- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح163) للجيش ألوية ورايات
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّالِثَةِ وَالسِّتِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"للجيش ألوية ورايات". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ السَّابِعَةِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 64: تُجْعَلُ لِلجَيشِ أَلْوِيَةٌ وَرَايَاتٌ، وَالخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ اللِّوَاءَ لِـمَنْ يُوَلِّيهِ عَلَى الجَيشِ، أَمَّا الرَّايَاتُ فَيُقَدِّمُهَا رُؤَسَاءُ الأَلوِيَةِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا, وَهَذه هِيَ الـمَادَّةُ الرَّابِعَةُ وَالسِّتُونَ. وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولاً: اللِّوَاءُ، وَالرَّايَةُ، مِنْ حَيثُ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى كُلٍّ مِنهُمَا (العَلَمُ). جَاءَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ فِي مَادَّةِ (رَوِيَ): (وَالرَّايَةُ العَلَمُ جَمْعُ رَايَاتٍ). وَفِي مَادَّةِ (لَوِيَ): (وَاللِّوَاءُ بِالـمَدِّ العَلَمُ جَمْعُ أَلوِيَةٍ). ثُمَّ إِنَّ الشَّرعَ أَعْطَى كُلّاً مِنهُمَا، مِنْ حَيثُ الاستِعْمَالِ، مَعنًى شَرعِيّاً عَلَى النَّحْوِ الآتي: اللِّوَاءُ أَبيَضُ، وَمَكْتُوبٌ عَلَيهِ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ محمد رَسُولُ اللهِ) بِخَطٍّ أَسْوَدَ، وَهُوَ يُعقَدُ لِأَمِيرِ الجَيشِ أَوْ قَائِدِ الجَيشِ. وَيَكُونُ عَلَامَةً عَلَى مَحِلِّهِ، وَيَدُورُ مَعَ هَذَا الـمَحِلِّ حَيثُ دَارَ. وَدَلِيلُ عَقْدِ اللِّوَاءِ لِأَمِيرِ الجَيشِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَلِوَاؤُهُ أَبْيَضُ». (رَوَاهُ ابْنُ مَاجَه مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ)، وَالرَّسُولُصلى الله عليه وسلم كَانَ يَومَ الفَتْحِ هُوَ أَمِيرُ الجَيشِ. وَكَذَلِكَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَعقِدُ الأَلوِيَةَ لِأُمَرَاءِ الجُيُوشِ الَّذِينَ كَانَ يُرسِلُهُمْ، فَقَدْ جَاءَ فِي "عُيُونِ الأَثَرِ فِي فُنُونِ الـمَغَازِي وَالشَّمَائِلِ وَالسِّيَرِ"، لِلإِمَامِ الحَافِظِ أَبِي الفَتْحِ المعروف بِابْنِ سِيدِ النَّاسِ الـمُتَوَفَّى سَنَةَ 734 هـ، جَاءَ فِيهِ: «...يَومُ الاثنَينِ لِأَربَعِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ صَفَرَ سَنَةَ إِحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الهِجْرَة، أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِالتَّهَيُّؤِ لِغَزْوِ الرُّومِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ دَعَا أُسَامَةَ بْنَ زَيدٍ فَقَالَ سِرْ إِلَى مَوضِعِ مَقْتَلِ أَبِيكَ فَأَوْطِئْهُمُ الخَيلَ فَقَدْ وَلَّيتُكَ هَذَا الجَيشَ ... فَلَمَّا كَانَ يَومُ الأَربعَاءَ بُدِئَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعُهُ... فَلَمَّا أَصْبَحَ يَومَ الخَمِيسِ عَقَدَ لِأُسَامَةَ لِوَاءً بِيَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اغْزُ بِسْمِ اللهِ وَفِى سَبِيلِ اللهِ فَقَاتِلْ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ فَخَرَجَ بِلِوَائِهِ مَعْقُوداً...».
وَالرَّايَةُ سَودَاءُ، وَمَكْتُوبٌ عَلَيهَا (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ محمد رَسُولُ اللهِ) بِخَطٍّ أَبيَضَ، وَهِيَ تَكُونُ مَعَ قُوَّادِ فِرَقِ الجَيشِ: (الكَتَائِبِ، السَّرَايَا، وِحْدَاتِ الجَيشِ الأُخرَى) وَالدَّلِيلُ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ كَانَ قَائِدَ الجَيشِ فِي خَيبَرَ، قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ، أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ، غَداً رَجُلاً يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّايَةَ، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ». (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ). فَعَلِيٌّ، كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ، يُعتَبَرُ حِينَهَا قَائِدَ فِرْقَةٍ أَو كَتِيبَةٍ فِي الجَيشِ.
وَكَذَلِكَ فِي حَدِيثِ الحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ البَكْرِيِّ قَالَ: «قَدِمْنَا الـمَدِينَةَ, فَإِذَا رَسُولُ اللهِصلى الله عليه وسلم عَلَى الـمِنبَرِ، وَبِلَالٌ قَائِمٌ بَينَ يَدَيهِ، مُتَقَلِّدٌ السَّيفَ بَينَ يَدَيِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، فَسَأَلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ فَقَالُوا: عَمْرُو بْنُ العَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ». (أَخرَجَهُ أَحْمَدُ فِي الـمُسْنَدِ وَغَيرِهِ)، وَفِي رِوَايَةِ التِّرمِذِيِّ عَنِ الحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ البَكْرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ الـمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ الـمَسْجدَ, فَإِذَا هُوَ غَاصٌّ بِالنَّاسِ, وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ تَخفِقُ, وَإِذَا بِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيفَ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ العَاصِ وِجْهَةً. فَمَعْنَى «فَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ» أَيْ أَنَّهَا كَانَتْ رَايَـاتٍ كَثِيرَةً مَعَ الجَيشِ، فِي حِينِ أَنَّ أَمِيرَهُ كَانَ وَاحِداً, وَهُوَ عَمْرُو بنُ العَاصِ، فَهَذَا يَعنِي أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رُؤَسَاءِ الكَتَائِبِ وَالوِحْدَاتِ ... وَلِذَلِكَ فَاللِّوَاءُ يُعقَدُ لِأَمِيرِ الجَيشِ، وَالرَّايَاتُ مَعَ بَاقِي الجَيشِ، فِرَقِهِ وَكَتَائِبِهِ وَوِحْدَاتِهِ. وَهَكَذَا فَإِنَّ اللِّوَاءَ وَاحِدٌ فِي الجَيشِ الوَاحِدِ، وَأَمَّا الرَّايَاتُ فَكَثِيرَةٌ فِي كُلِّ جَيشٍ. وَيَكُونُ بِذَلِكَ، اللِّوَاءُ عَلَماً عَلَى أَمِيرِ الجَيشِ لَا غَيرَ. وَتَكُونُ الرَّايَاتُ أَعْلَاماً مَعَ الجُنٍدِ.
ثانياً: اللِّوَاءُ يُعقَدُ لِأَمِيرِ الجَيشِ، وَهُوَ عَلَمٌ عَلَى مَقَرِّهِ، أَيْ يُلَازِمُ مَقَرَّ أَمِيرِ الجَيشِ. أَمَّا فِي الـمَعرَكَةِ، فَإِنَّ قَائِدَ الـمَعرَكَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَمِيرَ الجَيشِ أَمْ قَائِداً غَيرَهُ يُعَيِّنُهُ أَمِيرُ الجَيشِ، فَإِنَّهُ يُعطَى الرَّايَةَ يَحمِلُهَا أَثنَاءَ القِتَالِ فِي الـمَيدَانِ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى (أُمَّ الحَرْبِ) لِأَنَّهَا تُحْمَلُ مَعَ قَائِدِ الـمَعرَكَةِ فِي الـمَيدَانِ.
وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الحَرْبِ القَائِمَةِ تَكُونُ رَايَةٌ وَاحِدَةٌ مَعَ كُلِّ قَائِدِ مَعرَكَةٍ، وَهَذَا كَانَ أَمْراً مُتَعَارَفاً عَلَيهِ فِي ذَاكَ الزَّمَنِ، وَكَانَ بَقَاءُ الرَّايَةِ مَرفُوعَةً دَلِيلاً عَلَى قُوَّةِ بَأْسِ قَائِدِ الـمَعرَكَةِ. وَهُوَ تَنظِيمٌ إِدَارِيٌّ يُلتَزَمُ حَسَبَ أَعْرَافِ قِتَالِ الجُيُوشِ.قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَنعَى زَيداً وَجَعْفَراً وَابنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الجُنْدُ بِالخَبَرِ «أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ». (أَخرَجَهُ البُخَارِيُّ). وَكَذَلِكَ فَإِنَّهُ فِي حَالَةِ الحَرْبِ القَائِمَةِ، إِذَا كَانَ قَائِدُ الجَيشِ فِي الـمَيدَانِ هُوَ الخَلِيفَةَ نَفسَهُ، فَإِنَّ اللِّوَاءَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعاً فِي الـمَعرَكَةِ، وَلَيسَ الرَّايَةَ فَحَسْبُ. فَقَدْ وَرَدَ فِي سِيرَةِ ابْنِ هِشَامٍ عِندَ الحَدِيثِ عَنْ غَزوَةِ بَدْرٍ الكُبْرَى أَنَّ اللِّوَاءَ وَالرَّايَةَ كَانَتَا مَوجُودَتَينِ فِي الـمَعرَكَةِ. فَقَدْ وَرَدَ فِي السِّيرَةِ "قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ أَبْيَضَ ... وقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ: عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، وَالأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الأَنْصَارِ".
أَمَّا فِي السِّلْمِ، أَوْ بَعْدَ انتِهَاءِ الـمَعرَكَةِ، فَإِنَّ الرَّايَاتِ تَكُونُ مُنتَشِرَةً فِي الجَيشِ تَرفَعُهَا فِرَقُ الجَيشِ وَكَتَائِبُهُ وَسَرَايَاهُ وَوِحدَاتُهُ ... كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ الحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ البَكْرِيِّ عَنْ جَيشِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ. وَأَوَّلُ لِوَاءٍ عُقِدَ فِي الإِسلَامِ لِوَاءُ عَبدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ، وَعُقَدِ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ الأَزْدِيِّ رَايَةٌ سَودَاءُ فِيهَا هِلَالٌ أَبيَضُ. فَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لِلجَيشِ أَلْوِيَةٌ وَرَايَاتٌ، وَأَنَّ الخَلِيفَةَ هُوَ الَّذِي يَعقِدُ اللِّوَاءَ لِمَنْ يُوَلِّيهِ عَلَى الجَيشِ. أَمَّا الرَّايَاتُ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَهَا الخَلِيفَةُ, وَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّمَهَا أُمَرَاءُ الأَلوِيَةِ. أَمَّا جَوَازُ أَنْ يُقَدِّمَهَا الخَلِيفَةُ فَلِحَدِيثِ سَلَمَةَ الـمَارَّ أَنَّ النَّبِيَّصلى الله عليه وسلم قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ...، فَأَعْطَاهَا عَلِيّاً».
وَأَمَّا جَوَازُ أَنْ يُقَـدِّمَهَا أُمَـرَاءُ الأَلْوِيَةِ, فَإِنَّهُ يُفْهَمُ مِنْ حَدِيثِ الحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ البَكْرِيِّ الـمَارِّ فِي رِوَايَتَيهِ: "وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ" مَعْنَاهَا أَنَّهَا كَانَتْ كَثِيرَةً مَعَ الجَيشِ فِي حِينِ أَنَّ أَمِيرَهُ كَانَ وَاحِداً، وَهُوَ عَمْرُو بْنُ العَاصِ، سَوَاءٌ أَكَانَ رَاجِعاً مِنَ الغَزَاةِ أَمْ سَائِراً إِلَيهَا، فَهَذَا يَعنِي أَنَّهَا مَعَ رُؤَسَاءِ الكَتَائِبِ، وَلَـمْ يُوجَـْد مَا يَدُلُّ أَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم هُوَ الَّذِي قَلَّدَهُمْ إِيَّاهَا. عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلخَـلِيفَةِ أَنْ يَجْـعَـلَ لِأُمَـرَاءِ الأَلوِيَـِة أَنْ يُعـطُـوا الرَّايَاتِ لِرُؤَسَاءِ الكَتَائِبِ، وَهُوَ الأَقْرَبُ إِلَى التَّنظِيمِ، وَإِنْ كَانَ كُلُّهُ جَائِزاً أَي مُبَاحاً.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.