- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
بسم الله الرحمن الرحيم
ولاية تونس: تغطية أعمال المؤتمر العالمي للمحامين "أي دستور نريد؟"
والذي عقد تحت إشراف الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين
المُشاركون في مؤتمر الدستور يطالبون بـ"دستور إسلامي لدولة إسلامية"
في ظل الجدل الحاصل بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد، حول طبيعة النظام السياسي في تونس والدستور المُنَظم له، خاصة عقب مسار 25 تموز/يوليو، نظّم الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين مؤتمرا عالميا بتونس تحت عنوان: أي دستور نريد؟
بيّن خلاله رؤية أصيلة نابعة من عقيدة الشعب التونسي وتُعَبّر عن هويته الحضارية، وشارك فيه ثلة من أهل الفكر والرأي من المحامين والخبراء والعلماء من بلدان مختلفة، وذلك يوم السبت 19 آذار/مارس 2022م بنزل المشتل بتونس العاصمة، وقد لقي المؤتمر تجاوبا حيث امتلأت قاعة المؤتمر وتابع جمع من أهل تونس الخضراء متابعة حية فعاليات المؤتمر في أكثر من مدينة تونسية، وتم بثه مباشرة على قناة الواقية وعلى صفحة الاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين على الفيسبوك وغيرها من المواقع. وهذا ملخص لبرنامج المؤتمر وكلماته:
الأستاذ فتحي الخميري
انطلقت أعمال المؤتمر بتلاوة آيات من الذكر الحكيم، ثم كانت هناك كلمة لممثل فرع تونس للاتحاد الإسلامي الدولي للمحامين الأستاذ فتحي بن مصطفى الخميري المحامي بتونس رحب فيها بالمؤتمرين والحضور، ثم وضع المؤتمر في إطاره السياسي حيث استنكر حشر الشعب التونسي في ثنائية مقيتة تنبع من مشكاة الأنظمة الدستورية الوضعية، وحشره في صراع شكلي بين نظامين: إما العودة إلى النظام البرلماني ودستور 2014 كما يطالب بذلك أنصار البرلمان، أو العودة إلى نظام ما قبل الثورة أي إلى نظام رئاسي ودستور شبيه بدستور 1959 كما يريد فرض مشروعيته الرئيس قيس سعيد، وبيّن الأستاذ الخميري أن الدساتير تستوجب بحث الأسباب الموجبة والقاعدة الفكرية التي تقوم عليها فلسفة الدستور والضوابط التي تؤدي لتبني مواده وأخذ آراء علماء الشريعة والخبراء في ذلك بشكل يعبر عن الهوية الإسلامية للشعب التونسي، معلنا انطلاق أعمال المؤتمر.
الأستاذة شيراز الحرابي
كانت البداية مع المحامية لدى التعقيب بتونس الأستاذة شيراز الحرابي، التي كانت لها مداخلة بعنوان: "مفهوم الدستور، الدستور العرفي، الدستور المكتوب" وهي مداخلة تمهيدية عرضت فيها أهم المصطلحات التي دارت حولها أعمال الملتقى، فعرفت الدستور من كونه وثيقة أو كتاباً يتضمن جملة من الأحكام والقواعد الأساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها وتبيّن حدود واختصاص كل سلطة وعلاقتها بالأفراد، كما تبيّن الحقوق والواجبات المتبادلة بين الطرفين، ثم عرجت إلى مصطلح القانون الدستوري ومعنى عبارتي "دستورية القوانين" و"مؤسسة دستورية"، ثم بيّنت منشأ الدستور وحكم الشرع في استخدام مصطلح دستور أو قانون باعتبارها مصطلحات أجنبية ثم التفريق بين الدستور الإسلامي وغيره من الدساتير.
فبينت أن الدستور الإسلامي يحتوي قوانين دستورية إسلامية مصدرها الكتاب والسنة ليس غير، أما بالنسبة للدساتير غير الإسلامية فإنها تتضمن أحكاما وضعية سنها مجلس تأسيسي ويكون مصدرها العادات والتقاليد أو أحكام المحاكم أو تعليمات أصحاب النفوذ المحلي أو الأجنبي.
الأستاذ المحاضر محمد سيفل من إندونيسيا:
ثم كانت مداخلة عبر تقنية الفيديو باللغة الإنجليزية مع الترجمة الفورية للأستاذ محمد سيفل (Muhammad Sjaiful) الأستاذ المحاضر بكلية الحقوق جاكرتا إندونيسيا بعنوان "أهمية الآلية الدستورية في ضبط الحياة السياسية"، حيث قال على الرغم من أن دساتير دول عدة في البلاد الإسلامية مثل مصر والسعودية وسوريا وتونس تنص على أن الإسلام دين الدولة أو أن القرآن مصدر التشريع، إلا أن هذا البند في الواقع هو مجرد احتفال سياسي للنخب الحاكمة من الآباء المؤسسين للبلاد. ثم تساءل قائلا: فهل وجود مثل هذا الدستور يضمن عدم استبداد الحكام لشعوبهم؟ هذا هو ما سأحاول طرحه من خلال هذه المداخلة، بالإضافة إلى تقديم الدستور البديل الذي يمكن أن يضمن فرض قيود على الحكام حتى لا يتصرفوا بطريقة استبدادية تجاه شعوبهم.
وبين قائلا: الدستور الاستبدادي الذي أعنيه في هذا المقال هو دستور يصب في مصلحة النخبة السياسية أو الحكام فقط. إن الدستور الذي لا يضمن الرفاهية والعدالة للشعب يضفي شرعية على السلطات للتصرف بطريقة استبدادية تجاه شعوبها. يظهر بيان الدستور الاستبدادي في الدستور على أنه مجرد رمز لخدمة الشعب، ولكن في الواقع، فإن النخب السياسية التي أصبحت حكاماً تتصرف مع شعوبها بطريقة استبدادية، وأعطى في ذلك أمثلة حية من واقع إندونيسيا ودستورها.
ثم قال: وحدها الحضارة الإسلامية في ظل نظام الخلافة يمكنها تقديم دستور يحدّ من قيام الحكام بأعمال استبدادية ضد الشعب. يحد الدستور من سلطات الحكام بالاعتماد فقط على القرآن وأحاديث النبي محمد ﷺ، حيث حرّم الإسلام على الحكام أن يتصرفوا حسب إرادتهم. مثل هذا الدستور لا أعتقد أننا سنجده في أي حضارة في هذا العالم، سواء في الحضارة الرأسمالية أو في الحضارة الاشتراكية.
الأستاذ قيس البرادعي:
ثم كانت للأستاذ قيس البرادعي، المحامي بصفاقس مداخلة بعنوان "هل كان دستور 26 أبريل 1861 يشكل دستورا حقيقيا؟"، فبيّن أن دستور 26 أبريل 1861 لا يرتقي إلى مواصفات المفهوم القانوني للدستور لأنه صدر عن سلطة لا تتمتع بشروط الاستقلالية والسيادة عن السلطة المركزية وبالتالي يمكن اعتباره امتدادا لعهد الأمان الصادر منذ 10 سبتمبر 1857، حيث أُجْبِرَ الباي من طرف الدول الاستعمارية وخاصة منها فرنسا وإيطاليا على إصدار دستور بهدف سلخ تونس عن السلطة المركزية بإسطنبول والتمهيد للتعامل معها كدولة مستقلة غير تابعة للخلافة العثمانية، فكان ذلك الدستور تمهيدا لتمرير اتفاقية انتصاب الحماية الفرنسية في 12 أيار/مايو 1881 وذلك عن طريق الادعاء بالتعامل مع تونس كدولة ذات سيادة يمكنها عقد معاهدات دولية مضرة بمصلحة الدولة المركزية.
شيخ الجامع الأعظم، الشيخ حسين العبيدي:
ثم كان لشيخ الجامع الأعظم، جامع الزيتونة الشيخ حسين العبيدي مداخلة متميرة بعنوان "مواقف علماء الزيتونة من دستور 1959"، حيث استهل الشيخ العبيدي كلمته بحمد الله على نعمة الإسلام وهدي القرآن، وبتببان غاية خلق الناس ليكونوا خلفاء لله في الأرض تكليفا لا تشريفا ليعبدوه سبحانه، وأثنى الشيخ حسين العبيدي على علماء الأمة الأخيار الذين تشبثوا بكنز الأمة التشريعي ومنهم الشيخ العالم تقي الدين النبهاني رحمه الله، أصيل فلسطين الأبية أرض المسرى والجهاد التي لا تزال حاملة لراية الإسلام.
ثم تحدث الشيخ العبيدي عن المكر الفرنسي وأسباب وضع التشريعات الغربية وفصل الدين عن الدولة، فبيّن أن الواقع الذي تعيشه تونس اليوم من ارتهان كامل لدول الغرب وأوروبا ماليا واقتصاديا هو نفسه الذي مكّن فرنسا من استعمار تونس باسم الحماية بعد أن أغرقت البلاد في الديون، فكان مبتغاها الأساس فصل الدين عن البلاد التونسية وإنهاء ما فيها من احتكام للمحاكم الشرعية، فنشرت الفقر بين الناس وأفشت الرذيلة وهدمت أسس الأخلاق وانتزعت من الناس الكرامة، ثم تركت لنا في تونس بعد خروجها من يخَلفها في حكمها وتشريعها وقوانينها وعدائها للإسلام، فأُغلق جامع الزيتونة وحُوربت الهوية الإسلامية وزُرعت ثقافة التغريب وتم تسليم ثروات البلاد للأجنبي.
وأكّد على رفض علماء الزيتونة لدستور 1959، وإجماعهم على ضرورة دستور إسلامي لدولة إسلامية، وعدّد أسماء العلماء الذين تصدوا لفصل الإسلام عن الحكم في تونس، منهم العلامة الطاهر بن عاشور والشيخ محمد الزغواني والشيخ الهادي بالقاضي وإمام المذهب الحنفي الشيخ محمد بالعباس. كما ذكر كيف تصدى العالم الزيتوني الشيخ علي بن عيسى لبورقيبة ودستوره الذي أراد به علمنة تونس.
وبين الشيخ العبيدي أن واجب المسلمين اليوم هو العمل لإعادة أحكام شريعة الله وإعلاء كلمته استجابة لقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾، وختم مداخلته بقوله: أحضر معكم اليوم رغم أني في أرذل العمر وحالتي الصحية منهكة، إصرارا مني على نصرة من يريد إعلاء راية الإسلام وإحلال حكم الإسلام في الواقع.
الأستاذ خبيب كرباكة:
ثم كان للأستاذ خبيب كرباكة مداخلة بعنوان "دستور جانفي 2014 في الميزان" استنكر فيها تواطؤ الطبقة السياسية في تونس بالتعدي والتحدي لإقصاء الإسلام من منظومة الحكم والتشريع في الدستور وسائر القوانين، وكأن الثورة كانت على الإسلام وأحكامه، في حين يدرك الجميع أن غياب الإسلام عن واقع الحياة هو الكارثة الكبرى التي جلبت الخراب والشرور.
واستنكر خلالها تدخّل المستعمر في صياغة الدّستور والإشراف عليه مباشرة أو عن طريق ما يسمى بمنظّمات المجتمع المدني ذات التّمويلات الغربيّة المشبوهة.
النائب الشيخ سعيد الجزيري
كما كانت للنائب وصاحب إذاعة القرآن الكريم الشيخ سعيد الجزيري مداخلة بعنوان "صحيفة المدينة: أوّل وثيقة دستورية في الإسلام" تحدّث خلالها عن صحيفة المدينة التي حددت العلاقات والحقوق والواجبات ونظمت علاقة المسلمين مع غيرهم وحددت مرجعية ذلك كله للكتاب والسنة، وكيف استطاع النبي ﷺ أن يحتوي المشركين واليهود بتلك الصحيفة، حيث ضمن لليهود حقوقهم في ممارسة دينهم وأن ما اختلفوا فيه من شيء مع المسلمين فمرده إلى الله ورسوله، وبيّن الشيخ الجزيري كيف استطاع دستور النبي ﷺ بناء أمة. كما بين واقع الدساتير الوضعية بأنها محمية من طرف القوى الاستعمارية حتى تتمكن هذه الدول من حماية مصالحها، وفي هذا الإطار تطرق إلى نهب الثروات وكيف أن النواب لم يستطيعوا أن يدخلوا الجنوب التونسي الذي لا زال يخضع للاستعمار
الأستاذ جندل صلاح من فلسطين:
وقد كانت للمحامي الأستاذ جندل صلاح مداخلة تحت عنوان "نقض الدساتير الوضعية المطبّقة في البلدان الإسلاميّة" حيث أكّد أن المسلمين هم أساتذة البشرية في القانون، فلا توجد أمة اشتغلت بالصياغة التشريعية الأصولية كما اشتغلت الأمة الإسلامية.. فالبشرية قبل المسلمين لم تعرف المنظومة القانونية ولا الصياغة الدستورية، وإن حاول المؤرخون الإشارة إلى تشريعات لدى اليونان والإغريق وحمورابي وغيرهم؛ لكن كل ما ذكر وغيره لا يعدو أن يكون لوائح عقوبات بدائية وفرمانات قيصرية لا ترقى لمستوى التسمية القانونية في شكلياتها وموضوعاتها.
ثم بين أن الواجب على الأمة قبل التفكير في صياغة دستورها أن تحدد من هي الفئة الصالحة للقيام بهذه المهمة، وأن يستبعدوا منها كل مهزوم ومضبوع وصاحب أجندات، تماما كما فعل طالوت عندما فصل الجبناء والمنافقين قبل مواجهة جالوت.
كما بين أن صياغة الدستور في أي دولة وعند أي أمة يدور حول ركيزتين أساسيتين وما تبقى تابع له: الركيزة الأولى تحديد سيادة الدولة أو ما نسميه نحن المسلمين الأمان، فمهمة الدستور الأساسية تثبيت سيادة الدولة أي أمان الدولة، هذا الأمر الذي نجده مفقودا في كل دساتير المنطقة الإسلامية، فمثلا دستور الثورة التونسي ومثله بقية الدساتير العربية تصرح في فصلها الأول بالقول (تونس دولة حرّة، مستقلّة، ذات سيادة) بهذه الكلمات العامة الفارغة من أي مضمون قانوني واضح، والتي لا تتبعها أية لوائح إجرائية واضحة، يتم تعويم أخطر شيء في حياة الشعب والأمة (السيادة/الأمان)، لذلك فإنه يجب أن نفهم أن الدساتير القائمة في بلادنا كلها تجعل منا أمة بلا سيادة، وأمة غير قادرة على تطبيق مفهوم السيادة على ذاتها وأرضها، لذلك لا تستغربوا عندما تخضع مؤسسات التعليم والقضاء لإملاءات المؤسسات الدولية، ولا تستغربوا عندما تنهب الشركات الغربية ثرواتنا، ولا تستغربوا عندما تكون جيوشنا لا تملك عقيدة عسكرية مفهومة.
أما الركيزة الثانية لأي دستور في الدنيا فهي أن يكون منبثقا عن عقيدة أهل البلد وثقافتهم وأعرافهم وتاريخهم، فبالرغم من أن دستور الثورة مثلا في التمهيد قبل البدء بالفصول قال ما نصه "..واستلهاما من رصيدنا الحضاري على تعاقب أحقاب تاريخنا.." نجد أنه فارغ من أي شيء له علاقة بالحضارة الإسلامية، بل كله تثبيت وترويج للحضارة الغربية الاستعمارية.
وأضاف أن الدساتير في البلدان الإسلامية فارغة من توضيح معالم سياسة التعليم وكأنها تركت عمدا لفتح المجال للمؤسسات الدولية أن تعبث بمناهجنا المدرسية، دساتير فارغة من توضيح العقيدة العسكرية وكأنهم يريدون أن يبقى الجيش مفصولا عن الجماهير وأوجاعها، دساتير فارغة من تحديد الملكيات بشكل واضح لفتح المجال للنهب والسرقة وتسريب الثروات، دساتير فارغة من تحديد نوعية النظام الاقتصادي للدولة حتى يسمح للبنوك العالمية وصندوق النقد بالعبث بمعيشة الناس.
الأستاذ أسامة البرهومي:
ثم كانت للمحامي الأستاذ أسامة البرهومي مداخلة بعنوان: "ظاهرة الانقلاب على الدساتير في البلدان العربية"، حيث بين أن الدساتير الوضعية التي تصوغ الأنظمة السياسية في البلاد العربية هي دساتير منبتّة من حيث الشكل والمضمون عن هوية الأمة الإسلامية وهو ما سهل عملية الانقلاب على هذه الدساتير لأنها لا تحظى بدعم شعبي، فضلا عن كونها قائمة على توافقات، وتنازلات وتفاهمات بين جميع الفرقاء المحليين من جهة وبين أسيادهم من القوى الكبرى من وراء البحار من جهة أخرى.
وبيّن أن فلسفة الدستور في المنظومة الإسلامية أساسها العقيدة الإسلامية ولذلك فإن الحاكم والمحكوم يخضعان للأحكام الشرعية فلا يحدث تغول من الحاكم أو تمرد من الأمة. السلطة في الإسلام لا يحوزها بالأساس إلا من اختارته الأمة بإرادتها الحرة، ولها الحق في نصحه ومحاسبته وعزله، وآليات الانتخاب والمراقبة والعزل متروكة لأهل الزمان والمكان طالما كان ذلك في إطار الشرع لا خارجا عنه.
وختم قائلا إن هذه الدساتير الوضعية الوضيعة سينقلب عليها طالما أنها لا تكرس الاستقلال الحقيقي للأمة وتحررها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، هذا هو الهدف الأول والأكبر والأعظم أمام كل مشروع تغيير حقيقي لقيام نهضة إسلامية شاملة وفتح قريب.
الأستاذ/ فقير حاج من السودان
كما كانت للمحامي الأستاذ/ فقير حاج من الخرطوم مداخلة بعنوان "معوقات الدستور الإسلامي" عدد فيها عشرة معوقات تحول دون وضع الدستور الإسلامي موضع التطبيق والتنفيذ، أبرزها:
شيوع فكرة أن السيادة للشعب في أوساط المثقفين والسياسيين في بلاد المسلمين، وما ترتب عليها من أن أساس الدستور هو إرادة الشعب ولا علاقة له بالدين، أخذاً من عقيدة فصل الدين عن الحياة، فكان لذلك أثر في وجود عقدة في المجتمع تجاه الدستور الإسلامي، وكان حرياً بالمسلمين أن يعلموا أن أساس دستورهم هو هذا الوحي العظيم؛ الكتاب والسنة.
ومن المعوقات تصور أن آلية سن الدستور هي جمعية تأسيسية، أو برلمان، أو استفتاء عام أو غيرها، فالدستور الإسلامي إنما يُسن بتبني الخليفة؛ أي رأس الدولة الإسلامية، أحكاماً معينة يلزم الناس بالعمل بها، والخليفة إنما يتبنى هذه الأحكام باجتهاده إن كان مجتهداً، أو باجتهاد غيره من المجتهدين بقوة الدليل مما جاء به الوحي العظيم، فهو لا يعمل في الناس بهواه. والخليفة يخضع للمحاسبة، ويمثل أمام القضاء، ويُعزل إن حاد عن الإسلام العظيم.
إن من المعوقات نظام الحكم الذي ينظمه هذا الدستور؛ فقد كان للبريق الأخاذ، والهالة الضخمة التي أحيطت بها فكرة الديمقراطية بوصفها نظام الحكم المثالي، خاصة في ظل الترويج لها في بلاد المسلمين، حيث الأنظمة السلطوية الديكتاتورية بحبلٍ من الغرب الكافر، كان لذلك أثر كبير في فتنة الناس الذين اتخذوا من الدعوة لها مثلاً أعلى.
أما نظام الحكم الذي ينظمه الدستور الإسلامي، فهو نظام الخلافة الذي يحكمه خليفة المسلمين؛ والخلافة هي رئاسة عامة للمسلمين، وهي دولة بشرية وليست دولة ثيوقراطية. وخليفة المسلمين تختاره الأمة أو من ينوب عنها، ويعقد مع الأمة عقداً شرعياً بالبيعة، محله تطبيق الإسلام وحمله إلى العالمين. وللخليفة معاونو تفويض، ومعاونو تنفيذ، وولاة، وعمال، ومديرو مصالح الدولة، والجهاز الإداري المتفرد.
بينما الديمقراطية التي افتتن بها كثير من أبناء المسلمين، فإنها ليست مجرد طريقة لاختيار الحاكم، وليست قالباً يمكن أن يملأ بأحكام الإسلام، بل هي نظام حكم يتناقض في أساسه، وفي طريقة تشريعه للأحكام مع نظام الخلافة، فأساس الديمقراطية هو عقيدة العلمانية؛ أي فصل الدين عن الحياة ومنها الدولة، وهي طريقة تشريع للأحكام، فهي تجعل التشريع للبشر، أما نظام الخلافة فهو يقوم على عقيدة الإسلام العظيم، وتجعل التشريع والسيادة للشرع. ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً﴾ [النساء: 65].
وختم الأستاذ كلامه بقوله هذه عشرة كاملة؛ وهي معوقات أوهن من خيوط العنكبوت لمن أنار الله بصيرته بنور الوحي العظيم، وتوكل على الله فهو حسبه.
الأستاذ محمد علي البوعزيزي
كما كانت للأستاذ الحقوقي محمد علي البوعزيزي مداخلة بعنوان "جدارة الشريعة الإسلامية بأن تكون المصدر الوحيد للدستور"، حيث تحدث عن أهلية الشريعة الإسلامية وقدرتها أن تكون المصدر الوحيد لأحكام الدستور دون غيرها، نظرا لشمولية الإسلام وقدرته على رعاية جميع شؤون الإنسان وحاجياته الحياتية في جميع النواحي سواء منها الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.
كما بين كيفية تفعيل الشريعة كمصدر وحيد للدستور من خلال قواعد عدة من بينها قاعدة الاستنباط باجتهاد صحيح وقاعدة تبني الأحكام الشرعية وهي آلية عملية باعتبار الاجتهادات أو الآراء الفقهية يمكن أن تتعدد وتختلف من مجتهد إلى آخر لذلك فإن رئيس الدولة له أن يتبنى حكما شرعيا واحدا في مستوى الدستور ثم يصبح ذلك الحكم ساري المفعول ويلزم احترامه.
الأستاذ الهادي خذر
كما كان للمحامي من مدينة صفاقس الأستاذ الهادي خذر مداخلة بعنوان "آلية التبني: المنهجية العمليّة في مادة التشريع" حيث بيّن أن آلية التبني هي الطريقة العملية لتحويل الآراء والاجتهادات الشرعية والفقهية المستندة إلى قوة الدليل من الصعيد النظري إلى الصعيد التطبيقي، بحيث تتحول تلك الآراء والاجتهادات إلى نصوص قانونية سارية المفعول.
وبيّن المجال الذي يتم التبني فيه من طرف الدولة: فكل ما هو من شؤون الحكم والسلطان فإنه داخل في الأعمال الأصلية من رعاية الشؤون وهي لا بد من أن تسير حسب حكم واحد معين، وهو مما تقتضيه وحدة الدولة. وبين أن إجماع الصحابة انعقد على أن التبني فيما يتعلق بالدولة هو للخليفة واستعرض القواعد الشرعية في ذلك كقاعدة "للسلطان أن يحدث من الأقضية بقدر ما يحدث من مشكلات" و"أمر الإمام يرفع الخلاف" وقاعدة "أمر الإمام نافذ ظاهرا وباطنا".
ثم ختم بتوضيح حدود تطبيق آلية التبني بأنها عملية تبقى خاضعة لضوابط عدة، من أهمها ما يلي:
أوّلا: أن الخليفة في ظل النظام الإسلامي حينما يتبنى أحكاما شرعية إنما يختار رأيا معينا بوصفه حكما شرعيا مستنبطا باجتهاد شرعي ولا يشرع هو حكما من عنده، فإن المشرع هو الله وحده ولهذا فهو مقيد بالشرع وبالأحكام الشرعية لأن شرط بيعته أن يكون على العمل بالكتاب والسنة.
ثانيا: طالما أن آلية التبني هي عملية تخص التشريع فيجب أن تنحصر في مجال الشأن العام حتى تنضبط به شؤون الدولة، أي يجب أن يكون هذا التبني في مجال المعاملات والعقوبات ولا يتدخل في المسائل الفردية للأشخاص سواء منها العقائد أو العبادات.
ثالثا: يجب أن تخضع عملية التبني لمعيار قوة الدليل الشرعي. فالحكم الشرعي المطلوب تبنيه يجب أن يعالج مشكلة عامة بعد فهمها الفهم الصحيح، ثم فهم الحكم الشرعي الذي ينطبق على هذه المشكلة، ودراسة دليل ذلك الحكم الشرعي لتنتهي في آخر المطاف إلى اعتماد ذلك الحكم وتبينه على أساس قوة الدليل.
الأستاذة حنان الخميري:
كما كانت للمحامية لدى التعقيب بتونس الأستاذة حنان الخميري، الناطقة الرسمية للقسم النسائي لحزب التحرير في ولاية تونس، مداخلة حول "إضاءات من مشروع دستور جاهز للتنفيذ"، مشروع دستور مأخوذ من كتاب الله وسنّة نبيّه الكريم، حيث بينت كيف يحارب الدستور الوضعي المفروض على تونس من طرف القوى الأجنبية، كيف يحارب هوية الشعب التونسي وذكرت في ذلك أمثلة حية، حيث قالت: ولكنهم وضعوا لنا دساتير بشرية خادمة لمصالح كاتبيها وأوليائهم المستعمرين ليسجنونا بتهمة التكفير عندما نتلوا آيات الله البينات.
ثم تعرضت إلى أهم قواعد الحكم في الإسلام: السيادة للشرع والسلطان للأمة، وبينت أنه لا يستقيم حال تونس إلا بدستور إسلامي لدولة إسلامية يحقق السيادة والريادة.
وأجابت حول السؤال المركزي للمؤتمر: أي دستور نريد؟ بقولها:
نحن نريد دستورا إسلاميا منبثقا من العقيدة الإسلامية مأخوذا من كتاب الله وسنة رسوله الكريم ﷺ وما أرشدا إليه من إجماع الصحابة والقياس. نريد دستورا متماهٍ مع عقيدتنا، عقيدة التوحيد، دستور لا يختص ببلد معين وإنما دستور دولة عظيمة تجمع كل المسلمين، أساسه العقيدة الإسلامية، يحمل الخير للبشرية جمعاء كما حمله لها الدين الإسلامي الحنيف.
ولنا في مشروع الدستور الذي قدمه حزب التحرير أسوة وعلينا جميعا من باب الواجب الشرعي أن نطلع عليه ونناقشه ونقدم موقفنا منه من إضافات أو انتقادات أو غيرها.
الأستاذ خبيب كرباكة
وكانت كلمة الختام للأستاذ خبيب كرباكة رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تونس، حيث قدّم الجزء الثاني من "إضاءات من مشروع دستور جاهز للتنفيذ"، مشروع دستور مأخوذ من كتاب الله وسنّة نبيّه الكريم، يستند إلى عقيدة الإسلام الثابتة بأدلّة قطعيّة يقينيّة (وليست أفكارا لترضية هذا أو ذاك من النّاس)، عقيدة نطقت بصدقها الشواهد توافق فطرة الإنسان وتُقنع العقل وتملأ القلب طمأنينة حقيقيّة، عقيدته تنبثق عنها أنظمة المجتمع وفق فلسفة الإسلام القائمة على مزج المادّة بالرّوح، أي مبنيّة على إدراك الإنسان صلته بربّه حين الالتزام والتّنفيذ، وهو ما يمثل الضّمانة الأولى للالتزام بالدّستور والقوانين المتبنّاة باعتبارها أحكاما شرعيّة من عند الله تعالى، فيكون الالتزام التّامّ بالقوانين ناتجا عن انقياد فكريّ عقدي لا بالحديد والنّار.
دستور، مواده تضبط النظام السياسي المتميز في الإسلام، نظام قائم على أساس الرّعاية، وليس على أساس المناورة والخداع للوصول إلى المناصب، فالرّسول ﷺ يقول: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ...» وهذه الرّعاية جعلها الله في رقبة خليفة يُبايعه النّاس ليطبّق فيهم شرع ربّهم ويرعاهم به، وليس له أن يصدر أمرا عن هوى أو اتّباعا لمصلحة، يقول الله سبحانه وتعالى آمرا حكّام المسلمين: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ...﴾ وليس الخليفة مطلق اليد يحكم كيف يشاء هو أو حسب أهواء أصحاب المال والنّفوذ، إنّما هو محاسب، وقد جعل الله سبحانه وتعالى محاسبة الخليفة أو أيّ مسؤول في الدّولة فرضا على المسلمين "ولم يجعلهم بالخيار، إن شاؤوا حاسبوا وإن شاؤوا كفّوا"، يحاسبونه بالإسلام لا حسب أهوائهم ومصالحهم فرادى أو أحزاباً أو عن طريق مجلس النّوّاب، ولم يجعل المحاسبة حرّيّة في الكلام والاحتجاج والصّخب وإنّما جعل لها كيفيّة واضحة معلومة فعّالة هي محكمة المظالم، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾.
أما مواد الدستور الاقتصادية فقد بيّنت كيفيّة رعاية الإسلام شؤون المال أي السياسة الاقتصادية حيث وضع الإسلام الإصبع على مكمن الدّاء في المجتمع فعالجه، يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ فسنّ أحكاما تحول دون تركز المال في يد فئة قليلة في المجتمع. أما بعد أن أُبعِد الإسلام عن السياسة صار المال دولة بين الأغنياء فتجد قلة قليلة تمتلك المليارات وعامة الشعب لا تجد ما تسدّ به رمقها، وحين أبعد الإسلام عن السياسة أصبح عشرون بالمائة من سكان الكرة الأرضية يملكون ثمانين بالمائة من الثروة الموجودة بها والثمانون بالمائة يتقاتلون على العشرين بالمائة الباقية، وحرّم الله سبحانه وتعالى الرّبا في قوله: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ لتدور عجلة رأس المال دورتها الطبيعية فأوجدت مالاً حقيقياً في الدولة حال دون حدوث أزمات اقتصادية، حتى إنّ الفقير كان يُبحَثُ عنه ليُعطى فلا يجدون فقيراً في بعض الأحيان، أما بعد أن أبعدنا الإسلام عن السياسة أصبح الربا مألوفاً وعصفت الأزمات الاقتصادية بالمجتمع حتى أصبح الغرب عاجزاً عن الحلول سوى السطو على خيراتنا ليحل بها أزماته. كما جعل الإسلام في خطاب رسول الله «النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ؛ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ» الثروات الباطنيّة من غاز وبترول وفوسفات وغيرها ملكيّة عامّة لجميع المسلمين ولم يجعل للخليفة حقّ التّصرّف فيها فمنع بذلك أن يسطوَ أحد كائنا من كان على أموال النّاس التي جعلها الله لهم خالصة، أما حين أُبعد الإسلام عن السياسة سُرقت ثرواتنا وأُعطيت امتيازات لشركات النّهب الاستعماريّ وحرم منها أهلنا.
أمّا على مستوى العلاقات بين الشّعوب فقد نجح الإسلام نجاحا منقطع النّظير في أن تعتنقه شعوب بأكملها، فانصهرت أمّة واحدة، إخوة في الله لا فضل فيهم لأعجميّ على عربيّ إلّا بالتّقوى، ولم يجد غير المسلمين عدلا كما وجدوه في ظلّ الإسلام.
أمّا على مستوى السّياسة الخارجيّة فقد صار العرب بالإسلام أعزّة بعد ذلّة وصارت الدّولة الإسلاميّة الدّولة الأولى في العالم تحمل الخير الذي أنزله الله على نبيّها ﷺ وتجاهد الكفّار والمنافقين، وقد كانت دولة الخلافة جنّةً وقايةً للمسلمين حيث حلّوا أو ارتحلوا ولم يكن يجرؤ كافر عليهم، أمّا بعد أن أزيح الإسلام عن الحياة ورعاية شؤون النّاس صار المسلم ذليلا مَهينا يُقتل وتسلب ثرواته ويُهجّر، وحكّامهم يوادّون من حادّ الله ورسوله بل ويعملون مع الكافر في حربه على الإسلام والمسلمين في حملة ظالمة خاطئة سمّوها حربا على الإرهاب.
مندوب المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
في ولاية تونس
- التسجيل الكامل لأعمال المؤتمر -
معرض الصور
https://hizbut-tahrir.info/ar/index.php/hizb-activities/hizb-conferences/new-conference/81330.html#sigProIdf94ab4c6ad