- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
بلوغ المرام من كتاب نظام الإسلام
(ح197) الأصل أن ينفصل الرجال عن النساء
الحَمْدُ للهِ ذِي الطَّولِ وَالإِنْعَامْ, وَالفَضْلِ وَالإِكرَامْ, وَالرُّكْنِ الَّذِي لا يُضَامْ, وَالعِزَّةِ الَّتِي لا تُرَامْ, والصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ خَيرِ الأنَامِ, خَاتَمِ الرُّسُلِ العِظَامْ, وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَأتبَاعِهِ الكِرَامْ, الَّذِينَ طَبَّقُوا نِظَامَ الإِسلامْ, وَالتَزَمُوا بِأحْكَامِهِ أيَّمَا التِزَامْ, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ, وثَبِّتنَا إِلَى أنْ نَلقَاكَ يَومَ تَزِلُّ الأقدَامُ يَومَ الزِّحَامْ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا: "بُلُوغُ المَرَامِ مِنْ كِتَابِ نِظَامِ الِإسْلَامِ"وَمَعَ الحَلْقَةِ السَّابِعَةِ وَالتِّسْعِينَ بَعدَ المِائَةِ, وَعُنوَانُهَا:"الأَصْلُ أَنْ يَنفَصِلَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاءِ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي الصَّفحَةِ العِشْرِينِ بَعْدَ الـمِائَةِ مِنْ كِتَابِ "نظامُ الإسلام" لِلعَالِمِ والـمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ. يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ:
المادة 113:الأصْلُ أَنْ يَنْفَصِلَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاءِ, وَلَا يَجْتَمِعُونَ إِلَّا لِحَـاجَةٍ يُـقِرُّهَـا الشَّـْرعُ، وَيُـقِـرُّ الاجـِتـمَـاعَ مِنْ أَجْلِهَا كَالحَجِّ وَالبَيعِ.
وَنَقُولُ رَاجِينَ مِنَ اللهِ عَفْوَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَجَنَّتَهُ: يَا أُمَّةَ الإِيمَانْ, يَا أُمَّةَ القُرآنْ, يَا أُمَّةَ الإِسلَامْ, يَا أُمَّةَ التَّوحِيدْ, يَا مَنْ آمَنتُمْ بِاللهِ رَبّاً, وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيّاً وَرَسُولاً, وَبِالقُرآنِ الكَرِيمِ مِنهَاجاً وَدُستُوراً, وَبِالإسلَامِ عَقِيدَةً وَنِظَاماً لِلْحَياَة,ِ أَيُّهَا الـمُسلِمُون فِي كُلِّ مَكَانْ, فَوقَ كُلِّ أَرضٍ, وَتَحتَ كُلِّ سَمَاءْ, يَا خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ لِلنَّاسِ, أَيُّهَا الـمُؤمِنُونَ الغَيُورُونَ عَلَى دِينِكُمْ وَأُمَّتِكُمْ. أعَدَّ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ النَّبهَانِيُّ هُوَ وَإِخوَانُهُ العُلَمَاءُ فِي حِزْبِ التَّحرِيرِ دُستُورَ الدَوْلَةِ الإِسْلامِيَّةِ, وَهَا هُوَ يُوَاصِلُ عَرْضَهُ عَلَيكُمْ حَتَّى تدرُسُوهُ وَأنتمْ تَعْمَلُونَ مَعَنَا لإِقَامَتِهَا,وَهَذِهِ هِيَ الـمَادَّةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ بَعْدَ الـمِائَةِ.وَإِلَيكُمْ بَيَانَ أَدِلَّةِ هَذِهِ الـمَادَّةِ مِنْ كِتَابِ مَقَدِّمَةِ الدُّستُورِ:
أولا: المادة 113:هَذِهِ الـمَادَّةُ الَّتِي تَنُصُّ عَلَى أَنْ يَنْفَصِلَ مُجتَمَعُ الرِّجَالِ عَنْ مُجتَمَعِ النِّسَاءِ تُستَنْبَطُ مِنْ أَدِلَّةٍ عِدَّةٍ:
أَحَدِهَا: أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ لِلْمُسْلِمِ حَيَاةً خَاصَّةً, وَحَيَاةً عَامَّةً، وَجَعَلَ الـمَرْأَةَ فِي الحَيَاةِ الخَاصَّةِ تُظْهِرُ لِـمَحَارِمِهَا مَا هُوَ فَوقَ العَورَةِ، وَجَعَلَهَا فِي الحَيَاةِ العَامَّةِ لَا تُظْهِرُ مِنْ بَدَنِهَا إِلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيهَا.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ أيِ الشَّرْعُ جَعَلَ صُفُوفَ النِّسَاءِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ صُفُوفِ الرِّجَالِ.
وَثَالثِهَا: أَنَّهُ أَمَرَ الرِّجَالَ بِغَضِّ البَصَرِ عَنِ النِّسَاءِ, وَالنِّسَاءَ بِغَضِّ البَصَرِ عَنِ الرِّجَالِ.
وَرَابِعِهَا: أَنَّهُ أَمَرَ الـمَرأَةَ فِي الحَيَاةِ العَامَّةِ بِاللِّبَاسِ الكَامِلِ الـمُحْتَشِمِ الَّذِي يَسْتُرُ كُلَّ مَا هُوَ مَوضِعٌ لِلزِّينَةِ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا.
وَخَامِسِهَا: أَنَّهُ أَبَاحَ لَـهَا فِي الحَيَاةِ الخَاصَّةِ بَينَ الـمَحَارِمِ أَنْ تُظْهِرَ مَا فَوقَ العَورَةِ.
فَأَدِلَّةُ هَذِهِ الأَحْكَامِ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَصْلَ أَنْ يَنْفَصِلَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاءِ، فَيَعِيشَ كُلٌّ مِنهُمْ فِي حَيَاةٍ غَيرِ حَيَاةِ الآخَرِ.
وَإِلَى جَانِبِ هَذَا أَبَاحَ لِلْمَرأَةِ أُمُوراً, وَنَدَبَ لَـهَا أُمُوراً، وَأَوْجَبَ عَلَيهَا أُمُوراً. فَلَا بُدَّ مِنْ قِيَامِهَا بِمَا هُوَ وَاجِبٌ، وَمَنَدُوبٌ، وَبِمَا هُوَ مُبَاحٌ لَهَا. وَلَكِنْ دُونَ تَبَرُّجٍ, وَبِاللِّبَاسِ الَّذِي وَصَفَهُ اللهُ فِي القُرآنِ بِقَولِهِ: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ).(النور 31) بِالنِّسْبَةِ لِلِّبَاسِ مِنَ الأَعْلَى، وَبِقَولِهِ: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ).(الأحزاب 59) بِالنِّسْبَةِ لِلِّبَاسِ مِنْ أَسْفَلَ. لِأَنَّ الجِلْبَابَ هُوَ الـمِلْحَفَةُ الَّتِي تُلْبَسُ فَوقَ الثِّيَابِ. قَالَ الجَوهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ: "الجِلْبَابُ: الـمِلْحَفَةُ, وَقِيل: الـمَلَاءَةُ" وَقَالَ فِي القَامُوسِ الـمُحِيطِ: "وَالجِلْبَابُ كَسِرْدَابٍ وَسِنْمَارٍ: القَمِيصُ, وَثَوبٌ وَاسِعٌ لِلْمَرأَةِ دُونَ الـمِلْحَفَةِ, أَوْ مَا تُغَطِّي بِهِ ثِيَابَهَا كَالـمِلْحَفَةِ" وَإِدْنَاءُ الثَّوبِ إِرْخَاؤُهُ إِلَى أَسْفَلَ، يُقَالُ أَدْنَى السِّتْرَ أَرْخَاهُ. وَيُدْنِينَ مَعْنَاهُ: يُرْخِينَ، وَلَا يَتَأَتَّى إِدْنَاءُ الثَّوبِ إِلَّا إِلَى أَسْفَلَ.
وَبِقَولِهِ: (غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ).(النُّور60) بِالنِّسْبَةِ لِعَدَمِ التَّبَرُّجِ.فَهَذَا الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّرْعُ لَهَا مِنْ بَيعٍ وَشِرَاءٍ، وَإِجَارَةٍ، وَوَكَالَةٍ، وَكَفَالَةٍ، وَغَيرِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَهُ عَلَيهَا: مِنْ حَجٍّ، وَأَدَاءِ زَكَاةٍ، أَوْ كَانَ مَندُوباً لَـهَا مِنْ صَدَقَةِ تَطَوًّعٍ، أَوْ خِدْمَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ مُدَاوَاةِ مَرِيضٍ، أَوْ غَيرِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَـهَا أَنْ تَخْرُجَ لِلقِيَامِ بِهِ, وَأَنْ تَجْتَمِعَ بِالرِّجَالِ مِنْ أَجْلِ القِيَامِ بِهِ، بِاللِّبَاسِ الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ.
فَهَذِهِ حَاجَاتٌ يُقِرُّهَا الشَّرْعُ مِنْ حَيثُ تَشرِيعُهُ لَـهَا، وَاجِباً، أَوْ مُبَاحاً، أَوْ مَندُوباً، وَيُقِرُّ الاجْتِمَاعَ بِالرِّجَالِ مِنَ الـمَرْأَةِ لِلقِيَامِ بِهَا. فَهَذِهِ الأَدِلَّةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَرِيقَةَ الحَيَاةِ فِي الإِسْلَامِ، أَنْ يُفْصَلَ الرِّجَالُ عَنِ النِّسَاءِ فِي الحَيَاةِ الخَاصَّةِ، وَأْنْ يَجْتَمِعَ الرِّجَالُ بِالنِّسَاءِ فِي الحَيَاةِ العَامَّةِ لِلقِيَامِ بِمَا هُوَ فَرْضٌ، أَوْ مَندُوبٌ، أَوْ مُبَاحٌ، لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ بِاللِّبَاسِ الشَّرعِيِّ الَّذِي عَيَّنَهُ الشَّرْعُ لِلْمَرأَةِ. وَهَذِهِ هِيَ أَدِلَّةُ هَذِهِ الـمَادَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الْمَولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الرَّاشِدَةِ الثَّانِيَةِ عَلَىْ مِنْهَاْجِ النُّبُوَّةِ في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.