- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-07-10
جريدة الراية: دعاة استمرار الحرب في السودان
بين الوعي على المخطط وتعطيل البصر والبصيرة!
تعالت هذه الأيام دعوات (بل بس) (جغم بس) في إشارة إلى استمرار الحرب في السودان، حيث يزعم دعاتها وفيهم مثقفون من إعلاميين وغيرهم، أن في أيديهم قرار استمرار الحرب بالضغط على قادة الجيش حتى القضاء على قوات الدعم السريع. ويقولون إن هذه الحرب شأن داخلي لا علاقة للتدخلات الخارجية الاستعمارية (لا أمريكا ولا بريطانيا) بها!
بادئ ذي بدء إننا نعتب على من يدعون إلى استمرار الحرب والدمار والفوضى في بلادنا، أن تعميهم مشاعر الآلام والمواجع فيعطلوا البصر فلا يمعنوا النظر فيما يدور، ونحاسبهم أكثر أنهم لا يربطون الأحداث بعقيدتهم ودينهم.
لا شك أنه لا يختلف اثنان أن هذه الحرب تدار دون استراتيجية واضحة لقيادة المعركة، في حالة اختيار السلم أو الحرب، فكلاها خيارات شرعية تقدر بقدرها لمن كان واعيا حريصا على المحافظة على أمن البلاد وأرواح وأعراض العباد.
وثمة أسئلة كثيرة تدور في مجالس أهل السودان المكلومين، منها: ما هي استراتيجية الحرب اليوم التي يستخدمها البرهان وأركان حربه؟ ولمصلحة من انطلاق الحرب واستمرارها؟ ولماذا يطالب أفراد الجيش بفك اللجام، واللجام ما زال مشدودا والقاتل ما زال يسرح ويمرح؟ لماذا كل الفنون العسكرية معطلة؟ ولماذا ينسحب الجيش دوما مرارا وتكرارا؟ ولماذا يكون الضحية هم أهل البلاد الطيبين الذين كل جريرتهم وجريمتهم أنهم وثقوا في جيشهم الذي ينسحب ويتركهم يواجهون أشنع الجرائم؟ لماذا تدار الحرب دون وعي ولا فهم؟ ولماذا يطالب قادة الجيش باستنفار الناس ثم يحبسون الجيوش الضخمة؟ وكيف لهم بقتال شباب غر غير ذوي خبرة بأسلحة خفيفة مثل الكلاشنكوف وغيره، ضد مدافع رباعي، أو ثنائي، أو دوشكا أو ما شابهها؟
إنها كلها أسئلة واستفسارات مشروعة عجز قادة الجيش عن الإجابة عليها. وللأسف لم يتصدر هؤلاء المثقفون لمحاسبة القيادة حتى تقوم بالمعالجة أو الاستقالة ليأتي رجل آخر صادق أمين وفي، ليواصل إدارة هذه الأزمة ويوقف الفوضى. ولا يقول قائل إن ذلك صعب؛ فقد عزل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد، القائد الملهم القوي، والمعركة تدور وعيَّن على الجيش أبا عبيدة عامر بن الجراح، وكلهم من الخيار رضي الله عنهم أجمعين، وجمعنا بهم.
ولا يقول قائل إن الحياة ستقف إذا ذهب القائد الفلاني، لا يقال ذلك فقد ذهب أفضل الخلق النبي ﷺ وجاء من بعده قادة كرام واصلوا المسير، وحدوا الأمة وحققوا الانتصارات ورفعوا الرايات.
إن بعض مثقفينا يجب أن يتركوا (الخم) الذي كان وما زال يمارس بسذاجة، ليواكبوا بإخلاص ما يدور حولهم. إنهم يحتاجون إلى متابعة الأحداث المتعلقة بالحرب في بلادنا داخليا وخارجيا، ليعرفوا ما هي علاقة السفارات الأجنبية بهذه الحرب، خاصة السفارتين الأمريكية والبريطانية؟ وماذا كان يفعل السفير الأمريكي جون غودفري في السودان؟ ولماذا كانت حكومة البرهان تسمح له بالسفر في كل أنحاء البلاد ويلتقي بكل قطاعات المجتمع؟ ولماذا لم تطالبه بتوضيح تصريحه بأنه "جاء لتحقيق طموحات الشعب السوداني"، فهل هو سفير أم حاكم؟ ولماذا سمحوا له بالتدخل في كثير من الشؤون الداخلية وزيارة الناس في بيوتهم مع أن ذلك مخالفة دبلوماسية حسب مواثيق الدول؟ ثم ما هي دوافع تصريحات السفير البريطاني جايلز ليفر؟ ومن هي الجهات التي يدعمها بشكل واضح وصريح دون أي دس ولا تغطية؟
إنها حقائق أصبحت واضحة لا ينفيها إلا جاهل، أو صاحب غرض قابض الثمن؛ حقائق كاد حتى الصغار يدركونها. فكل من يدخل موقع وزارة الخارجية الأمريكية سيرى مدى التعليمات لأطراف الحرب. وكل من يدخل موقع السفارة الأمريكية في السودان سيعرف من هو الحاكم الفعلي للبلد. وكل من يتابع موقع إكس ويتابع تصريحات السفراء والمبعوثين في السودان سيدرك الحقيقة الواضحة الجلية.
إن أخطر شيء في كثير من المثقفين في بلادنا أنهم لا يقرأون ولا يتابعون الأحداث، ثم يريدون أن يتحكموا ويقرروا في مجريات الأحداث، وللأسف يكذِّبون الحقائق ليجدوا المبرر لاستمرار الحرب لشيء في أنفسهم!
من يديرون الحرب يستغلون عاطفة أهل السودان خاصة بعد جرائم الدعم السريع التي باتت مكشوفة، فجُعل الناس أمام خيارين: إما أن تواصلوا الحرب مع خزي وتراجع وانهزام واضح تصر عليه القيادات الذين يرفضون فك لجام الجيش وكذا يرفضون مهاجمة قوات الدعم التي تسرح وتمرح دون مهاجمة واضحة إلا وعوداً كاذبة! أو الذهاب أذلاء إلى منبر جدة الذي تتحكم فيه أمريكا وتحقق به أجندتها في الاستفراد بالسودان وهي تصارع عملاء بريطانيا المدنيين الذين انقلبت على ثورتهم وعلى حكمهم وشردتهم يطوفون بين السفارات والمنظمات. وكله صراع سياسي عسكري على النفوذ والمصالح الاستعمارية يدفع ثمنه أهل البلاد الطيبون. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
إن الوعي مهم جدا في التعاطي مع هذه الحرب التي أكثرها يدار إعلاميا في الوسائط بينما تسلم الأراضي والمعسكرات في أرض الواقع. إذن أصبح الوعي معركة يفوز فيها فقط الذين يدركون ظواهر الأمور وبواطنها عبر متابعة دقيقة عميقة ويربطونها على أساس دينهم وعقيدتهم.
فالوعي السياسي هو النظرة للأحداث من زاوية خاصة، تحدد لك الحق من الباطل والرشد من الغي والصواب من الخطأ، بل وتعطيك علاجا ناجعا جذريا لكل مشكلة، وحلا لكل أزمة.
اللهم إنا نسألك تغييرا لهذه الأحوال على أساس دينك ورضاك وفق شرعك وحكمك الحكيم العزيز.. اللهم أنجز لنا وعدك بالخلافة الراشدة على منهاج النبوة، لنقيم حكمك، ونطبق شرعك، ونبسط عدلك، وننتصر لعبادك المؤمنين المستضعفين في الأرض يا رب العالمين.
بقلم: الأستاذ محمد جامع (أبو أيمن)
مساعد الناطق الرسمي لحزب التحرير في ولاية السودان
المصدر: جريدة الراية