السبت، 30 ربيع الثاني 1446هـ| 2024/11/02م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية
  •   الموافق  
  • 1 تعليق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الكلمة الثامنة

تونس

اللغة العربية بين عز الإسلام ومكر الاستعمار

 

 

إن حمل المبدأ إلى العالم هو الدور الأساسي للدولة، وباعتبار أن اللغة هي العمود الفقري لحضارة الأمم وهي أداة التواصل بقصد خدمة ذلك المبدأ، كانت اللغة العربية مستهدفة من الغرب. وقد بذلوا كل الوسع في تهميشها وإفراغها من دورها الأساسي. وسنورد جوانب عديدة لأدوارهم الدنيئة في ذلك ماضيا وحاضرا. يقول وليام غرانارا مدير مركز دراسات الشرق الأوسط: "إن الشرق الأوسط هو جزء من العالم لا يمكن فهمه إلا متى وضعنا قدمينا فيه ورأيناه بأم أعيننا". وقد تم فتح مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لجامعة هارد فورد في تونس والتي تعتبر موطنا لثقافتهم منذ القدم إلى يومنا هذا. فماذا سينشره مركز أمريكي في تونس؟!

 

إن عشرات غيره من المعاهد الأمريكية والإنجليزية والفرنسية على شاكلته تستقطب أبناء العائلات المترفهة ليكونوا هم الأنموذج الذي يحتذى في مفاهيم استقوها منها. وليس الأمر مستحدثا بل تزامناً مع سقوط الخلافة، والغرب يعمل جاهدا على تركيز علمانيته في بلاد المسلمين من خلال ترسيخ لغته وإهمال اللغة العربية، فلم يكتف بتقسيم البلاد إلى دويلات وتقويض المفهوم الجغرافي للأمة بل عمد إلى أهم مقوماتها وهي اللغة العربية، فأقصى دورها في نظام التعليم لتحل محلها لغته في جل التخصصات أهمها ما يتعلق بعلوم الطب والهندسة والرياضيات والفيزياء والكيمياء والزراعة وغيرها... ففي تونس أسس معهد كارنو الفرنسي لتدريس اللغة الفرنسية وأحدثت بعثات إلى جامعة السوربون، وفي المقابل كان التصدي للتعليم الزيتوني، وشن حملات على الكتاتيب، وإثارة الريب في دورها. لقد صرح بورقيبة تلميذ السوربون في صحيفة "لوموند الفرنسية" بتاريخ 11 آذار/مارس 1976حول أبرز خياناته: "أعتز بثلاث قضايا.. أغلقت جامع الزيتونة، حررت المرأة، وأصدرت قانون الأحوال الشخصية"، فجامعة الزيتونة لم يجرؤ عليها الاستعمار وتطاول عليها العميل بورقيبة ليتحقق تكريس التعليم الفرنكفوني.

 

إن جامع الزيتونة وجامع القيروان عقبة بن نافع بتونس، وجامع القرويين بالمغرب وجامع الأزهر بمصر وغيرها الكثير في بلاد المسلمين أعدمت مكانتها بعد أن كان لها الأثر الكبير في توجيه التعليم في العالم وذلك ليضيعوا على المسلمين مناراتهم بإفراغها من مضمونها ودورها في تثقيف المجتمع ثقافة إسلامية تتوافق وعقيدته، وليتم تعويضها بمدارس ومعاهد بنمط غربي وثقافة علمانية سهر على إرسائها حكام المسلمين العملاء القائمون على خدمة أسيادهم الذين سطروا لهم البرامج وسنوا القوانين والمراتب وكل ما يتعلق بسياسة التعليم. والغاية من ذلك ضرب القاعدة الفكرية، وأول سلاح هو تهميش اللغة العربية وإقصاؤها بعد أن كانت وعاءً يضخ مناهل العلم الثابت والنافع: فَصَلوا العلوم الشرعية عن باقي المعارف وغيّبوا اللغة العربية عن معظم الجامعات واختزلوها في بضع ساعات في المدارس والمعاهد ببرامج وأساليب مسقَطة عليها قسرا. فما الذي جنيناه من تغريب اللغة العربية في تدريس أبنائنا؟ وما الذي جناه الغرب؟

 

- صعوبة حذق اللغة وفهمها والنفور منها والانبهار بغيرها.

 

- تدني الإحساس والشعور بالهوية وتنامي ضعف الثقة بكفاية اللغة العربية الفصحى.

 

- إنشاء مدرسين لا يحذقون العربية، ويستعملون العامية عوضا عن الفصحى في تلقين العلوم والمعارف، وليس الأمر عفويا أن يخرج البعض من أبناء جلدتنا ينتسبون إلى أمتنا ويتكلمون بألسنتنا ليطالبوا بتدريس اللهجات العامية في الصفوف الأولى بدلا من العربية الفصحى، مروجين أنها أصعب اللغات تعلما وحذقها يتطلب وقتا طويلا.

 

- خلق إطار يكاد يكون مرجعيا للمتعلمين على أن لغة الغرب هي لغة العلم والمستقبل والبحث والحداثة والتحضر، تسمح لهم بالانفتاح على العالم. فمن حذقها عُدَّ مثقفا عصريا متقدما وهي مقياس المناصب وفرص العمل. في حين إن اللغة العربية هي لغة الأدب والأخلاق لا تسمح لهم بالتعامل مع البرامج المعرفية.

 

- ضياع الموروث الفكري والحضاري؛ فجهله المتعلمون وغاب عنهم الطريق الصحيح لاسترجاع مجدهم وعزهم، في المقابل زاد انبهارهم بحضارة الغرب وثقافته التي لم يعرفوا غيرها، فاستساغوها وأقبلوا عليها دون وعي أو بصيرة.

 

- انفصالهم عن دينهم وجهلهم لأبسط مقومات العيش بالإسلام.

 

وبذلك ضمن الغرب غلق باب الاجتهاد، فالعاجز عن ممارسة اللغة العربية سيكون عاجزا حتما عن فهم القرآن والسنة، وبالتالي عاجزا عن الاستنباط والاجتهاد ومعالجة القضايا المستحدثة، وبالتالي اللجوء إلى معالجات غربية تسمح للمستعمر أن يتملك الأمة ويسيطر على مفاصلها.

 

بذلك تمكن الغرب من فرض استعماره ونشر مبدئه ليفسد الحرث والنسل، فما عجز عنه عسكريا قدر عليه بالتغريب وصنع أجيالا منبتّةً عن لغتها وبالتالي عن هويتها.

 

إن من البديهي أن للغة دورا في تشكيل وعي الجماعة وسلوك أفرادها، وهي التي تعكس فكرهم وحضارتهم وتطورهم، بها يسجل إنتاج الأمة وبها تُدوّن ثقافتها ومعارفها وتاريخها، وبها تستطيع صوغ مقومات وخصائص وجودها، فاللغة لا تقوم بالوصف فحسب، بل هي قدرة ملكة تعبيرية ومنزلتها بين اللغات هي صورة لمنزلة دولتها، واللغة العربية هي أهم خاصية للأمة الإسلامية وآكد مقوم لاستمراريتها وأوضح دليل على وجودها.

 

فإن أدرك الغرب أهمية لغتنا ودورها في بناء حضارتنا وأدرك أن في إهمالها غلق لباب الاجتهاد فكيف للمسلمين أن يتغافلوا عما وعاه الغرب وهم أولى بوعيه؟! كيف لا يرونها عزيزة؟! كيف لا يذكرون ماضيهم المجيد، يوم كان العلماء المسلمون موسوعة؟! جمعوا بين مختلف العلوم دون إهمال أمر اللغة العربية.

 

قال الإمام الشافعي رحمه الله: "لسان العربي أوسع الألسنة وأكثرها ألفاظا والعلم بها عند العرب كالعلم بالسنن عند أهل الفقه".

 

يومها كانت في مقدمة اللغات العالمية، وحتى الأراضي التي كان أهلها لا ينطقون بها مثل إسبانيا وآسيا الوسطى والهند يوم دخلها الإسلام برز فيها أفضل العلماء، كانوا يتقنونها ويكتبون بها علمهم، مما ساعد على بناء مجتمع ناهض في فكره ومتقدم في علمه:

 

ابن سينا صاحب كتاب "القانون في الطب" أضحى مرجعا أساسيا لفترات طويلة وهو من بخارى.

 

ابن خلدون أول من تكلم في العمران.

 

ابن الهيثم المؤسس الأول لعلم المناظر.

 

الإدريسي برز في علم الجغرافيا ورسم الخرائط.

 

الخوارزمي مؤسس علم الجبر، صنف كتبا كثيرة في تاريخ العلم وكلها باللغة العربية، مؤكدا مكانة اللغة في العلم والثقافة.

 

ابن النفيس هو الفقيه اللغوي وهو الطبيب وأول من وصف وشرح دورة الدم بين القلب والرئتين.

 

أدركوا العلاقة الوطيدة بين العلوم واللغة والمبدأ فأوّلوها مكانتها في التعلم خاصة بعد أن انتشر الإسلام في الأمصار ودان به العرب والعجم. فكان أبو الأسود الدؤلي أول من وضع قواعد النحو والنقاط على الأحرف وشكل أحرف المصحف بأمر من الخليفة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ثم تبعه علماء آخرون عرب وغير عرب فكان الجرجاني والفراهيدي والأصمعي وسبويه - وهو فارسي ولكن طبع اسمه مع تاريخ علوم اللغة العربية.

 

هذه إشارة لأهمية اللغة في بناء مجد المسلمين، فالدولة الإسلامية لم تكن قادرة على استنباط حلول لما تواجهه من محدثات ومشاكل إلا بالاجتهاد وما كان ذلك ليكون لولا حذق المجتهدين للغة العربية. فالقرآن الكريم والحديث الشريف يتضمنان معاني عامة لمعالجة الشؤون، وعلى المجتهد أن يستفرغ الوسع في استنباط الأحكام.

 

هذه اللغة التي نزل بها القرآن ونطق بها سيد الخلق وجعلها الله لغة أهل الجنة، يحسن بنا أن نبرز دورها في بناء هويتنا وإعادة مجدنا، ويفرض علينا أن نعمل لنعيد لها دورها، وذلك لن يكون إلا في ظل دولة تطبق الإسلام وتتبنى هذه اللغة بشكل جاد في سياستها العامة، بها تبرم المعاهدات وبها يكون التعامل. وتعتمدها في برامجها وسياستها الإعلامية والثقافية، وجميع مناحي ونشاطات الحياة، وكذلك مناهجها التعليمية، بل لا بد من مراعاة إتقانها في سائر مواد التدريس واستعمال الوسائل والأساليب الكفيلة لإعادتها وعاءً للفكر ولغة للتخاطب، والمعتمد الأساسي لفقه ثروتنا التشريعية التي لا تنضب.

 

فتغدو هي اللغة الأم والأصل، وتضمن بذلك:

 

- نشر الثقافة الإسلامية في كل الأوساط التعليمية؛

 

- الاعتراف بقيمة البحث العلمي المنتج باللغة العربية؛

 

- تقوية مكانة اللغة العربية عند أهلها وعند غيرهم وتوسيع دائرة استعمالها؛

 

- توفير المراجع العلمية المكتوبة بالعربية وتوفير المصطلح العلمي العربي، إذ من المعلوم أن من مصادر بناء اللغة العربية التعريب.

 

وهكذا نعيد جيلا واعيا معتزا بلغته وبالتالي بعقيدته.

 

قال تعالى: ﴿‏إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾.

 

 

 

الأستاذة شادية الصيّادي

عضو حزب التحرير في ولاية تونس

1 تعليق

  •  Mouna belhaj
    Mouna belhaj الجمعة، 08 أيلول/سبتمبر 2017م 22:23 تعليق

    بارك الله جهودكم الطيبة

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع