مركز 'راند' الأمريكي:الإسلام 'المعتدل' بمواصفات أمريكية! هل هو الحل؟
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
في سياق التوجه الأمريكي المناهض للإسلام والمسلمين، خاصة بعد أحداث سبتمبر 2001، أصدرت مؤسسة "راند" الأمريكية - إحدى أهم المراكز البحثية - التابعة للقوات الجوية الأمريكية، التي تدعمها المؤسسة السياسية الأمريكية، وتبلغ ميزانيتها السنوية قرابة 150 مليون دولار، تقريرا مفصلا، يحدد ما يمكن تسميته من وجهة النظر الأمريكية المسلمين المعتدلين، وغير معتدلين، أو التيار الإسلامي المتطرف (المتشدد)، والتيار الإسلامي المعتدل.
وجاء التقرير أو "السيناريو" المثير الصادر عن المؤسسة، في ربيع هذا العام (2007) بعنوان: "حرب باردة لاحتواء المد الإسلامي! شبكة دولية من المسلمين المعتدلين بمواصفات أمريكية!"، والذي يقع في 217 صفحة، وفي عشرة فصول, ومذيل بتوصيات مهمة.
سيناريو استغرق إعداده ثلاث سنوات من العمل والدراسة والتحليل، وهو ما يؤكد خطورته، حيث لقي اهتماما زائداً لدى الدوائر السياسية والإعلامية الأمريكية، خلافا للدوائر العربية والإسلامية، وقد جرى استعمال بعض نصوصه وأفكاره في مساجلات سياسية في واشنطن في أوج الخلافات القائمة بين الجمهوريين والديمقراطيين، حول السياسة المتبعة حاليا في الشرق الأوسط.
أكثر ما يشدد عليه التقرير هو ظاهرة انتشار "الراديكالية الإسلامية"، وتمكنها من العقول الشابة المسلمة، وهي بالطبع ظاهرة تُزعج الإدارة الأمريكية، من خلال تيار المحافظين الجدد، المهيمن على كل شيء، بداية من المال وانتهاء بالأفكار، والتي ستجد عنتا شديدا في إقناع العقول المسلمة بأفكارها الليبرالية المناهضة للراديكالية.
ومن ثم، فإن "حرب الأفكار" ليست بالحرب السهلة؛ بل هي حرب في غاية الصعوبة من وجهة نظر مؤلفي التقرير. والسؤال المطروح الآن هو: كيف يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تتفاعل مع التحديات والفرص التي تفرضها الساحة المسلمة اليوم؟
التقرير يؤكد على فكرة أساسية، أن الصراع القادم, ليس صراعا عسكريا أو أمنيا، بل هو صراع فكري.. له أدوات وأسلحة جديدة!
وبلا ريب، فإن الاستعانة بمحللين ومفكرين وكتّاب وسياسيين، يتبنون موقفاً عدائياً واضحاً من "التيار الإسلامي" غير المهادن، من قبل البيت الأبيض أو الكونغرس أو الإعلام الأمريكي، يوحي بميول ما في تبني سياسة محاصرة الإسلاميين المعادين للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية.
التقرير في عمومه، تجاهلته وسائل الإعلام العربية والإسلامية, ولم تهتم به إلا قلة من المؤسسات البحثية، منها على الخصوص "المركز العربي للدراسات الإنسانية", الذي قام بجهد كبير في ترجمة التقرير ونشر ملخص له وإجراء دراسة معمقة حوله.
ويكتسب تقرير( راند) أهمية كبرى لاعتماده على معلومات دقيقة ووجود فرع نشط للمؤسسة بالمنطقة العربية، إلى جانب ارتباطها بعلاقات ومشروعات بحثية مع وكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي, وكذا مساندة بعض المراكز الفكرية اليمينية لمثل هذه الدراسات, هذا إلى جانب فشل الإدارة الأمريكية في المنطقة, ورغبتها في الخروج من المأزق الحالي.
في العالم العربي والإسلامي لا تحتاج الإدارة الأمريكية أو من يتابع هذه الحالة إلى دراسات واستقراءات كبيرة، فحجم العداء لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية، بسبب الجرائم التي تقترفها يوميا في الكثير من أجزائه، تضاعف مرارا وانعكست صوره في حدة المواجهات والضحايا البشرية التي تروح فيها، والتي تغذي أكثر فأكثر روح العداء والكراهية والمقت لها ولكل ما تقوم به، وتثير حتي الحجر الجامد ضدها، كما وصف ذلك أحد الكتاب.
يبدأ الفصل الأول من التقرير بمقدمة تمهيدية، يصف فيها واقع العالم الإسلامي من ناحية دور المسجد في المعارضة السياسية، وعدم تمكن التيار العلماني من استخدام هذا المنبر من أجل التعريف ببرامجه, ويؤكد أن احتواء المد الإسلامي، لا يكون إلا بإدارة صراع فكري, يقوم علي إيجاد فريق من أعداء التيار الإسلامي داخل العالم الإسلامي ليقوم بهذه المهمة.
فالمقدمة، تعتبر ضمن هجومها على التيار الإسلامي "خطورة دور المسجد"، باعتبار أنه (المسجد) الساحة الوحيدة للمعارضة الحقيقية؛ ولذلك يدعو لدعم "الدعاة الذين يعملون من خارج المسجد".
فمساعدة المسلمين "المعتدلين" و"الليبراليين" على توصيل أصواتهم إلى بقية المجتمعات المسلمة من خلال خلق شبكات ضخمة تتحدث بلسانهم وتعبر عن أفكارهم، أولوية يجب على الولايات المتحدة فرضها.
وفي هذا الإطار، لم يتفطن التيار العلماني في البلاد العربية والإسلامية إلى أهمية المسجد في إيصال الأفكار والبرامج، وفرض الحقائق والوقائع والمسلمات، كما فعل التيار الإسلامي ذلك بإيجابية وفعالية، رغم ما شاب ذلك البعض من النقائص والأخطاء المرتكبة. إلا أن، التيار العلماني، دفع في اتجاه تحويل الصراع بعيدا عن المنبر المسجدي، لفك الارتباط الوثيق القائم بين خطاب التيار الإسلامي والمسجد، وهذا من خلال الدعوة للفصل الكامل بينهما، بهدف إضعاف دور الدين في المجتمع وتقليص آثاره داخل دائرة ضيقة، وهذا ما يرفضه تقرير "راند" المشار إليه.
إن التقرير يمهد الطريق شيئا فشيئا لهدف محدد, وهو أسلوب التعامل مع التيار الإسلامي الذي أصبح عند أصحاب القرار الأمريكي الخطر الحقيقي البديل للشيوعية .. وأن السلاح الحقيقي المقترح، هو ما تم صياغته في الحرب الباردة، من خطط ومواجهات على جميع الأصعدة! وتقديم نموذج مشابه لصانع القرار الأمريكي كي يستفيد منها في المواجهة المشابهة مع التيار الإسلامي.
تفاصيل الحرب الباردة تحولت فيها المواجهة مع الاتحاد السوفيتي من مواجهة عسكرية واقتصادية إلي مواجهة فكرية بالدرجة الأولي، ويعترف بأن عقبات هذه السياسة أعمق مع المسلمين، نظرا لمناعتهم الداخلية.
ويعقد التقرير، مقارنة تفصيلية بين واقع وتحديات العالم المسلم اليوم, والواقع في أثناء الحرب الباردة، حيث يحدد أوجه الشبه في ثلاثة أمور:
1 - حدوث أزمة جغرافية سياسية ذات بعد أمني,
2 - مخاطر عسكرية وإستراتيجية علي مصالح الولايات المتحدة,
3 - إنشاء جهاز إداري أمريكي ضخم، للتعامل مع هذه الأزمة, باعتبار أن طبيعة الصراع فكرية وليست اقتصادية أو عسكرية فقط.
ويركز التقرير علي جهود أمريكا في تقليل موجة التطرف, ويشير إلى أن الدعوات الديمقراطية قد تسببت في خسائر حقيقية للولايات المتحدة, لأنها أثبتت أنها قد تأتي بالإسلاميين إلى السلطة (!!) وهو ما يتعارض مع المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة, وينبه إلى أهمية الإنفاق الأمريكي على الجهود الإنسانية والخدماتية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي من أجل منافسة التيار الإسلامي!
فإنشاء مؤسسات علمانية تقدم نفس الخدمات التطوعية التي تقدمها المنظمات الإسلامية، سواء كانت قوافل طبية أو كفالة يتيم أو دعم أسري وغيرها، هدف أساس روج له التقرير، مستشهدا بمقولة لمنسق السلام السابق في الشرق الأوسط دينيس روس الذي صاغ مصطلح (الدعوة العلمانية)!
ولقد أصبحت مسألة الديمقراطية والحديث عنها و"تسييسها" أو"أنسنتها" أو "أخلقتها" أو "عسكرتها" في السنوات الأخيرة من أكثر الموضوعات اهتماماً على جميع الأصعدة وفي جميع المحافل، خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالإسلاميين.
كما أن تطبيق الديمقراطية، ينبغي أن لا يأخذ شكل مناورات أو تكتيكات سياسية شكلية خادعة، وإنما ينبغي تطبيقها بأخلاقية إنسانية ووعي ومسؤولية جماعية حاذقة، وهنا نجد الولايات المتحدة تخل بهذا المبدأ، رغم إدعائها العكس.
أما بيت القصيد, والهدف الذي قد يبدو الأهم في التقرير, فيأتي في الفصل الخامس الذي يحمل نفس عنوان التقرير وهو خريطة طريق لبناء شبكات مسلمة معتدلة.
فبعد أن أشار معدو التقرير إلي إستراتيجية التعامل مع العالم الإسلامي من خلال ما تم في الحرب الباردة, وتأكيد أن أعداء التيار الإسلامي هم الذين يحاربون المد الإسلامي! جاءت الإستراتيجية في هذا الفصل لتحدد من هم المحاربون الجدد فصاغت مصطلحا جديدا, سوف يلوح في الأفق قريبا, بعد أن حررته.. أي حددت معناه.
قد لا تمتلك الولايات المتّحدة حاليا تعريفا جديدا للمحاربين الجدد، الذين سيتولون مجابهة التيار الإسلامي، غير أن الواقع يشير إلى وجود عناصر تعمل في هذا الاتجاه. والآن تبقي الأولوية القصوى بالنسبة لكتاب التقرير في كيفية حماية ودعم هؤلاء المحاربين الجدد من خلال المبادرات التي ستصاغ.
فالاعتدال على الطريقة الأمريكية، هو السلاح الجديد الذي سوف يشهر في وجه الإسلام..
وقد حددت مواصفات للمسلم المعتدل, وفقًا لما يذكره التقرير:
1- يرى عدم وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية.
2- يؤمن بحرية المرأة في اختيار "الرفيق"، وليس الزوج، بعيدا عن التقاليد والأعراف.
3- يؤمن بحق الأقليات الدينية في تولي المناصب العليا في الدول ذات الغالبية المسلمة.
4- يدعم التيارات الليبرالية والعلمانية.
5- يؤمن بتيارين دينيين إسلاميين فقط هما: "التيار الديني التقليدي"، و"التيار الديني الصوفي" المعاديين لما يطرحه "التيار الوهابي" المعادي للغرب.
ويحدد التقرير الفئات التي يجب أن تتعاون معها الولايات المتحدة، وهم العلمانيون والحداثيون والتيار التقليدي المعتدل, ويناقش كيفية إيصال الدعم المالي والمساندة الإدارية والتنظيمية إلى الأفراد والمؤسسات، التي ستتعاون مع الإستراتيجية الأمريكية لبناء الشبكات المضادة للتيار الإسلامي, وحدد التقرير أيضا الدعاة الجدد والكتاب والإعلاميين وجمعيات المرأة، كفئات إضافية للتعامل معها وضمها للشبكة!
أما الأولويات التي يمكن أن تسهم في سرعة بناء الشبكات المعتدلة, فتتركز حول مقاومة ظاهرة المدارس الدينية والمناهج التي تركز علي التعليم الديني المحافظ.
ويرى التقرير عدم التركيز في المرحلة المقبلة على منطقة الشرق الأوسط, بل التركيز على الأطراف, وضرب مثالا بالتجربة الآسيوية.
وبعد أن ينتهي التقرير من تحديد المواصفات العامة, يبدأ في فصوله التالية, التي تصل إلى عشرة, في تحديد كل ركن على حدة.. فيبدأ بالركن الأوروبي في الشبكة, ويضع معايير للتعرف على المسلم المعتدل في أوروبا, ثم يتطرق في الفصل السابع إلى الركن الخاص بجنوب شرق آسيا في الشبكة الجديدة, ويؤكد أهمية الاستفادة من التجربة الاندونيسية في إشاعة الليبرالية تحت مظلة الاعتدال, ثم يحدد في فصل تال، المكون الشرق أوسطي ومعوقات إنشاء شبكات معتدلة في الشرق الأوسط, ثم يفرد فصلا كاملا للحديث عن المسلمين العلمانيين, الذي وصفهم بالبعد المهمل في حرب الأفكار!
وتؤكد التوصيات على ضرورة التركيز على الأطراف في الصراع مع التيار الإسلامي، والبعد عن المركز لصعوبة تحقيق انتصارات حقيقية في هذه المرحلة.
ويشير إلى أن العزم على بناء شبكات مسلمة معتدلة هو عمل (دفاعي)، ويقترح دعم القدرات الموجودة للمسلمين المعتدلين المقاومين للفكر المتطرف, وتنظيم مؤسسة دولية دائمة لمحاربة الإسلام المتطرف, كما يري أن الميزانيات المخصصة لراديو سوا وقناة الحرة, يمكن أن تنفق بشكل أفضل لدعم القنوات المحلية والصحفيين الذين يلتزمون بخط التعددية والديمقراطية! كما يوصي بعقد مؤتمر دولي في مكان له دلالة رمزية مهمة لدي المسلمين, كغرناطة في إسبانيا, للإعلان عن قيام مؤسسة لمحاربة التطرف السلفي (ص 145), كما يوصي بدعوة المعتدلين للقاءات وزيارات في الكونجرس والاجتماع مع شخصيات رسمية عليا لجعلهم معروفين بشكل أكبر لصناع القرار وللحفاظ علي استمرارية المساندة لجهودهم!
إن تقرير مؤسسة (راند) الأمريكية, ينقل المواجهة بين العالم الغربي والإسلامي, إلى مواجهة أو صراع فكري, فرسم بدقة بالغة, أدوات الصراع والأسلحة, والأشخاص ومواصفاتهم, بل حدد بالأسماء قوائم الشخصيات التي يمكن التعاون معها لبناء هذه الشبكات, والسؤال المحير حقا: أين العالم الإسلامي من هذا السيناريو المحكم؟