كلمة حزب التحرير/ ولاية مصر لمؤتمر الخلافة في جاكرتا [كلمة المهندس شريف زايد رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر في مؤتمر الخلافة العالمي في جاكرتا الذي انعقد يوم الأحد، 23 رجب الفرد 1434هـ الموافق 02 حزيران/يونيو 2013م] -----------------------
- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
كانت ثورة مصر فاتحة خير بعد ثورة تونس، فقد أكدت على أن حركة الأمة في تونس لم تكن حركة معزولة عن محيطها، بل كانت ثورة لها ما بعدها في باقي بلاد المسلمين، ولم يجد نفعا ترداد طاغية مصر وأذنابه مقولة أن مصر غير تونس، أو قول المقبور القذافي أن ليبيا غير تونس ومصر.
ولكن، هل حققت غضبة الثوار في مصر شيئا مما تصبو إليه؟ هل تغير النظام، أم تغيرت الوجوه فقط؟
لقد انتهى عهد الطاغية مبارك على النحو الذي جرى لصاحبه بن علي في تونس، وجرت انتخابات، وصعد أصحاب شعار (الإسلام هو الحل) ووضع الشعب الثائر أمله فيهم لأنه يحب الإسلام ويريد أن يراه مطبقا في واقعه، فهل حقق هؤلاء شيئا من شعاراتهم المرفوعة؟ وهل اختلف إسلامهم المطبق عما كان يدعي المخلوع أنه يطبقه من الإسلام؟
إن أمل الأمة الممزقة اليوم أن تعود أمة واحدة من دون الناس في ظل خلافة على منهاج النبوة يرضى عنها ساكن السماء وساكن الأرض. إن هذا الأمل العريض الذي يجب أن تتحرك من أجله الأمة اليوم هو ما سيحررها بالفعل من التبعية والذل لدول الغرب الكافر، التي خطفت تلك الثورات المباركة وذهبت بها حيث تريد، بعيدا عن الإسلام الذي كان يجب أن يقود تلك الجموع المتحركة المتشوقة للتغيير، للخلاص من تبعية الأنظمة في العالم الإسلامي لأمريكا والغرب الكافر. إننا نستطيع أن نقول أن الأمة أدركت أن إسقاط الطغاة دون إسقاط أنظمتهم، يجعل الثورات تراوح مكانها. فما العبرة من إسقاط هؤلاء الخونة العملاء دون إسقاط أنظمتهم التي كانت وما زالت ركيزة الكافر المستعمر، وأس البلاء ومكمن الداء الذي تعاني منه الأمة مذ هدم دولتها ونظامها الحقيقي المتمثل في دولة الخلافة.
ولعل شعار "الثورة مستمرة" الذي يرفعه البعض في مصر فيه بعض العزاء، إذ يؤكد هذا الشعار أن في الأمة من يدرك أن الثورة يجب أن تستمر، لأنها لم تحقق أهدافها التي قامت من أجلها بعد. وثمة أمر يجب أن يدركه كل من يبحث عن مخرج حقيقي لما تعانيه الأمة من تفرق وتشرذم وضياع ونهب لخيراتها وثرواتها، إذ لا بد من إدراك الأثر العميق لهيمنة الثقافة الغربية المضللة على عقول الناس في بلادنا التي ابتليت بالاستعمار منذ أواسط القرن التاسع عشر الميلادي، فقد سيطرت هذه الدول المستعمرة على بلادنا وتقاسمت النفوذ فيها وكانت إنجلترا صاحبة حصة الأسد فيها، ثم تليها فرنسا، وهما الدولتان اللتان مزقتا هذه البلاد في اتفاقية الذل "سايكس بيكو".
ففي ظل كابوس ثقافة الغرب المضللة ترسخ مفهوم الدولة القطرية ذات الحدود التي تعزلها عن أمتها والدستور العلماني، والعلم المفرق، وهكذا ترسخ لدى الأجيال مفهوم الوطنية والوحدة الوطنية والانتماء للوطن ولدستور الوطن ولعلم الوطن.
لقد ركزت القيادات التي تسلمت زمام الأمور في أقطار الربيع العربي على هذه المفاهيم المنحطة، وكأننا نراوح مكاننا، وغابت عن الساحة الثورية شعارات (الوحدة) و(إلغاء الحدود) وغيرها من الشعارات المرتبطة بعقيدة الأمة وتراثها وتاريخها، لدرجة سمح فيها هؤلاء القادة الجدد لمرور سفن القتل الإيرانية عبر قناة السويس لتعين طاغية الشام على قتل المزيد من أبناء الأمة في سوريا، تحت نفس ذريعة النظام البائد "ليس من حق مصر أن تمنع أي سفينة من المرور في قناة السويس، إلا إذا كانت تابعة لدولة في حالة حرب معلنة مع مصر"، فنظام ما بعد الثورة لا يرى العدوان على المسلمين عدوانا على مصر!! فما لكم كيف تحكمون؟!
كما ترسخت تحت كابوس الثقافة الغربية المضللة مفاهيم غريبة في أمتنا، ولعل مصطلح الدولة المدنية الذي بدأ يردده الكثيرون هو أخطر هذه المفاهيم الغريبة على حضارة وثقافة هذه الأمة، فهل قامت الثورة وضحّى الناس من أجل تلك الدولة العلمانية المدنية؟ هل حقا ثرنا من أجل خلع هؤلاء الطواغيت لنحكم من خلال طواغيت آخرين في لباس مدني يكرسون العلمانية والديمقراطية، لكن تحت مسمى جديد هو "الدولة المدنية"؟ هل يتصور الذين يرفعون هذا الشعار أن بإمكانهم خداع الأمة إذا جملوا هذا المصطلح بادعائهم أن الدولة المدنية المنشودة ستكون "بمرجعية إسلامية"؟!
لقد برز بوضوح في مسيرات الغضب شعارات تدعو إليها حركات عرفت بأنها ذات مرجعية إسلامية، كالإخوان المسلمين والسلفيين في مصر، وكحركة النهضة الإسلامية في تونس وغيرها، ورفع شعار (الإسلام هو الحل) في هذه الأقطار، وارتفعت شعارات أخرى تعطي وزنا للتغيير على أساس الإسلام من مثل: (لن نركع إلا لله) و(إن تنصروا الله ينصركم) و(هي لله هي لله)...
والسؤال المطروح الآن: أين الحركات ذات المرجعية الإسلامية التي برزت من خلال أصوات الناخبين من (الإسلام) عقيدة الأمة التي ينتظر الناس من خلالها الفرج؟
لقد صار النظام الجمهوري مقبولا، كالنظام الملكي، وصارت الدولة المدنية من مصطلحاتهم المقبولة، وصاروا ينادون بالتعددية، والديمقراطية، وقالوا: (ديمقراطية الإسلام) وكأن الإسلام حتى يكون مقبولا فإنه لا بد أن يلبس هذه الثياب الغريبة التي ليست منه. كل ذلك لإرضاء الغرب الكافر، فهل هم غير مدركين حقيقة أن هذا الغرب هو الذي جر علينا المصائب والويلات، وهو سبب تخلفنا، وهو الذي مزق أمتنا وأزال هيبتها واحتل الكثير من بقاعها، وأقام عدو الأمة الأول (كيان يهود) على بقعة مباركة من أقدس بقاعنا؟!
إن التغيير الذي تبتغيه الأمة يجب أن يكون جذريا يعيد لها موقعها الريادي بين الأمم، ونحن نراها ممزقة الأوصال، شديدة التخلف، محرومة من كل مظاهر العزة والكرامة... إنه تغيير جذري سيشمل العالم المعاصر كله: شرقه وغربه، وشماله وجنوبه.
إن العالم كله اليوم يشهد فسادا في كل شؤون حياة البشر، قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ). لقد أزال الإسلام هذا الفساد في البر والبحر ببعثة الرسول الكريم، وهو قادر اليوم على إزالة الفساد الحالي المهيمن على العالم بأسره من خلال أمة الخير الأمة الإسلامية إذ هي بحق خير أمة أخرجت للناس.
لقد صار لزاما علينا إذا أردنا التغيير الصحيح أن يكون تغييرا جذريا للأفكار المسمومة التي زرعها عدونا المستعمر، بإحلال الأفكار الإسلامية الأصيلة مكانها وجعلها المهيمنة على الرأي العام في المجتمع، وهو الأمر الذي يؤدي إلى التغيير الحقيقي الذي يسعدنا ويهيء لنا الحياة الكريمة العزيزة، ويتم هذا بمحاربة الغرب وأفكاره، والتوعية على أفكارنا الإسلامية بصورتها الصحيحة، وهذه العملية التغييرية لا يمكن أن يقوم بها من لا تزال آثار الثقافة الغربية المضللة بارزة في أقواله وأفعاله. ومن هنا فلا معنى للحديث عن النظام (الجمهوري) في هذه الأقطار، فللأمة نظامها المتميز وهو الخلافة. ولا معنى للحديث عن الوطن والوطنية ورفع علم من الأعلام التي صنعتها اتفاقية (سايكس-بيكو) المشؤومة، فللأمة انتماؤها العقدي الذي يسمو فوق الأرض ولا يلتصق بالتراب، ولها علمها المميز راية ولواء رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا معنى لمصطلحات (الديمقراطية) و(الدولة المدنية) و(التحالف الليبرالي الإسلامي)، إذ الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. ولا معنى لاحترام اتفاقيات الذل ومعاهدات السلام، إذ الحكم الشرعي هو واجب الاحترام والاتباع. ولا معنى لإعلاء سيادة الشعب، إذ السيادة في الإسلام هي لشرع الله، وشرع الله فقط.
إن القادم من الأيام مبشر بالخير العميم على هذه الأمة الكريمة، وإن (غرباء الأمة) الذين دأبت الأنظمة وأبواق إعلامها على تجاهلهم والتعتيم عليهم؛ ستنتهي غربتهم عما قريب، عندما يتوسدون الأمر ويكون لدينهم ولدولتهم "الخلافة الإسلامية" الكلمة الفصل في كل قضايا العالم. فحينها لن يكون هناك غربة لهؤلاء الرجال، فهم وأمتهم سيكونون أصحاب الكلمة العليا واليد الطولى، وسيظهر دينهم العظيم على الدين كله، بما فيه دين الرأسمالية الذي ما أنزل الله به من سلطان، وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ.
المهندس شريف زايد
رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية مصر