- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
2024-12-11
جريدة الراية: آن لكم أيتها الفصائل أن تقلبوا لجميع الخونة ظهر المجن
فلم يعد لديكم ما تخسرونه
منذ الأيام الأولى لعملية طوفان الأقصى كان واضحا خذلان الجميع لأهل غزة، بل إن منهم من لم يكتف بعار صمته المخزي، فراح يسارع في التواطؤ والتآمر والمشاركة في الحرب كما فعل حكام مصر وقطر والأردن والإمارات وتركيا، وكأنهم يريدون أن يستثمروا اللحظة في خدمة أسيادهم، بتصفية القضية، والتخلص من كل نفس طاهر عزيز مجاهد، وطمس كل معلم للإباء والكرامة يفضح تآمرهم وخيانتهم، فهم لا يتعاملون مع قضية فلسطين إلا بحسب ما يمليه عليهم أسيادهم، ولهذا فهم لا يخجلون إذ ينظرون بعيونهم ويسمعون بآذانهم ما يجري على أرض غزة من إبادة وسحق وفناء دون أن يحركوا ساكنا، يكبلون الجيوش ويمنعونها من التحرك، ويحاربون كل مسعى من شأنه أن يستنفرها للقيام بواجبها، ويمعنون في خيانتهم حين يساوون بين الضحايا وقاتلهم، فيمارسون دور الوساطة بين أهل فلسطين ويهود، بإيعاز من دول الكفر بحسب ما يصرحون هم بألسنتهم، وهم في وساطتهم هذه أقرب إلى يهود، حيث يساومون أهل فلسطين على دمائهم وعلى قوتهم لإجبارهم على التنازل عن الأرض المباركة والمسجد الأقصى لصالح يهود، وفي سياق الضغط والمساومة تأتي حوارات القاهرة بين منظمة التحرير وسلطتها وبين باقي الفصائل بحجة الترتيب لإدارة غزة، والتي لا تخرج عن كونها ضمن الرؤية الأمريكية للحل، وبهدف التضليل وامتصاص الاحتقان في بلاد المسلمين، وتنفيس مشاعر التعاطف مع إخوانهم في فلسطين، ينشطون في تحركاتهم في إطار المساعدات الإنسانية، وكأن أهل غزة بحاجة للغذاء والدواء فقط، وإن فعلوا وقدموا شيئا من ذلك فبالقدر الذي يأذن به يهود، قاتلهم الله أنى يؤفكون!
منذ الإعلان عن محور المقاومة، ورفعه شعار "وحدة الساحات"، والذي ظل ينفخ في نفسه سنوات، حتى توهم البعض أنه قد رتب أمره، وأعد عدته للانقضاض على كيان يهود والقضاء عليه مرة واحدة، فيصبح أثرا بعد عين ونسيا منسيا، فإذا به يتهاوى عند أول اختبار، وينكشف زيفه عند أول محك حقيقي بعد عملية طوفان الأقصى، حيث تركت غزة وحدها تواجه غطرسة يهود وآلتهم العسكرية القاتلة والمدمرة، والمدعومة بكل قوة وبشكل مطلق من الغرب الكافر، حتى تلك التحركات والعمليات التي نفذتها أطراف المحور المختلفة، سواء حزب إيران في لبنان، أو الحوثيون في اليمن، أو الفصائل العراقية على مدار 14 شهرا من الحرب على غزة، لم تتجاوز كونها عمليات مشاغلة لكيان يهود، وليست عمليات حاسمة بهدف القضاء عليه وتحرير فلسطين، فالضربات محسوبة، والأهداف مدروسة بحيث لا تتعدى الضغط على يهود، وإرغامهم على البقاء ضمن مخطط أمريكا ورؤيتها للمنطقة، أمريكا التي قادت حرب الإبادة على غزة من أول يوم، كما أن تلك العمليات لا تعدو كونها عملية تضليل لجماهير الأمة التواقة لنصرة الأرض المباركة، وتتحرق شوقا للجهاد وقتال يهود، وإلا لماذا يحصر قتال يهود في منظمات وفصائل بينما جيوش المسلمين موجودة؟!
وبعد توقيع اتفاق ضمان حماية وأمن كيان يهود في لبنان، بين حزب إيران وكيان يهود بأمر من أمريكا ورضا من إيران، لم يعد مجال للشك بأن المحور كان مجرد كذبة، وأن وحدة الساحات لم تكن إلا سرابا حسبه السذج ماءً، فأصابهم بخيبة أمل كبيرة، ولكن لم الاستغراب؟! فهذه نتيجة حتمية للركون للأنظمة العميلة والارتباط بها، سواء المطبعون أو من زعموا الممانعة والمقاومة، الأمر الذي لم ننفك نحذر منه، وننصح كل مخلص بأن يبتعد عن تلك الأنظمة صنيعة الاستعمار، وأدواته العابثة في بلادنا، والحارس الأمين لمصالحه.
بدون مجاملة أو مكابرة ما حدث ويحدث في غزة لا ريب أنها عملية استئصال لشأفة الجهاد والمجاهدين بكل ما تعنيه الكلمة، ولا علاقة له بفصيل أو شخص ما، ورغم فداحة الكارثة وعظم الجريمة، إلا أننا لم نشهد أي تحرك على مستوى التضحيات الجسيمة التي تقدم من أهل غزة حتى يومنا هذا، وأمام هذه الجريمة ما زالت ما تسمى بفصائل المقاومة تتعامل بالعقلية نفسها والأساليب ذاتها، وكأن الاستهداف والاغتيال والتدمير والإبادة، والسحق والطحن لكل مقدرات أهل فلسطين لم يغير فيهم شيئا، يجعلهم يراجعون أمرهم، ويعيدون النظر في علاقتهم بتلك الأنظمة المجرمة، وما جرته هذه العلاقة على فلسطين وأهلها من مصائب، واستغلال تضحيات أهل فلسطين وجهادهم ودمائهم في تمرير مخططات الكافر المستعمر، ثم يصورون خيانتهم على أنها انتصار، وهذا دأبهم على مدار عمر القضية.
آن الأوان لهذه الفصائل أن تقطع علاقتها بتلك الأنظمة العميلة، والتوقف عن تبييض صفحاتها السوداء أمام أمتنا الكريمة، وآن لها أن تدرك أن هذه العلاقة سبب رئيس في تخدير الأمة وأهل القوة والمنعة فيها، بينما الدماء تنزف والأشلاء تتناثر، والمساجد تقصف على مصليها، والمنازل تدك فوق رؤوس ساكنيها دون أن تجد من ينصرها، ويرفع آلة القتل والإجرام عنها، فحالة الخذلان التي نشكو منها في فلسطين إنما هي بسبب هذا الركون المشين لتلك الأنظمة، والامتناع عن مخاطبة الأمة الخطاب الذي يحرك فيها عقيدتها، ويدفعها للتحرر والتخلص من أنظمة العار والشنار.
آن لكم أيتها الفصائل أن تقلبوا لجميع العملاء والخونة ظهر المجن، فجميعهم قد رموكم ورموا أهل فلسطين عن قوس خيانة واحدة، لا فرق بين مطبع وممانع، آن لكم أن تقلبوا الطاولة على رؤوس الجميع، فما عاد لديكم ما تخسرونه، آن لكم أن تصارحوا أمتكم بحقيقة حكامها، وأن تتوقفوا عن لغة المصالح التي تتحدثون بها، فلا خير يرتجى من هذه الأنظمة، وإن الدماء المسفوحة أعظم من كل مصلحة.
لا ينبغي لأحد أن يتوهم من كلامنا هذا أن المسؤولية تقع على الفصائل، بل المسؤولية دائما وأبدا تتحملها الأمة الإسلامية، وهي ملزمة بالتحرك والقيام بواجبها تجاه فلسطين وأهلها، فالقضية أكبر من كل الفصائل ولو اجتمعت.
وعلى الأمة أن تتجاوز الجميع، وتدرك أن طريق تحرير فلسطين يبدأ بتحررها من حكامها العملاء، وجمع كلمتها وتوحيد صفها في كيان واحد، دولة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة، بها يداس على كيان يهود، ويقطع دابر المستعمر الكافر من بلادنا، وإلا فإن معاناة أمتنا مستمرة، ومأساة فلسطين وأهلها باقية ولن تنتهي ما بقيت أنظمة العمالة والخيانة قائمة.
بقلم: الأستاذ خالد سعيد
عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير في الأرض المباركة (فلسطين)
المصدر: جريدة الراية