- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-03-27
جريدة الراية:
جواب سؤال
الحلول المطروحة لما بعد الحرب على غزة
السؤال: مع استمرار حرب الإبادة التي يشنها كيان يهود بدعم أمريكي غربي فاجر على أهل غزة ما يزيد عن خمسة أشهر، وبلوغ ضحاياها ما يزيد عن مئة ألف بين شهيد وجريح إضافة لتدمير معظم مبانيها، يكثر الحديث عن مشاريع حلول لما بعد حرب غزة وإلى ما ستؤول إليه الأمور سياسيا وفق خطط الدول الاستعمارية وعلى رأسها أمريكا، فما المتوقع من هذه الخطط والحلول؟ هل المتوقع أن تبقى الضفة كما هي ويكون احتلال عسكري لغزة؟ أم تكون دولة في الضفة وغزة منزوعة السلاح؟ أم تبقى الضفة كما هي وتكون غزة بإدارة دولية وعربية أو بإدارة ذاتية كالضفة؟ وكيف يكون الحل الصحيح؟ وشكراً.
الجواب: في البداية وقبل الجواب على التساؤلات أعلاه نستعرض ما يلي:
أولاً: بعض الأمور المهمة حول فلسطين، الأرض المباركة:
1- إنه من المعلوم أن وعد بلفور وزير خارجية بريطانيا الذي تضمنته رسالته بتاريخ 1917/11/2 إلى اللورد روتشيلد كان يتضمن تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، هذا الوعد كان في الأيام الأخيرة لهزيمة الخلافة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بسبب خيانة بعض رجالات من العرب والترك.. وقبل ذلك بسنوات كان هرتزل مندوب الجمعيات الصهيونية المدعومة من بريطانيا قد تقدم برجاء في 1901/5/13 للخليفة العثماني محاولاً آنذاك استغلال الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الخلافة العثمانية بعرض مبالغ طائلة لسد عجز الخلافة مقابل منحهم أرضاً في فلسطين، إلا أن جواب الخليفة عبد الحميد ردّاً على هرتزل كان جواباً قوياً حكيماً: (إني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، لقد قاتل شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه.. فليحتفظ اليهود بملايينهم، فإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فعندها يستطيعون أخذ فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن ذلك لا يكون...)، إن الخليفة كان ذا بصر وبصيرة وبعد نظر فقد صدق في نظرته، فقد أعطيت فلسطين بعد زوال الخلافة ليهود بلا ثمن! وهكذا بدأت قصة اغتصاب فلسطين وتهجير أهلها وتقتيلهم وتحقق ما توقعه الخليفة عبد الحميد رحمه الله فكان إلغاء الخلافة (1342هـ-1924م) الذي قاده الغرب بزعامة بريطانيا آنذاك مع الخونة من العرب والترك، كان هذا الإلغاء هو المقدمة الفعلية لإيجاد كيان يهود المسخ بفلسطين.
2- ثم دخلت أمريكا على الخط فعلياً بعد الحرب العالمية الثانية فساهمت مساهمة فعالة في إصدار قرار مجلس الأمن بتقسيم فلسطين رقم 181 في تشرين الثاني 1947م... وأصبحت أمريكا تنافس بريطانيا وعامة أوروبا في تبني صهيونية يهود، قال بايدن في خطاب ألقاه في البيت الأبيض أثناء احتفاله بعيد الأنوار اليهودي (الحانوكا) قال: ("ليس من الضروري أن تكون يهودياً لكي تكون صهيونياً وأنا صهيوني" الشرق الأوسط، 2023/12/12م) وكان الرئيس الأمريكي بايدن عندما زار تل أبيب يوم 2023/10/18 عقب عملية طوفان الأقصى قد اجتمع مع المسؤولين هناك وقال: ("إن (إسرائيل) يجب أن تعود مكانا آمنا لليهود. وإنه لو لم تكن هناك (إسرائيل) لعملنا على إقامتها" وقال إنه "سيطلب من الكونغرس الأمريكي حزمة مساعدات غير مسبوقة لـ(إسرائيل) هذا الأسبوع.. لن نقف مكتوفي الأيدي دون أن نفعل شيئا، لا اليوم ولا غدا ولا أبدا"... الجزيرة 2023/10/19). وذلك يدل على أن أمريكا هي التي تخوض المعركة، وأن كيان يهود لا يستطيع أن يستمر في الحرب دون الدعم الخارجي وخاصة الدعم الأمريكي غير المحدود. فهو كيان بطبيعته غير قادر على الثبات بذاته، فكيان يهود يرسم فشله بيديه، فهو ليس أهل قتال إلا بحبل من الناس كما قال القوي العزيز ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ وقد قطعوا حبل الله وبقي لهم حبل الناس من أمريكا وأوروبا وعملائهم من خونة الحكام في بلاد المسلمين الذين لا يحركون ساكناً في وجه عدوان يهود الوحشي، بل إن أمثلهم طريقة من وقف يَعدُّ الشهداء والجرحى! ويدل أيضا على أن أمريكا ترى هذا الكيان قاعدتها الرئيسة التي تحارب من خلالها الأمة الإسلامية لتحول دون وحدتها وإقامة دولتها، دولة الخلافة.
3- لقد شن كيان يهود أكثر من مرة عدوانا غاشما على غزة بعد انسحابه منها في 2005/8/15 حتى جاءت عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين أول/أكتوبر عام 2023 التي كسرت أنف العدو عندما اخترق المجاهدون تحصيناته وقتلوا المئات من جنوده إلى نحو 1200 وأسروا أعداداً من جنوده.. وقام العدو برد همجي غير مسبوق على غزة وما زال مستمرا منذ 5 أشهر ونيف، وقد دمر أغلبية أبنيتها واستهدف المستشفيات وقتل المرضى وجرفهم أحياء وكذلك المدارس التي نزح إليها أهالي غزة، فبلغ عدد الشهداء أكثر من 31 ألفا أكثرهم من الأطفال والنساء، كما بلغ عدد الجرحى أكثر من 70 ألفا، واتبع العدو سياسة التجويع بمنع وصول المساعدات والطعام والماء والمواد الأساسية للناس ليضغط على المجاهدين ليطلقوا سراح الأسرى المحتجزين لديهم. فكانت حربه حرب إبادة بمعنى الكلمة.. وشجعه على ذلك دعم الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي وأتباعهما، وتقاطر قادة الغرب على زيارة الكيان لإبداء الدعم المطلق لكيان يهود في حرب الإبادة التي يشنها على غزة.
4- وشجعه أيضا سكوت الأنظمة في البلاد العربية والإسلامية، فبدل أن تُحرك الجيوش لنصرة أهل غزة فإن بعضها أدان هجوم المجاهدين وواصل علاقاته مع كيان يهود وكأن شيئا لم يحدث، وواصلت الدول المطبعة تطبيعها مع العدو، قديمة التطبيع وحديثته، فلم تقطع العلاقات وتتخل عن خيانة التطبيع، ولم تلغ المعاهدات والاتفاقيات مع كيان يهود مثل كامب ديفيد مع النظام المصري ووادي عربة مع النظام الأردني وغيرهما، أي حتى الحد الأدنى من حالة الحرب لم يفعلوه، بل فوق ذلك فإن العلاقات التجارية مع عدد من هذه الدول لم تتأثر بعدوان كيان يهود الوحشي فقد اعترف وزير المواصلات التركي عبد القادر أورال أوغلو يوم 2024/1/11 (أن نحو 701 سفينة انطلقت من موانئ تركيا إلى (إسرائيل) منذ 7 تشرين أول حتى 31 كانون أول 2023 أي بمعدل 8 سفن يوميا تقريبا... الجزيرة 2024/1/11) بل إن بعض هذه الدول ليس فقط لم تعلن نصرة غزة برد العدوان عليها، بل لم تعلن الحرب على كيان يهود نصرة لجنودها، فقد استهدف كيان يهود مواقع إيرانية في سوريا وقتل العديد من جنودها، ولكن إيران لم تعلن الحرب عليه!
5- ثم إن أمريكا تركز بتصريحاتها على حل الدولتين مع حرصها على كيان يهود والدفاع عن كل أعماله الهمجية وتقديم الدعم له ولكنها تخشى من أن تفقد أمريكا ما بقي لها من مركزها الأخلاقي وكأن لديها أخلاقا! فقال رئيسها بايدن ("لا عودة إلى الوضع الراهن كما كان في السادس من تشرين الأول، وهذا يعني ضمان عدم قدرة حماس على إرهاب (إسرائيل).. وهذا يعني أيضا أنه عندما تنتهي هذه الأزمة يجب أن تكون هناك رؤية لما سيأتي بعد ذلك.. من وجهة نظرنا يجب أن يكون حل الدولتين ويعني بذل جهود مركزة لجميع الأطراف... موقع سي إن إن الأمريكي، 2023/10/25) وقال يوم 2023/12/12: ("هناك مخاوف حقيقية في مختلف أنحاء العالم من أن تفقد أمريكا مركزها الأخلاقي بسبب دعمنا لـ(إسرائيل)"... الجزيرة، 2023/12/12)
ولكنه أكد على سياسة أمريكا قائلا ("إنه لن يتخلى عن (إسرائيل) أبدا، والدفاع عن (إسرائيل) بالغ الأهمية. لا يوجد خط أحمر بوقف كل الأسلحة عنها، وبالتالي يكون لديها قبة حديدية لحمايتهم "... قناة إم إس إن بي سي الأمريكية، 2024/3/9)
وهكذا فأمريكا داعمة لكيان يهود على الرغم من توتر علاقة بايدن مع نتنياهو بسبب تقاربه مع ترامب خصم بايدن الانتخابي.
6- كما أن أمريكا تعمل على إغراء كيان يهود بقبول حل الدولتين بجعل النظام السعودي يعترف بكيان يهود ويطبع معه. فقال وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمر دافوس ("إن السعودية قد تقيم علاقات سلام مع (إسرائيل) إذا تم حل الأزمة الفلسطينية... إندبندت، 2024/1/20).. وكان قبل ذلك قد قال ولي عهد النظام السعودي ابن سلمان يوم 2023/9/21 في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز الأمريكية: "نقترب كل يوم أكثر وأكثر من تطبيع العلاقات مع (إسرائيل)". وفي 2023/9/26 استقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بمقره في رام الله السفير السعودي نايف السديري الذي وصل في وقت سابق إلى الضفة الغربية عبر نقطة المراقبة اليهودية وذلك مقدمة للتطبيع مع كيان يهود بذريعة كونه سفيرا فوق العادة ومفوضا غير مقيم لدى فلسطين وقنصلا عاما في القدس!
ثانياً: والآن نجيب على ما ورد في السؤال حول التوقعات لخطط أمريكا وكيان يهود بعد انتهاء حرب غزة:
1- تسليم قطاع غزة إلى السلطة الفلسطينية في إطار حل الدولتين.. إن هذا الحل تطالب به الولايات المتحدة قولاً لا فعلاً أي تلاعباً بالألفاظ فبايدن يريدها منزوعة السلاح أي ليست دولة ذات سيادة، (قال الرئيس الأمريكي جو بايدن - أمس الجمعة - إنه ناقش مسألة حل الدولتين مع رئيس الوزراء (الإسرائيلي) بنيامين نتنياهو، وأن الأخير لم يعترض على هذا الحل، وأضاف بايدن في تصريحات للصحفيين، أن هناك عددا من الأنماط لحل الدولتين، مشيرا إلى أن دولا عدة في الأمم المتحدة ليس لديها قوات مسلحة خاصة بها.. الجزيرة، 2024/01/04) أي أن بايدن يشير إلى دولة من تلك الأنماط دون قوات مسلحة! ومع ذلك فكيان يهود لا يوافق حتى على هذه الخطة الأمريكية. (وفي مؤتمر صحفي تابعته الأناضول، شدد نتنياهو، على أن تل أبيب "ترفض بشكل قاطع إقامة دولة فلسطينية بشكل أحادي"... الأناضول، 2024/2/18) وعلى كل فإن حل الدولتين الذي تقترحه الإدارة الأمريكية أنّى كان لا يمكن تنفيذه دون أمر جدي من أمريكا.. وإدارة بايدن لا تمارس ضغوطاً على نتنياهو وحكومته بسبب الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، لأنه يحتاج إلى أصوات اليهود في الانتخابات وأموال اللوبي اليهودي لحملته الانتخابية خاصة أن منافسه هو ترامب المؤيد بقوة لكيان يهود.. أما أوروبا وبريطانيا فهما تبع لخطوات أمريكا.. وأما مطالبة الحكام في بلاد المسلمين بحل الدولتين فهي خيانة لا تتجاوز ما تتقوله أمريكا بصيغة منزوعة السلاح دون سيادة أي أشبه بالحكم الذاتي!
2- إعادة احتلال كيان يهود لقطاع غزة. يعتبر وزير الأمن القومي، بن غفير، ووزير الاقتصاد سموتريتش، من أكثر المتحمسين لهذه الخطة. يدافع هذان الوزيران اليمينيان المتطرفان بأن المدنيين اليهود وكذلك جنود الاحتلال، يجب أن يكونوا داخل غزة وأن هذه هي الطريقة الوحيدة للحفاظ على السيطرة على القطاع. (وقال بن غفير، الذي يتزعم أحد الأحزاب القومية الصغيرة في ائتلاف نتنياهو اليميني، في مؤتمر أن عودة المستوطنين اليهود والجيش هي السبيل الوحيد لضمان عدم تكرار الهجوم المدمر الذي شنه مقاتلو حماس على (إسرائيل) في 7 تشرين الأول/أكتوبر... رويترز، 2024/01/29) غير أن كلاً من أمريكا وعامة اليهود لا يؤيدون هذا الرأي (وكان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن أكد، الأربعاء، أن (إسرائيل) "لا يمكنها احتلال" قطاع غزة، بعد نهاية الحرب التي تخوضها حاليا ضد حركة حماس. وأضاف: "الآن، الحقيقة هي أنه قد تكون هناك حاجة لفترة انتقالية ما في نهاية الصراع.. لا نتوقع إعادة احتلال وما سمعته من القادة (الإسرائيليين) هو أنه ليس لديهم نية لإعادة احتلال غزة..." الحرة، 2023/11/08) وذلك لأن إعادة الاحتلال العسكري لغزة ستؤدي إلى تكاليف على كيان يهود وخسائر عسكرية واقتصادية.
3- استمرار سيطرة حماس على غزة. أمريكا وأوروبا وكيان يهود لا يريدون بقاء حماس في السلطة في غزة، لأنهم يعتقدون أن ذلك سيؤدي إلى تكرار هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال بلينكن للصحفيين في طوكيو: "لا يمكن أن تستمر حماس في إدارة غزة، فهذا ببساطة يمهد لتكرار ما حدث في السابع من تشرين الأول/أكتوبر... 2023/11/08) وقال غالانت (إن حماس لن تسيطر على قطاع غزة بعد الحرب، وإن تل أبيب تجهز للسيطرة عليه من "كيان دولي"... الأناضول، 2023/12/18)
4- نقل الأمن في القطاع، من جيش كيان يهود إلى قوة دولية. لقد كان من جملة ما دار البحث فيه وخاصة من بعض السياسيين الأمريكان أن تكون قوات دولية في غزة من الدول العربية ومن دول أخرى.. وظهر ذلك في وسائل الإعلام..
(وبحسب صحيفة وول ستريت جورنال.. إقناع الدول العربية التي وقعت اتفاقات سلام أو اتفاقيات تطبيع مع (إسرائيل) بتوفير قوة أمنية لغزة أو الإشراف عليها، لكن ذلك سيتطلب من بعض البلدان أو المنظمات تحمل المسؤولية الإدارية والإشراف على الأمن وتقول الصحيفة إن بعض الجيران العرب يترددون... الحرة، 2023/11/03)، ثم تكرر البحث فيها، فقد نشرت روسيا اليوم هذا الموضوع مرة أخرى في 2023/12/4 على النحو التالي: "وتدعم واشنطن كذلك نقل الأمن في القطاع، من الجيش (الإسرائيلي) إلى قوة دولية، ربما تشكلها بعض الدول العربية. لكن (إسرائيل) لا توافق على سيناريو نشر قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة، في منطقة النزاع، كما أنها لا تثق في قدرة المنظمة الدولية على حماية مصالح (إسرائيل)".
5- تسليم الإدارة المدنية في غزة إلى الفلسطينيين دون اتحاد مع الضفة ولكن سيكون كيان يهود مسؤولاً عن الأمن كما هو الحال في الضفة.. فقد نشرت الجزيرة في 2024/2/27 أنه قد تم في 23 شباط/فبراير 2024، تقديم رئيس وزراء كيان يهود بنيامين نتنياهو خطة "اليوم التالي" لغزة إلى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية. (جاءت الخطة التي عرضها بنيامين نتنياهو على أعضاء حكومته، بالعديد من التفاصيل الخاصّة بمستقبل قطاع غزة، ومن أهم معالمها في المجال الأمني؛ تحتفظ (إسرائيل) بحرّية العمل العسكريّ والأمني في جميع مناطق القطاع دون قيد زمني، مع إقامتها حزاماً أمنياً داخل قطاع غزة، على طول حدوده مع فلسطين المحتلة عام 1948.. علاوة على ذلك، تقوم (إسرائيل) بنزع السلاح من قطاع غزة، وتجرّده من أي قدرة عسكرية، باستثناء ما هو مطلوب لحفظ الأمن العام..)
6- وبتدبر الاحتمالات السابقة لمخططات أمريكا ويهود فإن الراجح ممّا يخططون لتنفيذه هو المذكور في البند (5) أعلاه دون أن تكون غزة موحدة مع الضفة الغربية، وإنما الإجراءات الأمنية والعسكرية فيهما متشابهة (تحتفظ (إسرائيل) بحرية العمل العسكري والأمني في جميع مناطق القطاع دون قيد زمني..) خاصة وأن اليهود ينفذون هذه الخطة نفسها في الضفة الغربية. وورد في الأخبار أن نتنياهو عرض هذه الخطة على المسؤولين الأمريكيين ويبدو أنها تحظى بموافقتهم (وزُعم أن نتنياهو حرص على أن تتزامن الخطة التي أعدها مع الخطة الأمريكية للحل الدائم في الشرق الأوسط، وأنه تمت استشارة أمريكا حول الخطة من خلال وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، عضو مجلس الوزراء (الإسرائيلي) المصغر للحرب الذي تربطه علاقات وثيقة مع واشنطن... إن تي في، 2024/01/31) أي أن أمريكا على علم بخطة نتنياهو مسبقاً.
أما ما يكرره بايدن عن حل الدولتين فهو لا يختلف كثيراً، بل كما جاء في تصريحه السابق بند (1) وهو (وأضاف بايدن في تصريحات للصحفيين، أن هناك عددا من الأنماط لحل الدولتين، مشيرا إلى أن دولا عدة في الأمم المتحدة ليس لديها قوات مسلحة خاصة بها... الجزيرة، 2024/01/04) فهو يشير إلى نزع سلاحها، ولا مانع عنده أن تسبق حل الدولتين مرحلة مؤقتة كما في تصريحه بند (2) (الآن الحقيقة هي أنه قد تكون هناك حاجة لفترة انتقالية ما في نهاية الصراع... الحرة، 2023/11/08)
ثالثاً: الحل الشرعي الصحيح الذي يجب القيام به:
1- من تدبُّر ما سبق فإنه يظهر من مخططات أمريكا ودولة يهود أنهم يخططون لجعل الضفة وغزة منزوعتي السلاح وأن تكون السيادة الأمنية فيهما لليهود، سواء أكان ذلك تحت مسمى دولة واحدة فيهما أي بضمهما حتى وإن كان هذا على مراحل كما تريد أمريكا، أي أن تبقى الضفة مفصولة عن غزة في مرحلة انتقالية ثم بعد ذلك تضم غزة إلى الضفة دون قوة عسكرية، أم كما تريد دولة يهود أن تبقى غزة ابتداء وانتهاء مفصولة عن الضفة وكلاهما دون قوة عسكرية، والسيادة الفعلية فيهما لكيان يهود. وواضح من ذلك أن ما تخطط له أمريكا ويهود هو السم الزعاف وهو خيانة لله ولرسوله والمؤمنين.. ومع أنه ليس غريباً أن يخطط كيان يهود وأمريكا لذلك، فهم أعداء، لكن الغريب أن لا يبادر أحد من الحكام في بلاد المسلمين وخاصة الذين هم في جوار فلسطين، فيحرك جيشه لنصرة غزة وأهلها والأقصى وما حوله، وإزالة كيان يهود من جذوره، ومن ثم إعادة فلسطين كاملة إلى أهلها. أفليس من احتل أرض المسلمين وأخرج أهلها منها يستحق أن تقاتله جيوش المسلمين ويخرجوه منها كما أخرج أهلها؟ ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾.. فكيف لا يدرك الحكام ذلك؟! ولكن غلبت عليهم شقوتهم، فهم طوع بنان الكفار المستعمرين وخاصة أمريكا، لا يردون لها طلباً حفاظاً على كراسيهم المعوجة ﴿قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُون﴾.
2- لقد كشفت هذه الحرب أمرين مهمين: أولهما ضعف اليهود وذلهم كما ذكرهم الله في كتابه ﴿ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ﴾ وقد قطعوا حبل الله بعد أنبيائهم ولم يبق لهم إلا حبل الناس أمريكا وأتباعها، وقوم هذا شأنهم ليسوا أهل قتال أو نصر.. وثانيهما خيانة الحكام في بلاد المسلمين، فهم يرقبون ما يجري وأمثلهم طريقة من يعد الشهداء والجرحى ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾، وحري بهذين الأمرين أن يدفعا المخلصين من أهل القوة في جيوش المسلمين إلى إعلان النفير العام لأداء فرض الله بقتال يهود المحتلين لفلسطين ﴿وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ مَا لَا يَرْجُونَ﴾ وهكذا تزيلون كيانهم فهم أهون على الله من أن ينتصروا في قتال، ومن ثم يتحقق وعد الله ﴿فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً﴾.. فهلم إلى نصرة إخوانكم في غزة وإذا وقفت في وجهكم أنظمة الحكم الجبري القائمة في بلاد المسلمين فخذوهم كل مأخذ.. وأقيموا حكم الله مكانهم، الخلافة على منهاج النبوة، تحقيقاً لبشرى رسول الله ﷺ «ثُمَّ تَكُونُ مُلْكاً جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، ثُمَّ سَكَتَ» مسند الإمام أحمد.. وعندها يكون الخليفة ومعاونوه وجند الإسلام من أعلى رتبة فيه إلى أدنى رتبة ينتقلون من نصر إلى نصر، يكبِّرون والأمة تكبِّر معهم، أقوياء بربهم أعزاء بدينهم، فلا يجرؤ عدو أن يكون له في أرض الإسلام كيان.
﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾
الثاني عشر من رمضان 1445هـ
2024/3/22م
المصدر: جريدة الراية