- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح82) نظرة خاطفة للحضارتين: الغربية والإسلامية
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّمَانِينَ, وَعُنوَانُهَا: "نَظرَةٌ خَاطِفَةٌ لِلحَضَارَتَينِ: الغَربِيَّةِ وَالإِسلامِيَّةِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ الثَّامِنَةِ وَالسِّتِينَ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: "ونَظْرَةٌ خَاطِفَةٌ للحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ الَّتِي تَتَحَكَّمُ في العَالَمِ اليَوْمَ، تُرِينَا أَنَّ الحَضَارَةَ الغَرْبِيَّةَ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضْمَنَ للإِنْسَانيَّةِ طُمَأْنِينَتَهَا، بَلْ إِنَّهَا عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ سَبَّبَتْ هَذَا الشَقَاءَ الَّذِي يَتَقَلَّبُ العَالَمُ عَلَى أَشْوَاكِهِ، ويَصْطَلِي بِنَارِهِ. والحَضَارَةُ الَّتِي تجَعَلُ أَسَاسَهَا فَصْلَ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ خِلافَاً لِفِطْرَةِ الإِنْسَانِ، ولا تُقِيمُ للنَاحِيَةِ الرُوحِيَّةِ وَزْنَاً في الحَيَاةِ العَامَّةِ، وتُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها المَنْفَعَةُ فَقَطْ، وتَجْعَلُ الصِلَةَ بَيْنَ الإِنْسَانِ والإِنْسَانِ في الحياةِ هِيَ المَنْفَعَةَ، هَذِهِ الحَضَارَةُ لا تُنْتِجُ إِلاَّ شَقَاءً وقَلَقَاً دَائِمَيْنِ، فَما دَامَتْ هَذِهِ المَنْفَعَةُ هِيَ الأَسَاسَ، فالتَنَازُعُ عَلَيْهَا طَبِيِعِيٌّ، والنِضَالُ في سَبِيلِهَا طَبِيِعِيٌّ، والاعْتِمَادُ عَلَى القُوَّةِ في إِقَامَةِ الصِلاتِ بَيْنَ البَشَرِ طَبِيِعِيٌّ. ولذَلِكَ يَكَوْنُ الاستعمارُ طَبِيِعِيَّاً عِنْدَ أَهْلِ هَذِهِ الحَضَارَةِ، وتَكُونُ الأَخْلاقُ مُزَعْزَعَةً، لأَنَّ المَنْفَعَةَ وَحْدَهَا سَتَظَلُّ هِيَ أَسَاسَ الحَيَاةِ. ولهذا فَمِنَ الطَبِيِعِيِّ أَنْ تُنْفَى مِنَ الحَيَاةِ الأَخْلاقُ الكَرِيمَةُ كَمَا نُفِيَتْ مِنْهَا القِيَمُ الرُوحِيَّةُ، وأَنْ تَقُومَ الحَيَاةُ عَلَى أَسَاسِ التَنَافُسِ والنِضَالِ والاعْتِدَاءِ والاستعمارِ. وما هُوَ وَاقِعٌ في العَالَمِ اليَوْمَ مِنْ وُجُودِ أَزَمَاتٍ رُوحِيَّةٍ في نُفُوسِ البَشَرِ، ومِنْ قَلَقٍ دَائِمٍ وشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى نَتَائِجِ هَذِهِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، لأَنَّها هِيَ الَّتِي تَتَحَكَّمُ في العَالَمِ وهِيَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى هَذِهِ النَتَائِجِ الخَطِيرَةِ والخَطِرَةِ عَلَى الإِنْسَانيَّةِ.
ونَظْرَةٌ إِلَى الحَضَارَةِ الإِسْلامِيَّةِ الَّتِي سادتِ العَالَمَ مُنْذُ القَرْنِ السابعِ المِيلادِيِّ حَتَّى أَوَاخِرِ القَرْنِ الثَامِنَ عَشَرَ المِيلادِيِّ، تُرِينَا أَنَّها لَمْ تَكُنْ مُسْتَعْمِرَةً، ولَيْسَ مِنْ طَبْعِهَا الاستعمارُ، لأَنَّها لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ المُسْلِمينَ وغَيْرِهِمْ، فَضَمِنَتِ العَدَالَةَ لجَمِيعِ الشُعُوبِ الَّتِي دَانَتْ لها طَوَالَ مُدَّةِ حُكْمِهَا، لأَنَّها حَضَارَةٌ تَقُومُ عَلَى الأَسَاسِ الرُوحِيِّ الَّذِي يُحَقِّقُ القِيَمَ جَمِيعَهَا: مِنْ مَادِّيـَّةٍ، ورُوحِيَّةٍ، وخُلُقِيَّةٍ، وإِنْسَانِيَّةٍ. وتَجْعَلُ الوَزْنَ كُلَّهُ في الحَيَاةِ للعَقِيدَةِ. وتُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها مُسَيَّرَةٌ بأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ، وتَجْعَلُ مَعْنَى السَعَادَةِ بأَنَّها رِضْوَانُ اللهِ. وحِينَ تَسُودُ هَذِهِ الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ كَمَا سَادَتْ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا سَتَكْفُلُ مُعَالَجَةَ أَزَمَاتِ العَالَمِ، وتَضْمَنُ الرَفَاهِيَّةَ للإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ".
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ:كَعَادَتِهِ دَائِمًا فِي نِهَايَةِ كُلِّ مَوضُوعٍ يَختَتِمُهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - بِإِعطَاءِ الخُلاصَةِ, وَتَقدِيمِ النَّتِيجَةِ النِّهَائِيَّةِ الَّتِي تَوَصَّلَ إِلَيهَا بِعَقلِهِ الرَّاجِحِ, وَفَكرِهِ الثَّاقِبُ, فَتَجِدُهُ بَعدَ عَرْضِ المَوضُوعِ مُفَصَّلاً يَقُولُ: وَالحَاصِلُ ... ثُمَّ يَذكُرُ الخُلاصَةَ. وَهُوَ فِي نِهَايَةِ مَوضُوعِ الحَضَارَةِ وَالمَدَنِيَّةِ يُقَدِّمُ نَظرَةً خَاطِفَةً لِكُلٍّ مِنَ الحَضَارَتَينِ الإِسلامِيَّةِ وَالغَربِيَّةِ, وَيُمكِنُ إِجْمَالُ هَذِهِ النَّظرَةِ الخَاطِفَةِ إِلَى هَاتَينِ الحَضَارَتَينِ بِالنُّقَاطِ الآتِيَةِ:
أولا: الحضارة الإسلامية:
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ سادتِ العَالَمَ مُنْذُ القَرْنِ السابعِ المِيلادِيِّ حَتَّى أَوَاخِرِ القَرْنِ الثَامِنَ عَشَرَ المِيلادِيِّ
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ تَقُومُ عَلَى الأَسَاسِ الرُوحِيِّ الَّذِي يُحَقِّقُ القِيَمَ جَمِيعَهَا: مِنْ مَادِّيـَّةٍ، ورُوحِيَّةٍ، وخُلُقِيَّةٍ، وإِنْسَانِيَّةٍ.
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ لَمْ تَكُنْ مُسْتَعْمِرَةً، ولَيْسَ مِنْ طَبْعِهَا الاستعمارُ، لأَنَّها لَمْ تُفَرِّقْ بَيْنَ المُسْلِمينَ وغَيْرِهِمْ.
- ضَمِنَتِ الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ العَدَالَةَ لجَمِيعِ الشُعُوبِ الَّتِي دَانَتْ لها طَوَالَ مُدَّةِ حُكْمِهَا.
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ تَجْعَلُ الوَزْنَ كُلَّهُ في الحَيَاةِ للعَقِيدَةِ. وتُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها مُسَيَّرَةٌ بأَوَامِرِ اللهِ ونَوَاهِيهِ.
- الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ تَجْعَلُ مَعْنَى السَعَادَةِ بأَنَّها رِضْوَانُ اللهِ.
- حِينَ تَسُودُ الحَضَارَةُ الإِسْلامِيَّةُ كَمَا سَادَتْ مِنْ قَبْلُ، فَإِنَّهَا سَتَكْفُلُ مُعَالَجَةَ أَزَمَاتِ العَالَمِ، وتَضْمَنُ الرَفَاهِيَّةَ للإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ".
ثانيا: الحضارة الغربية:
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَتَحَكَّمُ في العَالَمِ اليَوْمَ.
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ تجَعَلُ أَسَاسَهَا فَصْلَ الدِينِ عَنِ الحَيَاةِ خِلافَاً لِفِطْرَةِ الإِنْسَانِ، ولا تُقِيمُ للنَاحِيَةِ الرُوحِيَّةِ وَزْنَاً في الحَيَاةِ العَامَّةِ، وتُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها المَنْفَعَةُ فَقَطْ، وتَجْعَلُ الصِلَةَ بَيْنَ الإِنْسَانِ والإِنْسَانِ في الحياةِ هِيَ المَنْفَعَةَ.
- ما دَامَتْ المَنْفَعَةُ هِيَ الأَسَاسُ فِي الحَضَارَةِ الغَربِيَّةِ، فالتَنَازُعُ عَلَيْهَا طَبِيِعِيٌّ، والنِضَالُ في سَبِيلِهَا طَبِيِعِيٌّ، والاعْتِمَادُ عَلَى القُوَّةِ في إِقَامَةِ الصِلاتِ بَيْنَ البَشَرِ طَبِيِعِيٌّ.
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَضْمَنَ للإِنْسَانيَّةِ طُمَأْنِينَتَهَا، بَلْ إِنَّهَا عَلَى العَكْسِ مِنْ ذَلِكَ سَبَّبَتْ هَذَا الشَقَاءَ الَّذِي يَتَقَلَّبُ العَالَمُ عَلَى أَشْوَاكِهِ، ويَصْطَلِي بِنَارِهِ.
- الحَضَارَةُ الغَرْبِيَّةُ تُصَوِّرُ الحَيَاةَ بأَنَّها المَنْفَعَةُ فَقَطْ، وتَجْعَلُ الصِلَةَ بَيْنَ الإِنْسَانِ والإِنْسَانِ في الحياةِ هِيَ المَنْفَعَةَ.
- الحَضَارَةُ لا تُنْتِجُ إِلاَّ شَقَاءً وقَلَقَاً دَائِمَيْنِ؛ لأَنَّ المَنْفَعَةَ وَحْدَهَا سَتَظَلُّ هِيَ أَسَاسَ الحَيَاةِ. ولهذا فَمِنَ الطَبِيِعِيِّ أَنْ تُنْفَى مِنَ الحَيَاةِ الأَخْلاقُ الكَرِيمَةُ كَمَا نُفِيَتْ مِنْهَا القِيَمُ الرُوحِيَّةُ، وأَنْ تَقُومَ الحَيَاةُ عَلَى أَسَاسِ التَنَافُسِ والنِضَالِ والاعْتِدَاءِ والاستعمارِ.
- ما هُوَ وَاقِعٌ في العَالَمِ اليَوْمَ مِنْ وُجُودِ أَزَمَاتٍ رُوحِيَّةٍ في نُفُوسِ البَشَرِ، ومِنْ قَلَقٍ دَائِمٍ وشَرٍّ مُسْتَطِيرٍ، خَيْرُ دَلِيلٍ عَلَى نَتَائِجِ هَذِهِ الحَضَارَةِ الغَرْبِيَّةِ، لأَنَّها هِيَ الَّتِي تَتَحَكَّمُ في العَالَمِ وهِيَ الَّتِي أَدَّتْ إِلَى هَذِهِ النَتَائِجِ الخَطِيرَةِ والخَطِرَةِ عَلَى الإِنْسَانيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.