- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-02
جريدة الراية: ثورة الشام والضوء في آخر النفق
تمر ثورة الشام اليوم في نفق مظلم يكاد الناظر إليها من بعيد أن يحكم عليها بالهلاك والفشل، لمَ لا وهو يسمع تصريحات النظام التركي تتسارع كل يوم لتؤكد سعيه الحثيث للتطبيع مع نظام أسد المجرم، ومعلوم للجميع أن النظام التركي هو من يمتلك قرار الثورة، ناهيك عن تصرفات أدواته وعملائه قادة الفصائل، فهي تتوزع بين ظلم وتسلط على رقاب العباد، وبين اقتتالات هنا أو هناك، إضافة لفرض الضرائب والمكوس والتضييق على الناس في معاشهم.
كل هذا وغيره يجعل نظرة التشاؤم هي السائدة عند من ينظر لواقع الثورة، فأنى للثورة أن تحقق نصراً على نظام أسد المتهالك وقد رهنت قرارها عند النظام التركي الساعي للتطبيع معه؟ أنى لها أن تحرز تقدماً أو تحريراً للبلاد وهي ما تزال ترزح تحت جور القادة المتفرقين في التسلط على الناس والمجتمعين على مائدة الداعم؟
إن لسان حال الناظر إلى الثورة يقول: لا تحدثني عن الثورة فهي قد ماتت، وما يجري الآن هو ردم التراب عليها، فهل سمعت عن ميت عادت له الحياة؟! ألا ترى أن الجبهات مغلقة والاقتتالات والخلافات والاصطفافات مشتعلة؟ ألم تسمع تصريح أردوغان الأخير الذي قال فيه "أظهرنا رغبتنا في لقاء بشار الأسد من أجل تطبيع العلاقات التركية السورية وننتظر الآن رد الجانب الآخر"؟
لكن، مهلا أيها الناظر من بعيد، اقترب ودقق النظر، وتلفت يمنة ويسرة، انظر إلى ذلك النور الذي بدأ يتسلل للمكان، ألا ترى أن انفضاح وانكشاف دور النظام التركي الذي خدع أهل الثورة طوال سنوات الثورة، هو نور يبدد الظلام؟ ألا ترى أن ظلم القادة هو سبب كبير لانفضاض المخلصين عنهم؟ ألا تعلم أن اشتداد المكر والتآمر دليل عِظم هذه الثورة وقوتها وهي التي بقيت عصية على الانكسار طوال السنوات الماضية؟
إنه لمن المؤكد أن وجود الصادقين المخلصين في هذه الثورة واستمرارهم بالصدع بالحق ومواجهة الظالمين، هو القطرات المستمرة القادرة على اختراق الصخر الأصم، فكيف بها لو نزلت على تربة خصبة وأرض عطشى تتوق للتحرر والانعتاق من الظلم والتبعية؟ وإن من الثبات أن دوام الحال من المحال، وأن الله لا يصلح عمل المفسدين، وأنه سبحانه وتعالى ناصر عباده المستضعفين ولو بعد حين.
صحيح أن النظام التركي يسعى بكل طاقته لتسهيل عملية التطبيع مع النظام المجرم، لكن ألم يستطع الأحرار أن يقفوا في وجه خطوة فتح المعابر مع النظام المجرم؟ وهذا يدل على قوة الثورة وأهلها إذا ما استعادوا قرارهم وثبتوا على أهدافهم، فإنهم قادرون بإذن الله على مواجهة كل المؤامرات التي تحاك لهم.
لذلك يجب عليهم أن يكونوا واعين على كل مكيدة تُجهز لهم، فها هي صيحات الاقتتال المحرّم بدأت تستعر بين الفصائل وذلك بدفع من النظام التركي محاولا بذلك فرض أمر واقع جديد يستطيع من خلاله السير نحو التطبيع دون اعتراض من أحد، لكن أهل الشام قادرون بإذن الله على إفشال هذا المخطط أيضا بوعيهم وتحركاتهم الشعبية الواعية ليكونوا سدا منيعا أمام أي اقتتال، فهو خدمة للنظام التركي ومخططاته في التطبيع.
وأخيرا لا بد من إدراك حقيقة راسخة، هي أنه لن تتنزل ملائكة من السماء تقاتل بالنيابة عنا، ولا توجد دولة في العالم تنوي لنا الخير أو تريد الوقوف معنا لأجل إسقاط النظام المجرم، وبالتالي ما لنا إلا أن نحزم أمرنا ونتوكل على ربنا فهو ناصرنا ومثبتنا ولا نقول إلا كما قالت البقية الثابتة مع طالوت: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾.
بقلم: الأستاذ منير ناصر
المصدر: جريدة الراية