيط السياسي والاستراتيجي لما لهما من تأثير على العلاقات والنزاعات السياسية الدولية بين أمريكا وروسيا وأوروبا، وبين مختلف دول أوروبا. فأمريكا تقول إن هذه المشاريع تجعل لروسيا نفوذا كبيراً على أوروبا، ولذلك تبذل جهوداً كبيرة لإفشالها. ودول أوروبا تختلف فيما بينها بهذا الشأن، والدول التي لها حاجة ومصلحة في استيراد الغاز الروسي تتبرّم بضغوط أمريكا عليها وبالعقوبات التي تهدد بها أو تفرضها على من يساهم في تنفيذ هذه المشاريع. والواقع أن هذه المشاريع تحقق لروسيا مصالح اقتصادية وسياسية حيوية.

 

ومن الأهداف الروسية لهذه الخطوط إنشاء شبكة ضخمة تابعة لها من خطوط أنابيب الغاز في بلدان عدة أو مناطق من العالم، وذلك لتمتلك بنية تحتية مرنة، ذات بدائل في عمليات تصدير الغاز. ومن أهم أهدافها في خطوط السيل الشمالي الاستغناء عن أوكرانيا في نقل الغاز الروسي إلى أوروبا، لأن مواقف الدولتين السياسية ومصالحهما تعتريها تباينات كثيرة وتناقضات. لذلك، تسعى روسيا للإضرار بها وإضعافها.

 

يسلك خط "السيل الشمالي" قبل أن يصبح خطين، طريقاً شمالياً بالنسبة لأوروبا، ويغذي دولها الشمالية بشكل رئيسي. ويُعرف بأسماء عدة، منها المجرى أو السيل الشمالي، وخط أنابيب الغاز الأوروبي الشمالي، ويعرف أيضا باسم خط أنابيب الغاز الألماني الروسي، وخط أنابيب غاز بحر البلطيق. وهو أطول خط أنابيب تحت البحر؛ يبدأ من فيبورغ في روسيا على بحر البلطيق وينتهي في غرايفسفالد على الساحل الألماني بطول 1224 كلم. وتبلغ طاقته السنوية 55 مليار م3 موزعة بالتساوي على فرعين متوازيين. بدأ تمديد أنابيب أحد الفرعين في نيسان 2010، وبدأ تشغيله في تشرين الثاني 2011. ثم تم تمديد الفرع الثاني وبدأ تشغيله في تشرين الثاني 2012. وفي العام 2011 ظهرت دراسات هدفها رفد طاقة هذين الفرعين بفرعين إضافيين؛ ثالث ورابع، لتزيد الطاقة السنوية الإجمالية إلى 110 م3. وهكذا ظهر اسم "السيل الشمالي 1" و"السيل الشمالي 2".

 

بدأ تنفيذ السيل الشمالي 2 في كانون الثاني 2018، وكان المتوقع أن يبدأ تشغيله منتصف عام 2020، إلا أن أمريكا حاربت هذا المشروع وعرقلته بفرض عقوبات على الشركات والدول التي تساهم في تنفيذه. وعارضته أيضاً العديد من دول وسط وشرق أوروبا بحجة أن هذا الخط سيزيد من نفوذ روسيا في المنطقة. وهكذا، أدى مشروع السيل الشمالي 2 إلى حرب سياسية قوية بين أمريكا وروسيا، وإلى انقسام مواقف الدول الأوروبية حياله. ووقفت ألمانيا في مقدمة الدول المؤيدة له، والرافضة لضغوط الولايات المتحدة لإلغائه، فتكرر تأجيل موعد إنجازه، وكان آخر توقع لإنجازه أن يكون قبل نهاية عام 2021.

 

كانت روسيا، وما زالت، تبحث عن بدائل استراتيجية لتعزيز تنوع منافذ وصول غازها لأوروبا؛ منها إنشاء خط غاز "السيل الشمالي" الذي يربط بين روسيا وألمانيا، ثم يعبر إلى بلغاريا وصربيا والمجر والنمسا بالإضافة لليونان وإيطاليا. وقد أرادت روسيا بهذا الخط تحقيق هدفين في آنٍ واحد؛ الأول: تخفيض حجم الغاز الذي يمر إلى أوروبا عبر أوكرانيا تدريجياً. والثاني: أن تعاقب أوكرانيا بالتقليل من أهميتها كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي.

 

وتتخوف دول أوروبية من "السيل الشمالي 2"، بسبب آثاره الاقتصادية والاستراتيجية المتوقعة على الدول التي تعتمد أو ستعتمد بشكل شبه كامل على الغاز الروسي، في شرق القارة ووسطها.

 

إن الأخبار عن تعاظم الصراع الأمريكي الروسي بشأن مشروع "السيل الشمالي 2" وخطره لا تحصى، منها على سبيل المثال تصريح وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو في 21 أيلول 2020، بأن واشنطن بصدد تشكيل تحالف لعرقلة تنفيذ مشروع "السيل الشمالي 2". ثم ردّ النائب الروسي ميخائيل شيريميت، بأن مساعي الولايات المتحدة لعرقلة مشروع "السيل الشمالي 2" تقوض نظام العلاقات الاقتصادية الدولية الحديثة، وبالتالي تفتح مساراً مباشراً للانزلاق إلى حرب باردة جديدة، ما يعرض الوجود السلمي للبشرية للخطر. وقد شدد البرلماني الروسي على أن الولايات المتحدة تعمل على تسييس هذا المشروع لهدف واضح جداً، هو جني الأرباح، وتصحيح سياستها الاقتصادية الفاشلة على حساب الدول الأوروبية، من خلال بيع الغاز الأمريكي المسال لها. (موقع العهد).

 

ولطالما هددت واشنطن بفرض عقوبات على كل من يشارك في هذا المشروع، وتحذره من عواقب بعيدة المدى. وقد علق رافضو هذه التهديدات بأنها خطيرة للغاية. ووصف الكرملين والمسؤولون الروس بأن الإجراءات الأمريكية بهذا الصدد مقلقة، والعقوبات مخالفة للقانون. وقد دأبت ألمانيا على إظهار انزعاجها منها ورفضها الثابت لها، الأمر الذي أدى إلى الحديث عن معضلة تواجه الرئيس بايدن عند استلامه الحكم، وهي أن الإدارة الأمريكية الجديدة تريد العودة إلى التعاون الوثيق مع ألمانيا، لكن "السيل الشمالي 2" لا يزال حجر عثرة في العلاقات بين البلدين.

 

لقد بلغ التذمر والاختلاف وتناقض المصالح بين أمريكا وروسيا ودول أوروبية مرحلة متقدمة أنذرت بمعركة اقتصادية بين أمريكا وألمانيا، وهددت أمريكا بمعاقبة الشركات الألمانية، بذريعة أنها تمنح موسكو نفوذاً اقتصادياً وسياسياً على أوروبا، وتقوّض أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي. وصدرت تصريحات أوروبية على مستويات عالية تؤكد أن سياسة الطاقة الأوروبية تتحدد داخل أوروبا، وليس في الولايات المتحدة. وأكد الألمان والروس أن جميع الشركات العاملة في المشروع، بما في ذلك الأوروبية، عازمة على استكمال تنفيذه، بل إن المستشار الألماني شولتس أعلن قبل شهرين فقط أن نورد ستريم 2 مشروع اقتصادي ولا علاقة له بالنزاع الجاري في أوكرانيا.

 

ولذلك، فإن إعلانه قبل أيام عن تعليق المشروع يُعدُّ نصراً كبيراً للولايات المتحدة ورئيسها بايدن. ويظل احتمال إلغاء هذا التعليق قائماً ومنتظراً. والمتوقع أن هناك في ألمانيا وعدة دول أوروبية توجهات ترفض إلغاء هذا المشروع نورد ستريم 2، وترفض بالتالي هذا الإعلان الصادر في ظروف دولية وإقليمية صاخبة وضاغطة وغير عادية.

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمود عبد الهادي

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع