- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
جواب سؤال
الجهر بكلمة الحق
إلى مصطفى علي إبراهيم
السؤال:
السلام عليكم ورحمه الله،
لدي سؤال:
سورة يونس الآية ٩٠: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ﴾، وسورة طه الآية ٧٨: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾.
هل هذا يعني أن أمر الحاكم وفعل الحاكم شيء واحد حتى نقول إن الوقوف ضد أوامره كالوقوف ضد أفعاله، يعني أن نقول كلمة حق أمام شرطته أو معاونيه كالقول أمامه «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ» وشكرا.
لكم حق التعديل في صيغة السؤال، وجزاكم الله خيرا.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أولاً: بالنسبة للآيتين الواردتين في السؤال وهما قوله تعالى في سورة يونس آية 90: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً﴾، وقوله تعالى في سورة طه الآية 78: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾، فكأنك تشير إلى الفرق في المعنى المستفاد من استعمال حرف الواو وحرف الباء في لفظي (جنوده)، حيث يقول سبحانه في الآية الأولى: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ﴾، بينما يقول سبحانه في الآية الثانية: ﴿فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾، ومعنى أتبعهم أي تبعهم ولحقهم فأدركهم وفق ما هو مذكور في كتب التفسير.
ولكن الآية الأولى ﴿فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ﴾ فيفهم منها حسب اللغة أن فرعون كان فيمن لحقهم، أي أن ملاحقة موسى عليه السلام وبني إسرائيل شارك فيها فرعون لعنه الله، فكان فيمن تبعهم فأدركهم، وذلك لأن الواو في لفظ (وجنوده) تدل هنا على المشاركة أي اشتراك فرعون وجنوده في ملاحقة بني إسرائيل.
وأما الآية الثانية ﴿فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ﴾ فيمكن أن يفهم منها حسب اللغة أن فرعون شارك جنوده وصاحبهم في الملاحقة، ولكن يمكن أن يفهم منها أيضاً حسب اللغة أن فرعون لم يشارك جنوده ولم يخرج معهم بل استعان بهم فقط في الملاحقة، وذلك لأن الباء في اللغة تفيد المصاحبة والاستعانة، فكلمة (بجنوده) في الآية يمكن أن تحمل لغة على المصاحبة فيكون فرعون صاحب جنوده في ملاحقة بني إسرائيل، ويمكن أن تحمل على الاستعانة، أي يمكن أن يكون معهم، ويمكن أن يكون استعان بجنوده لملاحقتهم دون أن يشاركهم أي أن الذي لاحقهم هم جنود فرعون دون فرعون نفسه.
وتحديد أحد المعنيين (المصاحبة أو الاستعانة) يتبين من الجمع بين الآيتين:
فالآية الأولى مدلولها واحد لغة؛ وهو أن فرعون لعنه الله شاركهم أي صاحبهم في اللحاق بموسى عليه السلام.. والآية الثانية مدلولها يحتمل لغة المصاحبة أي صاحبهم في اللحاق بموسى عليه السلام، ويحتمل كذلك الاستعانة أي استعان بجنوده ليلحقوا بموسى عليه السلام دون أن يصحبهم فرعون لعنه الله في ذلك.. ولأن مدلول الآيتين لا يتناقض فيكون المعنى بالجمع بين الآيتين هو أن فرعون كان مع جنده في ملاحقة موسى عليه السلام، أي أن الباء في "بجنوده" هنا تفيد معنى المصاحبة، أي أنه صاحب جنده في اللحاق بموسى عليه السلام.. هذا بالنسبة لمعنى الآيتين.
ثانياً: وأما الحديث الشريف الوارد ذكره في السؤال فقد رواه الترمذي في سننه عن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْجِهَادِ كَلِمَةَ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ»، قَالَ أَبُو عِيسَى وَفِي الْبَاب عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وجاء في المعجم الكبير للطبراني عن أَبِي أُمَامَةَ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «أَحَبُّ الْجِهَادِ إِلَى اللهِ كَلِمَةُ حَقٍّ تُقَالُ لإِمَامٍ جَائِرٍ». وفي رواية أخرى عند الطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، أَنَّ رَجُلا، قَالَ عِنْدَ الْجَمْرَةِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». وجاء في كتاب عون المعبود في شرح هذا الحديث ما يلي: [... عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ. قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ:
(أَفْضَل الْجِهَاد): أَيْ مِنْ أَفْضَله بِدَلِيلِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ إِنَّ مِنْ أَعْظَم الْجِهَاد (كَلِمَة عَدْل) وَفِي رِوَايَة لِابْنِ مَاجَهْ كَلِمَة حَقّ، وَالْمُرَاد بِالْكَلِمَةِ مَا أَفَادَ أَمْراً بِمَعْرُوفٍ أَوْ نَهْياً عَنْ مُنْكَر مِنْ لَفْظ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ كَكِتَابَةٍ وَنَحْوهَا.
(عِنْد سُلْطَان جَائِر): أَيْ ظَالِم إِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَل الْجِهَاد لِأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوّ كَانَ مُتَرَدِّداً بَيْن رَجَاء وَخَوْف لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِب أَوْ يُغْلَب وَصَاحِب السُّلْطَان مَقْهُور فِي يَده، فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ وَأَهْدَفَ نَفْسه لِلْهَلَاكِ فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَل أَنْوَاع الْجِهَاد مِنْ أَجْل غَلَبَة الْخَوْف قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْره
(أَوْ أَمِير جَائِر): الظَّاهِر أَنَّهُ شَكّ مِنَ الرَّاوِي.].
فهذا الحديث الشريف يفهم منه أن أفضل الجهاد قول كلمة الحق أمام السلطان الجائر لا أمام أتباعه، والمراد بالسلطان الجائر الأمير الجائر، سواء أكان رئيساً أم ملكاً أم رئيس وزراء أم والياً، فلا بد أن يكون ذا سلطان وذا إمارة حكم حتى تكون هذه الأفضلية في قول الحق أمامه..
ولكن هذا لا يعني أنه لا فضل لقول كلمة الحق أمام أتباع الحاكم الظالم، فالجهر بكلمة الحق فيه خير وفضل دائماً، ولكن الأفضلية الخاصة التي ذكرها النبي ﷺ في حديثه الذي نحن بصدده هي أفضلية متعلقة بصاحب السلطان، أي الحاكم نفسه، لما في قول كلمة الحق أمامه من أهمية ولما في ذلك من مخاطرة وشجاعة وقوة، كما ذكر ذلك بعض شراح الحديث: [... قَالَ الْخَطَّابِيُّ: وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ الْجِهَادِ؛ لِأَنَّ مَنْ جَاهَدَ الْعَدُوَّ كَانَ مُتَرَدِّداً بَيْنَ الرَّجَاءِ وَالْخَوْفِ لَا يَدْرِي هَلْ يَغْلِبُ أَوْ يُغْلَبُ. وَصَاحِبُ السُّلْطَانِ مَقْهُورٌ فِي يَدِهِ فَهُوَ إِذَا قَالَ الْحَقَّ وَأَمَرَهُ بِالْمَعْرُوفِ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلتَّلَفِ، وَأَهْدَفَ نَفْسَهُ لِلْهَلَاكِ، فَصَارَ ذَلِكَ أَفْضَلَ أَنْوَاعِ الْجِهَادِ مِنْ أَجْلِ غَلَبَةِ الْخَوْفِ. وَقَالَ الْمُظْهِرُ: وَإِنَّمَا كَانَ أَفْضَلَ لِأَنَّ ظُلْمَ السُّلْطَانِ يَسْرِي فِي جَمِيعِ مَنْ تَحْتَ سِيَاسَتِهِ وَهُوَ جَمٌّ غَفِيرٌ، فَإِذَا نَهَاهُ عَنْ الظُّلْمِ فَقَدْ أَوْصَلَ النَّفْعَ إِلَى خَلْقٍ كَثِيرٍ بِخِلَافِ قَتْلِ كَافِرٍ...].
فالكلام كله هو عن صاحب السلطان الجائر نفسه لا عن أتباعه وأعوانه وجنوده.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
17 رجب الخير 1445هـ
الموافق 2024/1/29م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك