- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2020-04-23
جريدة الراية:
كورونا وفشل نظام الرعاية الصحية في النظم الرأسمالية
(2)
فساد شركات الأدوية
عاد فيروس كورونا بأرباح كبيرة على أصحاب أسهم شركات الأدوية والشركات المصنعة لمنتجات الحماية الكيميائية، التي حلقت أسعار أسهمها في البورصات العالمية بالتزامن مع انتشار المرض القاتل. فقد انضم رئيس شركة الأدوية "مودرنا" ستيفان بانسل لقائمة المليارديرات في العالم في وقت قصير عندما ارتفعت أسهم الشركة بعد إعلانها تقديم طلب لبدء اختبارات بشرية للقاح جديد ضد فيروس كورونا. وانضم إليه ليم ووي تشاي مالك الحصة الكبرى من أسهم شركة "توب غلوف" الماليزية لتصنيع القفازات الطبية. كما وتعد الشركة الأمريكية "ثري أم" التي تنتج الكمامات الطبية، من أكبر المستفيدين من حالة الخوف العالمية. وتحاول بعض شركات الأدوية الصغيرة الاستفادة ماليا من حالة الهيجان العالمي للبحث عن لقاح لمرض كورونا، من خلال إعلانها أنها بصدد البحث عن لقاح محتمل للمرض، فقد أعلنت شركة فاكسارت غير المعروفة كثيراً أنها بصدد البحث عن لقاحٍ مُحتَمَل لمرض كورونا، مما تسبب في قفز سهمها بنسبة 106,1%. كما ارتفعت قيمة أسهم شركات أخرى للتكنولوجيا الحيوية مثل نوفوفاكس وإينوفيو بعد إعلانها عن خطط لإجراء تجارب واختبارات سريرية.
لقد تحولت صناعة الأدوية من كونها وسيلة تسعى للحفاظ على بقاء الإنسان وتحسين معيشته إلى تجارة رأسمالية تخضع في كثير من الأحيان لمنطق الربح مهما تعدى ذلك آمال المرضى، ومهما تلاعبت بأحلامهم في الشفاء والعلاج، فلا تكتفي الشركات بإخفاء البيانات الحقيقية عن المستهلكين فحسب، بل تقوم بإجراء تجارب معيبة على مرضى مثاليين وبالمقارنة مع جرعات خاطئة من العقاقير المنافسة، كما تستخدم استراتيجيات مضللة للتسويق لمنتجاتها، وهو ما ينتج عنه مزيد من الربح لشركات الأدوية بالفعل، ومزيد من الوفيات للمرضى واستنزاف لأموالهم في واقع الأمر. ويمكننا تبيان ذلك في نقاط سريعة:
1- تقوم شركات الأدوية أحيانا بإخفاء النتائج والبيانات التي لا تؤيد عقارها، من أجل تمرير طرح العقار إلى السوق وتحصيل الأرباح على حساب المرضى دون اعتبار للنزاهة العلمية في نشر جميع التجارب كافة. وقد حدث هذا مع عقار الريبوكستين وهو أحد العقاقير المضادة للاكتئاب التي يتم توصيفها ملايين المرات حول العالم. ففي تشرين الأول/أكتوبر 2010م تمكّنت مجموعة من الباحثين من جمع كل التجارب التي أُجريت على عقار الريبوكستين، وعندما وضعوا التجارب على محك المراجعة كانت النتيجة صادمة: إذ اكتشفوا أن سبعا منها قد أُجريت لمقارنة العقار بعقار وهمي (Placebo)، وأن تجربة واحدة فقط هي التي أعطت نتائج إيجابية، بينما أظهرت التجارب الست الأخرى أن تأثير الدواء ليس أفضل من تأثير الدواء الوهمي. ولم يتم نشر سوى الدراسة التي أثبتت النتائج الإيجابية، أما الست الأخرى فتم التكتم عليها ولم يعرف أحد من المتخصصين عنها شيئا.
2- أحيانا تلجأ شركات الأدوية إلى إجراء تجارب على "مرضى مثاليين"، ومعنى هذا المصطلح، أنهم مرضى ذوو قابلية أفضل للتحسن، ولا يتناولون أدوية أخرى ولا يعانون من أي مشاكل صحية سوى المشكلة المراد فحصها، وتستعين به شركات الأدوية من أجل المبالغة في إظهار فوائد العقاقير، على أنها لها مردودية أعلى مما هي عليه في الحقيقة. أما في العالم الواقعي فإن المرضى غالبا ما تكون حالتهم معقدة، مصابين بالعديد من المشاكل الطبية المختلفة ويتناولون العديد من الأدوية، أو يعانون من مشكلة في الكلى أو يتبعون نظاما غذائيا غير صحي. فهل تنطبق نتائج التجارب على أولئك المرضى المثاليين مع المرضى العاديين؟
3- شركات الأدوية تستهدف رفع نسبة مبيعاتها من خلال الإعلان عن منتجها الجديد في الدوريات الطبية ذاكرة كل فوائده، وفي الوقت نفسه تهوّن من مخاطره ولا تقارنه علميا بالأدوية المنافسة الأخرى. كما تلجأ شركات الأدوية إلى إرسال مندوبي الشركة إلى الأطباء لمقابلتهم على نحو شخصي للتحدث عن مزايا هذا العلاج، وسوف يقدم المندوبون لهم الهدايا ويدعونهم إلى حفلات غداء ومؤتمرات دولية، ويحاولون إقامة علاقات شخصية معهم.
4- منذ العام 1997م خففت أمريكا القيود القانونية على شركات الأدوية وصار يمكن للشركات أن تختصر الآثار الجانبية بشكل سريع وخط صغير، وبعد هذا التغيير، ارتفعت ميزانية إعلانات صناعة الأدوية من 200 مليون دولار إلى 3 مليارات في بضع سنوات فحسب. ومن أبرز المشاكل التي نتجت عن هذه الرسملة للصناعة هو انتشار عقار الفيوكس الذي صُرف على إعلاناته وحده 161 مليون دولار، ثم سُحب من السوق بسبب مخاوف خطيرة تتعلق بإخفاء بعض بياناته وآثاره الجانبية.
5- تتوجه شركات الأدوية الكبرى إلى استثمار الجهد العلمي والمادي الخاص بها في سبيل تطوير أدوية تتعلق بأمراض مزمنة كالضغط والسكري، تاركة جانبا المضادات الحيوية، حيث إن تلك الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة التي يستمر المريض في تعاطيها طوال عمره تقريبا يعني تأمين دخل متصاعد من خلال انتشارها، كما أن تلك الأمراض المزمنة لا تطور أي مقاومة تضطر الشركة بين الحين والآخر للمخاطرة بالاستثمار في تطويرها من جديد، أضف إلى ذلك أن المضادات الحيوية الجديدة لا تدخل غالبا في الاستخدام مباشرة، بل توضع جانبا كملجأ أخير حينما تضرب البكتيريا المقاومة المرضى.
خلال مؤتمر صحفي في البيت الأبيض، بدا وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكي، أليكس عازار، الذي كان يعمل في مجال الضغط لصالح شركات صناعة الأدوية ومديراً لشركة أدوية في السابق، مرتاحاً لاتباع نظام يضع أرباح الشركات أولاً قبل الصحة العامة. وقال: (بصراحة، هذا الوباء يحظى باهتمام عالمي في الوقت الحالي، ويسعى اللاعبون في القطاع الخاص واللاعبون الرئيسيون في مجال الأدوية كما سمعتم لإيجاد لقاح جديد. ونعتقد أن هذا الوباء ليس مثل منهجنا الطبيعي في اقتناء ما يصدُّ الإرهاب البيولوجي، حيث قد تكون الحكومة هي المشتري الوحيد لعلاج الجدري على سبيل المثال. نعتقد أن السوق هنا سيرتب الأمور بالفعل من حيث الطلب والشراء والتخزين وما إلى ذلك. لكننا سنعمل على ذلك للتأكد من أننا قادرون على التعجيل بوصول اللقاحات وكذلك البحث والتطوير العلاجي).
فالنظام الرأسمالي الذي يحكم العالم اليوم هو نظام هشّ، قائم على الجدوى الاقتصادية المجرّدة والنمو المطلق، سيقود المجتمع إلى حافة الهاوية المرة تلو الأخرى، وسيعجز عن حل مشاكل الناس حلاً صحيحاً مستديماً. فقط النظام الذي يطابق الواقع ويوافق فطرة الإنسان موافقة شاملة يقدم المخرج من هذا الدوران بين النشوة الذاتية والإفاقة المؤلمة في أرض الحقيقة. إنه الإسلام الذي صهر الشعوب في بوتقته ووحّدها، ومنحها الاستقرار الاقتصادي والنظامي في كنف الدولة الإسلامية لـ1300 عام. قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾.
بقلم: الأستاذ حامد عبد العزيز
المصدر: جريدة الراية