- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-07-10
جريدة الراية: أمريكا تسعى لتحقيق نصر مؤزر لها في أفغانستان
تسعى الحكومة الأمريكية من خلال المنظمات الدولية - وعلى رأسها الأمم المتحدة - إلى تحقيق نصر مؤزر لم تتمكن من تحقيقه على مدار أكثر من عشرين عاماً من الحرب على الإسلام والمجاهدين في أفغانستان؛ وقد بدأ هذا السعي مُذ سمحت أمريكا لدولة قطر باستضافة الحركة، وفتح مكتب لها في الدوحة عام 2013م، حيث تواصلت أمريكا سياسياً مع الحركة من خلال هذا المكتب، وكانت هناك العديد من جولات المباحثات بين أمريكا ووسطائها - ومنهم الاستخبارات الباكستانية - وبين الحركة، إلى أن اتفق الجانبان على تسليم الحركة البلاد ورحيل القوات العسكرية وبقاء "الدولة العميقة" الموالية لأمريكا، وعلى رأسها العميل الأمريكي الأفغاني الذي جاءت به أمريكا على ظهر دباباتها، حامد كرازاي ووزير خارجيته عبد الله عبد الله، وإدارتهما للمجلس الأعلى للمصالحة الأفغانية إلى جانب الرئيس السابق رباني.
من أجل أن تطمئن أمريكا والدول الغربية الاستعمارية على أن يكون واقع الدولة "القومية" الأفغانية ومستقبلها على الشكل الذي تم الاتفاق عليه بعد اتفاق الدوحة لتسليم الحركة الحكم؛ حرصت أمريكا وحلفاؤها على فرض الشروط والخطط والتشكيلات الحكومية على حكومة الحركة، بالشكل الذي يضمن عدم تميّز دولة الحركة عن باقي الدول القائمة في بلاد المسلمين، التابعة للغرب قلباً وقالباً، والأهم من ذلك، هو التأكد من عدم قيام الحركة بتشكيل حكومة إسلامية أو إعلانها دولة إسلامية تحكم بالقرآن والسنة، وهي الغاية التي استشهد في سبيل تحقيقها الآلاف من المجاهدين الأفغان.
على الرغم من موافقة الحركة على الاتفاق النهائي في الدوحة قبل تسلمها للحكم في عام 2021م، وموافقتها على إقامة دولة "قومية" أفغانية بمسحة إسلامية بدل إقامة دولة إسلامية جامعة، إلا أن أمريكا لم تعلن قبولها بالحركة وحكومتها في النادي الاستعماري الغربي على غرار الحكومات التابعة لها في مختلف بلدان المسلمين، وراحت تضيف الشروط وتضع الخطط للحكومة، وفي المقابل، استمرت حكومة الحركة في الموافقة على كل تلك الإملاءات وتنفيذها حرفاً بحرف، إلى درجة أن الحركة لم تكتفِ بعدم تحكيم شرع الله في البلاد، بل وتمادت إلى الانضمام إلى الحلف الغربي في حملته الصليبية على الإسلام، وراحت تلاحق وتسجن وتعذّب كل من يطالب بتطبيق الشريعة الإسلامية، حيث تدّعي الحركة تطبيقها، وهو ما يخالف الواقع بشكل صارخ، بل وقد طالبت الحكومة الأفغانية من يعمل إلى إقامة الخلافة على منهاج النبوة "بالتوبة" عن هذا العمل النبيل، عمل الأنبياء وأولي العزم منهم! وبهذا وقعت الحركة في شراك الغرب، وصدق فيها قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾، واتّباع ملة اليهود والنصارى ليس محصوراً في العقائد، بل في عامة ما افتروا به على الله من مبادئ بشرية أنتجتها بنات عقولهم، مثل الديمقراطية والعلمانية ومفهوم الدولة القومية والوطنية.
وضمن دأب أمريكا وحلفها في متابعة مولودها الغريب في أفغانستان ورعايته، انطلقت في العاصمة القطرية الدوحة الأحد الماضي الجولةُ الثالثة من المحادثات بين مسؤولين أُمميين ومبعوثين خاصين إلى أفغانستان، وبين ممثلين لحكومة حركة طالبان، ومن المفترض أن يجتمع مسؤولون أمميون وأكثر من 20 مبعوثاً، من بينهم الممثل الخاص للولايات المتحدة في أفغانستان، مع وفد حكومة طالبان، برئاسة المتحدث باسمها ذبيح الله مجاهد، وكعادة أمريكا ومنظماتها الاستعمارية في أيّة مباحثات أو مبادرات، تقوم بعرض أجندة شكلية للاستهلاك الإعلامي والرأي العام، بينما تخفي أجندة ومقاصد مغايرة، فخلف إعلان أمريكا ابتغاءها بحث قضايا "حقوق المرأة" ودور المجتمع المدني في البلاد، هو التأكد من أن دولة الحركة تسير وفق الأجندة المتفق عليها بين أمريكا والحركة، ومنها تغريب المجتمع الأفغاني المحافظ، ومن ذلك امتهان المرأة الأفغانية في سوق العمل، أسوة بما يقوم به عميل أمريكا في بلاد الحرمين سلمان وابنه الأرعن.
إن الجهل السياسي لم يعد مقبولاً من أي حركة أو فصيل أو مجاهد أو سياسي يعمل في الأمة، خاصة وقد أصبح الكل مطّلعاً على خبايا المكائد السياسية، ومسلّمات الأحكام الشرعية، التي تحذّر من الكفار وتحرم موالاتهم، ولم يعد يخفى على أحد مكر المجتمع الدولي بالإسلام والمسلمين، وأنه لا يرجو لنا خيراً، فلا عذر لمعتذر!
يقول الشيخ الأسير في سجون كيان يهود، حامل الدعوة لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، الشيخ يوسف مخارزة: "الأعمال الصالحة التي تأتيها في الماضي هي رصيد لك في الآخرة وفي الدنيا، يثني الناس عليك بها ويحبونك لأجلها شريطة أن تبقى في المسار، فإذا كنت أمينا ثم صرت سارقا فإن النكير عليك يكون أعظم من النكير على من قضى عمره سارقا، وإذا كنت مجاهدا ثم صرت نصيرا للعدو تعينه على إخوتك فإياك أن تظن للحظة أن تاريخك أو تاريخ جماعتك يشفع لك، فكل نفس بما كسبت رهينة والتعاون مع العدو يسقط هيبتك ويذهب بكرامتك ويُحل عرضك ويُجرى عليك خلق الله، فالتوبة التوبة قبل فوات الأوان". لذلك يجب على الغافلين في قيادة الحركة تدارك أمرهم والقبول بما ردّوه أول مرة، عندما عرض عليهم حزب التحرير إقامة الخلافة على منهاج النبوة، فإن لم يتدارك القادة أمرهم، وجب على المخلصين في الحركة - وهم كُثر - تقويم اعوجاج قادتهم وتسليم السلطة للمخلصين والسياسيين ذوي الكفاية في حزب التحرير، ليرضى عنهم ساكن الأرض وساكن السماء، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ».
بقلم: الأستاذ بلال المهاجر – ولاية باكستان
المصدر: جريدة الراية