الأحد، 20 صَفر 1446هـ| 2024/08/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

أوكرانيا: الأثر الدموي للاستعمار

 

 

إن الأحداث في أوكرانيا الآن في دائرة الضوء في العالم كله. بينما يقيّمها كل واحد من الناس حسب فهمه الخاص، فإن دول العالم تعلن مواقفها وفقاً لسياساتها. وبينما يقول معظم الناس "إن روسيا شنت عدوانا على أوكرانيا"، فتقول بعضهم "إنها ليست حرباً عدوانية"، وبعضهم في وضع محايد. إن روسيا تدّعِي "أن هذه ليست حربا عدوانية، بل هي عملية عسكرية". ومهما كانت فهي في الحقيقة حرب. وهذه ليست حرباً بين روسيا وأوكرانيا، بل إنها صراع على السلطة بين القوى الاستعمارية العظمى في العالم. علينا أن ننظر إلى التاريخ لنحدد حقيقة ذلك.

 

بدأ المبدأ الرأسمالي يتشكل فيما كان يسمى بـ"العصور الوسطى المتأخرة" (القرنين الرابع عشر والسادس عشر). وبحسب هذا المبدأ فإن مقياس كل شيء هو المصلحة، لذلك ركضت الدول الأوروبية التي احتضنت الرأسمالية وراء المصالح المادية، وحققت اكتشافات جغرافية جديدة، وبدأت تستعمر أراضي جديدة. وهكذا، أصبحت الطريقة الطبيعية لنشر الرأسمالية في العالم هي الاستعمار. وفي نهاية ما يسمى بـ"العصر الجديد الأول" ظهرت الرأسمالية في الغرب كأسلوب حياة.

 

لقد ازدهر الاستعمار في القرن التاسع عشر الميلادي، وأصبحت بريطانيا وفرنسا وروسيا قوى عظمى في العالم بسبب كثرة مستعمراتها. وفي بداية القرن العشرين، أدى استياء الدول الأخرى من هذا التقسيم للعالم والنزاع الاستعماري إلى بداية الحرب العالمية الأولى (1914-1918). وفي هذه الحرب هزمت دول الحلفاء المكونة من بريطانيا وفرنسا وروسيا منافسيها. وشكلوا عصبة الأمم للحفاظ على نظامهم الاستعماري بعد هذا الانتصار. ولكن هذا لم يدم طويلا. ثم بدأ صراع آخر على السلطة وانقسام المستعمرات، وهذا ما أدى إلى الحرب العالمية الثانية (1939-1945). في هذه الحرب أيضاً هزم "الحلفاء" - بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي وأمريكا -، ألمانيا وإيطاليا واليابان التي تسمى بـ"الدول المحور". ثم شكلت الدول المنتصرة الأممَ المتحدة لترسيخ أنظمتها الاستعمارية حول العالم. وقد خرجت أمريكا من هذه الحرب بقوة وشكلت حلف الناتو للحفاظ على هيمنتها على أوروبا، تحت ذريعة حمايتها من الغزو الشيوعي للاتحاد السوفيتي. وبالمقابل شكل الاتحاد السوفيتي حلف وارسو بحجة حماية نفسه من العدوان الغربي الرأسمالي. وهكذا انقسم العالم بين المستعمرين إلى المعسكر الغربي والشرقي.

 

دامت النزاعات الاستعمارية اللاحقة تحت فكرة "إنهاء الاستعمار". تآمرت أمريكا والاتحاد السوفيتي لغزو واحتلال مستعمرات الدول الاستعمارية الأخرى باستخدام هذه الفكرة. والعديد من البلدان في المستعمرات السابقة أعطيت ألواناً زائفة من "السيادة" و"الاستقلال"، وأصبحت ساحة معركة بين المستعمرين مرة أخرى. وانتقل المستعمرون إلى نوع جديد من الاستعمار بربط هذه الدول بأنفسهم من خلال معاهدات مختلفة وهذا ما يسمى "الاستعمار الجديد".

 

وفي نهاية القرن العشرين انهار الاتحاد السوفيتي، فانتقلت دول أوروبا الشرقية التي كانت تحت نفوذه إلى نفوذ أمريكا. وأصبحت جمهوريات الاتحاد السوفيتي دولاً "مستقلة" وصارت منطقة متنازعا عليها بين روسيا وأمريكا وأوروبا.

 

أوكرانيا هي إحدى هذه الجمهوريات. ومع ذلك، فإن الوضع في أوكرانيا يختلف عن الوضع في آسيا الوسطى. إنها ليست دولة من دول العالم الثالث، بل من دول العالم الثاني. لأنها قبل كل شيء، دولة في أوروبا وثانياً دولة نصرانية وثالثاً تم تطوير اقتصادها. ولذلك كان موقف المستعمرين تجاهها خاصا لها. لقد انتقلت أوكرانيا تحت تأثير أمريكا بعد الثورة البرتقالية عام 2004 وأحداث الميدان الأوروبي اللاحقة. لكن روسيا لم تتركها وشأنها. إن غزو ​​روسيا اليوم هو استمرار لتلك اللعبة. إذن هذا في الواقع صراع على النفوذ بين الإمبراطوريتين الأمريكية والروسية.

 

مع بداية القرن الحادي والعشرين، ابتكرت أمريكا طريقة جديدة للاستعمار، وهي "محاربة التطرف والإرهاب". ظلت أمريكا دولة أولى في العالم منذ الحرب العالمية الثانية. وهي تعتبر نفسها المدافع عن الرأسمالية تحت ستار الديمقراطية في العالم وزعيم النظام الرأسمالي العالمي. ولهذا اخترعت رواية "التطرف الديني" و"الإرهاب الدولي" لمنع الإسلام من الإطاحة بالديمقراطية والرأسمالية العالمية وأخذ مكانها، وشنت حرباً على الإسلام والمسلمين، كما استخدمت هذه الأفكار للاستيلاء على مستعمرات الآخرين. والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق وقمع الربيع العربي والمؤامرة في سوريا كلها أمثلة حية على ذلك.

 

كل القوى الاستعمارية وشعوبها اتبعت أمريكا في الصراع ضد الإسلام والمسلمين، لأنهم كلهم من الكفار. قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، ومع ذلك فإن هؤلاء المستعمرين يعارضون بعضهم بعضاً في نزاعاتهم الاستعمارية المتبادلة.

 

وعلى الرغم من أن الكفار متحدون في الصراع ضد المسلمين، إلا أنهم أعداء فيما بينهم في السعي وراء المنفعة المتبادلة. والآن هؤلاء الكفار الذين يتهمون المسلمين بالإرهاب يتهمون بعضهم بعضاً بالإرهاب في أوكرانيا.

 

كما هو معروف من التاريخ كما أسلفنا، فمنذ ظهور الرأسمالية تعرضت شعوب العالم للقمع بسبب الاضطهاد الاستعماري. حفنة من المستعمرين الرأسماليين تسحق سكان العالم كله - سواء من المسلمين أو غير المسلمين. إن الإسلام فقط هو الذي يستطيع القضاء على الرأسمالية المخبأة تحت ستار الديمقراطية، وإن دولة الخلافة هي التي ستطيح بالقوى الاستعمارية. لذلك يجب على المسلمين أن يتعمقوا في دينهم، وينشطوا من أجل إقامة دولة الخلافة التي تطبق الإسلام في الحياة كما وعد الله تعالى وكما بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم. إن وعد الله قريب بالنسبة لهم: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً﴾.

 

 

كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

عبد الحكيم كاراهاني

رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في قرغيزستان

 

 

وسائط

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع