- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-16
جريدة الراية: دلالة إلغاء الاتحاد الأوروبي اتفاقياته التجارية مع المغرب
قامت محكمة العدل الأوروبية في 2024/10/04 بإلغاء اتفاقيتين تجاريتين مع المغرب بسبب الصراع المتعلق بمنطقة الصحراء الغربية، إذ اعتبرت أنّ "شعب الصحراء لم يُستشر فيهما، وأنّ وجود الاتفاقيتين رهن بموافقته"، ورفضت المحكمة الطعون التي رفعتها المفوضية الأوروبية، وهي التي وقعت الاتفاقيتين مع المغرب نيابة عن الدول الأوروبية بصفتها التنفيذية لدول الاتحاد.
وقال وزير الفلاحة والصيد البحري المغربي محمد صديقي في 2024/10/8 مُتحدياً الاتحاد الأوروبي ورافضاً قرارات محاكمه: "إنّ إلغاء محكمة العدل الأوروبية اتفاقيتي الصيد البحري مع أوروبا الأسبوع الماضي لن يكون له تأثير على تنمية قطاعي الفلاحة والصيد البحري، وإنّ قرار المحكمة الأوروبية يعني الأوروبيين، ونحن غير معنيين به"، وأردف: "نحن لا نقبل بأية اتفاقية لا تحترم السيادة الوطنية"، وقالت وزارة الخارجية المغربية إن الحكم يعد "انحيازا سياسيا صارخا ضد المغرب".
ومعلوم أنّ النزاع بخصوص إقليم الصحراء الغربية هو نزاع قديم نشب منذ عام 1975 عندما ضم فيه المغرب الإقليم إلى أراضيه بعيد انسحاب الاستعمار الإسباني منه في تلك السنة، وسيطر المغرب على معظم أراضي الإقليم.
ويعتبر المغرب أنّ الصحراء الغربية (الإقليم المتنازع عليه) هو جزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية، بينما تطالب جبهة البوليساريو - التي تدّعي تمثيل أهل الصحراء الغربية المدعومة من الجزائر - بانفصال الإقليم عن المغرب ووجوب منحه الاستقلال التام.
وعند صدور هذا القرار عمّت الفرحة منظمة البوليساريو في جزء من الصحراء الغربية التي تسيطر عليه الجزائر، وابتهجت وسائل الإعلام الجزائرية.
ويعتبر هذا القرار من ناحية واقعية، سابقة قضائية تلزم الاتحاد الأوروبي من الآن فصاعداً بمراعاة خصوصية السلع والبضائع التي منشؤها الصحراء الغربية باعتبارها ليست أراضي مغربية، وهذا يعرقل بالتالي توقيع أية اتفاقيات مستقبلية مع المغرب تتعلق بالصحراء الغربية، ويؤكّد في الوقت نفسه اعتراف أوروبا بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي وفقاً للمعاهدات الدولية وقوانين الأمم المتحدة.
وفي الوقت الذي اعترفت فيه أمريكا بسيادة المغرب الكاملة على الصحراء الغربية بشكلٍ صريح منذ أيام ترامب ما زالت أوروبا وبريطانيا تبدي تحفظاً واضحاً على تلك السيادة، وهذا ولا شك يعكّر العلاقة السياسية بين الأوروبيين وبين المغرب من جهة وبين الأوروبيين وأمريكا من جهة أخرى، وهو ما يدفع المغرب شيئاً فشيئاً نحو أمريكا.
ومع أنّ الدول الأوروبية الكبرى المنضوية في الاتحاد الأوروبي كألمانيا وفرنسا وإسبانيا تعاملت مع قرار المحكمة الأوروبية هذا بشيء من الامتعاض، وركّزت على ضرورة استمرار العلاقات التجارية القوية مع المغرب، إلا أنّها في الوقت نفسه احترمت قرارات المحكمة الأوروبية تماماً وامتثلت لها، وهو ما يعني أنّها ما زالت مُصمّمة على أن لا توافق على سيادة المغرب على منطقة الصحراء.
وأمّا بريطانيا فهي أيضاً لا تعترف بمغربية الصحراء الغربية وإن كانت تتعامل بخبث سياسي مع المغرب بإيهامه أنّها تقف إلى جانبه في هذا الشأن لكنّها لم تتخذ قراراً حاسماً وواضحاً فيه.
ولعل السبب في وقوف بريطانيا وأوروبا موقفاً ضبابياً إزاء الصحراء هو وجود مصالح لهذه الدول مع الجزائر تماماً كوجود مصالح لها مع المغرب، وكذلك لموازنة تلك المصالح في شمال أفريقيا بطريقة مركبة ومعقدة للوقوف بقوة أمام النفوذ الأمريكي المتزايد في المنطقة، والذي بدأ بتركيز قواته (الأفريكوم) في الأراضي المغربية للانطلاق منها نحو دول جنوب الصحراء الأفريقية الكبرى.
وتمكّنت بريطانيا والدول الأوروبية باتخاذها لمثل هذا الموقف الرافض منح السيادة المغربية الكاملة على الصحراء الغربية، من مواجهة تدخل أمريكا في دول شمال أفريقيا، ومن ثم إفشال مد نفوذها في المنطقة طوال الثلاثة عقود الماضية، بحيث باءت كل محاولات أمريكا لحل مشكلة الصحراء بطريقتها بالفشل الذريع، فتبعثرت جهودها في شمال أفريقيا بسبب ذلك، وبقيت المنطقة برمتها تخضع للنفوذ الأوروبي.
بقلم: الأستاذ أحمد الخطواني
المصدر: جريدة الراية