الأحد، 05 رجب 1446هـ| 2025/01/05م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • كٌن أول من يعلق!

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

اللحظات الأخيرة من مخاض الأمة

 

 

إن الأمة اليوم تمر في أدق المراحل في تاريخها المعاصر، وذلك بتداعي المستعمرين بقيادة أمريكا عليها. وأمام هذا الواقع نجد الأمة في حالة من السكون أثار اهتمام وربما قلق أوروبا، فدفعت بمفكريها ورجالات السياسة المخضرمين فيها لدراسة ومعرفة ما ينطوي عليه حال الأمة الإسلامية، وهذا السكون وإن كان ظاهره الانتظار المصحوب بالمرارة، إلا أن باطنه غليُ مِرْجَلٍ. ولكن الأمر لا يخلو - وكما هي حال الأمم - من يائسين أو مرجفين، امتازوا بقصر النظر، وسطحية التفكير، واستغرقوا في الحسابات المادية دون أن يلتفتوا إلى جوانب القوة الكامنة في الأمة وعناصر الضعف الكامنة في أعدائها، بل لم يلتفتوا إلى نواميس الكون وسنن الله في الأمم.

في الأزمات ولحظات الشدة تتجلى مواقف القيادة الحقيقية المنبثقة من الأمة المعتزة بدينها، فالرسول ﷺ:

 

-    نراه يجيب عمَّه عندما ضيقت عليه قريش الخناق «لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي شِمَالِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يُظْهِرَهُ اللهُ أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ مَا تَرَكْتُهُ»، فالرسول ﷺ هنا يمثل الثبات، والصبر والجلد، والإصرار على الحق، والإقدام، والاستعداد للتضحية استعداداً صادقاً يلمسه الناس فيه.

 

-    ونراه المقاتل في بدر يبث العزيمة والهمة في نفوس أصحابه ويدعو لهم ويلح في الدعاء.

 

-    ونراه يقود المسلمين في غزوة تبوك فيقطع الصحاري معهم لقتال الروم في بلاد الشام بعد أن سمع بإعدادهم لغزو المدينة، وهو ﷺ بذلك يجسد القدوة والنموذج القيادي الذي يحتذى.

 

-    ونراه يشد عضد أصحابه في غزوة الأحزاب، حيث بلغت قلوبهم حناجرهم وزلزلوا زلزالاً شديداً، فيبشرهم بالنصر قائلاً: «لَنْ تَغْزُوَكُمْ قُرَيْشٌ بَعْدَ عَامِكُمْ هَذَا، وَلَكِنَّكُمْ تَغْزُونَهُمْ»، وهنا تتمثل القدرة على استغلال عناصر القوة في نفوس الناس فيبعثها فيهم فيجنبهم الهزيمة والانتكاس، ويبصرهم بعناصر ضعف أعدائهم ويقودهم لاستغلالها.

 

هذا غيض من فيض من سيرة قدوتنا وأسوتنا ﷺ، الذي كان نعم القائد. فهل عدنا لها لنترسم خطاه وبخاصة في لحظات الشدائد والأزمات؟

 

إن الأمة اليوم تفتقد القيادة الحقيقية، ولا نجانب الحق والصواب إن قلنا إنها اليوم تعاني من فراغ قيادي. ألا ترون معاشر المسلمين أن حكامكم يمضون حياتهم في العمالة للكافر المستعمر، والتسلط على أموالكم ومقدراتكم؟ ألا ترون أنهم لا يستحيون من الإعلان بأعلى أصواتهم أنهم أذلة لا يملكون من الأمر شيئاً، اللهم إلا الاستجداء، وأنهم يجعلون للكافرين عليكم سبيلاً؟

 

فنرى الشبيحة اليوم قد أخذوا ضوءاً أخضر من الدول الغربية، وعفواً من الحكومة الحالية، ما جعلهم يزدادون ببطشهم وغيهم ومطالبتهم الوقحة! وكل هذا يأتي في مرحلة المخاض.

 

ومرحلة المخاض التي نعيشها اليوم تأتي بفضح النهايات لكل من ادعى أنه من حملة الدعوة أو من دعاة إقامة شرع الله في الأرض. وأيضا فضح كل من يختبئ وراء نفسه بما فعله سابقا بقوله إننا كنا مغلوبين على أمرنا وأن النظام هو الذي كان يضغط على الجميع. اليوم عادت ساحات الحرية على غير ما نشتهي، ولكنها فاضحة لكل من في مكنون نفسه الخيانة والعمالة للغرب، وأطماعه الظاهرة التي اختبأ وراءها وفعل الأفاعيل مع النظام، واليوم مع نهاية النظام يتبرأ من هذه الأفاعيل فتفتح الساحات أمامهم فيخرجون كل مكنونات أنفسهم دون ضغط. فمن أراد أن يطبق الإسلام فإنه يلتزم الحكم الشرعي بالاستمرار بالعمل طالما أن هذا النصر الذي أتى من الله لم يخلص به إلى الله في نتائجه، فالله سوف يتركه للناس، وستنقلب الآية عليهم آجلا أو عاجلا، ونتمنى أن تكون الأمة واعية. وعلى الواعين من الأمة اليوم أن يتحركوا ضمن ما يمليه علينا الشرع، ولو كلفنا ذلك ما كلفنا فنحن اليوم مطالبون بوعينا السياسي أن نأخذ بيد الأمة نحو ما يرضي ربنا سبحانه، ونتحمل كل أعباء المرحلة طالما أننا ملتزمون بالحكم الشرعي.

 

إن الحال اليوم تعبر فعلا عن مرحلة المخاض بخروج الدماء والتلوث وظهور الأوساخ، وكل هذا تنظيفا لمرحلة الولادة التي نسأل الله أن تكون قريبة، وأن نكون مخلصين لله لكي نكون من أهل تلك المرحلة إن شاء الله.

 

لذلك، وإن كان يؤلمنا ما يحدث ويؤلمنا ما نراه من إعادة كيان النظام القديم إلى ساحاته، ومن العفو الذي لا يستحقونه بعد أن قتلوا وذبحوا واغتصبوا وكفروا ومارسوا كل ما هو غير بشري، فإن هذا العفو سينقلب على أصحابه لأن العفو في غير مكانه جريمة.

 

أما عن أطياف العلمانية مما يسمى مجتمعا مدنيا وغيره، فهؤلاء اليوم يظهرون على حقيقتهم وهم ليسوا أكثر من قذارات يلفظها رحم هذه الأمة لتلقى مع سقط المتاع فيهيئ الله لنا ولادة شرعية نظيفة على منهاج النبوة، لتكون نظيفة في بنيانها الداخلي، حتى نستطيع الوقوف أمام ذلك الطوفان.

 

إن ما يحدث يؤلمنا، ولكن يجب أن لا يضعنا في حالات اليأس ويجب أن يضيء لنا شعلة العمل والالتزام بما نص عليه كتاب الله وسنة رسوله.

 

فمن صفة الواعين سياسيا أن يديروا الدفة كما أمر الله ملتزمين بالحكم الشرعي، وعيننا على الأمة للأخذ بيدها وتصحيح البوصلة لها، فهذه الأمة المسلمة مخلصة ولكن ما طبق عليها جعل في آلية تفكيرها شيئا خاطئا حيث ترى الواقع، وتجعله مصدرا للتشريع، فتخطئ اليوم بربطها أو تحليلها، لأنها وإن كانت تحمل عقيدة صحيحة لكنها غير مطبقة، أي أنها تعلم أن كل شيء بيد الله، ولكنها تخاف من قوى الغرب وأساطيلهم وقوتهم ورجالاتهم، وتخاف من الخونة والمرجفين، فتقنع نفسها بأن من يسوسها يجب أن يكون ذا وجه براغماتي يداهن ويحفظ ماء وجه الدولة على حد زعمهم، وذلك بقلب الحقائق والكلمات التي لا ترضي الله بأن يصبروا فالقادم سيكون أفضل في ظل دولة مؤسسات تحكم بالعلمانية، وهم يتكلمون عن الرخاء الذي سيصيب البلاد، هذا الرخاء الذي يشرطه الغرب مقابل أن تعيش ذليلا تابعا مرهونا لتلك الدول، لذلك نجد الغرب بعد أن تمكن من ركوب الموجة والقبض على مفاصل النصر الذي وهبنا إياه الله، بدأ يعيد الدولة العميقة بطريقة بطيئة مع جس نبض الأمة، وهذا ما فعلوه حينما كبروا ما حدث في سوريا من إجرام عبر سجونها وهو واقع لا ننكره، ولكن الإعلام أخذ فيه الشيء الكثير، وهذا كان مدروسا لكي لا ننظر لما يحدث على الساحة من تجهيز الحكم، ونقبل بأن نعيش ضمن دولة تحترم الرأي الآخر، وهذا بالنسبة لمن يروجون لهذه الفكرة إنجاز عظيم.

 

وللأسف تناسوا أننا مأمورون من رب العالمين بأن نقيم حكم الله في الأرض وألا نتوانى عن ذلك وأن الله سينصرنا حينما نطبق أوامره ولا نخاف تلك القوى وأمرنا أن نخافه هو سبحانه.

 

إن المكر الذي يمكرونه اليوم سينقلب عليهم، وسيعلمون مع قادم الأيام أن ما تم فعله هو سرقة للثورة ولم نحقق من هذه الثورة أي شيء، وسيعود أركان النظام بغياب رأسه وجزاريه المشهورين ويبقى نظامه كاملا كما كان، ويهيئون لهذا عن طريق ما يلي:

 

أولا: العفو العام الذي يروج له، وقد يصدر على نحو رسمي غدا بأنه سيعفى عن كل إنسان من الطرفين سواء من المعارضة أو من النظام مع استثناء قوائم معينة، ترفع للإنتربول ويُبْحَث عنهم داخلا وخارجا.

 

ثانيا: البدء بمؤتمر حوار وطني يجمع جميع الأطياف، ومفرزات هذا الحوار بإعادة دولة المؤسسات وطرح دستور سوريا الجديدة وهو جاهز، ولكن الظروف لا تسمح أن يظهر الآن كما كتب وإنما سوف يمهد له بأن هناك لجنة من لقاء من المؤتمر الحوار الوطني هي التي سوف تدقق بنود هذا الدستور، وتوافق عليه لأن من أهم بنود هذا الدستور أن الشريعة الإسلامية ليست مصدرا للتشريع.

 

ثالثا: مفرزات مؤتمر الحوار الوطني حل مجلس الشعب، وكذلك جميع مجالس المحليات، ويتم الاستعجال بالدستور أو وضع آلية انتخابات تبدأ من المحليات وصولا إلى مجلس النواب، وهذا سوف يحدد فيه التوزيع الطائفي في البلاد.

 

رابعا: بعد الانتخابات المحلية والبرلمانية يسمح بالترشح لرئاسة البلاد، وتجرى انتخابات على هذا المضمار.

 

وفي الوقت الذي تتم فيه هذه الإجراءات هناك أمور أخرى تهيئ لهم امتلاك الساحة دون أن ننبس ببنت شفة:

 

١- سحب السلاح من الفصائل جميعها أولا ويمنع حمل السلاح أو اقتناؤه تحت مسؤولية القانون للسجن مدة كذا؛ وبذلك يضمن انتهاء الحالة العسكرية التي كانت موجودة سابقا.

 

٢- حل الفصائل كافة ابتداء من هيئة تحرير الشام إلى أصغر فصيل، ويمنع ضمن القانون تشكيل أي تجمع غير رسمي، ورسميته تأتي من ترخيص ضمن الدولة سواء أكان حزبا أو جماعة أو تجمعا.

 

٣- إعادة القبضة الأمنية بشكل يضمن للغرب حماية ما سوف ينشئه في سوريا إلى زمن بعيد.

 

٤- ضمان عودة الإسلاميين إلى حالة الإسلام الكهنوتي، وسيضمن لهم ممارسة شعائرهم الدينية كما يضمن ممارسة شعائر الطوائف الأخرى سواء بسواء.

 

وهناك أمور كثيرة لكن كلها تصب في إعادة النظام القديم برمته مع تبديل بعض الأوجه التي تعتبر بديلا مرضيا، منفذة وخاضعة لقراراتهم، ضامنة لـ(حقوق) كيان يهود وضمان حدوده وضامنة لتأمين مصالح أمريكا في المنطقة على أكمل وجه، فاتحة ذراعيها إلى كل عملاء المنطقة وتصبح سوريا مرتعا ومصنعا لهم، حتى يقدم الرفاهية للشعب السوري التي تسلبه دينه.

 

هذا ما يمكره الغرب، ولكننا نقول للجميع إننا التزمنا بالحكم الشرعي وعملنا على أن لا نتنازل عن ديننا، ونعمل لتحقيق بشرى رسولنا الكريم ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ».

 

لذلك نهيب بكل أهل القوة وبكل مخلص واع أن يلتزم حكم الله فإننا على أعتاب أن يتم الله نوره فلا نكون من الذين خسروا الدنيا والآخرة ولا نكون من الذين سيستبدلهم الله.

 

بل نعم الجاهدون على أن نكون من الذين يعلون كلمة الله، ونكون من الذين يستخلفهم إن شاء الله، ونرفع راية العدل، ونستأنف الحياة الإسلامية كما أرادها الله.

 

إنه لا حل إلا بالعمل مع المخلصين من أبناء الأمة الساعين لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستعمل بإذن الله على إزالة سيطرة الكفار وقطع نفوذهم واقتلاع كيان يهود من قلب الأمة، فالأمة التي أنجبت قيادات كخالد وأبي عبيدة وسعد ونور الدين وصلاح الدين وقطز وبيبرس ما زالت ولادة، وما زال بين الرجال وفي أصلابهم من سيأتي ليعيد لها عزتها وكرامتها ورفعتها، ومهما اشتدت الظلمة واشتد الكرب، فإن الله عز وجل سيخرج من رحم الظلام فجراً تشرق به الوجوه وتسر به النفوس ويفرح حينها المسلمون بنصر الله.

 

﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

دارين الشنطي

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع