الخميس، 17 صَفر 1446هـ| 2024/08/22م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

بسم الله الرحمن الرحيم

 

Al Raya sahafa

 

2023-08-09

 

 

جريدة الراية: قناة المغاربية الفضائية ووصفةُ استحالة التغيير!!

(الجزء الثاني والأخير)

 

 

 

إن ما تقوم به قناة المغاربية لا يقتصر على ما سبق، فقد انكشف هذه الأيام بعضُ أجندتها إذ وفَّرت بشكل سافر منبراً لنفرٍ من العلمانيين من منطقة القبائل (الأمازيغ)، ومن المرتبطين بفرنسا الاستعمارية خاصة، باسم الدفاع عن الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث احتضنتْهم بالمال والمناصب في عواصم أوروبا ووفَّرت لهم منبراً للترويج لفكرة المواطنة ومدنية الدولة وإبعاد الدين عن الشأن العام، والترويج المبطن لسمو حضارة الغرب ولنمط تفكير الغربيين وأسلوب حياتهم، وللتسويق بشكل خاص لنظرتهم لمسألة الحكم ولمفهوم الدين والمجتمع واللغة والانتماء. ولا يخفى ما تحمل أطروحات العلمانيين هذه وسخافاتهم تلك من مفاهيم ساقطة في نظر الإسلام ومن سموم قاتلةٍ لأبناء الأمة وللأجيال، كازدراء الدين وتاريخ الأمة مثلاً أو التنكر للهوية أو جعل الدين مسألةً فرديةً وشأناً خاصّاً لا علاقة له بأمور الدولة والمجتمع. إلا أن الفكرة الجوهرية في خطاب هذه القناة، تظل ضرورة إبعاد الجيش عن السياسة مطلقاً، وبالتالي استبعاد أي دور له اليومَ في تغيير حال الأمة نحو التحرر والانعتاق من هيمنة الغرب العلماني الكافر، رغم أنه هو صاحب القوة الفعلية في المجتمع.

 

كما أنها وفَّرت في الوقت ذاته منبراً للإسلاميين أيضاً، من المعتدلين دون غيرهم!! فقد كان من أغراض تأسيسها أن ينجذب إلى خطابها أتباع وأنصار تيار جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة في الجزائر، فكان من أساليبها وخدعها في جذبهم إليها أن روجت منذ نشأتها أن مؤسسها وصاحبها هو أسامة المقيم في قطر صاحب مقولة "إن الجيش الجزائري أصبح في جهة وإن الجزائريين في ضفة أخرى!"، والذي هو نجل زعيم الجبهة المذكورة الراحل عباسي مدني! بل إن من أبرز إنجازاتها من خلال ذلك الخطاب المعادي في الظاهر للطغمة العسكرية الحاكمة المنقلبة على المسار الانتخابي والتجربة الديمقراطية الوليدة في الجزائر بداية تسعينات القرن الماضي، أن نجحت في استقطاب الكثير من رموز وقادة التيار في الداخل والخارج. وكان من أهم تداعيات ذلك أن استمالتْهم عبر الشاشة نحو إسقاط مطلب الدولة الإسلامية وتبني مطلب الدولة المدنية بدلها، بحجة أن هذه ستؤدي إلى تلك عبر الانتخابات إذا ما ابتعد العسكر عن السياسة، كون غالبية الناس في الجزائر مسلمين، والتخلي عن الخطاب الراديكالي الذي لا يقبل الآخر ولا يقبله الآخر بنظرهم. وهو ما يعني الدخول في الصف، وحتمية تغيير الخطاب، والقبول بالديمقراطية وبلعبة الصناديق كمخرج وحيد مقبول لدى الشعوب المتحضرة ولدى المجتمع الدولي، رغم كل ما حل بالجبهة المحظورة وأنصارها وأتباعها وكوادرها يوم فازت ديمقراطياً وأمام أنظار العالم بالأغلبية الساحقة في الانتخابات التشريعية البرلمانية قبل أزيد من ثلاثة عقود!

 

تفعل القناة كل ذلك مع التركيز على فكرة إبعاد الجيش عن عملية التغيير، وهو ما حمل الكثير من أهل الجزائر جراء ما تكبَّدوه من السلطة العسكرية القمعية خلال العقود الماضية على التفاعل إيجابياً مع خطابها ثم الانحياز إلى طرحها، ليصبحوا من مؤيديها ومحبيها، بل من المدمنين على متابعة برامجها يومياً. والنتيجة هي حتماً تثبيت الوضع الذي يُرضي المستعمِر الغربي، ويكرِّس مشروعية الدولة الوطنية مع كل مؤسساتها.

 

نعم إن قناة المغاربية المأجورة، بوصفها مؤسسة إعلامية وأداة سياسية، تقدم لمسلمي شمال أفريقيا "وصفة استحالة التغيير" بدفع الجماهير إلى الوقوف موقف العداء من جيوش المسلمين، ما يعني اعتبارهم مِن الظالمين المعادين للشعوب كأنهم ليسوا منها، والنتيجة هي منع الجيوش بالجملة وكل حمَلة السلاح من الانحياز إلى مبدأ الأمة الذي هو الإسلام. تفعل ذلك بذكاء وحيلة دون تكفيرهم أو إخراجهم من دائرة الإسلام صراحةً، فتقوم بتحريض المدنيين ضد العسكر، بدل استنصارهم وتحريضهم على الوقوف في صف الأمة ضد الكافر المستعمِر وطغمته العميلة. ما يعني في المحصلة أن القناة تقدم لشعوب المنطقة من خلال برامجها خارطةَ طريق ووصفة جاهزةً:

 

- من جهة لطمس هوية المسلمين عبر إقصاء الإسلام الذي يمثل الانتماء الجامع والقوة الحقيقية الفكرية والروحية والسياسية في الأمة، بإبعاده عن السياسة وعن ساحة الصراع مع الغرب.

 

- ومن جهة أخرى لحصر المشكلة في العسكر!! وأن الحل في بلاد المسلمين للخروج من حالة التردي والضياع والهبوط، نحو التحرر والانطلاق والرقي والانعتاق، إنما يكمن في إبعادهم عن المشهد.

 

وكفى بهذه الطبخة المسمومة وبهاتين الخدعتين ضربةً مؤلمةً موجعة للدماغ في بلاد المسلمين، إذ بذلك يجري تدويخ الشعب وصرف طاقته لغير وجهتها وتكريس الفرقة وضربُ بعضه ببعض. بينما المشكلة الحقيقية في الأمة تكمن حصراً في فاجعة هدم كيانها السياسي، الذي تحقق للأعداء بإسقاط الخلافة الجامعة وإبعاد الإسلام عن الحكم، الأمر الذي لا يزال الغربُ الكافر يفرضه فرضاً بكل الوسائل على المسلمين، بعد أن أنساهم كيفية الخلاص وأذهلهم عن طريق العودة إلى نظام الخلافة، المفجِّرة لكل طاقات الأمة المفعِّلة لكل قدراتها والمنجية من كل المآسي والويلات في الدنيا والآخرة، بل الواقية من كل الأوجاع والضربات.

 

وفي الوقت نفسه ومن جهة أخرى فإن قناة المغاربية تقوم بالتنفيس عن المشاعر وامتصاص غضب الناس، وتتبنى مفاهيم الغرب وأساليبه ومصطلحاته في نصرة "القضايا العادلة" وكل الأحرار والمظلومين من شعوب العالم، وفي الدفاع من خلال منظومته الحقوقية والقانونية عن النشطاء السياسيين والحقوقيين والصحفيين والنقابيين ومعتقلي الرأي ضد الأنظمة العسكرية القمعية المعادية للحرية والديمقراطية، ولكن التابعة في الحقيقة للغرب نفسه!! كما أنها تعمل على ترقية ما تطلق عليه هي ومثيلاتُها "المجتمع المدني" في بلاد المسلمين، وتروج للإسلام الوسطي المعتدل الذي رضيه الغربُ للمسلمين ديناً، والذي هو نسخة مشوهة من العلمانية، تروج له على أنه هو الإسلام الصحيح، بينما هو في الحقيقة طبخة غربية ناعمة أُعدت في مخابر الغرب لتكون بديلاً مستساغاً عن الإسلام في الدول الوطنية صنيعةِ الاستعمار.

 

لذا كان من أبرز ما تتبناه هذه القناة في خطابها المسموم لجماهير المسلمين هو الترويج بقوة لفكرة الدولة المدنية تارة في مقابل عسكرية وتارة في مقابل دينية، بحسب معطيات الظرف والسياق، وتسويقها على أنها هي الشكل الصحيح للدولة في الإسلام، مع أن هذه فرية عظيمة تلقَّفها أصحابُ الوسطية والإسلام المعتدل، وسخَّروا لها المنابر والمشايخ والعلماءَ لإثباتها بالنصوص والأدلة. فرية عظيمة تطمس الحق وتُلغي الإسلامَ من حياة الأمة بجعل الدولة محايدةً وبدون لون، إذ إنها يجب أن تقف بزعمهم على مسافة واحدة من عقائد الناس مهما اختلفت، ومن أفكارهم بغض النظر عن كونها حقّاً أم باطلاً مهما تباينت.

 

والمحصلة في النهاية، بعد استبعاد دور جيوش المسلمين من مهمة تحرير أمتهم من قبضة الغرب، هي استحالة التغيير من خلال وصفة قناة المغاربية. وتبقى الاحتجاجاتُ في الشارع عبر المسيرات والمظاهرات، ورفعُ المطالب والانشغالات عبر الشعارات واللافتات، أو المشاركةُ في برلمانات الأنظمة العميلة وغُرفِ خداع الشعوب الممثِّلة لهم رغماً عنهم، تحت سقف ما تنص عليه دساتير الدول الوطنية وقوانينها الوضعية، هي الطريقة الوحيدة عند أصحاب هذه الرؤية السقيمة لإنجاز أي شكل من أشكال تغيير أوضاع الناس في الاتجاه الصحيح، ولكن بهذه المعطيات هيهات؟

 

 

بقلم: الأستاذ صالح عبد الرحيم - الجزائر

 

 

المصدر: جريدة الراية

 

 

 

 

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع