مسئول حزب التحرير بمصر: الديمقراطية مخالفة للعقيدة الإسلامية التي تمزج الإسلام بالحياة
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
الأربعاء 19-12-2012 - PM 07:16
أجرى الحوار : أسامة الهتيمي
كانت عملية اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات عام 1981 م الحجة القوية التي استند إليها خلفه حسني مبارك لضرب الحركة الإسلامية بمختلف فصائلها ضربات أمنية موجعه تستهدف تنفيذ مخططه لما أسماه بتجفيف الينابيع وهو ما كان له أثره الكبير على واقع هذه الحركة الإسلامية بل وكان دافعا إلى أن تنتهج بعض فصائلها منهج العنف المضاد الذي كان يستهدف انتزاع حق الدعوة الإسلامية وتوعية الجماهير المصرية بصحيح الإسلام الذي ليس هو شعائر وعبادات فحسب.
وعلى الرغم من أن النظام السياسي زمن المخلوع حسني مبارك ادعى أنه ليس ضد الإسلام الوسطي إلا أن الحقيقة التي لم يكن يتغافل عنها أحد أن النظام لم يكن لينحاز أبدا لأي صوت إسلامي يطرح ما يختلف أو يتناقض مع المنظومة القيمية والسياسية والاجتماعية التي كان يسعى نظام المخلوع إلى ترسيخها وتثبيتها في الشارع المصري ومن ثم فإنه لم يستثن في حربه فصيلا إسلاميا يمتلك إطروحات لإيجاد مجتمع ينسجم مع دعوة الإسلام.
ولم يفرق النظام بين فصيل وفصيل حتى لو كان ما يطرحه هذا الفصيل هو مما يرفضه الشارع المصري أو أن هذا الفصيل لم يجد له وجود تنظيمي وشعبي ذو قيمة فالأهم هو محاربة الجميع وغلق الباب على الجميع.
وكان من بين المكونات الإسلامية التي عانت ما عانته بقية التنظيمات الإسلامية هو حزب التحرير الإسلامي الذي أسسه القاضي الفلسطيني تقي الدين النبهاني في الخمسينيات من القرن الميلادي الماضي والذي وجد أن ثورة يناير 2012 المصرية فرصة سانحة لكي يعاود الظهور من جديد على الساحة السياسية وهو ما دفعنا في "إسلاميون" إلى أن نجري حوارا مع أحد قادته ومسئوليه وهو المهندس علاء الدين الزناتي لنضع أمامه العديد من الأسئلة والاستفسارات حول وضع الحزب في مصر وومستقبله السياسي في ظل أفكاره التي ربما لا تتماشى مع الواقع السياسي المصري. فكان هذا الحوار.
*في البداية هل يمكن أن تطلعنا على بداية وجود حزب التحرير في مصر وما هي أهم المحطات التاريخية في مسيرته لتثبيت وجوده ؟
**حزب التحرير منذ الإعلان الرسمي عن تأسيسه، ومن خلال منهجه الفكري والعملي يعتبر الأمة الإسلامية أمة واحدة رافضاً، شرعاً طبعاً، هذا الواقع الجغرافي الذي فرضته عليها إتفاقية سايكس - بيكو المشئومة والتي أوجدت دول قطرية على أسس وطنية وقومية في بلاد المسلمين، بعد أن كانت دولة واحدة تقوم على فكرة واحدة وهى الفكرة الإسلامية، وعلى هذا الأساس ومنذ الإعلان عن تأسيس الحزب في القدس الشريف على يد العالم الجليل والقاضي الشرعي تقي الدين النبهاني، وبالمناسبة هو من علماء الأزهر الشريف حيث حصل على العالمية في عشرينات القرن العشرين، وبموجب ذلك كان يعمل في القضاء والتدريس الشرعي، منذ ذلك الحين وحزب التحرير يستهدف الأمة الإسلامية كلها بالعمل لحمل الدعوة ومن ثمَّ كان تواجد الحزب السريع في مصر منذ العام 1956 م، على يد العالم الأزهري الجليل زميل الشيخ تقي الدين النبهاني الشيخ عبد القديم زلوم والذي تولى إمارة حزب التحرير بعد موت الشيخ تقي الدين النبهاني عليه رحمة الله في سنة 1977م، وهذه هى أهم محطة لحزب التحرير في مصر، ومن ثمَّ تواصل عمل حزب التحرير في مصر منذ ذلك الحين مؤثراً فكرياً في الأمة الإسلامية في مصر ومؤثراً في الحركات الإسلامية التي نشأت فيها.
وتعرض حزب التحرير منذ ظهوره في مصر للمطاردات الأمنية الشديدة برغم تبينه للصراع الفكري والكفاح السياسي كطريقة عمل شرعية لحمل الدعوة ورفضه الشرعي بحسب اجتهاده للصراع المادي أي المسلح، والذي يرى الحزب أنه مخالف شرعاً لطريقة الرسول صلى الله عليه وسلم في العمل لتمكين الإسلام. فتعرض الحزب منذ الخمسينات وفي الستينات لحملات إعتقالات، وفي السبيعنات كان للحزب نشاط واسع، ولعل هذا ما جعل السلطات في مصر أنذاك تربط اسم حزب التحرير بقضية الفنية العسكرية الشهيرة للحد من نشاط الحزب، وبخاصةً أن صالح سرية كان من أعضاء حزب التحرير السابقين. ثم كانت اعتقالات سنة 1984 م، ثم كانت القضية الشهيرة لحزب التحرير سنة 2002م، ثم كانت ثورة 25 يناير حيث فتحت هذه الثورة بفضل الله المجال للحزب ليعبر عن رأيه بقوة ويبين أن منهجه قائم على الكتاب والسنة، وأن نموذج دولة الخلافة الذي يسعى إلى إيجاده على منهاج النبوة هو نموذج إجماع الصحابة الخلفاء الراشدين أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضوان الله عليهم أجمعين.
*تعرض الحزب كما يعلم الجميع لمطارادات أمنية قبل الثورة بسنوات تم على إثرها اعتقال العشرات من أعضاء الحزب من بينهم شباب صغير السن .. هل كان ذلك كفيلا بإجهاض دعوة الحزب في مصر؟
**لعل هذا الحوار في حد ذاته، ونشاط الحزب البارز والواضح على الساحة في مصر يكون كفيلاً على الرد على هذا السؤال، إضافةً إلى أن إجهاض دعوة تحكيم شرع الله بنموذجها الشرعي كنظام حكم وهو نظام الخلافة دعوة لا يمكن إجهاضها بأي حال من الأحوال لأنها منبثقة من عقيدة الأمة الإسلامية، وهى جزء من شريعتها وتراثها حيث أنها واجبة كحكم شرعي، وهى طريقة شرعية لتحقيق الحياة الإسلامية الكاملة وحمل الإسلام دعوة للعالم بالدعوة والجهاد، وهى ركيزة في تراث الأمة الفقهي فمثل هذه الدعوة لا يمكن إجهاضها حملها حزب التحرير أو حملها غيره.
*لاحظنا في الفترة الأخيرة عودة قوية لعناصر حزب التحرير في مصر . هل يمكن أن نقول إن تفسير ذلك يعود لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011؟
**قطعاً، بفضل الله تعالى ثمَّ بفضل هذه الأمة التي إنتفضت في يناير 2011، فهي أمة حية لا تموت فيها أبداً الفكرة الإسلامية، والتي زرعت فيها التمرد على الظلم والطغيان مهما كان جبروته.
*ما هي أهم رموز حزب التحرير في مصر وهل كان لهذه الرموز مشاركة بارزة في الحياة السياسية قبل ثورة يناير؟ وما هي أوجه التعاون فيما بينكم وبين القوى الإسلامية الأخرى؟
**الحقيقة إن أهم رموز حزب التحرير في مصر هو فكرة الخلافة، فحيثما ذكرت الخلافة ذُكر حزب التحرير، والعكس ولذا صح أن نقول أن أهم رموز حزب التحرير " الخلافة " كفكرة، أما إذا كان المقصود بالرموز الأشخاص، وإن كان هذا لا يعول عليه حزب التحرير كثيرا، حيث أن تعويله الرئيس على فكرته، وهذا له شواهد في الإسلام، فهل كان مصعب بن عمير الذي مهد لتمكين الإسلام في المدينة شخصية بارزة بروز الرسول صلى الله عليه وسلم، أو حتى بروز أبي بكر أو بروز عمر رضوان الله عليهم ؟! بل قال ربُ العالمين "وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل إنقلبتم على أعقابكم". إضافةً إلى أن الملاحقات الأمنية، وحروب الدعاية السيئة، والتعتيم الإعلامي الذي كان ومازال يلاحق الحزب، ليس في مصر فقط بل في جميع بلاد العالم التي يعمل بها، لم يسمح ببروز شخصيات له في الساحة السياسية. أما المشاركة في الحياة السياسية فإن كان المقصود به الدخول في البرلمانات أو الترشح لها، فهذا له شروط شرعية تجعل الترشح على أساسها مستحيل في ظل الأجواء القمعية التي كانت قبل ثورة 25 يناير، ومن هذه الشروط حتمية أن يعلن المرشح عن إنتمائه وأن مشاركته في هذه البرلمانات إنما للمحاسبة وسحب الثقة من الحكام، دون الدخول في التشريع، وإعلان بطلان هذه الأنظمة وحكوماتها وحتمية إقامة نظام الحكم على أساس الخلافة. ومن ثم إقتصر عمل الحزب قبل الثورة على التثقيف، وإصدار النشرات والبيانات، وعقد اللقاءات الجماهيرية التي تبين حكم الإسلام فيما يجري من أحداث سياسية محليةً كانت أو دولية ما استطاع إلى ذلك سبيلا. أما أوجه التعاون بيننا وبين القوى الإسلامية الأخرى، فهى قائمة ومفتوحة في محاولات التواصل لحمل فكرة الحزب لهذه القوى ومناقشتهم على أساسها، فالحزب يعمل في الأمة أفراد وجماعات ويرى أن هذه الجماعات قامت على نفس فكرة الحزب حيث أساسها العقيدة الإسلامية، وإن اختلفت هذه الجماعات واختلف معها الحزب في بعض الأحكام الشرعية المختلف فيها، إلا أن نظرته لها مؤكد غير نظرته للحركات والأحزاب التي قامت على غير فكرة الإسلام وعقيدته، ومن ثمَّ تعامله مع الحركات الإسلامية الأخرى يقوم على الأساس الذي قرره الشافعي في التعامل مع المخالف في الحكم الشرعي القائم على دليل شرعي قابل لاختلاف الفهم وهو "ما نحن عليه صوابٌ قابل للخطأ وما عليه غيرنا خطأ قابل للصواب". أما إذا كان المقصود بأوجه التعاون هو إقامة تحالفات أو جبهات أو ما شابه، فهذا يعني تنازل الحزب عن بعض آرائه الشرعية التي تبناها بناءاً على قوة الدليل والدلالة وهذا لا يجوز في حق الافراد والأحزاب، هذا كخط استراتيجي، أما أن يكون هناك تنسيق في مواقف معينة، ويمكن أن يقال عن ذلك كعمل تكتيكي، فمن الممكن أن يقع فيه التعاون، فالحزب على سبيل المثال شارك الحركات الأخرى في مليونيات الدعوة لنصرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتطبيق الشريعة.
*للحزب مجموعة من الأفكار والأهداف التي وضعها مؤسس الحزب الشيخ تقي الدين النبهاني .. هل ما زال الحزب يتبنى هذه الأفكار بنصها أم أن ثمة تطور فكري حدث داخل الحزب استجابة لتغيرات وتطورات الواقع المصري؟
**الحقيقة، الحزب حتى يكون حزباً، وخاصةً إذا كان حزباً مبدئياً أي قائماً على عقيدة ينبثق عنها أنظمة، أي عقيدة والأنظمة من جنسها وتحققها، فلابد لهذا الحزب أن يكون حزباً متطوراً أي حزباً إنشائياً إرتقاءاً مؤثرا، بمعنى أن هذا الحزب عنده فكرته الأساسية وهى العقيدة، وبالطبع عند حزب التحرير فكرته هي العقيدة الإسلامية، والآنظمة المنبثقة عنها، معالجات مشاكل الإنسان المنبثقة عن هذه العقيدة، وحينما نقول الإنسان نقصد عموم الإنسان، بغض النظر عن موطنه أو لونه أو جنسه، وهذا ما يميز دعوة الإسلام ومبدأيتها، ولما كان واقع هذا الإنسان متغير دائماً، فلابد من أن تكون لهذه العقيدة وأنظمتها القدرة على إعطاء المعالجات لهذا الواقع، وليس للتلون بلونه أو التجنس بجنسه، ومن ثمَّ مثل هذا الحزب يكون متطور فكرياً في نظرته وتعامله مع الواقع المستجد، فهو أي الحزب ينشئ أفكاراً ومفاهيماً ومعالجات جديدة للواقع، ويرتقي في عمله من مرحلة إلى مرحله، ومن ثمَّ هذا يجعله مؤثراً في الأمة.
هذا هو مفهوم التطور الفكري أي القدرة على معالجة الوقائع أو المشكلات المستجدة على أساس من الفكرة وهي العقيدة الإسلامية، وعلى أساس ما ينبثق عنها من أحكام تعالج هذه الوقائع والمشكلات المستجدة، وقدرة الإسلام على ذلك هذا جزء من العقيدة لا يمكن إنكاره، وجوب الإيمان بأن لكل الوقائع والأحداث لله فيها مراد لا يمكن أن نقف عليه إلا من خلال الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من أدلة شرعية وهذا دليله قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، وقوله تعالى "ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شئ" وقوله صلى الله عليه وسلم "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، ومراد الله سبحانه وتعالى هو ما يُعرف بالحكم الشرعي في المسألة، ومن ثمَّ فالإسلام متطور في قدرته على إعطاء الحلول والمعالجات للواقع المستجد، أما المقصود بالتطور الفكري هذه الأيام هو أخذ الحلول من الواقع نفسه، وهذا ما نسميه جعل الواقع مصدر التفكير وليس موضع التفكير، أي جعل الواقع مصدر الحل، وليس موضع الحل، أي بالمعنى الدارج وهو الواقعية، أي أنك تنظر للواقع وترى ما يمليه عليك الواقع من حل وتأخذه، لا أن تنظر للواقع وترى ما يمليه عليك الإسلام من حل وتنزله على هذا الواقع، وشتان بين ذلك وذاك، فالتطور الفكري صار عند الكثيرين هو الرضوخ للأمر الواقع والتعايش معه، وليس القدرة على تغيير هذا الأمر الواقع واستبداله بما هو أفضل.. فالحزب على سبيل المثال عنده نظام اقتصادي قائم على أساس الإسلام يتعامل مع هذا الواقع الذي نعيشه، فمثلاً يعطي هذا النظام تحديد للملكية الخاصة ولملكية الدولة وللملكية العامة، ويعطي تحديد للسياسة النقدية في الدولة وكيفية معالجة التضخم..فهذه، وغيرها كثير، وهى تطورات فكرية وإستجابة حتمية لتطورات الواقع ومستجداته، ليس على المستوى المصري فقط ولكن على المستوى الإنساني، وهذا مما جعل الإسلام عالمياً لا يختص بقطر ولا بجنس ولا بلون، ولا وطنية ولا قومية، بل هو - أي الإسلام - مبدأ عالمي.. إضافةً إلى أن الإسلام به ثوابت ومتغيرات، والثوابت والمتغيرات هذه هى أحكام شرعية تغطي جميع حياة الإنسان وأنشتطه ، والفرق بين الثابت والمتغير أن الثابت هو ما كان حكماً شرعياً أتي الشرع له بطريقة تنفيذ محددة ونهى عن الخروج عنها، والمتغير هو حكم شرعي ترك الشارع تنفيذه عاماً لإبداع الانسان بحسب الواقع المتغير الذي يعيش فيه..ومن ثمَّ كان للإسلام قدرة هائلة للتعامل مع الواقع المتغير، والمحافظة على ثبات القيم لدى الأنسان وهذا توازن تشريعي يستحيل تحقيقه بتشريع بشري.. وعلى هذا نعم، فالحزب عنده ثوابت لا تتغير ولن ينالها التغيير سواء منذ الشيخ تقي الدين النبهاني إلى ما شاء الله، وعنده إضافات جديدة ومستمرة منذ الشيخ تقي الدين النبهاني إلى ما شاء الله بناءاً على ما يتبناه من ثوابت الإسلام ومتغيراته، وهذا هو المعنى الحقيقي للتطور الفكري.
*من المعلوم أن حزب التحرير يرفض الديمقراطية وينتقدها .. هل ما زال ينتهج الحزب نفس النهج وماذا عن موقفه من وجوده كحزب سياسي في إطار قانوني؟
**نعم، وبناءً على ما سبق فإن الحزب يرى أن الديمقراطية كنظام حكم منشأه عقيدة فصل الدين عن الحياة، نتيجة الصراع المرير بين الفلاسفة والمفكرين والكنيسة في أوروبا في العصور الوسطى، فهي مخالفة للعقيدة الإسلامية التي تمزج الإسلام بالحياة، وهى كما ينص عليها أصحابها، وكما تنص عليها دساتير الدول التي تطبقها ومنها هذه الدول التى نعيش فيها، تنص على "السيادة للشعب وهو مصدر السلطات" وتقوم على الحريات السياسية العامة: حرية العقيدة، حرية الرأي، حرية التملك، الحرية الشخصية.. والإسلام عقيدة وشريعة يحتم أن تكون السيادة للشرع، فالسيادة كمصطلح معناها الإرادة والمسير لها، فهذه الإرادة عندنا والمسير لها لابد أن تكون للشرع، فالله سبحانه وتعالى يقول "إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا أياه" ويقول تعالى "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما" ويقول تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم".. وهكذا تضافرات الأدلة القطعية على وجوب أن تكون السيادة هذه للشرع وليست للبشر أي الشعب، وهى ببساطة حق التشريع، حق التشريع هذا يكون لمن؟!.. أظن الجواب محسوم.. أما موضوع السلطات، وهى ثلاثة تشريعية وتنفيذية وقضائية، وإسنادها للشعب بحسب نظريات جون لوك الانجليزي، ومونتيسكيو الفرنسي، وهى ضرورية عندهم بسبب إسناد السيادة أي التشريع للشعب، وجعلوها قدس الأقداس وهذا هو لب الصراع الذي تعيشه مصر الآن بين الرئاسة وهى قمة السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وما بها من قضاة، وجزء من الشارع المتأثر والمُربي على هذه الأفكار والأنظمة، يثبت وهم هذا التابو المحرم المسمى بالسلطات الثلاث، ولذا لا يعرف الإسلام إلا سلطان واحد وهو للأمة، ففى الإسلام السيادة للشرع والأمة مصدر السلطان، أي هى صاحبة الحق الأصيل في تنصيب من يحكمها بالشرع.. أما عن موقف الحزب كوجوده كحزب سياسي في إطار قانوني، فكما هو معلوم أن حزب التحرير لا يربط عمله ونشاطه بهذا الإطار القانوني أو الترخيص كما يطلق عليه، فهو عمل ويعمل، وسيعمل بإذن الله ليس في مصر فقط بل في جميع بلاد العالم سواءاً حصل على ترخيص أم لم يحصل، فهو يعمل على أساس أن وجوده ووجود غيره من الأحزاب والحركات الإسلامية هو فرض على الكفاية إستناداً إلى قول الله تعالى"ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأؤلئك هم المفلحون".. واسمح لي أن أعود من هنا إلى ما سبق في موضوع التطور الفكري، فحزب التحرير منذ أول يوم قد أصل لقيام أحزاب إسلامية سياسية، في الوقت الذي كان غيره يفتي بحرمة الأحزاب والتحزب، ثم تغير رأي هؤلاء أو رأي كثير منهم الآن غير ذلك، فهل تعتبر هذا تطور فكري بحسب المتغيرات والمستجدات؟! .. فقط أردت أن أضرب مثال على هذا الموضوع.. نعود إلى نقطة الإطار القانوني، وهو الحصول على ترخيص للعمل، فالحصول على ترخيص للعمل في إطار قانوني هو تحصيل حاصل، هو طرق باب مفتوح، ولكن المهم هل سيغير الحزب من أفكاره للحصول على الترخيص، فهذا لن يكون بأذن الله أبداً ولو أدى ذلك لرفض إعطائه الترخيص، وسيكون ذلك إدانة وإثبات لهذا النظام إن ادعى أنه يحكم بالإسلام، فالحزب نعم يسعى للحصول على ترخيص ولكن على هذا الأساس.
*في نفس السياق ماذا عن موقف حزب التحرير من بقية التيارات والقوى السياسية الغير إسلامية خاصة تلك التي تعمل من خلال أحزاب حصلت على رخصة العمل السياسي؟
**الحزب يعمل في الأمة ومعها، أفراد وجماعات، إسلامية وغير إسلامية، ويعتبر نفسه مسئولاً عن هذه الأمة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُخرج مسلم من ملة الإسلام لمجرد إنتماءه لحزب لا يتبنى الفكرة الإسلامية، إلا بتوفر شروط وانتفاء موانع حددها الفقه الإسلامي لتكفير معين، فكثير من شباب المسلمين محبين لعقيدتهم وإسلامهم ولكنهم تربوا، كما تربينا جميعاً في ظل مناهج تعليم وثقافة، تحصر الإسلام في العبادات، وتقبح السياسة، وتروج للديمقراطية والرأسمالية والاشتراكية وللوطنية والقومية على إنهم من الإسلام، فهذه الأحزاب التي تقوم على خليط من هذا وتلك لا يمكن وصفها بالأحزاب الليبرالية أو العلمانية أو أو إلا بالنظر إلا ما تتبناه من أفكار ومعالجات وأنظمة.. وعلى هذا الأساس يتم النظر إليها على أنها أحزاب تخالف فكرة الإسلام وطريقته وأن لا يجوز للمسلمين العمل معها والانضمام لها، فهذا هو موقفنا منها!!.
*فيما يخص الجانب الدعوي للحزب .. هل يحرص الحزب على أن يقوم بدوره الدعوي كبقية القوى الإسلامية وما هي أهم الآليات التي يعتمدها في هذا الشأن؟
**طبعاً من تأثير ثقافة وسياسة فصل الدين عن الحياة، برز عندنا هذا المفهوم، أن في الإسلام أو في حمل الدعوة في الإسلام، هناك جانب دعوي يقوم على الوعظ والإرشاد، وطلب العلم الشرعي فيما يتعلق بالعبادات والسمت والأمور الشخصية، وهناك جانب سياسي، وهو ما يتعلق بالعمل السياسي من خلال الأحزاب والبرلمانات والانتخابات وو.. حزب التحرير حينما يُعرف نفسه يقول إنه حزب سياسي مبدؤه الإسلام غاياته إستئناف الحياة الإسلامية وحمل الإسلام دعوةً للعالم بالدعوة والجهاد وطريقته لتحقيق ذلك إقامة دولة الخلافة.. فالسياسة عمله حتى لا يتصور أحد أنه مدرسة فقهية أو جمعية أخلاقية، ولذلك نقول أن السياسة هى رعاية شئون، وأن الإسلام عقيدةً وشريعةً ترعى شئون الإنسان منذ أن يكون نطفةً في بطن أمه إلى أن يُقبر، ترعى شئون مع ربه في العبادات، مع غيره في المعاملات، مع الدولة، والدولة معه، ودولته في علاقاتها مع دول أخرى، ومن ثمَّ كان الإسلام سياسي، وهذا ما عبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عن أبي هريرة: "كانت بنو إسرائيل تسوسهم أنبيائهم، كلما هلك نبي خلفه أخر، وأنه لا نبي بعدي، وسيكون خلفاء كثيرون، قالوا: فبما تأمرنا يا رسول الله قال ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عن ما استرعاهم".. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان هو الذي يسوس كان هو الذي يرعى الشئون والقيادة، وهى بالإسلام وشموله وكماله ككل، فدعوة الإسلام لابد أن تكون دعوة سياسية تفرد الإسلام بالسيادة في المجتمع وتجعله متحكم في حياة الناس ويُحمل دعوةً للعالم بالدعوة والجهاد.. وأهم الأليات التي يعتمدها الحزب لذلك هى ما تنبناه من ثقافةٍ إسلامية يعتبرها الحد الأدنى كفهم الإسلام مبدأ للحياة، أي لفهم الإسلام فكرة وطريقة على مستوى الفرد في المجتمع وعلى مستوى المجتمع الذي يعيش فيه أفراد بينهم علاقات .هذه الثقافة يدرسها بشكل مركز ومكثف في حلقاته الدراسية، ويطرحها من خلال ندواته ومحاضراته ونشراته وكتبه بشكل جماهيري، حتى يوجد رأي عام واع عليها، هذه هى الألية الدعوية للحزب.
*تمكن الدكتور محمد مرسي وهو مرشح الإخوان المسلمين من الوصول للحكم .. ماذا كان موقفكم من ترشح الدكتور مرسي؟ .. وما هو موقفكم الآن منه في معركته مع التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية؟
**ليست القضية في وصول شخص ولا تيار بعينه للحكم بل القضية هى وصول الإسلام للحكم، ووصول شخص إلى سدة الحكم يلقي عليه بمسئولية ضخمة أمام الله إذا كان يحكم بما أنزل الله، فما بالكم إذا كان لا يحكم بما أنزل الله؟!.. موقفنا من ترشح الدكتور محمد مرسي هو الرفض في حقنا لمثل هذا الترشح سواءاً من الدكتور محمد مرسي أو غيره، لماذا، لآنه يتم على أساس الترشح للنظام الجمهوري الديمقراطي، وهو نظام مخالف للإسلام عقيدةً وشريعةً ولا يجوز الترشح على أساسه، وموقفنا أمام الله كان هو محاولة النصح له ولغيره بكل السبل، بأن يستغل هذه الشعبية الجارفة لتطبيق شرع الله والاستقواء بالله ثم بالمسلمين في تطبيق شرع الله بإقامة دولته، ولا يخشى الرفض حيث أن الرفض لذلك قائمٌ قائم، بل حدث مع رسول الله حينما هاجر إلى المدينة والقوة الشعبية كانت أقل من هذه القوة المتوفرة الآن للإسلام، ولكن كان للدكتور مرسي وللأخوة في جماعة الأخوان المسلمين رؤية أخرى!..أما موقفنا الآن من الدكتور محمد مرسي في معركته مع ما يسمى بالتيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية، فهو ليس موقف شخصي، بل هو موقف شرعي، فالدكتور محمد مرسي أو مؤسسة الرئاسة أساس صراعها مع القوى الأخرى أنها دخلت حلبة الصراع بحسب قواعد الديمقراطية وفصل السلطات، وكسب الدكتور مرسي جولة الرئاسة، ثم كان الإعلان الدستوري، واتهامه بأنه تعدى على السلطة القضائية، وتبريره أنه من حقه ذلك، وأن ذلك لفترة استثنائية، فكلا الطرفين قبل أن يكون قدس الأقداس هو السيادة للشعب وهو مصدر السلطات وفصل السلطات، والآن هناك خرق لهذه القواعد، فمن يحكم فيها بالله عليكم هل نستطيع أن نطبق قوله تعالى "يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله وإلى الرسول.." من يحكم بين الدكتور مرسي الآن وبين هذه القوى؟! الشعب أم من؟ وعلى أي أساس يكون الحكم؟!!..أما موقفنا منه الآن في هذا الصراع فهو كموقف المهاجرين الأول للحبشة من النجاشي، كانوا يفرحون بنصر الله له على عدوه، ولكن أبداً ما كانوا يؤيدونه فيما يحمله من عقيدة ومفاهيم تخالف الإسلام.. موقفنا منه هو الناصح الأمين المشفق عليه ومن حمله أمام الله تعالى، ولذلك نقول له ولجميع الأخوة في التأسيسية إن الله ابتلاكم بهذا، ودفع بكم المسلمون إلى هذا المكان أملاً في تطبيق شرع الله، وليس في تسول جزء من هذا الشرع - هذا إذا جاز أن يجزئ - في مفاوضات ديمقراطية دستورية، ثم وتلك هى المصيبة نصور للناس أن ما حصلنا عليه هو الشرع، واسمح لي من هنا أن أوجه هذا النداء للدكتور مرسي وجميع الأخوة في التأسيسية وهو: أيها ألأخوة: مصر الكنانة، مصر صلاح الدين، مصر قطز، مصر الأزهر لا يمكن أن تتسول الإسلام، كيف تسمحون بل تشاركون في ذلك؟!.. يقول الشاعر إذا كان من الموت بدٌ فمن العار أن تموت جبان .. فبرغم هذا التسول هناك هذه المعارضة والتضخيم لها حتى نقول للدستور، وهو أسوأ دستور أهدر الإسلام صراحةً في مصر الكنانة " نعم " والمبرر أننا انتزعناه من " فم الأسد "!.. نحن نقول للدكتور مرسي: معارضة بمعارضة فليكن الإسلام كاملاً، وهكذا يجب أن يكون وليس هناك خيار!، ونحن في حزب التحرير نمدكم بدستور يؤسس لدولة خلافة في مصر تطبق الإسلام كاملاً.. دكتور مرسي"قل إن هدى الله هو الهدى" قولاً واحدا، وستجد الولاية والنصر من الله سبحانه وتعالى.. ونحن وملايين المسلمين معك.
*من بين الأفكار التي اشتهرت عن الحزب هو طلب النصرة من الجيش هل يعني هذا أن حزب التحرير في مصر يمكن أن يطالب بعودة الجيش وإحداث إنقلاب على الدكتور مرسي؟
**أولاً طلب النصرة قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أشهر من أن ينكر، فما خلت منه أي مصنفات للسيرة النبوية الشريفة، فهو عمل من أعمال حمل الدعوة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتأسي بالرسول يوجب القيام بما قام به صلى الله عليه وسلم في أي عمل، وهذا أظنه أمر لا خلاف عليه، أما تبسيط أو تسطيح هذا الأمر، أو تشويه فهذا أمر لا يجوز. ثانيا، طلب النصرة شرط فيه أن يكون من أصحاب القوة والمنعة في المجتمع ويكون طلبٌ لحماية الدعوة أو لتمكين الإسلام في الحكم، وهذا واضح في النوعية التي كان يتقصدها الرسول صلى الله عليه وسلم طالباً للنصرة منها، وواضح من صيغ طلب النصرة التي وردت من الرسول صلى الله عليه وسلم. ومن ثمَّ واقع من يُطلب منه النصرة يختلف باختلاف المجتمعات، ففي مجتمع قد يكون رؤساء القوم أو مشايخهم، وفي مجتمع أخر قد تكون قوى سياسية، وفي مجتمع أخرى قد يكون الجيش.. وأهم من ذلك أن طلب النصرة لا يكون إلا إذا سدت المنافذ أمام الدعوة وأصبحت تراوح مكانها فلا تستطيع أن تكسب أنصاراً ولا أرضاً، وكان هذا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما حوصرت الدعوة في شعب بني هاشم ثلاث سنوات.. الشاهد أنه لا بد من وجود رأي عام للدعوة، أو محاولة إيجاده فيكون وجود هذا الرأي العام مؤدياً إلى إنحياز أهل القوة والمنعة، أهل النصرة، أهل التأثير على الرأي والنظام، سميهم ما شئت، فيقفون مع الدعوة أو يُحيَّدون، خذ مثال ما حدث في 25 يناير، ما حدث من رأي عام كاسح أدى إلى تحيد ثم إنحياز المؤسسة العسكرية للثورة بدون بحث في المبررات والملابسات السياسية!!.. فهذه الدعوة الآن إذا صار لها رأي عام واعٍ عليها، خرج مطالباً لها فمؤكد، سيكون لقادتها، طلب من أصحاب النصرة حماية الدعوة على الأقل إن لم يكونوا قادرين على إيصالها للحكم.. ولك وللأخرين، مثال أخر، ماذا حدث في شبه الجزيرة العربية ؟ ألم تُمكن الدعوة الوهابية بنصرة آل سعود لها؟!.. إذا كان الجيش في مصر، هو صاحب النصرة، أو هو القادر على ذلك، وإن كنت أظن أن المعادلة تغيرت بعض الشئ بعد الثورة، فنحن لا نطالب بعودة الجيش والانقلاب على الدكتور مرسى، بل نطالب الجيش بتوفير الحماية للإسلام في مصر الكنانة مركز ثقل العالم الإسلام، وتمكين الإسلام في الحكم سواءاً كان الدكتور مرسي رئيساً أوغيره رئيساً، ونطالب المسلمين وغير المسلمين في مصر الكنانة بالخروج لإيصال الإسلام للحكم بإقامة نظام الخلافة، فهو النظام الشرعي الذي قرره رب العالمين لإيجاد الإسلام في معترك الحياة.
*يتخوف الكثيرون من أن يتبنى حزب التحرير في مصر منهج العنف مجددا .. ما هو موقفكم من العنف وما هو تقييمكم للعمل المسلح الذي انتهجته بعض الجماعات الإسلامية في مرحلة سابقة؟
**أولا، هذه مقدمة مغلوطة، فكلمة "أن يتبنى حزب التحرير في مصر منهج العنف مجدداً"، تعني أن حزب التحرير كان يتبني العنف سابقاً ثم تركه!!، وهذه مغالطة كبيرة، لآن حزب التحريرهو الحركة الإسلامية العالمية، أي يعرفه القاصي والداني، الذي قال صراحةً ومنذ أول يوم أن منهجه في التغيير هو الصراع الفكري والكفاح السياسي، بل، ويتبنى عدم جواز حمل الدعوة بالصراع المسلح في أي مرحلة من مراحل الدعوة لتمكين الإسلام في الحكم، والعمل المسلح هذا لا يكون إلا الجهاد الذي تقوم به الدولة بعد قيامها، وهى المنوطة بذلك ولا يجوز الافتأت عليها في ذلك، وأنه القتال أيضا لا يجب إلا في حالة غزو الكفار لبلاد المسلمين حال عدم وجود الدولة، فحزب التحرير منهجه واضح في ذلك وضحاً تاماً، كان يعرضه للنقد من قبل الحركات التي تنهج العمل المسلح من قبل والآن أيضاً، بحجة أننا حزب يكتفي بالتنظير!.. أما تقيمنا للعمل المسلح الذي انتهجته بعض الحركات الإسلامية في مرحلة سابقة، فبرغم مخالفة ذلك لطريقة حمل الدعوة التي نتبناها شرعاً، وبرغم محاولاتنا إبداء النصحية لهم، إلا إننا كنا وما زلنا ننظر للجميع في إطار العمل الإسلامي برغم المخالفة لنا، على إنهم عندهم شبهة دليل على ما يقومون به، ويكفي تقيماً لهذا أن هذه الحركات تراجعت عنه.
*من بين ما وجه من انتقادات لأفكار حزب التحرير هو تأثر الشيخ تقي الدين النبهاني - رحمه الله - في كتاباته وتحليلاته بالفكر العروبي والاشتراكي الماركسي إذ كان له في بداية حياته تجربة للعمل المشترك مع الاشتراكيين.. ما تعليقكم على هذا؟
**والله يا أخي حيرونا، من أروع وأدق ما كتب الشيخ تقي الدين النبهاني رحمه الله نقده للفكر الاشتراكي الماركسي، والفكر الوطنى والقومي، مما جعل أصحاب هذا الفكر يصبون جم غضبهم على حزب التحرير.. هناك كتاب ماتع يمكن تحميله من مواقع الحزب أسمه نقض الاشتراكية الماركسية.. وسيرة الشيخ تقي الدين النبهاني معروفة.. لم يكن له تجربة عمل مع أيٍ من الأحزاب أو الحركات الموجودة، وإن كان هذا لا يعني أنه لم يدرس هذه الحركات والأحزاب دراسة عميقة لما لها من تأثير على الأفكار والمفاهيم في الأمة.. وبالمناسبة برغم أن الشيخ تقي الدين النبهاني هو أول من وضع الأساس الفكري لنهضة الأمة على أساس الإسلام عقيدة وأنظمة وجسد حزب التحرير على ذلك، إلا أنه كان حريص كل الحرص أيضاً، أن يجسد حزب التحرير على أساس الفكرة والطريقة وليس على أساس شخصه، فارتباط عضو الحزب بالحزب يكون بناءاً على قناعة تامة بفكرة الاسلام وطريقته كما يتبناها الحزب بغض النظر عن شخصية الشيخ تقي الدين النبهاني، حتى يكون الولاء التام للإسلام وليس للأشخاص.
ثم إن حزب التحرير له كتبه التي ضمنها تبنياته ويعلنها صراحةً أن هذه تبنياتنا، من أراد أن يحاكمنا فليحاكمنا على أساسها.. وهذا أظنه شئ غير موجود في كثير من الحركات الأخرى التي تعتمد على أقوال بعض شيوخها أو كتبهم التي تمثل أرائهم الشخصية، وأحياناً تتناقض مع بعضها البعض.
*أيضا مما يوجه للحزب من انتقادات أنه لم يبال بمسألة ضلالات وبدع الشيعة مثلا وأن اهتمام الحزب انصب في أغلبه على الجانب السياسي وعودة الخلافة .. هل يعني هذا أن الحزب لا يعتني بنقاء العقيدة؟
**لعل الرد على هذا السؤال جملةً جزء كبير منه في جواب السؤال السابق.. ما هى ضلالات الشيعة وبدع الشيعة؟!.. أليست نشأة الشيعة خلاف سياسي، ترتب عليه قولهم بوجوب تعين الله للإمام ووجوب عصمته، هذا هو أساس فكر الشيعة أليس كذلك؟! .. وإذا كان حزب التحرير في كتاب الشخصية الجزء الأول والثاني عمد إلى فكرة وجوب تعين الله للإمام، ووجوب إمامة الأمام علي رضى الله عنه بتعين من الله ونسفها نسفاً بالأدلة، ألا يكفي ذلك؟!.. ألا يكفي إهتماماً بالعقيدة وبنقائها أن، في كتاب الشخصية الجزء الأول ينقض الأسس التي قام عليها علم الكلام، أي علم التوحيد، أي علم العقيدة، ويبين خطأ المتكلمين من معتزلة وجبرية وأشاعرة وماتريدية في مسائل الذات والصفات والقضاء والقدر والعدل والإرادة، والهدى والضلال، وبيان أثر هذه المفاهيم في الأمة إلى يومنا هذا.. بل إن الحزب يقرر أن نقاء العقيدة وصفائها هو الأساس الذي يجعل الأنظمة تنبثق من العقيدة إنبثاقاً صحيحاً!..
أما موضوع الجانب السياسي وعودة الخلافة، فأظننا تحدثنا عنه من قبل.. ويكفي أن أذكرك وأذكر القارئ بقوله تعالى"والذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وأتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور"، أنظر كيف ربط الله سبحانه وتعالى إقامة الصلاة بالتمكين، نعم، بالرغم أن كثيرين يظنون أن الصلاة والزكاة أحكام فردية قد لا تحتاج لدولة، بل إنها حتماً تحتاج إلى الدولة، فإقامة الصلاة أي المحافظة عليها قائمة في المجتمع بتوفير أجوائها وتعظيمها، ومعاقبة تاركها، وكذلك الزكاة، أم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودور الدولة فيه وأمر الحكام بالمعروف ونهيهم عن المنكر فحدث ولا حرج، أليس كل هذا سياسة؟!!.. قس على ذلك بقية الأحكام.. يجب أن نقلع عن هذه النظرة الرأسمالية التي تفصل السياسة عن الدين، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام الخلفاء الراشدين الذين سطروا سطوراً من ذهب في تاريخ الأمة لم تروي عنهم السير كثير صيام وقيام، والرسول صلى الله عليه وسلم لو قرأت السيرة تعجب كم من الوقت كان يمكث في المدينة، فكل حياته صلى الله عليه وسلم في المدينة من غزوة إلى أخرى.
*سياسيا ألا ترون أن الدعوة لعودة الخلافة هي من المسائل المستحيلة في المرحلة الراهنة وأن الأولى الآن إحداث التغيير والإصلاح في كل بلد على حدة ووفق قدرات الحركة الإسلامية في كل بلد؟
**سياسياً هى مسألة صعبة ولكن ليست مستحيلة، ألا ترى أن خلع مبارك يوم 35 يناير كان مستحيلاً؟ وبن على والقذافي وعلى عبد الله صالح والحبل على الجرار إن شاء الله.. نعم، مسألة صعبة، ولكن دعني أصحح مفهوم، أولاً، نحن نتبنى إقامة دولة خلافة - نظام خلافة - في بلدٍ من البلدان يكون حاضرة الخلافة كما كانت يثرب حاضرة الخلافة، بلد يرتكز فيها هذا النموذج، وهذا النموذج سرعان ما سيجذب غيره، وسيقوم بالمناورات والعمليات السياسية لضم بلاد المسلمين من حوله، مؤكد هى مسألة صعبة، ولكن هكذا نشأت وتنشأ الدول الكبرى، لم يكن نواة الاتحاد الأوروبي مع الفارق فرنسا والمانيا، ألم يكن نواة الولايات المتحدة تبني ولايات منها لمشروع دولة فيدرالية، ألم يكن نواة الاتحاد السوفيتي روسيا.. مع الفارق في هذا كله مع الإسلام، فصحيح أنه لابد للخلافة أن ترتكز في قطر من الأقطار، إلا أن الله سبحانه وتعالى أوجب أن يكون للمسلمين خليفة واحد فرسول الله صلى عليه وسلم يقول: "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما"، ويقول صلى الله عليه وسلم" من بايع إماماً فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليطعه إن استطاع، فإذا أتى أخر ينازعه الأمر فاضربوا عنق الآخر"وهذه أحاديث صحيحة، جعلت الأمر مستقر في الفقه الإسلامي على وجوب الخلافة ووجوب نصب خليفة واحد للمسلمين، فأي قطر سيتحقق فيه أن رجلا بويع للخلافة فيه بنفوذ المسلمين في هذا البلد، وليس بنفوذ دولة أجنبية، وأن هذا البلد يعتمد في حماية نفسه على قوة إسلامية ذاتية، أي أنه ليس محتل عسكرياً، وأن هذا الذي بويع أو اختير باشر تطبيق الإسلام تطبيقاً إنقلابياً شاملاً، وأنه تتوفر فيه شروط الانعقاد الواجب توفرها في خليفة المسلمين كونه رجل مسلم حر عاقل بالغ عدل صاحب كفاية وقدرة على القيام باعباء الحكم.. صار هذا الرجل خليفة المسلمين، وصار هذا البلد حاضرة الخلافة وسقط عنا جميعاً الأثم في ذلك، وعلى جميع المسلمين في البلدان الأخرى إعتباره خليفةً للمسلمين، ويجب أن تنضم بلادهم إلى حاضرة الخلافة.
ولو خرج واحد في قطر أخر وإعلان نفسه خليفة فلا تعقد له وتظل خلافة الأول هى الصحيحة شرعاً ولن ولا يجوز أن ينقاد له المسلمون..فالقضية ليست قضية خلافة تجمع بلاد المسلمين في التو واللحظة، ولكن القضية في إقامة خلافة سوف تسعى لضم بلاد المسلمين وتوحيدها، أما الحركات الإسلامية في هذه البلدان التي لم تقم فيها الخلافة فسرعان بما لديها من فقه وعلم وثقافة واحدة على مستوى الأمة فسرعان ما ستعمل لدعوة المسلمين للانضمام لهذه الدولة الناشئة، وستقف هذه الدولة ورائهم بامكانياتها.. لعل الصورة وضحت.
*معلوم أن الحزب كان قد وضع دستور عام 1963م كان من بين ما تضمنه أن سلطان الأمة في اختيار الحاكم وليس التشريع.. ما هي الآليات التي يطرحها الحزب لجعل هذا الدستور واقعا يحكم بين الناس؟
**صحيح سلطان الأمة يعنى إختيارها لحاكمها.. أما الآلية لجعل هذا الدستور واقعاً يحكم بين الناس فهي كما تعلم، وكما ذكرنا في طريقة حمل الدعوة، وهى الصراع الفكري والكفاح السياسي، فنحن نطرح هذا الدستور على الأمة في كل مناسبة أو ندوة أو محاضرة ونقارنه مع الدساتير الوضعية كالدستور الجديد المطروح من التأسيسية ونبين الفرق بين هذه الدستور المستنبط من الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس، وفي معالجته للأنظمة وتأسيسه للدولة وهذه الدساتير القائمة على أساس التأسيس لدولة مدنية ديمقراطية لاعلاقة لها بالإسلام، وذلك حتى يوجد رأي عام واع على ذلك، يؤدي إلى تبني أصحاب القوة والرأي والمنعة والقوى السياسية له وتمكين وصول ذلك للحكم لمباشرة تطبيقه.
*أخيرا .. من بين أهم التساؤلات التي تفرض نفسها على أذهان الناس تقديم تفسير لموقف الكيان الصهيوني من أعضاء حزب التحرير المتواجدين في المسجد الأقصى؟
**لعلي أكون فهمت السؤال ؟! تقصد لماذا لا يضيق عليهم ، أو يقمعهم ؟! .. إن كان كذلك، فإليك الجواب، أولاً تعرف أن نشأة حزب التحرير كانت في القدس سنة 1953م وذلك قبل إستيلاء كيان يهود على القدس والمسجد الأقصى ومن ثم كانت دعوة حزب التحرير ضربت بجذورها بقوة في القدس الشريف وانتقلت إلى الأردن، فمن الصعب قلعه وقمعه.. ثانياً: أن هذه الدولة المسماة إسرائيل، تدرك تماماً أن حزب التحرير ينظر إلى أهل فلسطين أنهم أسرى يجب على جميع المسلمين فك أسرهم، وأنهم في مثل هذه الحالة، حالة الأسر، وهى الحالة التي بعد إجتياح الكفار لبلد من بلاد المسلمين واستيلائهم عليه، لا يكون القتال واجباً على أهل البلد بل يكون جائزاً، ويبقى واجب القتال على أهل البلد فقط في حالة صولان هذا العدو على المسلمين فيه، بمعني أن يقوم مثلاً بدورياته باقتحام البيوت.. ومن ثمًّ حزب التحرير ليس جماعة مسلحة يخشى منها كيان يهود، ويستدعى الأمر قمعها وخاصة أن هذا الكيان يدعي الديمقراطية.. ثالثاً : يتعرض الشباب هناك للتضيق من قبل السلطة الفلسطينة التي تقوم بواجب القمع نيابةً عن يهود، ولكن نظراً للعشائرية والاسرية هناك تختلف الأمور في أساليب القمع.. رابعاً: يقوم كيان يهود بالقبض على الشباب والتضيق عليهم في حال نشرهم بيانات أو نشرات تحض على وجوب قتال يهود من جيوش المسلمين في الدول الأخرى.. فموقف يهود من حزب التحرير ليس موقف مؤيد ولا مناصر ولكن موقف معادي، مثله مثل مواقف دول أخرى يعمل فيها حزب التحرير مثل ألمانيا، والدانمارك، وبريطانيا، وأمريكا واستراليا.. أم القمع والذي قد يؤدي إلى الاعتقال والسجن بل والقتل، فيكون في البلاد الإسلامية عامةً والبلاد العربية خاصةً، وروسيا، وتركيا، وأوزباكستان، وباكستان.. والله المستعان والله أعلم!
خ.ع
المصدر: صحيفة الإسلاميون