- الموافق
- 1 تعليق
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح153) ما يشترط في معاون التفويض, وفي تقليده
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا "بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام" وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالخَمْسِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"مَا يُشتَرَطُ فِي مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ, وَفِي تَقلِيدِهِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَتين الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ بَعدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 43-يُشتَرَطُ فِي الـمُعَاوِنِ مَا يُشتَرَطُ فِي الخَلِيفَةِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً، حُرّاً، مُسلِماً، بَالِغاً، عَاقِلاً، عَدْلاً، قَادِراً مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ فِيمَا وُكِلَ إِلَيهِ مِنْ أَعْمَالٍ.
المادة 44-يُشتَرَطُ فِي تَقلِيدِ مُعَاوِنِ التَّفوِيضِ أَنْ يَشْتَمِلَ تَقلِيدُهُ عَلَى أَمرَينِ: أَحَدِهِمَا عُمُومُ النَّظَرِ، وَالثَّانِي النِيَّابَةُ. وَلِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الخَلِيفَةُ: "قَلَّدْتُكَ مَا هُوَ إِلَيَّ نِيَابَةً عَنِّي"، أَوْ مَا فِي هَذَا الـمَعْنَى مِنَ الأَلفَاظِ الَّتِي تَشتَمِلُ عَلَى عُمُومِ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ. وَهَذَا التَّقلِيدُ يُمَكِّنُ الخَلِيفَةَ مِنْ إِرسَالِ الـمُعَاوِنِينَ إِلَى أَمكِنَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ نَقلِهِمْ مِنهَا إِلَى أَمَاكِنَ أُخرَى وَأَعْمَالٍ أُخرَى عَلَى الوَجْهِ الَّذِي تَقتَضِيهِ مُعَاوَنَةُ الخَلِيفَةِ، وَدُونَ الحَاجَةِ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ كُلَّ هَذَا دَاخِلٌ ضِمْنَ تَقلِيدِهِمُ الأَصْلِيِّ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: أَيُّهَا الصَّائِمُونْ, يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ.
أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَاتَانِ هُمَا الـمَادَّتَانِ الثَّالِثَةُ وَالأَربَعُونَ, وَالرَّابِعَةُ وَالأَربَعُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَاتَينِ الـمَادَّتين مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ, وهِيَ عَلَى النَّحْوِ الآتِي:
أولا: المادة الثالثة والأربعون: أَدِلَّتُهَا هِيَ أَدِلَّةُ شُرُوطِ الخَلِيفَةِ: فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ رَجُلاً لِـمَا رُوِيَ عَنِ الرَّسُولِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ لَـمَّا بَلَغَهُ أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيهِمْ بِنْتَ كِسرَى قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» رَوَاهُ البُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرَةَ.
وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُسلِماً لِقَولِهِ تَعَالَى: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى الـمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً). (النساء141) فَيَحرُمُ أَنْ يَكُونَ الكَافِرُ حَاكِماً عَلَى الـمُسلِمِينَ إِذِ الحُكْمُ أَعظَمُ سَبِيلٍ عَلَى الـمُسلِمِينَ.
وَأَمَّا شَـرطُ أَنْ يَكُونَ حُرّاً فَلِأَنَّ العَبْدَ مَملُوكٌ لِسَيِّدِهِ فَلَا يَملِكُ التَّصَرُّفَ بِنَفسِهِ، وَمِنْ بَابِ أَولَى أَنْ لَا يَملِكُ التَّصَرُّفَ بِغَيرِهِ، فَلَا يَملِكُ الوِلَايَةَ عَلَى النَّاسِ.
وَأَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ بَالِغاً فَلِقَولِهِ صلى الله عليه وسلم «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ»، وفي رواية «وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ»، أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه وَالحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ رضي الله عنها، وَاللَّفْظُ لابْنِ مَاجَه. وَأَخرَجَ نَحْوَهُ التِّرمِذِيُّ وَابنُ خُزَيمَةَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
وَمَنْ رُفِعَ القَلَمُ عَنهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمرِهِ، وَبِالتَّالِي لَا يَصِـُّح أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمرِ غَيرِهِ. وَأَيضاً فَقَدْ حَدَّثَ أَبُو عُقَيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْهُ، فَقَالَ: «هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ» أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ، وَمَا دَامَ الصَّبِيُّ لَـمْ يَجُزْ مِنهُ أَنْ يُبَايِعَ فَعَدَمُ جَوَازِ أَنْ يُبَايَعَ مِنْ بَابِ أَولَى.
وَأَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً فَلِلحَدِيثِ الـمَارِّ: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ ...»، إِلَى أَنْ يَقُولَ: «وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ»، وَمَنْ رُفِعَ عَنهُ القَلَمُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمرِهِ، وَبِالتَّالِي لَا يَصِحُّ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي أَمْرِ غَيرِهِ.
وَأَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً فَلِأَنَّ اللهَ تَعَالَى اشتَرَطَ فِي الشَّاهِدِ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً قَالَ تَعَالَى: (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنكُمْ). (الطلاق 2) فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الشَّاهِدِ، وَهُوَ الحَاكِمُ أَيْ وَلِيُّ الأَمْرِ، مِنْ بَابِ أَولَى أَنَّهُ يَلزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً.
أَمَّا شَرطُ أَنْ يَكُونَ قَادِراً مِنْ أَهْلِ الكِفَايَةِ فَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مُقتَضَى تَقلِيدِهِ الحُكْمَ، إِذْ إِنَّ العَاجِزَ لَا يَقدِرُ عَلَى القِيَامِ بِذَلِكَ. وَلِلأَدِلَّةِ الوَارِدَةِ وَمِنهَا:
أَخرَجَ مُسلِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَسْـتَـعْمِلُنِي؟ قَالَ: فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ، إِنَّكَ ضَعِيفٌ، وَإِنَّهَا أَمَانَةُ، وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ، إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا».فَالرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم عَدَّ عَدَمَ أَخْذِهَا بِحَقِّهَا، أَيْ وَهُوَ لَيسَ أَهْلاً لَـهَا، عَدَّهُ خِزْياً وَنَدَامَةً، وَهَذِهِ قَرِينَةٌ عَلَى الجَزْمِ.
ثانياً: المادة الرابعة والأربعون: الدَّلِيلُ عَلَيهَا هُوَ وَاقِعُ عَمَلِ الـمُعَاوِنِ، فَوَزِيرُ التَّفوِيضِ، أَوْ مُعَاوِنُ التَّفوِيضِ، هُوَ الوَزِيرُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الخَلِيفَةُ لِيَتَحَمَّلَ مَعَهُ مَسؤُولِيَّةَ الحُكْمِ وَالسُّلطَانِ، فَيُفَوِّضُ إِلَيهِ تَدبِيرَ الأُمُورِ بِرَأيِهِ، وَإِمضَاءَهَا حَسَبَ اجتِهَادِهِ وَفْقَ أَحكَامِ الشَّرعِ، فَيُقَلِّدُهُ الخَلِيفَةُ عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ. وَالنِّيَابَةُ هُنَا عَقْدٌ, وَالعُقُودُ لَا تَصِحُّ إِلَّا بِالقَولِ الصَّرِيحِ، وَلِذَلِكَ يُشتَرَطُ فِي تَقلِيدِ الـمُعَاوِنِ أَنْ يَحصُلَ التَّقلِيدُ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى النِّيَابَةِ عَنِ الخَلِيفَةِ وَعُمُوم النَّظَرِ، مِثلُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: "قَلَّدْتُكَ مَا إِلَيَّ نِيَابَةً عَنِّي"، أَو أَنْ يَقُولَ: "استَوزَرتُكَ تَعوِيلاً عَلَى نِيَابَتِكَ". أَو مَا شَاكَلَ ذَلِكَ. أَيْ أَنْ يَشمَلَ التَّقلِيدُ النِّيَابَةَ وَعُمُومَ النَّظَرِ بِأَيَّةِ صِفَةٍ مُفْهِمَةٍ، فَلَا بُدَّ فِي التَّقلِيدِ لِلمُعَاوِنِ مِنْ أَلفَاظٍ تَدُلُّ عَلَى وَاقِعِ الـمُعَاوِنِ، مِنْ أَنْ تَكُونَ بِلَفْظٍ يَشتَمِلُ عَلَى شَرطَينِ: أَحَدِهِمَا عُمُومُ النَّظَرِ، وَالثَّانِي النِّيَابَةُ، وَإِنْ لَـمْ يَشتَمِلِ اللَّفْظُ صَرَاحَةً عَلَى هَذَينِ الشَّرطَينِ لَا تَنعَقِدُ الوِزَارَةُ لِلمُعَاوِنِ.
وَمَعَ أَنَّهُ يُقلَّدُ النِّيَابَةَ وَعُمُومَ النَّظَرِ، إِلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلخَلِيفَةِ أَنْ يَستَعِينَ بِهِ فِي عَمَلٍ أَوْ مَكَانٍ فِي وَقْتٍ مَا، وَفِي عَمَلٍ آخَرَ أَوْ مَكَانٍ آخَرَ فِي وَقْتٍ آخَرَ. أَخرَجَ الشَّيخَانُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ عَلَى الصَّدَقَةِ». وَأَخرَجَ النَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رَجَعَ مِنْ عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ عَلَى الْحَجِّ». أَيْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَهُمَا وَزِيرَا رَسُولَ اللهِصلى الله عليه وسلم ، كَانَا يُكَلَّفَانِ بِعُمُومِ النَّظَرِ فِي أَعْمَالٍ مُعَيَّنَةٍ, وَلَيسَ فِي كُلِّ الأَعْمَالِ عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِصلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمَا مُعَاوِنَانِ (وَزِيرَانِ) مُقَلَّدَانِ عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ كَمَا تَقتَضِيهِ وَزَارَةُ التَّفوِيضِ. وَكَذَلِكَ كَانَ عَلِيٌّ وَعُثمَانُ فِي عَهْدِ عُمَرَ. وَحَتَّى إِنَّهُ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ حَيثُ مُعَاوَنَةُ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرٍ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي عُمُومِ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ، لِدَرَجَةِ أَنْ قَالَ بَعضُ الصَّحَابَةِ لِأبِي بَكْرٍ:"لَا نَدرِي أَعُمَرُ الخَلِيفَةُ أَمْ أَنْتَ". وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ وَلَّى أَبُو بَكْرٍ عُمَرَ القَضَاءَ فِي بَعْضِ الفَتْرَاتِ، كَمَا أَخرَجَ البَيهَقِيُّ ذَلِكَ بِسَنَدٍ قَوَّاهُ الحَافِظُ.
وَعَلَيهِ فَإِنَّهُ يُستَفَادُ مِنْ سِيرَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَالخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعدِهِ، أَنَّ الـمُعَاوِنَ يُقَلَّدُ عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَستَعِينَ الخَلِيفَةُ بِالـمُعَاوِنِ فِي مَكَانٍ أَو عَمَلٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّصلى الله عليه وسلم مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ, وَكَمَا فَعَلَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ عُمَرَ، كَأَنْ يُكَلِّفَ مُعَاوِناً لِمُتَابَعَةِ الوَلَايَاتِ الشَّمَالِيَّةِ وَآخَرُ لِمُتَابَعَةِ الوَلَايَاتِ الجَنُوبِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَضَعَ الأَوَّلَ مَوضِعَ الثَّانِي، وَالثَّانِي مَوضِعَ الأَوَّلِ، وَيَصْرِفُ هَذَا إِلَى العَمَلِ الفُلَانِيِّ وَذَاكَ إِلَى عَمَلٍ آخَرَ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي تَقتَضِيهِ مُعَاوَنَةُ الخَلِيفَةِ، وَلَا يَحتَاجُ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ, بَلْ يَصِحُّ هُنَا نَقُلُهُ فِي الـمُعَاوَنَةِ مِنْ عَمَلٍ لِآخَرَ؛ لِأَنَّهُ مُقَلَّدٌ أَصْلاً عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ، فَكُلُّ هَذِهِ الأَعمَالِ ضِمْنَ تَقلِيدِهِ مُعَاوِناً. وَفِي هَذِهِ يَختَلِفُ الـمُعَاوِنُ عَنِ الوَالِي، فَالوَالِي مُقَلَّدٌ عُمُومَ النَّظَرِ فِي مَكَانٍ, فَلَا يُنقَلُ إِلَى غَيرِهِ، بَلْ يَحتَاجُ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الـمَكَانَ الجَدِيدَ لَيسَ دَاخِلاً فِي التَّقلِيدِ الأَوَّلِ. لَكِنَّ الـمُعَاوِنَ مُقَلَّدٌ عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ فَيَجُوزُ نَقلُهُ فِي الـمُعَاوَنَةِ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَقلِيدٍ جَدِيدٍ، حَيثُ هُوَ مُقَلَّدٌ أَصْلاً عُمُومَ النَّظَرِ وَالنِّيَابَةِ فِي جَمِيعِ الأَعْمَالِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
وسائط
1 تعليق
-
حفظكم الله وبارك فيكم وفي جهودكم الطيبة