الأربعاء، 23 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

 

مهرجان موازين وأمثاله من الفعاليات الماجنة

رقصٌ على جراح الأمة المكلومة

 

 

 

بمجرد الإعلان عن انعقاد مهرجان موازين في نسخته الـ19 ما بين 21 إلى 29 حزيران/يونيو 2024، ضجت مواقع التواصل الإلكتروني برسائل الاستنكار والغضب، وانتشر هاشتاج #لا_ترقص_على_جرح_إخوانك، وبدا واضحاً أن الغالبية العظمى من الناس ناقمة على الدولة التي تصر على عقد هذه الفعالية الماجنة في ظل ظرفين استثنائيين:

 

  • الحرب الدموية المجرمة على غزة، ومناظر القتل والأشلاء التي تتفطر لها قلوب الناس العاديين فضلاً عن المخلصين،
  • الضائقة المادية الشديدة التي تعصف بالناس في ظل موجة الغلاء التي أصابت كل شيء، وجعلت الفقر والضنك حالة مزمنة يكتوي بنيرانها الكل.

منذ بدء هذا المهرجان سنة 2001، وفي كل سنة كان ينعقد فيها، كانت الأصوات تتعالى مستنكرة الإنفاق الباذخ على التنظيم والأجور العالية التي تدفع إلى ما يسمى الفنانين [كشفت مصادر إعلامية أن أجر المغنية الأمريكية ماريا كاري التي شاركت في مهرجان 2012 بلغ 830 ألف دولار، في حين بلغ أجر المغنية الكولومبية شاكيرا 772 ألف دولار (مقابل وصلة غنائية لمدة 30 دقيقة)، وبلغ أجر المغني البريطاني إلتون جون 594 ألف دولار، وذلك في دورات سابقة من المهرجان]، وفي كل مرة، كان المسؤولون إما يتهربون من الإجابة أو يدعون أن داعمي المهرجان هم من القطاع الخاص، وأن الإنفاق لا يتم من المال العام. ولكن الكل يعلم أن جزءاً كبيراً من الإنفاق هو قطعاً من المال العام، وأن حتى مساهمات القطاع الخاص إنما هي نتيجة للضغط الذي تمارسه الدولة على هذه الشركات، ولو خُيِّروا لما فعلوا، أو على الأقل ليس بهذا السخاء.

 

وفي هذا العام، وأمام هذا الارتفاع الصاروخي للأسعار ولتكلفة المعيشة، كان آخر ما ينتظره الناس أن يروا أموالهم تدفع في هذه التفاهات، ففي وقت ارتفعت أسعار المواد الغذائية بما يقارب الضعف أو يزيد، والحديث دائر عن رفع ثمن قنينة الغاز، كان المفروض أن تكون الدولة أحرص ما يكون على أي درهم بيدها، وألا يُنفق إلا فيما يجدي نفعاً، أو يفرج عن مكروب.

 

هذا عن غلاء الأسعار، أما أحداث غزة، فليس من أحد إلا وقلبه يتفطّر لمناظر دماء إخواننا وأشلائهم المتناثرة. إن ذوي الفطر السليمة يتحرجون من المتع المباحة، ومن تناول أبسط الأطعمة، بل ومن مجرد النوم على فراش مريح، وهم يرون إخوانهم لا يأمنون على أنفسهم، ولا يجدون كسرة خبز يسدون بها جوعتهم، فكيف تطيب نفسٌ بالرقص والغناء والتمايل؟! وكيف تطيب نفوس من يشاركون في تنظيم هذا وهو يبذرون أموال الأمة، ويهيئون لأبنائها لهوا محرماً يغرقهم في الإثم ويصرفهم عما خلقوا له؟

إن المتابع للأمر لا بد أن يستغرب إصرار الدولة على عقد هذا المهرجان 19 مرة في ظل هذا الاستنكار الشعبي الواسع له، فماذا تجني الدولة منه؟ وما هو هذا الهدف الاستراتيجي الذي يجعلها تفضل الاستمرار في عقد المهرجان والإنفاق عليه بسخاءٍ حتى وإن أدى إلى استعداء الناس؟

 

والسبب يعود في نظرنا إلى الأمور التالية:

 

  • مسؤولو الدولة في وادٍ، والأمة في وادٍ آخر. أما من حيث الإحساس بوطأة الفقر وغلاء المعيشة فمعظمهم نتيجة ارتفاع أجورهم واتساع امتيازاتهم لم تلسعهم نيران غلاء المعيشة إلا لماماً. وأما من حيث التفاعل مع أحداث غزة، فحتى من يحنّ لحالهم مقتنع أنه لا يملك لهم شيئاً، وأن عقد المهرجان أو إلغاءه لن يغير شيئاً في أوضاعهم، فَلِمَ الإلغاء إذن؟
  • معظم مسؤولي الدولة غربيو الهوى، فهم يستمتعون فعلاً بحضور هؤلاء المغنين، لذلك فهم يُحضرونهم لمتعهم الشخصية، ويستغلون تحكمهم في هذه الميزانيات لإرضاء نزواتهم،
  • إلهاء الناس غاية استراتيجية مقدسة، تنفق الدولة عليها بسخاء، وتُجلب على ذلك بخيلها ورجلها، فأي نشاط تافه غير منتج ويستطيع جذب أكبر عدد من الناس هو نشاطٌ مُرحَّبٌ به، بدءاً من مباريات كرة القدم والزخم الفظيع الذي يحيط بها، ومهرجانات الضحك والمسابقات والمهرجانات الغنائية ومسابقات الطبخ، والمهرجانات السينمائية ومهرجانات الرقص، وانتشار ظاهرة المؤثرين الساقطين في وسائل التواصل الإلكتروني،... والقاسم المشترك بين هذه كلها هو التفاهة وقتل الجدية في نفوس الناس وإشغالهم بالسفاسف. إن صرف الناس عن الاهتمام بالدين والاشتغال بالسياسة، بل وبالعلم النافع هو هدف استراتيجي، لأن ارتفاع مستوى الجدية عند الناس سيوصلهم بسرعة إلى الوقوف على مدى فساد حكامهم وضرورة العمل على تغييرهم، وهذا أخشى ما تخشاه الأنظمة.
  • إفساد الذوق العام ونشر الفاحشة وتجريء الناس على الاستهتار بالأحكام الشرعية هدف مقصود. إن الحرب على الإسلام وأفكاره ومقاييسه لم تعد سراً ولا أمراً خافياً، فالقاصي والداني يعلم ذلك ويقف عليه واقعاً وأثراً بشكل عملي. ولو لم يكن لهذا المهرجان إلا تشجيع الاختلاط المحرم، وتشجيع المجون، والاستهتار بحرمة الأعراض فإن هذا يكفي لإدخاله في أجندة النظام. تسير الدولة في هذا المخطط منذ زمن، وتسلك في ذلك دروباً متعددة (أحدها التغيير المرتقب لمدونة الأحوال الشخصية)، وتهدف من وراء ذلك بشكل واضح إلى صرف الناس عن اتخاذ الإسلام مقياساً لأعمالهم وجعلهم يتبنون فكرة الحريات بدلاً عنه وتحويل مفهوم السعادة عندهم من كونه نوال رضوان الله إلى جعله هو الانغماس في المتع والشهوات الجسدية، وكل هذا كي تسهل تغلغل العلمانية في نفوس الناس حتى توصلهم إلى مستوى لا يرون فيه أي حرج أن تكون كل القوانين المنظمة لتفاصيل حياتهم مستنبطة من خارج الشرع.
  • مخطط الإفساد الذي تندرج تحته أمثال هذه المهرجانات ليس عملاً محلياً نابعاً من بنات أفكار المسؤولين عندنا، وإنما هو مخطط عالمي عابر للحدود تقف وراءه جهات أمريكية وأوروبية نافذة، ويستهدف المسلمين بشكل خاص، بوصفهم آخر عقبة تقف في وجه الفكر الغربي العلماني بعد أن انهارت كل المبادئ والمجتمعات أمامه شرقاً وغرباً. نعم، لم يعد للفكر الغربي من عدو فكري يصارعه إلا مبدأ الإسلام، ويدرك الغرب أنه لا يقوى على هزيمة هذا الفكر العقائدي، لهذا هو يتجنب منابذته في ساحة الفكر لأنه سيكون هو الخاسر حتماً، وبدل ذلك يلتف عليه عن طريق صرف الناس عنه إلى الشهوات.

هذه هي أسباب إصرار الدولة على هذا المهرجان وأمثاله، وهي أسباب كلها ليس للخير والصلاح والحكمة فيها أدنى نصيب، وكلها تدل على أن حكامنا يتآمرون علينا مع أعدائنا، وأنهم ليسوا منا وإن تكلموا بألسنتنا وعاشوا بيننا، فهم بين منضبع بفكر الغرب تابع له، وبين مستفيد راتع فيما حرم الله.

 

أما الحل، فما نخاله عاد يخفى على أحد؛ خلافة راشدة على منهاج النبوة على أنقاض هؤلاء، تجتثُّهم من جذورهم، وتُحِلُّ محلهم رجالاً، يحبون الله ورسوله، ويحبهم الله ورسوله، يُحَكِّمون شرع الله ويُبطلون ما سواه.

 

واعلموا أن الأمر ليس أماني وأحلام يقظة تداعب الخيال، وإنما وعد الله ورسوله، يؤيده واقع محسوس يتجسد في عمل حزب جدي لم ينقطع عن العمل في الأمة ومن خلالها منذ عقود، ففتح الله له قلوب الناس، حتى عاد صيت ثمرة عمله يملأ الآفاق، ويوشك الله أن يفتح له قريباً، قلوب أهل القوة والمنعة في الأمة، فيؤتي العمل أكله ويفرح المؤمنون بنصر الله، فأدركوا أنفسكم بالعمل معه قبل أن يفوت الأوان، قال تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾.

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

محمد عبد الله

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع