جريدة الراية: ملاحظات حول الانتخابات العامة في باكستان وتجاوز التيار الشعبوي
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
أدّت الانتخابات في باكستان إلى حالة ملحوظة من الجمود، فعلى الرغم من إجراء الانتخابات في 8 من شباط/فبراير 2023م، مرت أيام عديدة دون إعلان اسم رئيس الوزراء المُنتخب، تزايد خلالها غضب الناس بسبب انكباب الجهات الاستخباراتية على تهديد الناخبين ورشوتهم، حتى ظهرت اتهامات بتزوير واسع النطاق وبالاحتيال الانتخابي، والتي أنكرتها اللجنة الانتخابية واستماتت في دحضها.
2024-02-21
جريدة الراية: ملاحظات حول الانتخابات العامة في باكستان وتجاوز التيار الشعبوي
(مترجم)
أدّت الانتخابات في باكستان إلى حالة ملحوظة من الجمود، فعلى الرغم من إجراء الانتخابات في 8 من شباط/فبراير 2023م، مرت أيام عديدة دون إعلان اسم رئيس الوزراء المُنتخب، تزايد خلالها غضب الناس بسبب انكباب الجهات الاستخباراتية على تهديد الناخبين ورشوتهم، حتى ظهرت اتهامات بتزوير واسع النطاق وبالاحتيال الانتخابي، والتي أنكرتها اللجنة الانتخابية واستماتت في دحضها. أما التأخر في إعلان النتيجة الانتخابية والهلع الواضح داخل القيادة العسكرية فكان بسبب النجاح غير المتوقع لعمران خان، والجمود يعود إلى عدم قدرة الحاكم الفعلي للبلاد، الرئيس الحالي للجيش عاصم منير، على تقبل عمران خان كرئيس للوزراء؛ لأسباب شخصية ومؤسساتية.
فيما يتعلق بالأسباب الشخصية للنزاع بين عمران خان وعاصم منير، فبعد ترقيته إلى رتبة لواء، تم تعيين عاصم منير مديرا عاما لوكالة الاستخبارات الباكستانية بين عامي 2018 و2019م، ساهم خلالها في مد جسور المودّة بين رئيس الجيش في ذلك الوقت قمر باجوا، والخصم السياسي المرير لعمران خان ورئيس الوزراء الأسبق نواز شريف. وقد تم فصل عاصم من وظيفته في المخابرات بشكل مفاجئ في عام 2019م بقرار من رئيس الوزراء السابق عمران خان، ليتم بعدها تعيين فايز حميد مكانه، الذي كان معروفاً بقربه من عمران خان.
أما بالنسبة للأسباب المؤسساتية للنزاع بين عمران خان والقيادة العسكرية، فإن الجيش يعمل كوصي على الحكومة، ويفرض السياسات بنفسه، ولا تسمح القيادة العسكرية بسيادة القيادة المدنية عليها، حيث تسيطر الأولى على جميع الشؤون المهمة في البلاد، في حين تبقي القيادة المدنية مجرد وجه لتلك الشؤون. لذلك فبعد أن نُصّب عمران بدعم من القيادة العسكرية، تمت إقالته بعد تدخله في التسلسل القيادي، وهو خطأ لا يمكن للقيادة العسكرية مغفرته، فقيام عمران خان بإقالة عاصم منير ومعارضته لإقالة فايز حميد، وسعيه لفرض سلطته كرئيس للوزراء على الجيش، تسبب في النزاع الذي أفضى إلى إقالة عمران خان في نيسان/أبريل 2022م، ورفع دعاوى قضائية ضده بتهم الفساد وكشف أسرار الدولة.
نجاح عمران في الانتخابات ليس مفاجئاً نظراً لكونه سياسياً شعبوياً. الشعبوية مفهوم يستهدف الجماهير الذين يشعرون بإهمال النخبة الحاكمة لشؤونهم، وفي ظل بلد مسلم عانى لعقود بسبب أمريكا وسياساتها، فإن أي قيادة تتبنى خطاب معاداة أمريكا وإحياء الإسلام ستنال شعبية واسعة بالتأكيد. لكن أي قائد يدّعي شيئاً ثم يسلك نقيضه لن يظل محبوباً للأبد، ولن تُرى إقالته على أنها خسارة، وقد تعرض عمران لذلك بنفسه بعدما نفذ توجيهات استعمارية رئيسية بشأن إضعاف الروبية، والتضخم، وزيادة الضرائب، ودفع الربا على القروض، والتخلي عن كشمير، والردود الضعيفة على الإساءة للنبي محمد ﷺ.
بالنسبة لسيدة القيادة العسكرية، أمريكا، فإنها لا تهتم بمن يكون رئيساً للوزراء، طالما ينفّذ سياساتها الرئيسية. على مستوى المؤسسات، تعتمد أمريكا على الخونة داخل القيادة العسكرية لضمان سيطرتها على رئيس الوزراء، كما يحدث في العديد من البلاد الإسلامية، وقد ضمنت القيادة العسكرية الباكستانية التزام عمران خان بجميع التوجيهات الأمريكية وسارعت لإقالته بمجرد انتهاكه لقواعد اللعبة. من ناحية أخرى عبّرت واشنطن عن ثقتها في عاصم منير، الذي أثبت استعداده لإلحاق الضرر بباكستان والمسلمين في سبيل أمريكا، وضمن تنفيذ جميع السياسات التي نفّذها عمران قبله وأكثر، ليستمر الاقتصاد في الانهيار بسبب ضعف الروبية والتضخم والضرائب المتزايدة، وتخلّى عاصم منير عن كشمير وأدار ظهره لمسلمي غزة.
يجب على المسلمين اتخاذ خطوات جادة لتجاوز النظام الحالي والقيادة الشعبوية. لقد أصبح واضحاً للمسلمين أن النظام الحالي لن يحقق آمالهم فيما يتعلق برفض أمريكا والعودة للإسلام، وأنه فيما إذا نجح مرشح في الانتخابات فيمكن للنظام الموالي لأمريكا الحيلولة دون وصوله، وإذا ما أصبح رئيساً للوزراء، فإنه سينفذ سياسات أمريكا في المنطقة. لذلك وجب على المسلمين وضع يدهم في يد القيادة المخلصة والعاملة لاستئناف الحياة الإسلامية في ظل دولة الخلافة على منهاج النبوة، وهي حزب التحرير الذي كشف على مدى سبعة عقود خطط المستعمرين وقدم الأحكام الإسلامية المفصلة فيما يتعلق بشؤون المسلمين السياسية، ولديه سياسيون نابغون في جميع البلاد الإسلامية، من إندونيسيا إلى المغرب، تحت قيادة أمير واحد، العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة، الجاهز للحكم بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام. فليقم المسلمون بدورهم، لا يخشون إلا الله، وليعودوا إلى طاعة الله بعد عقود من المعصية، قال النبي ﷺ: «مَوْتٌ فِي طَاعَةِ اللهِ خَيْرٌ مِنْ حَيَاةٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ». (الطبراني في المعجم الكبير).
بقلم: الأستاذ مصعب عمير – ولاية باكستان
المصدر: جريدة الراية