الإسلام الحركي في المنظور الأميركي: صحّ النوم!
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
بقلم الإعلامية ماريا معلوف
منذ أن أخذت رياح "الربيع العربي" تنهش في لحم الأنظمة التي آن أوان خريفها، بدا المشهد جميلاً إلى درجة كان يصعب معها تصديقه. ذلك أن حقيقة قيام شعوب عربية مسحوقة لمواجهة ساحقيها، كان، حتى قبيل إندلاع الحدث بأيام، نوعاً من الخيال الذي يحلّق بألف جناح وجناح من دون أن يجد من يصدّقه.
المهم أن ما جرى قد جرى، وهوى العرش التونسي مفاجئاً الجميع، من دون أن تشفع له ربطة عنقه، ثم تبعه اندثار جماهيرية "المفرد" في ليبيا وغرقها في بحور من الدماء لم تنتهِ إلا كما تنتهي الأفاعي، بإعدام رأسها، وتدحرجت حجارة "الهرم" المصري الرابع الذي كان يُظنّ أنه لا يحرق ولا يغرق، فأمسك "ميدان التحرير" برأس حبل الوضع المستجد الذي لم يتبيّن قراره حتى اليوم، وقامت سورية فخلعت رداء التفرّج على حروب الشرق الأوسط وإلقاء المحاضرات الوطنية، لترتدي، في غفلة من "المخابرات" المهابة، بزّة القتال والثورة على النظام، ولتفتح مدنها وأريافها وزواريبها العميقة لتراكمات الضحايا والأشلاء.
وفي غفلة من هذا جميعاً قفز الإسلام السياسي فجأة إلى المشهد ليسيطر على بوصلة الأمة العربية - مصر في حركة :انت أشبه بما يفعله الساحر في السيرك... وتجاوبت أصداء الضحكات الملتحية في مختلف أوصال "الربيع" الذي باتت نسبته أوجب لحركات الإسلام السياسي منها للقومية وللعروبة. وسرعان ما قويت شوكة السلفيات الإسلامية وكشفت عن وجوهها العارية متحررة من مخاوف طبعت تاريخها، وظهرت كأنها "أم العروس" في البلاد التي قُوّضت حكوماتها، من تونس إلى ليبيا فإلى سورية التي اختلط فيها حابل المعارضات بنابلها، وقبل الكل في مصر التي دخلت "بالرجل اليمنى" مرحلة الإستعداد لزمن إسلامي يقودها فيه رئيس من هؤلاء الملتحين الذين لطالما وُصفوا بالأصولية والتشدد، وكانوا، منذ أيام عبد الناصر، بعبع حكومات مصر وعدوها الألدّ.
أمام هذه الخريطة السياسية الجديدة المقبلة على شرقنا المضطرب، يقطع علينا استرسالنا السؤال الكبير عن المستقبل المنظور لهذه المنطقة، في وقت يقوم كُثرٌ بتصوير حركات الإسلام السياسي وكأنها المعوَل الذي تحرّكه اليد الأميركية لهدم الكيانات السياسية وإقامة بدائل متأمركة لها.
فهل إن أميركا هي فعلاً العامل الخفي الذي أطلق هذه الحركات الإسلامية من عقالها، أم أنه ليس ما بين واشنطن وهذه الحركات إلا ما صنعه الحدّاد؟
الحقيقة أن قادة الغرب عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص، لا يجدون كبير فرق بين مسلم متشدد هنا ومسلم متشدد هناك... ويعتبرون الإسلام الحركي بالتالي خصماً معلناً وهدفاً مشروعاً، ليس في أفغان طالبان فحسب، بل في كل ألوان "الأفغان"، عرباً وغير عرب.
إلى ذلك فإن وجهة النظر الأميركية، وهي الوازنة في العالم اليوم، لا ترى إلى حركات الإخوان المسلمين عموماً إلا بعين حمراء، وذلك بصرف النظر عمّا تقودها إليه أحياناً إليه سياسة توجيه الاضداد نحو الأضداد. وهي نجحت، قبل الآخرين بزمان، في التمييز بين الإسلام التركي أو الخليجي من جهة، وإسلام "حماس" أو طالبان أو جماعة "لشقر طِيبة" الإسلامية الباكستانية المتطرفة من الجهة الأخرى. بل وأكثر من هذا، فإن حلقة دراسية حديثة لـ"مركز السياسة الأمنية" في واشنطن نُشرت تحت عنوان "العدو في الداخل"، خلصت إلى أن "الإسلاميين المرتبطين بجماعة الإخوان المسلمين وغيرها من الجماعات المماثلة، يعملون لتقويض الحكومة الأميركية من خلال ما يسمّونه "جهاد الحضارة" الذي يهدف لفرض الشريعة الإسلامية في أميركا".
وبدورها اشارت صحيفة "واشنطن تايمز" الأميركية في هذا الصدد إلى أن موضوع إحدى حلقات الدراسة هو "التعامل مع تهديد لا يدرك معظم الأميركيين أنه موجود، رغم أنه قائم في بلادنا، ناهيك عن درجة الخطر الذي يشكله... ويتمثل هذا التهديد في العقيدة الإسلامية الشمولية المتفوقة التي يطلق عليها أنصارها (الشريعة). فالتهديد الذي يشكله الإسلام السياسي يدور في الأساس عن السلطة وليس عن الإيمان... ويهدف إلى تدمير الحضارة الغربية من الداخل".
هذا الكلام الاميركي الذي لا ينقصه الوضوح ولا الصراحة، يعني أول ما يعني ببساطة واختصار أن المستقبل المنظور في منطقتنا سوف لن يكون "ربيعاً" للحركات الإسلامية الصاعدة إلى كراسي الحكم، لا في مصر ولا في غير مصر. واللبيب يفهم من الإشارة.
أما في غزة، فالأجدى لـ "حماس" أن تستعد لتنازلات ذات معنى لصالح القيادة الرسمية لمنظمة التحرير، إذا أرادت أن تكون شريكاً ممكناً.
ويبقى الوضع في سورية حيث يستفيد نظام الرئيس الأسد من النشاط "القاعدي" بأكثر مما يستفيده من الدعم الإيراني ربما.
فبعبع التطرّف الإسلامي الذي طالما خوّف الغرب، كفيل بدفع الغرب إلى التفكير ألف مرة قبل أن يقدم على التخلّي عن النظام السوري القائم. لكن هذا حديث آخر لوقت آخر.