- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-07-10
جريدة الراية : الوضع الداخلي في سوريا وحراك إدلب وانتفاضة الشمال
وتعزيز أمريكا لقواتها شرق الفرات
لقد عملت أمريكا طوال سنوات الثورة السورية للحفاظ على عميلها بشار أسد فأوعزت لإيران ومليشياتها بالتدخل لمساندة النظام، وأعطت الضوء الأخضر لروسيا للتدخل وضرب الثوار جواً، فاستطاعت بهذه الطريقة أن تحافظ على عميلها بشار ومؤسساته الأمنية والعسكرية إلا أنّ ذلك أوجد تعقيدات على الأرض في الداخل عند النظام، حيث أصبح من الصعب السيطرة على المليشيات، وهي إحدى العقبات أمام الحل السياسي الأمريكي، إضافة إلى تقسيم سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ، هي: مناطق سيطرة نظام الإجرام ومليشيات إيران، ومناطق الثوار في إدلب ودرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، ومناطق شرق الفرات التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا وتديرها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وكل فريق متمسك بما يراه حقاً مصيرياً بالنسبة له.
هذه التعقيدات دفعت أمريكا وعملاءها لوضع الحل السياسي على نارٍ هادئة والعمل على تذويب الثورة السورية بواسطة الدول المتدخلة بصفة داعم للثورة. فعملت على مؤامرة خفض التصعيد على مدى خمس سنوات لتسليم المناطق للنظام المجرم وإغلاق الجبهات ومحاولاتِ فتح المعابر تنفيذاً لاتفاقيات سوتشي وأستانة. وكذلك أوجدت حكومات مصطنعة للتضييق على الناس اقتصادياً بفرضِ الضرائبِ والرسومِ، وأمنياً باعتقال الصادقين الرافضين لإغلاق الجبهات واعتقال أصحاب الرأي من أهل كلمة الحق الرافضين للحل السياسي الأمريكي ومضايقة كل صوت يرفض الوضع الذي خطط له الداعمون للقضاء على الثورة وفرض المصالحة مع نظام الإجرام.
واستُخدم الخداع التركي والقصف الروسي في فرض هذا الواقع على الثوار، فيما أوعزت أمريكا بالتنسيق مع الروس والنظام لضرب الميلشيات الإيرانية بواسطة كيان يهود لإخراجها من سوريا بعد أن انتهت مهمتها في قتال الثورة السورية، ما ولّد صراعات بين إيران ومليشياتها من جهة والروس والنظام من جهة أخرى.
كما سلّطت أمريكا تركيا للضغط على الأكراد باحتلال بعض المناطق والقصف الجوي للكوادر ليصرفوا نظرهم عن الانفصال ويتنازلوا لصالح الحل السياسي الأمريكي بعد أن انتهت مهمتهم في حرب تنظيم الدولة وإضعاف الثورة السورية.
وبعد أن طال الوقت في عملية ضبط الثورة وتذويبها والتضييق على الناس سياسياً واقتصادياً وأمنياً احتقن الناس وانفجر الحراك الثوري في موجته الثانية في إدلب منذ أكثر من عام، على إثرِ اعتقالِ نحوِ خمسين من شباب حزب التحرير وأنصاره، بعد هدم جدار الخوف الذي بناه الجولاني وجهاز أمْنِهِ العام، ما دفع بعض المسؤولين الأمريكيين والمبعوثين الأمميين للتصريح بأن الوضع في سوريا خطير ويحتاج إلى حلٍ سريع، ما جعل الأتراك يعملون على تسريع الحل فأكثروا من التصريحات الداعية لمصالحة نظام بشار مع النظام التركي ومع المعارضة. واتخذت القيادة التركية خطوات تسريعية للتطبيع بين المعارضة ونظام الإجرام في دمشق عبر محاولات إدخال الروس إلى مناطق الثوار بحجج خدمية واهية، ومحاولة فتح معابر مع النظام المجرم، ما ولّد ردة فعلٍ عند الثوار بمنع دخول الروس والتحرك الشعبي الواسع لمنع فتح معبر أبو الزندين وضد المصالحات. ما دفع النظام التركي للضغط على الثوار عبر حملات الترحيل للاجئين السوريين والتساهل مع العنصريين الأتراك الذين يهاجمون السوريين في تركيا كأداة ضغط عليهم، ما جعل الأمور تنفلت من عِقالها وتنفجر انتفاضة الشمال ضد النظام التركي، رافق ذلك مهاجمة مؤسساته المدنية والعسكرية وإنْزال الأعلام التركية والمطالبة برحيلِ الأتراك.
هذه الانتفاضة أرعبت النظامين التركي والسوري ومن ورائهم أمريكا، وأظهرت أن الثورة لا تزال حيةً وأنها جمرٌ تحت الرماد، وبركانٌ سينفجر ليحرق كل المتآمرين وحلولهم السياسية الترقيعية. مع وجود مليشيات حزب العمال الكردستاني في شمال شرق سوريا والتي تسعى للانفصال، ولو تحت مسمى الحكم الذاتي حيث تمارس هذه المليشيات القمع والظلم بحق أبناء المنطقة من عرب وكرد ما فجر ثورة العشائر ضدها في دير الزور وولّد احتقاناً في بقية المناطق ما جعل أمريكا والتحالف يتخوفون من انفجار الوضع، ما دفعها إلى تعزيز قواتها في قواعدها في الحسكة ودير الزور، واستحداث قاعدة غرب محافظة الرقة على الفرات وجلب قوة مشتركة مع (قسد) في مقر الفرقة السابعة عشرة في شمال الرقة، واستحداث مركز لها في قلب المدينة للتواصل مع أعيانها للإمساك بالوضع بشكل قوي.
ومن التعقيدات التي طرأت على المشهد السوري مذكرة الاعتقال الفرنسية بحق بشار أسد وأخيه ماهر، هذه المذكرة التي لها أثر سياسي ولو كان خفيفاً أكثر مما لها أثر تنفيذي، إذ يصعب تنفيذها ولكنها تشوش على مشهد الحل السياسي الذي أحد أطرافه مجرم حرب، وهذا من باب المناكفة السياسية للحلول الأمريكية، علماً أن أمريكا هي من تمسك بكامل الخيوط بعد أن أبعدت أي تأثير لخصومها الأوروبيين.
إن هذا الواقع للمشهد السوري يدل على أن الأمور أعقد مما تظن أمريكا وأن الحل السياسي بعيد المنال وأن الأمور لا يمكن التحكم بها وفق ما تشتهي هي وعملاؤها.
وأمام هذا الواقع المتأزم في سوريا يبرز نشاط الحراك الثوري كأخطر عمل على ترتيبات أمريكا وحلها السياسي، حيث أبرز هذا الحراك المفاصلة بين مشروعين؛ مشروع الإسلام العظيم، الذي يريده أهل الشام، ومشروع جحر الضب الأمريكي الذي أدخلت فيه أمريكا وعملاؤها قادة الفصائل وأدوات الحل السياسي من ائتلاف وحكومات مصطنعة مدجنة، ومنصات سياسية لا تمثل إلا نفسها.
إن الواقع في سوريا يدل على أن ثورة الشام تسير بإذن الله بخطا ثابتة نحو هدفها المنشود وأنها عصية على الاستيعاب والاستئصال مصداقاً لقول الرسول ﷺ: «إِنَّ اللهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».
قال تعالى: ﴿وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾.
بقلم: الأستاذ محمد سعيد العبود
المصدر: جريدة الراية