- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة "الخلافة والإمامة في الفكر الإسلامي"
للكاتب والمفكر ثائر سلامة – أبو مالك
الحلقة الثالثة: إقامة الخلافة من مقاصد الشريعة الكبرى ج1
للرجوع لصفحة الفهرس اضغط هنا
والخلافة فوق ذلك تحقق مقاصد الشريعة الكبرى من إقامة القسط، وإنصاف المظلومين، وتطبيق أحكام الله، يقول الجزيري رحمه الله "(اتفق الأئمة رحمهم الله تعالى على أن الإمامة فرض وأنه لا بُدَّ للمسلمين من إمام يقيم شعائر الدين وينصف المظلومين من الظالمين وعلى أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقت واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان[2]، قال العلامة ابن تيمية رحمه الله تعالى[4]: "فالخلافة أهم منصب ديني وَتَهُمُّ المسلمين جميعاً، وقد نصت الشريعة الإسلامية على أنّ إقامة الخلافـــة فرضٌ أساسي من فروض الدين بل هو الفرض الأعظم لأنه يتوقف عليه تنفيذ سائر الفروض". إ. هـ.
فإذا وضعنا نصب العين أن معنى الخلافة هو: وضع الأحكام الشرعية موضع التطبيق، وحراسة ذلك التطبيق، إذ أن الشرع قد حف كل شأن من شئون الإنسان والأمة والدولة بأحكام شرعية، وجعل تطبيقها في الحياة من أعظم مقاصد الدين، ولأجله أنزل الكتاب وأرسل الرسول، ومن ثم فإن الشارع قد جعل سلطان تنفيذ هذه الأحكام الشرعية للأمة، وأمرها بأن تبايع خليفة يقيم فيها تلك الأحكام، وبذلك تقوم الخلافة؛ فكيف لا تكون الخلافة من أعظم مقاصد الدين إذن؟
وأن وظيفتها هي رعاية مصالح وشئون الأمة بأحكام الإسلام، وتبليغ الدعوة الإسلامية، وحراسة الأمة.
إن أصل الدين: عقيدة نعتقدها، وأوامر ونواه منبثقة من العقيدة تسوس حياتنا، وإنما أنزل الله تعالى الأوامر والنواهي ليقوم الناس بالقسط، ولتكون أفعالهم ومقاييسهم وقناعاتهم وقضاؤهم وفق النظام الإلهي، ولم يُترك الناس سُدى في أي أمر من أمور حياتهم، ﴿أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدىً﴾ [القيامة: 36]، والسُّدَى أي الذي لا يُؤْمَرُ ولا يُنْهى، بل أنزل الله في كل أمر حكما لا يقوم الناس بالقسط ولا يقضون بالحق ولا يفعلون الصواب الذي عليهم فعله إلا بالتزام ذلك الأمر من الله: قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: 47]، ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، وقوله،﴿لَقَدْ﴾: اللام واقعة في جواب قسم محذوف، واللام في قوله ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ هي لام التعليل، فأحد أهم المقاصد الكلية من إنزال البينات مع الرسل هي أن يقوم الناس بالقسط وفق الأحكام التي نزلت مع هؤلاء الرسل والأنبياء،
إعلم أنه لا توجد ولا آية في القرآن في صيغتها التعليل لتشريع الشريعة، وإنما تبين الآيات المقاصد والغايات والنتيجة التي تحصل من إرسال الرسل، وإنزال الكتب، والحكمة من تشريع الشريعة، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾، ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾،﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: 25]، ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ [البقرة: 213]، إذ أن العلة تدور مع المعلول وجودا وعدما، فكون الرسول ﷺ رحمة، وكون القرآن شفاءً ورحمة، كل ذلك يدل على أن الشريعة جاءت رحمة للعباد، إلا أن كون الشريعة جاءت رحمة هو النتيجة التي تترتب على الشريعة، وليس الباعث (العلة) على تشريعها، أي إن الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن حكمته من تشريع الشريعة هو أن ينتج عنها أن تكون رحمة للعباد، لا أن الذي حمل على تشريعها هو كونها رحمة وعلى ذلك فإن كون الشريعة رحمة للناس هو غاية الشارع التي يهدف إليها من تشريع الشريعة، وليس السبب الذي من أجله شرعت، أنظر الشخصية الإسلامية الجزء الثالث، تقي الدين النبهاني، باب: مقاصد الشريعة.
لذلك فهذه الآيات التي تبين لنا مقاصد الشريعة وغاياتها من أن يسود العدل والقسط، وأن يحكم الكتاب في حياة الناس، تبين لنا غاية إنزال الشريعة، ومقصودها، ولنا أن نقول: بأن هذه هي مقاصد الشريعة الكلية العظمى: إقامة العدل، ومنع الظلم، وتحكيم الشريعة، والرحمة، والعبادة، والهداية، وبيان الأحكام،...
[2] شرح المواقف للجرجاني
[4] في كتابه الإسلام و الخلافــة ص99