- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-10-23
جريدة الراية:
قمة منظمة شنغهاي للتعاون في إسلام آباد
الجغرافيا السياسية في ظل التنافس بين أمريكا والصين
(مترجم)
في ظل إجراءات أمنية مشددة في إسلام آباد، انطلقت القمة الثالثة والعشرون لمنظمة شنغهاي للتعاون مع اندلاع الضجة الإعلامية حولها كالمعتاد، وقد حضر الاجتماع قوى مهمة مثل الصين وروسيا والهند وباكستان وإيران وبعض دول آسيا الوسطى، واختتمت القمة بتوقيع ثماني وثائق تغطي ميزانية المنظمة وعمليات أمانة منظمة شنغهاي للتعاون وجهود مكافحة الإرهاب الإقليمية. وكان أبرز ما في الاجتماع هو المصادقة بالإجماع على تولي الصين رئاسة المنظمة للفترة 2024-2025 والتأكيد على أن روسيا ستكون المضيفة التالية، وبالنسبة للمراقب غير المطلع، تبدو القمة وكأنها تؤكد على طموحات منظمة شنغهاي للتعاون ضمن فرض نفسها ككتلة جيوسياسية رئيسية، ومع ذلك، فإن وراء الإعلانات الفخمة لا يوجد سوى القليل من الدسم.
واللافت للنظر أن المنظمة فشلت في تبني موقف قوي ضد الغرب، وخاصة أمريكا وحلف شمال الأطلسي، ولم تتبن منظمة شنغهاي للتعاون قراراً يحذّر كيان يهود وأمريكا من اتخاذ إجراءات انتقامية شديدة إذا تعرضت إيران للهجوم، ولم يمد أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون الدعم غير المحدود لحرب روسيا ضد أوكرانيا المدعومة من حلف شمال الأطلسي، ولعل الأكثر إحباطا من كل ذلك غياب أي تعاون داعم للصين لمواجهة الحشد العسكري الأمريكي المخيف على حافة المحيط الهادئ، وكانت موسكو وبكين تأملان منذ فترة طويلة أن تنافس منظمة شنغهاي للتعاون حلف شمال الأطلسي ذات يوم وتدفع "النظام القائم على القواعد" الغربية إلى الخلف، لكنهما قد تضطران إلى الانتظار لفترة غير معلومة. وكان الافتقار إلى الوحدة بين الدول الأعضاء بمثابة انعكاس للتنافسات المتعمقة التي تقوّض قدرة منظمة شنغهاي للتعاون على التأثير في السياسة الإقليمية، ولكنها تضعف بشكل أكثر أهمية فرص الصين في المنافسة مع أمريكا للسيطرة على العالم. وتتوقع الصين من منظمات مثل منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس مساعدتها في مواجهة الهيمنة الأمريكية في أوراسيا. وتشكل منظمة شنغهاي للتعاون عنصرا حيويا في مبادرة الحزام والطريق الأوسع نطاقا التي أطلقتها بكين، والتي تهدف إلى توسيع النفوذ الصيني من خلال مشاريع البنية الأساسية في جميع أنحاء أوراسيا. ومع ذلك، فإن هذا يمثل مشكلة بالنسبة لروسيا، حيث تتعدى مبادرة الحزام والطريق على مجال نفوذها التقليدي في دول آسيا الوسطى. وعلى الرغم من العلاقات الوثيقة بين موسكو والصين؛ بسبب التكتيكات الأمريكية العدوانية لاستخدام أوكرانيا ضد روسيا والجهود الأمريكية المضنية لتطويق الصين، فإن انعدام الثقة العميق بين الجارتين المتجذر في ثورة الملاكمين عام 1899 من الصعب التغلب عليها.
ثم هناك الخلاف الصيني الأكثر حداثة مع الهند والذي يمتد عبر منطقة الهيمالايا والمحيط الهندي وحافة المحيط الهادئ والفضاء. وبعيدا عن القوى الكبرى، فقد أسفر العداء بين الهند وباكستان عن اندلاع أربع حروب، وتزداد المناوشات الحدودية بين إيران وباكستان، ويستمر الصراع الحدودي المستمر بين قرغيزستان وطاجيكستان في تقويض الأهداف التي حددتها منظمة شنغهاي للتعاون، وبالإضافة إلى ذلك، تعاني المنظمة من معضلة حسابات توازن القوى، وتنافس قرغيزستان وطاجيكستان على تعزيز العلاقات مع روسيا على حساب بعضهما بعضا، وتسعى الصين إلى دعم باكستان من خلال الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان والأسلحة العسكرية، في حين تسعى الهند إلى توسيع العلاقات مع إيران وروسيا في مواجهة خطر باكستان. إن الخلل التجاري الخطير بين الاقتصاد الصيني العملاق والدول الأعضاء الأخرى يحفز الشكاوى المحلية ضد الواردات الرخيصة المصنوعة في الصين. ونتيجة لذلك، تعاني منظمة شنغهاي للتعاون من الانقسامات الأمنية والاقتصادية، ولكن ما يهدد بتفكك المنظمة بأكملها هو العلاقة الاستراتيجية بين الهند وأمريكا وأوروبا.
وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الصين، فمن غير المرجح أن تشكّل منظمة شنغهاي للتعاون، مثل مجموعة البريكس، تحدياً كبيراً لتفوق أمريكا في المنطقة وأن تعمل كثقل موازن لحلف شمال الأطلسي. إن ظل أمريكا يخيم بثقله على منظمة شنغهاي للتعاون، ومن خلال الهند وباكستان، قد تعمل أمريكا على إضعاف منظمة شنغهاي للتعاون بشكل أكبر. وبالتالي، واجهت تطلعات الصين إلى تخليص أوراسيا من الهيمنة الأمريكية مقاومة كبيرة.
والأمر الأكثر إزعاجاً هو أن ست دول من الدول الأعضاء العشر هي بلاد إسلامية، كما تضم الهند والصين أعداداً كبيرة من المسلمين، ومن هنا، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا يتوق المسلمون إلى تحقيق الأمن والازدهار في منظمة تهيمن عليها الصين وشريكتها الأصغر روسيا، وكلاهما عدوان لدودان للأمة؟! إن الاحتلال الوحشي لأفغانستان وتدمير روسيا لغروزني، والمعاملة الوحشية التي يلقاها الأويغور، هي جرائم لا تمحى ولا يمكن أن تُغفر أو تُمحى من ذاكرة الأمة الإسلامية، فضلاً عن ذلك، فإن القوتين لا تستحقان القيادة، ولم تتمكنا حتى من القدرة على الحشد السياسي الجماعي لاستغلال الحرج العالمي والكارثة الأخلاقية التي حلت بأمريكا بسبب دعمها لمجازر التطهير العرقي في غزة على أيدي يهود واستبدال النظام القائم على القواعد المتهالكة.
ولو نظر المسلمون إلى تاريخهم المجيد، فسوف يكتشفون أن أعظم فترات النجاح الاقتصادي والأمن في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون حين كانت تحت الحكم الإسلامي. وكانت الخلافة الراشدة، والخلافة الأموية، والخلافة العباسية، ثم السلطنة السلجوقية، والسلطنة التيمورية أمثلة على شبكات التجارة المزدهرة، والتقدم العلمي، والاستقرار السياسي، وكانت فترات النمو هذه تحت الحكم الإسلامي بمثابة مثال على ذلك. إنّ هذه الأمثلة تتناقض مع الصراعات التي تواجهها دول منظمة شنغهاي للتعاون في العصر الحديث، والتي يعاني العديد منها من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، بسبب انحيازها للقوى العظمى.
يتعين على المسلمين في منطقة منظمة شنغهاي للتعاون العودة إلى الإسلام في كل ما يتعلق بمشاكلهم، وإلا فإنهم سيستمرون في المعاناة من الذل والهوان تحت خضوع القوى العظمى. يقول الله تعالى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وإن الخلاص الوحيد للصراعات القائمة بين دول المنطقة ومنها الخلافات بين دول المنظمة هو نظام الخلافة الذي يوحد البلدان الإسلامية المنتمية إلى المنظمة، والتي بدورها ستعيد فتح وتوحيد باقي الدول الآسيوية في ظل الخلافة الإسلامية كما كانت من قبل.
بقلم: الأستاذ عبد المجيد بهاتي – ولاية باكستان
المصدر: جريدة الراية