- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-01-31
جريدة الراية: الحرب مع لبنان تحت وطأة استفزازات يهود!
في ظل استمرار مجزرة كيان يهود المجرم على غزة وأهلها، واستمرار التوتر على الجبهة الشمالية لفلسطين المحاذية لجنوب لبنان، قال كيان يهود في 2024/1/16م: "إن قواته الخاصة تسللت إلى داخل الجنوب اللبناني وأزالت ألغاما في قرية عيتا الشعب"، فيما نفى حزب الله حدوث هذا التسلل.
ومن المعلوم أن هناك حالة من الاشتباك بين كيان يهود من جهة، وحزب إيران وبعض الفصائل الفلسطينية من جنوب لبنان وتحديداً حماس والجهاد، تتمثل في رمايات صاروخية يقوم بها الحزب وهذه الفصائل على المواقع العسكرية الحدودية لكيان يهود، ويرد كيان يهود بالمثل، ويزيد باغتيال شخصيات قيادية في الحزب وهذه الفصائل، في الداخل اللبناني! ما يدفع الحزب للتصعيد واستهداف أفراد من جيش يهود.
وبين النفي والإثبات لحادثة اختراق كيان يهود بقوة برية حدود لبنان، لا يبدو أن حدوثها من عدمه هو المهم، بل المهم هو الموقف السياسي المتعلق بهذا الخبر إثباتاً من كيان يهود ونفياً من حزب إيران في لبنان.
فكيان يهود كان واضحاً أنه يحاول توسيع نطاق الحرب، أولاً للخروج من مستنقع غزة الذي يغرق فيه دون أي إنجاز يذكر، وثانياً لمحاولة حرف مسار الضغط عليه بحل الدولتين الذي تمارسه أمريكا، فيتحول الموضوع للتفاوض بشأن الحرب الواسعة، وليس حصر الأمر بالعلاقة مع الفلسطينيين بحل الدولتين، لا سيما أن كيان يهود يدرك أن الغرب عموماً لن يتركه لينتهي بهذه الحرب الواسعة إن حدثت، فهو مولود أوروبا وربيب أمريكا المشوه!
لكن كان واضحاً أيضاً أن أمريكا وقفت بالمرصاد لقيام حرب واسعة مع لبنان، ليس كرمى عيون المسلمين ودمائهم في لبنان! بل لأسباب منها: أنها تشكل خطراً كبيراً على الوضع السياسي في المنطقة، فقد يؤدي لقلب الطاولة على رأس أمريكا بنجاح المخلصين من أبناء الأمة بقيادة حزب التحرير في استلام السلطة لا سيما مع الغليان الموجود في داخل الجيوش والأمة؛ ثم الخطر على مشروع أمريكا الاقتصادي في هذه المنطقة التي لها مستقبل كبير في إنتاج الغاز والنفط؛ وفوق كل هذا سحق كيان يهود وإنهاء وجوده وضرب أهم ذراع عسكرية للغرب في العالم الإسلامي.
بل على ما يبدو أن أمريكا لتظهر تأييدها عسكرياً ليهود، ووقوفها مع ربيبتها - رغم الخلاف السياسي بين إدارة بايدن ونتنياهو - ولتسحب فتيل الحرب في محيط فلسطين القريب، قامت بافتعال معركة صورية بعيداً عن محيط فلسطين في لبنان ومصر والأردن، فأظهرته على بعد آلاف الكيلومترات فضربت في اليمن، قواعد الحوثيين! وجرّت معها لهذه الضربة بريطانيا الخانعة، ولكنها لم تنجح في جر فرنسا، بل وأعلنت أمريكا عن الأهداف العسكرية وعن كل العملية قبل أسابيع! بذريعة تأمين خط الملاحة الدولية الذي لا تتضرر منه أمريكا كثيراً، بل الضرر واقع على أوروبا، هذا الإعلان الأمريكي مكن الحوثيين من تأمين مواقعهم في تلك المناطق والانسحاب منها نوعاً ما، وما لبثت أن قامت بضربة واحدة حتى أعلنت بريطانيا وقف المشاركة، وتحولت أمريكا لما باتت تسميه بردود دفاعية على الحوثيين! وعودة الضربات واردةٌ وفقاً لمصالح أمريكا، وتجاريها بريطانيا كعادتها! والشاهد من هذا أن أمريكا لو أرادت أن تقدم خدمة ليهود في هذه الحرب تحديداً لساهمت بضرب حزب إيران - وهذا ما لا يتمناه طبعاً مسلم واع لأهله من المسلمين - ولساعدت في توسيع الجبهة مع لبنان، التي هي أعنف وأشد وأكثر خطراً على كيان يهود من اليمن البعيد! وهذا مؤشر على عدم وجود إرادة - على الأقل في الوقت الحالي - عند أمريكا بتوسيع الجبهة تجاه لبنان أو محيط فلسطين، بل تسعى لحل الأمور سياسياً مع لبنان، ولو استمر نتنياهو وكيانه بأعمالهم الإجرامية في فلسطين.. مع حرص أمريكا على إبقاء الأمور ساخنة لما قد يلزمها في حركتها السياسية المستمرة، وليس أدل على ذلك من تصريحات تعتبر غريبة في مضمونها من رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي حول "ربط التهدئة في لبنان وانطلاق الحل السياسي حول الحدود البرية بوقف إطلاق النار في غزة" ما يشي بالرغبة الأمريكية!
هذا من جانب، ومن الجانب الآخر فإن موقف حزب إيران بالمسارعة إلى نفي عملية التسلل البرية، يشي بعدم رغبته أن يظهر أن الأمور تفاقمت في الاعتداءات من يهود على "سيادة لبنان" لحد دخول قوة برية وخروجها سالمةً، ما قد يزيد في ضعف موقفه الملحوظ في عدم التصعيد والمحافظة على قواعد الاشتباك التي تجاوزها يهود مراراً وتكراراً عبر الاغتيالات في العمق اللبناني والحزبي! العمق اللبناني باغتيال الشيخ صالح العاروري في عمق معقل الحزب في الضاحية الجنوبية، وفي العمق الحزبي باغتيال قيادات وازنة من الحزب مثل حسين يزبك المسمى رابط منطقة الناقورة، ووسام الطويل في قريته خربة سلم الذي قيل إنه مسؤول سلاح المسيرات، والمهندس علي محمد حدرج الذي شارك في إعلان نعيه هذه المرة كتائب القسام، وهو ما لم يحصل مع غيره من القيادات! بدعوى كما جاء في بيان نعي القسام "دوره وإسهاماته في إسناد المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة".
ثم إن دخول الحزب حرباً من هذا النوع مرتبطٌ ارتباطاً لا ينفصم بالتوجيه والطلب والرغبة الإيرانية، التي بات واضحاً أنها لا تنحو منحى الحرب مع كيان يهود لإزالته كما زعمت لسنين! وصارت السلطة هناك توجه لها الصفعات واللكمات والركلات بقتل أعلى مستويات قياداتها، ويكون ردها "بصواريخ الزمان والمكان المناسبين"! بل بكلام لمرشد الثورة علي خامنئي نقلته قناة العالم الإيرانية يقول فيه: "إن وجهة نظر إيران ليس رمي اليهود في البحر، بل باستفتاء لجميع سكان فلسطين الأصليين من مسلمين ومسيحيين ويهود يتم فيه تقرير المصير" و"تشكيل صندوق دولي بمساعدة أعضاء المجتمع الدولي لتعزيز ودعم هذه الخطة"! وهذا ليس مستغرباً - وإن غاب لسنين عن كثيرين - من دولة تدور في فلك أمريكا، وجعلت نفسها شرطياً لها في العراق واليمن وسوريا ولبنان والخليج!
وعليه، وفي الوقت الراهن على الأقل، لا أمريكا تريدها حرباً واسعة، وبالتالي لا تريدها الدولة الدائرة في فلكها أي إيران، ولا يريدها حزب إيران في لبنان! ليقتصر الأمر على استفزازات ومناوشات تستخدم ورقةً وليس سلاحاً في موضعه الصحيح. لكن، ﴿أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ﴾.
بقلم: المهندس مجدي علي
المصدر: جريدة الراية