- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير
على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"
أجوبة أسئلة
1- وقت رمي الحاج للجمار
2- الأضحية بالعجول المسمنة
3- حكم الأضحية بالطيور
إلى Ameer Torman، امجد التعمري، هيثم ابو شخيدم، Noman Almur
السؤال الأول: وقت رمي الحاج للجمار
سؤال Ameer Torman
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالكم أميرنا؟ أسأل الله أن تكونوا بخير وعافية، كما وأسأله تعالى أن يفتح عليكم ويجري على أيديكم الخير.. آمين. نويت بعد مشيئة الله تأدية فريضة الحج هذا العام وعندي سؤال، بالنسبة لرمي الجمرات هناك من يرمي المرة الأولى قبل منتصف الليل ويبقى في المكان بعد أن ينتصف الليل ويرمي المرة الثانية، وأنا أرى أن ذلك خطأ، لذلك أرى أن يرجم الحاج قبل مغيب شمس ذلك اليوم ثم ينتظر بعد المغيب ليرجم المرة الثانية كون اليوم ينتهي بمغيب الشمس، فهل هذا صحيح؟
بارك الله فيكم وسدد على الحق خطاكم.
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
في البداية أدعو الله سبحانه أن يسهل طريقك وييسر أمرك ويكتب لك حجاً مبروراً متقبلاً وأن يغفر الله سبحانه به لك.
وأنصحك قبل الشروع في الحج أن تدرس أحكامه بعناية، فالكتب التي تتحدث عن أحكام الحج كثيرة وهناك دروس وشروح وافية من قبل بعض أهل العلم حول الحج وأحكامه مشفوعة بالصور والتوضيحات... وكذلك يمكنك الرجوع إلى أهل الاختصاص أثناء الحج للسؤال عما يشكل عليك وهم هناك كثيرون... وإليك جواب سؤالك:
1- رمي الجمار يكون يوم النحر العاشر من ذي الحجة أول أيام العيد، ويكون كذلك في أيام التشريق الثلاثة أي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة، وهي اليوم الثاني والثالث والرابع من أيام العيد... والرمي في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة رابع أيام العيد هو لغير المتعجل، فأما المتعجل فيكون رميه يوم العيد وفي اليومين اللذين بعده من أيام التشريق وهما يوم الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة...
2- أما عن بداية الرمي ونهايته، فالذي أرجحه، (وأقول أرجحه لأن هناك آراء أخرى)، هو ما يلي:
أ- بداية الرمي:
- يوم العيد يكون الرمي هو فقط رمي جمرة العقبة الكبرى وحدها بسبع حصيات، ولا يرمي غيرها، والأفضل في وقت رميها أن يكون ضحى يوم النحر تأسياً بالرسول ﷺ، فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: «رَمَى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ»، وفي رواية مسلم: «رَمَى رَسُولُ اللهِ ﷺ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ»، ولما رواه الترمذي في سننه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ وَقَالَ لَا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ»، قَالَ أَبُو عِيسَى حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيح.
- أما في أيام التشريق الثلاثة فالذي أرجحه بالنسبة لبداية الرمي أن ابتداء الرمي يكون بعد الزوال، وذلك لما يلي:
- روى البخاري في صحيحه عن جابر رضي الله عنه قال: «رَمَى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ»، وفي رواية مسلم: «رَمَى رَسُولُ اللهِ ﷺ الْجَمْرَةَ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَأَمَّا بَعْدُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ»، وقد روى أبو داود في سننه عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِينَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَرْمِي الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ كُلُّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَقِفُ عِنْدَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَيُطِيلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا».
- جاء في المغني لابن قدامة (3/ 399) – فَصْل، الرَّمْيِ يَوْمَ النَّفْر قَبْلَ الزَّوَال وَفِي أَيَّامِ التَّشْرِيق بَعْدَ الزَّوَالِ:
[(2569) فَصْلٌ: وَلَا يَرْمِي فِي أَيَّامِ التَّشْرِيق إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ، فَإِنْ رَمَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَعَادَ. نَصَّ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، إلَّا أَنَّ إِسْحَاقَ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ، رَخَّصُوا فِي الرَّمْيِ يَوْمَ النَّفْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلَا يَنْفِرُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ...
وَلَنَا، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ إنَّمَا رَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ؛ لِقَوْلِ عَائِشَةَ: يَرْمِي الْجَمْرَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ. وَقَوْلِ جَابِرٍ، فِي صِفَةِ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ: رَأَيْت رَسُولَ اللهِ ﷺ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ضُحَى يَوْمِ النَّحْرِ، وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ. وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ». وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا. وَأَيَّ وَقْتٍ رَمَى بَعْدَ الزَّوَالِ أَجْزَأَهُ، إلَّا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ الْمُبَادَرَةُ إلَيْهَا حِينَ الزَّوَالِ، كَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ. «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ يَرْمِي الْجِمَارَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ، قَدْرَ مَا إذَا فَرَغَ مِنْ رَمْيِهِ صَلَّى الظُّهْرَ». رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ]. انتهى
ب- أما عن آخر وقت الرمي فالذي أرجحه هو ما يلي:
- يستمر وقت الرمي لجمرة العقبة من شمس (ضحى) يوم النحر (أول أيام العيد) حتى فجر ثاني أيام العيد وذلك لأن النبي ﷺ أقر الرمي ليلاً، فقد روى البخاري في صحيحه [عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: «لَا حَرَجَ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» وَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ: «لَا حَرَجَ». وكذلك فقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنّ رَسُولَ اللهِ ﷺ رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا لَيْلا.] والليل ينتهي بدخول الفجر.
- وأما آخر وقت الرمي في أيام التشريق فهو فجر اليوم الذي يليه لما سبق أن ذكرناه مما روى البخاري في صحيحه عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: «لَا حَرَجَ» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ قَالَ: «اذْبَحْ وَلَا حَرَجَ» وَقَالَ رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ: «لَا حَرَجَ». والليل ينتهي بدخول الفجر.
ج- ويستثنى من ذلك ثالث أيام العيد للمتعجل فيكون آخر وقت الرمي قبل غروب الشمس حتى لا يدخل اليوم الرابع للعيد بغروب شمس اليوم الثالث وهو ما زال في منى لأنه إن دخل اليوم الرابع وهو في منى لم يغادرها فإنه عليه البقاء في منى إلى اليوم الرابع... ويستثنى أيضاً اليوم الرابع للعيد فآخر وقت الرمي هو قبل غروب الشمس لأنه آخر أيام الرمي.
3- وبناء على الموضح في الأعلى فإن الصور المذكورة في سؤالك غير واردة، فأنت تقول: (بالنسبة لرمي الجمرات هناك من يرمي المرة الأولى قبل منتصف الليل ويبقى في المكان بعد أن ينتصف الليل ويرمي المرة الثانية، وأنا أرى أن ذلك خطأ، لذلك أرى أن يرجم الحاج قبل مغيب شمس ذلك اليوم ثم ينتظر بعد المغيب ليرجم المرة الثانية كون اليوم ينتهي بمغيب الشمس، فهل هذا صحيح؟)، وواضح أنك تقصد الرمي أيام التشريق:
أ- والصورة الأولى عندك هي أن يرمي قبل منتصف ليل الحادي عشر من ذي الحجة عن أول أيام التشريق، وهذا الرمي صحيح، ولكن رميه بعد منتصف ليل الحادي عشر من ذي الحجة عن يوم الثاني عشر من ذي الحجة غير صحيح لأنه قبل زوال شمس الثاني عشر من ذي الحجة... وقل مثل ذلك في سائر أيام التشريق.
ب- والصورة الثانية عندك أن يرمي قبل غروب شمس الحادي عشر من ذي الحجة عن أول أيام التشريق، وهذا الرمي صحيح، ولكن رميه بعد غروب الحادي عشر من ذي الحجة عن يوم الثاني عشر من ذي الحجة غير صحيح لأنه قبل زوال شمس الثاني عشر من ذي الحجة... وقل مثل ذلك في سائر أيام التشريق.
وعليه فإن آخر وقت الرمي يوم النحر وأيام التشريق هو كما بيناه في البند (2-ب) أعلاه.
آمل أن تكون المسألة قد اتضحت الآن.
============
السؤال الثاني: الأضحية بالعجول المسمنة
سؤال امجد التعمري
أميرنا العزيز، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أسأل الله أن تكون بصحة وعافية.
سؤالي: هل تُجزِئُ العجول الْمُسمَّنة في الأضحية إذا كانت أقلَّ مِنْ سَنَتَيْن؟
سؤال: هيثم ابو شخيدم
السلام عليكم
هل تجوز الأضحية بالعجول المسمنة التي عمرها أقل من عامين؟
الجواب:
إن سؤاليكما هما عن موضوع واحد وإليكما الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
1- إن الأضحية عبادة وقد بين الرسول ﷺ شروطها وأحكامها، ومن شروط الأضحية سنها، قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً، إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ، فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنَ الضَّأْنِ» رواه مسلم، والمسنة من البقر سنتان فأكثر.. فالقول بإجماع العلماء على أن أضحية البقر تصح فيما دون السنتين إن كانت سمينة وكثيرة اللحم هو قول غير صحيح، ولم يقل بجواز أضحية البقر التي أقل من سنتين إذا كانت كثيرة اللحم إلا قلة من أصحاب الفتوى في هذا العصر وفتواهم هذه مخالفة للدليل، ولما هو معتمد من أقوال المجتهدين من علماء السلف الصالح.
والأنصبة والمقادير الشرعية هي أنصبة ومقادير شرعية غير معللة فيراعى فيها النصاب أو المقدار دون تعليل، فحديث رسول الله ﷺ واضح «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً» والمسنة من البقر ما بلغ السنتين ودخل في الثالثة، والنهي هنا نهي جازم وقرينة الجزم واضحة في النص وهي الاستثناء للمعسر الذي جاز له جذعة الضأن، والجذعة من الضأن ما أتمت الستة أشهر.
فذبح الأضحية عبادة وهي عبادة توقيفية شأنها شأن باقي العبادات تؤدى وفق شروطها وأسبابها التي بينها الشرع وهي شروط غير معللة ولا تصح الأضحية إلا بحسبها.
2- جاء في المفاهيم ص34: (والأنظمة الإسلامية أحكام شرعية تتعلق بالعبادات والأخلاق والمطعومات والملبوسات والمعاملات والعقوبات. فالأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والأخلاق والمطعومات والملبوسات لا تعلل، قال عليه الصلاة والسلام: «حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا». وأما الأحكام الشرعية المتعلقة بالمعاملات والعقوبات فإنها تعلل، لأنّ الحكم الشرعي فيها مبني على علة كانت الباعث على تشريع الحكم. وقد اعتاد الكثيرون أن يعللوا جميع الأحكام بالنفعية، متأثرين بالقيادة الفكرية الغربية والحضارة الغربية التي تجعل النفعية البحتة أساساً لجميع الأعمال. وهذا يناقض القيادة الفكرية الإسلامية التي تجعل الروح أساساً لكل الأعمال، وتجعل مزجها مع المادة الضابط للأعمال. وعلى هذا فإن الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والأخلاق والمطعومات والملبوسات لا تعلل مطلقاً، لأنّه لا علة لهذه الأحكام، وإنّما تؤخذ كما وردت بالنص ولا تبنى على علة مطلقاً، فالصلاة والصيام والحج والزكاة وكيفية الصلاة وعدد ركعاتها ومشاعر الحج وأنصبة الزكاة وما شاكل ذلك تؤخذ توقيفاً كما وردت، وتتلقى بالقبول والتسليم بغض النظر عن علتها، بل لا تلتمس لها علة...).
وهكذا فإن عمر الأضحية لا يصح تجاوزه سواء أكان العجل سمينا بشكل كبير أم غير كبير حيث إن النص ذكر السن دونما علة فهو أمر ملزم...
=============
السؤال الثالث: حكم الأضحية بالطيور
سؤال: Noman Almur
السلام عليكم...
ما حكم الأضحية بالطيور... علما أن هناك كلاماً لسيدنا بلال عن الأضحية بديك؟
الجواب:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أولاً: الأضحية هي نسك وشعيرة من شعائر الإسلام، وينبغي أن تؤدى وفق ما وردت به الأدلة الشرعية دون خروج عنها، وبتتبع الأدلة الشرعية ذات العلاقة يتبين ما يلي:
1- ذكر القرآن الكريم النسك مرتبطاً ببهيمة الأنعام، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾، وقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة في تفسير القرطبي ما يلي:
[تفسير القرطبي (12/ 58)
قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ﴾ قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾ لما ذكر تعالى الذبائح بين أنه لم يخل منها أمة، والأمة القوم المجتمعون على مذهب واحد، أي ولكل جماعة مؤمنة جعلنا منسكا. والمنسك الذبح وإراقة الدم، قاله مجاهد. يقال: نسك إذا ذبح ينسك نسكا. والذبيحة نسيكة، وجمعها نسك، ومنه قوله تعالى: ﴿أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ والنسك أيضا الطاعة. وقال الأزهري في قوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾: إنه يدل على موضع النحر في هذا الموضع، أراد مكان نسك. ويقال: منسك ومنسك، لغتان، وقرئ بهما. قرأ الكوفيون إلا عاصما بكسر السين، الباقون بفتحها. وقال الفراء: المنسك في كلام العرب الموضع المعتاد في خير أو شر. وقيل مناسك الحج لترداد الناس إليها من الوقوف بعرفة ورمي الجمار والسعي. وقال ابن عرفة في قوله: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً﴾: أي مذهبا من طاعة الله تعالى، يقال: نسك نسك قومه إذا سلك مذهبهم. وقيل: منسكا عيدا، قاله الفراء. وقيل: حجا، قاله قتادة.
والقول الأول أظهر، لقوله تعالى: ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ﴾ أي على ذبح ما رزقهم. فأمر تعالى عند الذبح بذكره وأن يكون الذبح له، لأنه رازق ذلك.] انتهى.
وواضح من هذا التفسير للآية الكريمة أن النسك هو الذبح في الأرجح وأنه يكون من بهيمة الأنعام. فالآية مشعرة أن النسك والشعيرة تكون بذبح بهيمة الأنعام، أي هي مشعرة بأن المجزئ في الشعيرة والنسك هو ذبح بهيمة الأنعام، وهذا ينطبق على الأضحية من حيث كونها نسكاً وشعيرة.
2- جميع النصوص الشرعية التي تتحدث عن الأضاحي التي قدمها الرسول ﷺ وكذلك صحابته الكرام كانت الأضاحي فيها من بهيمة الأنعام حصراً، فمثلاً:
- روى البخاري في صحيحه عن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «كانَ النَّبِيُّ ﷺ يُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ وَأَنَا أُضَحِّي بِكَبْشَيْنِ».
- وروى البخاري كذلك عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «انْكَفَأَ إِلَى كَبْشَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ».
- وفي البخاري أيضاً عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِسَرِفَ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: «مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ نَعَمْ، قَالَ: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ. قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَر».
- وعند مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ «أَمَرَ بِكَبْشٍ أَقْرَنَ يَطَأُ فِي سَوَادٍ وَيَبْرُكُ فِي سَوَادٍ وَيَنْظُرُ فِي سَوَادٍ فَأُتِيَ بِهِ لِيُضَحِّيَ بِهِ فَقَالَ لَهَا يَا عَائِشَةُ هَلُمِّي الْمُدْيَةَ ثُمَّ قَالَ اشْحَذِيهَا بِحَجَرٍ فَفَعَلَتْ ثُمَّ أَخَذَهَا وَأَخَذَ الْكَبْشَ فَأَضْجَعَهُ ثُمَّ ذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ بِاسْمِ اللهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ ضَحَّى بِهِ».
- وروى الترمذي في سننه عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنْ الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً»، قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَأَبُو الْمُثَنَّى اسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ يَزِيدَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ قَالَ أَبُو عِيسَى وَيُرْوَى عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «فِي الْأُضْحِيَّةِ لِصَاحِبِهَا بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ وَيُرْوَى بِقُرُونِهَا».
فكون التضحية زمن النبي ﷺ كانت ببهيمة الأنعام حصراً.. فكل ذلك يشير إلى أن غير بهيمة الأنعام لا يجزئ في الأضحية.
3- النصوص الشرعية التي وردت بشأن شروط الأضحية من حيث السن وعمن تجزئ ومن حيث سلامة الأعضاء ونحو ذلك، جاءت كلها بشأن بهيمة الأنعام، ولم يرد أي نص شرعي يجعل شرائط في غير بهيمة الأنعام، فمن ذلك مثلاً:
- روى مسلم في صحيحه عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا تَذْبَحُوا إِلَّا مُسِنَّةً إِلَّا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ».
- وروى البخاري في صحيحه عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ «ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ: شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ عِنْدِي دَاجِناً جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ، قَالَ: اذْبَحْهَا وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ».
- روى مسلم في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ.
- وأورد الحاكم في مستدركه مجموعة من الأحاديث بخصوص صفات الأضحية المجزئة كما يلي:
[... سمعت عبيد بن فيروز يقول: قلت للبراء رضي الله عنه حدثني عما كره أو نهى عنه رسول الله ﷺ من الأضاحي قال: «فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ هَكَذَا بِيَدِهِ وَيَدِي أَقْصَرُ مِنْ يَدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ: أَرْبَعٌ لَا يَجْزِينَ فِي الْأَضَاحِي: الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا، وَالْكَسِيرُ الَّتِي لَا تُنْقَى. قَالَ: قُلْتُ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَكُونَ نَقْصٌ فِي الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ. قَالَ: فَمَا كَرِهْتَ فَدَعْهُ، وَلَا تُحَرِّمْهُ عَلَى غَيْرِكَ».
هذا حديث صحيح ولم يخرجاه لقلة روايات سليمان بن عبد الرحمن وقد أظهر علي بن المديني فضائله وإتقانه ولهذا الحديث شواهد متفرقة بأسانيد صحيحة ولم يخرجاها فمنها:
... عن علي رضي الله عنه أن نبي الله ﷺ «نَهَى أَنْ يُضَحِّيَ بِأَعْضَبِ الْقَرْنِ وَالْأُذُنِ» قال قتادة فذكرت لسعيد بن المسيب قال: العضب النصف فما فوق ذلك.
ومنها: ... سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أمرنا رسول الله ﷺ أن نستشرف العين والأذن.
ومنها: ... أن رجلا سأل عليا رضي الله عنه عن البقرة فقال عن سبعة. قال القرن قال: العرج قال: إذا بلغت المناسك قال: وكان رسول الله ﷺ أمرنا أن نستشرف العين والأذن.
ومنها: ... عن أبي حميد الرعيني قال: كنا جلوسا إلى عتبة بن عبد السلمي فأقبل يزيد ذو مصر المقرائي فقال لعتبة: يا أبا الوليد إنا خرجنا آنفا في التماس جدي نسك فلم نكد نجد شيئا ينقى غير أني وجدت ثرماء سمينة فقال عتبة: فلو ما جئتنا بها فقال: اللهم غفرا أتجوز عنك ولا تجوز عني؟ قال: نعم قال: ولم ذاك؟ قال: إنك تشك ولا أشك قال: ثم أخرج عتبة يده فقال: إنما نهى رسول الله ﷺ عن خمس؛ عن الموصلة والمصفرة والبخقاء والمشيعة والكسراء قال: والموصلة المستأصلة قرنها، والمصفرة المستأصلة أذنها، والبخقاء البين عورها، والمشيعة المهزولة أو المريضة التي لا تتبع الغنم] انتهى.
أ- فهذه الأحاديث كلها تتحدث عن بهيمة الأنعام، وليس فيها حديث عن غيرها من سائر الحيوان أو الطير، وهي تبين المجمل الوارد في قوله تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾، فلا يصح المصير إلى غير بهيمة الأنعام في الأضحية لأنها غير مندرجة في البيان.
ب- ثم إن اشتراط السن في بهيمة الأنعام واشتراط خلوها من بعض العيوب يعني أن ما كان من بهيمة الأنعام ولا يلبي هذه الشروط فلا يجزئ في الأضحية، فكيف بما كان من غير بهيمة الأنعام مما لم يرد بشأنه دليل؟! أي أن بهيمة الأنعام وردت أدلة بأن الأضاحي تكون منها، ومع ذلك فإن لم تتحقق فيها الشروط المطلوبة شرعاً فلا تجزئ، وهذا يدل على أن ما كان من غير بهيمة الأنعام لا يجزئ من باب أولى.
ثانياً: وأما ما استدل به ابن حزم على جواز التضحية بغير بهيمة الأنعام، فإنه لا تقوم به حجة، فقد جاء في كتاب المحلى لابن حزم في بيان أدلته في هذه المسألة ما يلي:
[مَسْأَلَةٌ الأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ
- مَسْأَلَةٌ: وَالأُضْحِيَّةُ جَائِزَةٌ بِكُلِّ حَيَوَانٍ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ ذِي أَرْبَعٍ، أَوْ طَائِرٍ، كَالْفَرَسِ، وَالإِبِلِ، وَبَقَرِ الْوَحْشِ، وَالدِّيكِ، وَسَائِرِ الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْحَلالِ أَكْلُهُ، وَالأَفْضَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ مَا طَابَ لَحْمُهُ وَكَثُرَ وَغَلا ثَمَنُهُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ كَلامِنَا فِي الأَضَاحِيِّ قَوْلَ بِلالٍ: مَا أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ابْتِيَاعِهِ لَحْماً بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ... وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ يُجِيزُ الأُضْحِيَّةَ بِبَقَرَةٍ وَحْشِيَّةٍ عَنْ سَبْعَةٍ، وَبِالظَّبْيِ أَوْ الْغَزَالِ عَنْ وَاحِدٍ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ التَّضْحِيَةَ بِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْبَقَرَةُ الإِنْسِيَّةُ مِنْ الثَّوْرِ الْوَحْشِيِّ، وَبِمَا حَمَلَتْ بِهِ الْعَنْزُ مِنْ الْوَعْلِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لا تُجْزِي إلا مِنْ الإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ. وَرَأَى مَالِكٌ: النَّعْجَةَ، وَالْعَنْزَ، وَالتَّيْسَ أَفْضَلَ مِنْ الإِبِلِ، وَالْبَقَرِ: فِي الأُضْحِيَّةِ. وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ فَرَأَيَا الإِبِلَ أَفْضَلَ، ثُمَّ الْبَقَرَ، ثُمَّ الضَّأْنَ، ثُمَّ الْمَاعِزَ - وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً فَنُورِدُهَا أَصْلا، إلا أَنْ يَدَّعُوا إجْمَاعاً فِي جَوَازِهَا مِنْ هَذِهِ الأَنْعَامِ، وَالْخِلافَ فِي غَيْرِهَا.
فَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَيُعَارِضُونَ بِمَا صَحَّ فِي ذَلِكَ عَنْ بِلالٍ، وَلا يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ حُجَّةٌ إذَا وَافَقَهُمْ.
........
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا الْمَرْدُودُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فَهُوَ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ فَوَجَدْنَا النُّصُوصَ تَشْهَدُ لِقَوْلِنَا، وَذَلِكَ أَنَّ الأُضْحِيَّةَ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى - بِكُلِّ مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ قُرْآنٌ وَلا نَصُّ سُنَّةٍ - حَسَنٌ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وَالتَّقَرُّبُ إلَيْهِ - عز وجل - بِمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَيْهِ بِهِ فِعْلُ خَيْرٍ.
نَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ نَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ نَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلامِ الْخُشَنِيُّ نَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بُنْدَارٌ نَا صَفْوَانُ بْنُ عِيسَى نَا ابْنُ عَجْلانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَثَلُ الْمُهَجِّرِ إلَى الْجُمُعَةِ كَمَثَلِ مَنْ يُهْدِي بَدَنَةً، ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَقَرَةً، ثُمَّ كَمَنْ يُهْدِي بَيْضَةً» وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشاً أَقَرْنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً».
فَفِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ هَدْيُ دَجَاجَةٍ، وَعُصْفُورٍ، وَتَقْرِيبُهُمَا، وَتَقْرِيبُ بَيْضَةٍ؛ وَالأُضْحِيَّةُ تَقْرِيبٌ بِلا شَكٍّ، وَفِيهِمَا أَيْضاً فَضْلُ الأَكْبَرِ فَالأَكْبَرِ جِسْماً فِيهِ وَمَنْفَعَةً لِلْمَسَاكِينِ، وَلا مُعْتَرِضَ عَلَى هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ أَصْلا...] انتهى.
1- فأما استدلال ابن حزم بفعل القربات بما تيسر في الأضاحي فلا يستقيم لأن الأضحية بيَّن الشرع حكمها وبأي حيوان تكون، فلا يصح أن تكون التضحية بغير ما بينه الشرع، فالدليل على عدم جواز التضحية بغير بهيمة الأنعام هو أن الشرع بين الحكم الشرعي المجمل بالنسبة للأضحية وجعل من البيان كون التضحية ببهيمة الأنعام، فلا يصح الخروج عن هذا البيان الشرعي لأن بيان المجمل ملزم شرعاً. وكذلك استدلاله بحديث فضل المبكر لصلاة الجمعة، فهو ليس خاصاً بذبح النسك بل هو في التقرب إلى الله بالصدقة أياً كانت والدليل على ذلك ذكر البيضة في آخر الحديث «وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً»، ولا شك أن البيضة لا تدخل في الأضاحي لأنه لا بد في الأضحية من إراقة الدم، ولهذا فإن هذا الحديث لم يأت لبيان أحكام الأضاحي فلا يستقيم الاستدلال به على مسألة الأضاحي.
2- وأما استدلاله بما نقل عن بلال رضي الله عنه، وقد ذكره ابن حزم في موضع آخر من المحلى بطوله كما يلي: [وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا أَبُو الأَحْوَصِ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُسْلِمٍ هُوَ الْجُعْفِيُّ - عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي بِلالٌ: مَا كُنْت أُبَالِي لَوْ ضَحَّيْت بِدِيكٍ، وَلأَنْ آخُذَ ثَمَنَ الأُضْحِيَّةِ فَأَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ مُقْتِرٍ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ.]، فهو كذلك استدلال في غير محله، وذلك لأن قول بلال رضي الله عنه لا يقوى على معارضة الأدلة من قول النبي ﷺ وفعله، وكذلك ما نقل عن سائر الصحابة الكرام من تضحيتهم ببهيمة الأنعام حصراً. ثم إن بلالاً رضي الله عنه لم يقم بالتضحية بديك، ولا روى أن أحداً ضحى بديك، وقوله أصلاً ليس في باب بيان المجزئ في الأضحية، بل هو لبيان عدم وجوب الأضحية وأن الصدقة وفق رأيه أفضل منها كما هو واضح في قوله (وَلأَنْ آخُذَ ثَمَنَ الأُضْحِيَّةِ فَأَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ مُقْتِرٍ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُضَحِّيَ).
3- وكذلك استدلال ابن حزم (وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ابْتِيَاعِهِ لَحْماً بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ: هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ)، فواضح أنه غير سليم لأن ما فعله ابن عباس رضي الله عنه ليس أضحية في عرف الشرع، فالأضحية يجب أن تذبح، وأما شراء لحم من السوق وتوزيعه فلا يعد أضحية شرعاً ولا يقوم مقام الأضحية شرعاً بل هو نوع من الصدقة.
وعليه فيمكننا القول باطمئنان كبير إن الأضحية لا تجزئ من الطير، ولا تكون شرعاً إلا من بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) وفق الشروط التي دلت عليها الأدلة الشرعية.
أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة
02 ذو الحجة 1445هـ
الموافق 2024/06/08م
رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على: الفيسبوك