- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة السابعة والخمسون: القرينة الثامنة: الربط بين السلطان والبيعة والطاعة وقيام الجماعة ووحدة المسلمين، وصفة الخروج عن شيء منها!
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
أمر المسلمين بتنفيذ أحكامه التي نزلت، وأمرهم ببيعة خليفة يقيم فيهم تلك الأحكام، وأمرهم بطاعته وقرنها بطاعة الله ورسوله، وجعل قيام جماعة المسلمين، ووحدتهم كلتيهما مقرونتين بوجود الخلافة واجتماعهم على الخليفة، وجعل الخروج عن السلطان، أو الخروج عن الجماعة أو الخروج عن الطاعة أو شق اجتماع المسلمين على خليفة واحد مؤذنا بخلع ربقة الإسلام من الأعناق[1]، وأحيانا أمر بقتل الخارج، أو مفرق الكلمة، وأحيانا جعل ميتته ميتة جاهلية، وأحيانا جعله يثلم ثلمة في الإسلام لا يستطيع سدها[2].
جمع الله تعالى كل ما أنزل من أحكام وشرائع، من أوامر ونواه تحت تسمية واحدة جامعة مانعة، سماها: الأمر: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الجاثية: 18]، ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ [النساء: 59]، فالله جمع مجموع ما أنزل من أوامر ونواه تحت مسمى الأمر، أمراً لتساس حياة الناس وفقا له، وجعل ولاية هذا الأمر لولي الأمر، الأمر لولي الأمر، والولاية: النصرة والسيادة وتولي رعاية الشؤون، فهو من يتولى رعاية الشؤون وفق أوامر الله، فأمر بإقامة ولي للأمر، وجعل له الطاعة مقابل تطبيق الأحكام وإقامة الدين، وقرن طاعته بطاعة الله ورسوله، عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسـلم قَالَ «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي[3]»!
وجعل الخروج عن طاعته مؤذنا بخلع ربقة الإسلام من العنق، فإنْ صاحَبَ الخروجَ شقٌّ لعصا المسلمين أمر بالقتل درءا لفتنة تفرق المسلمين! فأي أمر عظيم هذا الذي غلظ في العقوبة عليه وفي التنفير من اقترافه، بل إن غيابه فتنة، ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه﴾ [الأنفال: 39]!، قال رسول الله صلى الله عليه وسـلم «وأنا آمركم بخمس آمركم بالسمع والطاعة والجماعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه ومن دعا دعوى الجاهلية فهو جثاء جهنم قال رجل يا رسول الله وإن صام وصلى قال نعم وإن صام وصلى ولكن تسموا باسم الله الذي سماكم عباد الله المسلمين المؤمنين».
واعتبر الخروج عليه مؤذنا بالخروج من الجماعة، إذ بوجود السلطان (أي الخليفة) توجد الجماعة والخروج من الجماعة خروج من السلطان وكل هذا مؤذن بأن يخلع الخارج وقتها ربقة الإسلام من عنقه.
فقد أحاطت الأحاديث بالموضوع من كل جوانبه: إيجاب البيعة للإمام أي للخليفة: «ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية»، وإيجاب الطاعة بناء على هذه البيعة: «من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له». بل لقد زاد وزاد:
قال صلى الله عليه وسـلم: «من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات، مات ميتةً جاهلية». رواه النسائي ومسلم، فجعل وجود الخليفة مؤذنا بقيام جماعة المسلمين، ومن غير قيامه ينفرط عقد جماعة المسلمين، وجعل الخروج على طاعة الخليفة خروجا عن جماعة المسلمين، كيف لا وقد سمى الصحابة عام اجتماعهم على معاوية بعد تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهم جميعا، سموا ذلك العام: عام الجماعة!
وأخرج أحمد من حديث فضالة بن عبيد الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وسـلم أنه قال «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل فارق الجماعه، وعصى إمامه، ومات عاصيا»، قال الصنعاني: وقوله وفارق الجماعة: أي خرج عن الجماعة الذين اتفقوا على طاعة إمام انتظم به شملهم، واجتمعت به كلمتهم، وحاطهم عن عدوهم، قوله «فميتته ميتة جاهلية» [4]
فهذه كلها قرائن على أن الطلب في الأحاديث للبيعة والطاعة ولزوم الجماعة أي لزوم الاجتماع مع المسلمين تحت طاعة أمير واحد كما سيأتي، كل هذا إنما هو طلب جازم، فالرسول صلى الله عليه وسـلم لا يصف ميتةً لمسلم بالجاهلية ويصف فرقته بأنها عذاب ويأمر بعدم السؤال عنه ويأمر بقتله إن نازع الخليفة الأمر، ويصفه إن خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، كمن خلع رِبْقَةَ الإسلام من عنقه، إلا إذا كان هذا المسلم قد ارتكب حراما أو ترك فرضا، أما تارك المندوب فلا يوصف بهكذا أوصاف.
أولم يقل الرسول صلى الله عليه وسـلم: «فإن الله سائلهم عما استرعاهم»! فهو هو الذي جعل رعاية الشؤون لهم، وجعلها مسؤولية يُسألونَ عنها يوم الدين! ويُحاسَبونَ عليها في الدنيا، فكيف لا يقال بأن تطبيق الشريعة وإقامة الدولة التي تطبق هذه الأحكام أوجب الواجبات، إذ بلا هذه الطريقة فإن هذه الأحكام معطلة! عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسـلم قال «إقامة حد من حدود الله خير من مطر أربعين ليلة في بلاد الله عز وجل»[5]! فكيف بتطبيق سائر أحكام الله في الأرض!
وقال ابن سعد في طبقاته: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد السكري قال: حدثنا أبو المليح قال: كتب عمر بن عبد العزيز: إن إقامة الحدود عندي كإقامة الصلاة والزكاة!
[1] رِبْقَةَ الإسلام من عنقه: قال الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح: أي نقض عهده وذمته من عنقه وانحرف عن الجماعة وخرج عن الموافقة.
وقال بعضهم المعنى فقد نبذ عهد الله وأخفر ذمته التي لزمت أعناق العباد لزوم الربقة بالكسر وهي واحدة الربق وهو حبل فيه عدة عرى يشد به إليه أي أولاد الضأن والواحدة من تلك العرى ربقة. انتهى، فكأنما شبه اجتماع المسلمين على إمام واحد يشد أزرهم ويجعلهم جماعة واحدة، كأولاد الضأن يشدون بحبل واحد فيه عرى تلتف على أعناقهم فتشد وثاقهم فلا يشرد منهم واحد عن ذلك الاجتماع، وجعل ذلك الاجتماع: الإسلام، فقال: خلع ربقة الإسلام من عنقه، ويا له من تشبيه!
[2] وعن رجل قال: كنا قد حملنا لأبي ذر شيئا نريد أن نعطيه إياه فأتينا الربذة فسألنا عنه فلم نجده قيل: استأذن في الحج فأذن له، فأتيناه بالبلد - وهي منى - فبينا نحن عنده إذ قيل له: إن عثمان صلى أربعا فاشتد ذلك عليه، وقال قولا شديدا وقال: صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسـلم - فصلى ركعتين، وصليت مع أبي بكر وعمر، ثم قام أبو ذر فصلى أربعا فقيل له: عبت على أمير المؤمنين شيئا ثم تصنعه؟ قال: الخلاف أشد، إن رسول الله - صلى الله عليه وسـلم - خطبنا وقال: « إنه كائن بعدي سلطان فلا تذلوه فمن أراد أن يذله فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، وليس بمقبول منه توبة حتى يسد ثلمته وليس بفاعل، ثم يعود فيكون فيمن يعزره.» رواه أحمد وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات.
[3] رواه البخاري في كتاب الأحكام.
[4] سبل السلام للصنعاني
[5] ( حسن ) الألباني _ الصحيحة 231، المشكاة 3558، الروض النضير 1068