يوم الأم وأعياد أخرى- قاعة البث النسائية
- نشر في ثقافية
- قيم الموضوع
- قراءة: 834 مرات
" خطب صلى الله عليه وسلم بالخَيْفِ في منى فقال: نضَّر الله عبدًا سمع مقالتي فوعاها، ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه. ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم. فإن دعوتهم تحوط من ورائهم » . وفي لفظ: « إن دعوتهم تكون من ورائه »
" ومن كان همه الآخرة، جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وآتته الدنيا وهي راغمة. ومن كان همه الدنيا، فرّق الله أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له »
أخرجها أحمد وابن ماجه والحاكم عن جبير بن مطعم، وأبو داود وابن ماجه عن زيد بن ثابت على ما في الفتح الكبير
عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا
جاء في تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي
قوله : ( لا هجرة بعد الفتح )
أي فتح مكة . قال الخطابي وغيره : كانت الهجرة فرضا في أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم إلى الاجتماع , فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة , وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى . وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من أذى ذويه من الكفار , فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم , إلى أن يرجع عن دينه , وفيهم نزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية , وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها . وقد روى النسائي من طريق بهز بن حكيم بن معاوية عن أبيه عن جده مرفوعا : " لا يقبل الله من مشرك عملا بعدما أسلم ويفارق المشركين " . ولأبي داود من حديث سمرة مرفوعا : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين " . وهذا محمول على من لم يأمن على دينه
(ولكن جهاد ونية )
قال الطيبي وغيره : هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله , والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة انقطعت , إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية , وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم , والفرار بالدين من الفتن , والنية في جميع ذلك
(وإذا استنفرتم فانفروا )
قال النووي : يريد أن الخير الذي انقطع بانقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة , وإذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه .
الهجرة هي الخروج من دار الكفر إلى دار الإسلام قال تعالى: ] إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) [
و الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام باقية لم تنقطع. فروى أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الهجرة لا تنقطع ما كان الجهاد» وفي رواية أخرى عنه «لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار»
أما حكم الهجرة فإنها تكون بالنسبة للقادر عليها فرضاً في بعض الحالات ومندوباً في الحالات الأخرى. أما الذي لم يقدر عليها فإن الله عفا عنه وهو غير مطالب بها، وذلك لعجزه عن الهجرة إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف، كالنساء والولدان وشبههم كما جاء في ختام آية الهجرة.
فمن كان قادراً على الهجرة ولم يستطع إظهار دينه، ولا القيام بأحكام الإسلام المطلوبة منه فإن الهجرة فرض عليه، لما ورد في آية الهجرة قال تعالى: ] إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) [
أما من كان قادراً على الهجرة ولكنه يستطيع إظهار دينه، والقيام بأحكام الشرع المطلوبة منه فإن الهجرة في هذه الحال مندوبة وليست فرضاً. أما كونها مندوبة فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يُرغب في الهجرة من مكة قبل الفتح حيث كانت دار كفر. وأما كونها ليست فرضاً فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أقر من بقي في مكة من المسلمين. فقد رُوي أن نُعيم النحَّام حين أراد أن يهاجر جاءه قومه بنو عدي فقالوا له أقم عندنا وأنت على دينك، ونحن نمنعك عمن يريد أذاك، واكفنا ما كنت تكفينا. وكان يقوم بيتامى بني عدي وأراملهم فتخلف عن الهجرة مدة ثم هاجر بعد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «قومك كانوا خيراً لك من قومي لي. قومي أخرجوني وأرادوا قتلي، وقومك حفظوك ومنعوك» ذكره ابن حجر في الإصابة. فقال: يا رسول الله بل قومك أخرجوك إلى طاعة الله وجهاد عدوه، وقومي ثبطوني عن الهجرة وطاعة الله.
وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أما بعد:
إخوة الإيمان: ذكرنا في الحلقة السابقة أنه قد سار عدد من الأحزاب والجماعات الإسلامية العاملة لاستئناف الحياة الإسلامية، في طرق مختلفة ومخالفة للطريق الشرعي، وذلك نتيجة لاجتهاداتهم التي توصلوا إليها، وصنفنا هذه الاجتهادات إلى صنفين: صنف ناتج عن عدم معرفة مناط الحكم، وصنف ناتج عن عدم معرفة الحكم الشرعي المنطبق عليه.
وقد ألقينا الضوء على الصنف الأول وهو الصنف الناتج عن عدم معرفة مناط الحكم معرفة صحيحة .
وفي هذه الحلقة سنلقي الضوء على الصنف الثاني وهو الصنف الناتج عن عدم معرفة الأحكام المتعلقة بالتغيير :
فهناك بعض الجماعات الإسلامية، استدلوا بأدلة واستنبطوا أحكاماً وقاموا بأفعال، لا علاقة لها بالطريق الشرعي لاستئناف الحياة الإسلامية، رغم أنهم يدعون لذلك، فتوهموا، وأوهموا غيرهم بأنهم سائرون في الطريق الصحيح، ولبيان ذلك نقرأ لأحد (دعاتهم) المعروفين، في معرض توجيهه للشباب خلال الصحوة الإسلامية، يقول: (أوصي الشباب أن ينزلوا إلى هؤلاء في مواقعهم، ليسهموا في تعليم الأميين حتى يقرأوا، وفي علاج المرضى حتى يصحوا، وفي تقوية المتعثرين حتى ينهضوا، وفي مساعدة المتبطلين حتى يعملوا، وفي معاونة المحتاجين حتى يكتفوا، وفي توعية المتخلفين حتى يتطوروا ...) ويقول أيضاً في نفس المقال: (على الشباب أن ينشئوا لجاناً لمحو الأمية، وجمع الزكاة وتوزيعها، ولإصلاح ذات البين ولمحاربة الأمراض المتوطنة ولمعالجة الإدمان على التدخين أو المسكرات أو المخدرات، لمقاومة العادات الضارة ونشر العادات الصالحة بديلاً عنها)، ويقول أيضاً: (إن إقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله، وبجمع المسلمين على الإسلام، وتوحدهم تحت رايته، فريضة على الأمة الإسلامية، يجب أن نسعى إليها ...) ثم يقول بعد ذلك: (وإلى أن يتحقق هذا الأمل ينبغي أن يشتغل الناس بما يقدرون عليه .. مثل: إنشاء صندوق للزكاة، أو مستوصف شعبي أو مستشفى خيري، وغيرها من الأعمال الخيرية)، مستدلاً بقوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) .
إن هذه الأعمال التي تقوم بها بعض الجماعات والأحزاب الإسلامية، التي تتبنى ما قاله هذا (الداعية) هي أعمال مشروعة مطلوبة على سبيل الفرض أو الندب، من الدولة أو من الفرد، ولكنها غير مطلوبة شرعاً من الحزب أو الجماعة الذي يعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، لأن الله سبحانه وتعالى العليم الحكيم، قد أناط بكل جهة مسؤولية معينة تقوم بها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته) .
في هذا الحديث المتفق عليه، قسم الله المسؤوليات، وعلى كل راع واجب القيام بمسؤوليته تجاه رعيته التي عينها الشرع، فرعاية شؤون الناس هي مسؤولية الحاكم، يقوم بها الجهاز التنفيذي للدولة وهي ليست مسؤولية الأفراد أو الأحزاب، فانشغال الجماعات الإسلامية بمسؤولية الحاكم، هو انشغال بأعمال ليست من مسؤوليتهم. هذا من جهة ومن جهة أخرى هو معاونة للحاكم الذي يراد تغييره، وذلك برعاية شؤون الناس التي يجب أن يرعاها هو، مما يخدر الناس ويقوي سلطة الحاكم. والرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوة لنا، لم يرو عنه أنه اشتغل في العهد المكي، عهد حمل الدعوة، بما هو من صلاحية ومسؤولية الحاكم، ولما مر بآل ياسر وهم يعذبون، قال لهم: (صبراً آل ياسر، فإن موعدكم الجنة)، ولم يجمع مالاً من الصحابة لعتقهم، ولم يأمر بذلك، بل قام أبو بكر وغيره من الصحابة كل بمفرده، بهذا العمل على أنه عمل مندوب يبتغون منه الثواب من الله، ولم يقم صلى الله عليه وسلم بتشكيل لجان لرفع الظلم أو الفقر عن الناس، بل كان يطلب من الصحابة تحمل الأذى، والثبات على الدعوة، كما فعل أتباع الرسل السابقين، حتى يأتي نصر الله، وظلوا ثابتين على الطريق الشرعي الذي رسمه رب العالمين لهم، دون أن يقوموا بأي عمل مادي يدفع الأذى عنهم، بل كان بعضهم يتطوع كفرد للقيام ببعض الأعمال المادية، كضرب سعد بن أبي وقاص لأحد المشركين أثناء الحصار في شعب أبي طالب، وكشراء أبي بكر لبلال بن رباح وعتقه.
أما جمع الزكاة وتوزيعها على مستحقيها، فإنه عمل من أعمال الدولة، وليس من أعمال الفرد أو الحزب، فإن لم توجد الجهة المسؤولة عن ذلك، وهي الدولة الإسلامية، وجب على المسلم المالك لنصاب الزكاة أن يعطيها هو لمستحقيها مباشرة ودون لجان، ولا يدخل تشكيل اللجان تحت قاعدة: (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، لأنها تتم بدون لجان، وإنما يدخل تحت هذه القاعدة بالنسبة للزكاة، وجوب إقامة الدولة الإسلامية، لأنه لا يتم أخذ الزكاة المستحقة جميعها، وتوزيعها على أصحابها، ومعاقبة مانعيها بالوجه الشرعي إلا بوجود الدولة الإسلامية. وكذلك مساعدة المحتاجين، وتطبيب المرضى ومحاربة المحرمات وغيرها هي من مسؤولية الدولة وليست من مسؤولية الفرد أو الحزب، فإن قام بها الفرد بغض النظر عن انتمائه لحزب فعمله مندوب ويستحق عليه الثواب، ولا يسقط عنه إقامة الدولة. أما الحزب أو الجماعة التي تعمل لاستئناف الحياة الإسلامية، فلا يجوز لها أن تشغل نفسها بما هو من مسؤولية الدولة وليس من مسؤوليتها لأن أعمال الطريقة لاستئناف الحياة يجب أن تصدر عن دليل شرعي يبين أنها من أعمال حمل الدعوة، وإلا انشغل حملة الدعوة بأمور لا علاقة لها باستئناف الحياة الإسلامية مما يقود إلى الإخفاق، لأن الالتزام بأحكام الطريقة من الشروط الشرعية لنصر حملة الدعوة، قال تعالى: (إن تنصروا الله ينصركم)، ونصر الله هو اتباع ما أمر به في محله.
وهذه ليست دعوة لترك القيام بأعمال الخير، أو لترك الالتزام بأحكام الشرع، وإنما هي دعوة لكل راع أن يقوم بما طلبه الله منه تجاه رعيته، فالمسلم كفرد مطلوب منه أن يصلي ويصوم ويزكي ... وأن يساعد الفقير، وأن يرعى اليتيم و ... وغيرها من الأعمال المطلوبة منه على وجه الفرض أو الندب أو الإباحة، ومطلوب منه أيضاً أن يعمل مع جماعة أو حزب لاستئناف الحياة الإسلامية، امتثالاً لقوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر...) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، وقد حدد الشارع الأعمال السياسية والفكرية التي يقوم بها الحزب أو الجماعة بواسطة أعضائه، وهي غير الأعمال المطلوبة من الفرد، وغير الأعمال المطلوبة من الدولة، فلكل جهة مسؤوليتها ورعيتها، وذلك اتباعاً لأوامر الله، وتأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدور المكي، فقد اقتصر عمله على تهيئة المجتمع لإقامة الدولة .
ولا يقال أن هذه الأحكام المتعلقة بالزكاة ورعاية الشؤون لم تكن قد شرعت بعد، وهي الآن غير مطلوبة كما هو مطلوب حمل الدعوة، لا يقال ذلك لأن الله الخبير البصير، كان ينزل من الوحي ما يحتاج له الناس في حينه، فالرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة لم يؤمروا كجماعة أن يشكلوا لجاناً أو جمعيات خيرية لرعاية شؤون الناس، لأن حكمة الله اقتضت أن تكون هذه الأعمال من مسؤولية الدولة وليست من مسؤولية الأحزاب أو الأفراد.
فالله تعالى أمر المسلم كفرد أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، وأن يضربه عليها لعشر، ولم يأمره بقطع يد ولده إن سرق، أو بقتله إن ارتد عن الإسلام، لأن تطبيق الحدود ليست من مسؤولية الفرد وإنما هي مسؤولية الدولة.
وهذا لا يعني أن يتفرغ جميع حملة الدعوة لأعمال الدعوة، بل عليهم أن يرعوا أسرهم، وأن يربوا أولادهم، وأن يطلبوا الرزق في مظانه وغيرها من الأعمال المطلوبة منهم شرعاً، وأن يقوموا بما يكلفون به من حمل الدعوة من قبل مسؤولهم.
وعلى الحزب أو الجماعة أن يقتصر على الأعمال التي هي من مسؤوليته شرعاً، لأن الانشغال بغيرها، زيادة على أنها غير شرعية، فهي تعيق الحزب وتحرفه عن خط سيره الشرعي، وتشغله عن عمله الأساسي.
فعلى المسلمين، وعلى الأحزاب والجماعات الذين يعملون لاستئناف الحياة الإسلامية، أن يتحروا بشكل دقيق الطريقة التي اتبعها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة الإسلامية، ليسيروا على هديه ونهجه، لا يحيدون عنها قيد شعره، لكي يصلوا إلى ما وصل إليه من نصر، (ولينصرن الله من ينصره، إن الله لقوي عزيز) .
إخوة الإيمان أشكر لكم حسن استماعكم وتواصلكم معنا وإلى أن ألتقي بكم في موضوع جديد أستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رعاية شؤون الناس وتوفير الحاجات الأساسية لهم، مسؤولية الدولة
تركت رعاية شؤون الناس في واقعنا اليوم للمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة
وجوب العمل لإعادة الرعوية للدولة بإقامة دولة الخلافة.
الخطبة الأولى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، و ما ثقتي و لا اعتزازي إلا بالله. عباد الله أوصيكم و نفسي الخاطئة بتقوى الله العظيم و أحذركم من عصيانه ومخالفة أمره، واعلموا أن التقوى وقاية و المعصية غواية و أنه من يتقي و يصبر فان الله لا يضيع أجر المحسنين.
أما بعد، أيها الإخوة الكرام، منذ أيام قليلة مضت، مرت بالأمة الإسلامية ذكرى أليمة، غفلت عنها الأمة و تغافلت عنها وسائل الإعلام، مع أنها ذكرى مفصلية في تاريخ الأمة الإسلامية، حيث اقترفت فيها أفظع جريمة شهدها التاريخ و ترتبت عليها عواقب وخيمة و أمور عظيمة أدخلت الأمة في أنفاق مظلمة، وقد كانت الأمة و لا تزال تتجرع المرارة تلو المرارة منذ تلك الذكرى المشؤومة، لذلك كان لا بد من الوقوف عليها و أخذ العبرة منها.
أيها الإخوة الكرام، في صبيحة الثالث من مارس (آذار) من سنة 1924م، هدم الكفار الخلافة الإسلامية على يد اليهودي الكافر المتمسلم عميل الانكليز وصنيعتهم مصطفى كمال أتاتورك. وعلى إثر هدم الخلافة بدت البغضاء من أفواه الانكليز على لسان وزير خارجيتها كروزون أمام مجلس العموم البريطاني الذي احتج على قرار الحكومة البريطانية آنذاك القاضي بانسحاب القوات البريطانية من تركيا فرد مبرراً قرار حكومته قائلا: "القضية أن تركيا قد قضي عليها ولن تقوم لها قائمة لأننا قد قضينا على القوة المعنوية فيها، الخلافة والإسلام".
وهذه القوة المعنوية الني أشار إليها كروزون والمتمثلة في الخلافة والإسلام السياسي هو عين ما بكاه شعراء الخلافة الإسلامية ونوّهوا به وأسفوا عليه أسفا شديدا.
يقول شوقي في قصيدته رثاء البلقان:
يا أخت أندلس عليك سلام ... هوت الخلافة عنك والإسلام
نزل الهلال عن السماء فليتها ... طويت وعم العالمين ظلام
ومن قبلها رثى أبو البقاء الرندي الأندلس الإسلامية بقصيدة مؤثرة جدا، ومما جاء فيها قوله:
أتى على الكل أمر لا مردّ له حتى قضوا فكأنّ القوم ما كانوا
وطار ما كان من ملك ومن ملك كما حكى عن خيال الطيف عثمان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسف كما بكى لفراق الأنس هيمان
على ديار من الإسلام خالية قد أقفرت ولها بالكفر عمران
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر ترثي وهي عيدان
تلك المصيبة آنست ما تقدّمها وما لها مع طول الدهر نسيان
لمثل هذا يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إسلام وإيمان
أيها الإخوة الكرام، لقد فقد المسلمون أمور عظيمة جراء غياب الخلافة الإسلامية. ولا بد والحالة هذه من التنبيه إلى أبرز ما فقدوه لعل إدراك المسلمين لفداحة الخسارة وجسامة المفقود يدفعهم للعمل الجاد لإعادة ما فقدوه بإقامة خلافتهم لأنها الطريق الوحيد إلى ذالك ولقد جربوا غيرها من الأفكار والطرق والمناهج فما زادتهم غير تتبيب وصاروا طرائق قددا والعياذ بالله تعالى.
1. فقدت الأمة الإسلامية، الحكم بما أنزل الله وتلك جريمة كبرى أطاحت بكتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) من سدة الحكم والمرجعية عند الأمة. وهي مخالفة صريحة لقوله تعالى :{وأن أحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك}.
وهذا وحده كاف لإثارة غضب الله علينا، وأن تتحفز ملائكة العذاب لاختطافنا وتتهيأ جهنم لاستقبالنا.
عن أبى هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «إذا أحب الله عبدا نادى جبريل إني قد أحببت فلانا فأحبه فينادى في السماء ثم تنزل له المحبة في أهل الأرض فذالك قوله تعالى {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان وداً} وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل إني أبغضت فلاناً فينادى في السماء ثم تتنزل له البغضاء في الأرض».
وبما أنه قد ثبت لدينا أن بعض المسلمين قد شارك في تلك الجريمة، وكثير منهم قد سكت ورضي بما جرى وتابع فمن يدرينا أن يكون الله تعالى قد نادى جبريل عليه السلام فقال له إني أبغضت هؤلاء القوم فأبغضهم، فنادى جبريل في السماء بالقرار الإلهي فتحركت الملائكة للتنفيذ فرفعت الحصانة وزالت الحماية ونزعت البركة وقل القطر ورفعت ملائكة النصرة أسلحتها غير عابئة بنداءات الاستغاثة.
هذا طرف من الغضب السماوي ولا يملك أحد أية إحصائية عن حجم السيئات التي سجلت، والخسارة التي حصلت جراء هذا الغضب. أما الغضب الأرضي فأثاره محسومة ونتائجه لا تخطئها عين مبصرة.
إن فقد حكم الله في الأرض ليعتبر بحق الخسارة الفادحة والجريمة الكبيرة، كونه فنح الباب واسعا لارتكاب كافة أنواع الجرائم من قبل الكفار والمسلمين على حد سواء.
فالكفار يقتلون النفوس، وينهبون الثروة، ويغتصبون الحقوق ويصولون ويجولون في بلاد المسلمين لا فرق بين فلسطين والعراق ولا بين اندونيسيا ودارفور وغبرها من بلاد المسلمين.
والمسلمون يرتكبون الجرائم المختلفة مما تؤاخذ على مثلها الشريعة الإسلامية حداً أو قصاصاً أو تعزيراً ولكنهم يفلتون من العقاب كون تلك الجرائم لا تشكل خرقاً للقوانين الوضعية فيكون بذالك سجل الجرائم في ازدياد مستمر مع مرور كل دقيقة من الزمن........
لقد حجب الله نصره عن الصحابة والرسول (صلى الله عليه وسلم) بين أظهرهم في بداية معركة حنين بسبب معصية واحدة وهى الاغترار بأن الكثرة ستجلب النصر.
فما بالكم وسجل المعاصي التي ترتكب في بلاد المسلمين نتيجة غياب حكم الله في الأرض في ازدياد مستمر وهو كفيل بحجب النصر عنا رغم استغاثة المستغيثين. وصدق الله العظيم عندما قال {ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى}.
فالإعراض عن ذكر الله (أي عن شرع الله) تنتج عنه المعيشة الضنك ( أي الشقاء في الدنيا) والعذاب في الآخرة.
لذالك كان على المسلمين أن يعملوا بأقصى سرعة وأكثر طاقة لاسترجاع ما فقدوه بإقامة خلافتهم لأنها السبيل الوحيد لإعادة حكم الله في الأرض.
2. فقد المسلمون الجماعة ووقعوا في الفرقة كما خطط لهم أعداءهم، فبعد هدم الخلافة سقط التاج من رؤوس المسلمين وهدم البنيان الذي كان يؤويهم وانفرط عقد الأمة الإسلامية ومزّقها الكفار إلى عرقيات متعددة وأقاليم متفرقة كي يسهل عليهم الهيمنة عليها وإذلال شعوبها وأكل خيراتها. وتجأر الأمة الإسلامية اليوم وبالأمس مستغيثة في كل مكان ولكن لا جواب، فلا عمر ولا معتصم ولا صلاح الدين.
وإذا كان الرسول (ص) قد قال: «إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية». فإننا نقول كم من القاصيات أكلن مند هدم الخلافة، ففلسطين قاصية والعراق قاصية وكشمير قاصية والقائمة تطول و في ازدياد مستمر.
أيها الإخوة الكرام، اسمعوا ما قاله الجاسوس الانكليزي الخبيث لورانس والذي خطط لما يسمى بالثورة العربية من أولها إلى آخرها: "إن نشاط الحسين (جد ملك الأردن السابق) مهم لنا إذ إنه ينسجم مع أهدافنا المباشرة وهي تفكيك الرابطة الإسلامية وهزيمة الإمبراطورية العثمانية" ثم يقول "فإذا تمكنا من التحكم بهم فإنهم سيبقون منقسمين سياسياً إلى دويلات تحصد بعضها البعض ولا يمكن لها أن تتوحد".
أيها الإخوة الكرام، هل هناك اعتراف أكثر صراحة ووضوحاً من هذا وهل يجوز لمسلم بعد ذلك أن يحتفل بأعياد الاستقلال (باستقلال هذا البلاد أو ذاك) وأن يرفع رايات دويلات الضرار التي أقامها الكافر المستعمر، إنها جريمة ما بعدها جريمة.
إن الجماعة المطلوبة لا تكون إلا على إمام واحد "وإنه لا إسلام بلا جماعة، ولا جماعة بلا إمارة، ولا إمارة بلا طاعة" كما قال عمر.
أما الصديق أبو بكر رضي الله عنه فقد حذر من غياب الجماعة وحضور الفرقة وتعدد الأمراء، فقال في سقيفة بني ساعدة "وانه لا يحل أن يكون للمسلمين أميران فإنه مهما يكن ذلك ( أي إذا حصل ذلك) يختلف أمرهم وأحكامهم وتتفرّق جماعتهم ويتنازعوا فيما بينهم هنالك (في حالة تعدد الأمراء) تترك السنة وتظهر البدعة وتعظم الفتنة وليس لأحد على ذلك صلاح".
لذا كان لابد من الجدّ في إزالة الحواجز المادية والمعنوية التي تقف حائلا بين المسلمين وتحقيق الجماعة لأنّ الذي يوحّد رأي المسلمين ويجمع كلمتهم ويوحد موقفهم السياسي ويجعل منهم أُمة ترهب عدوّ الله وعدوّهم هي الخلافة الراشدة لا غير، هذه الخلافة هي التي يرتفع مع قيامها قوله تعالى {وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا} وتتهاوى معها عروش الباطل عروش الخونة والعملاء، الني يظنون أنها قوية منيعة وهي في حقيقتها أوهن من بيت العنكبوت.
3. الخسارة الثالثة هي فلسطين أرض الإسراء والمعراج أرض المحشر والمنشر، وإنا لنجد ارتباطا واضحاً بين هدم الخلافة العثمانية وبين ضياع فلسطين وقيام دولة يهود عليها فدولة المسخ هذه ما كانت لتوجد على أرض فلسطين لو كانت الخلافة الإسلامية قائمة.
وكلّنا يعرف موقف الخلافة الإسلامية زمن العثمانيين وهي في أشد حالاتها ضعفا وقد رماها الكفار عن قوس واحد.
وكلّنا يذكر قولة السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، فقد قال قولته المشهورة عندما ردّ الوفد اليهودي الذي جاء يفاوضه من أجل بيع فلسطين لهم فقال: "إنّي لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين فهي ليست ملك يميني.........بل ملك الأمة الإسلامية......... وإذا مزّقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن".
وهذا فعلاً ما حدث ففلسطين ضاعت بعد هدم الخلافة ولن يعيدها من جديد إلا دولة الخلافة.
4. ومن الخسائر التي تملأ القلب والألم والحسرة والأسى ضياع مهابة المسلمين التي كانت في قلوب أعدائهم منهم مصداقاً لقوله (صلى الله عليه وسلم): «ولينزعنّ الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم» فصار الواحد منهم والحكام في الدرجة الأولى كالعبد إن سبه السيد لم يستطيع العبد أن يسبه وإن ضربه لم يستطيع العبد أن يضربه.
وإنا نتساءل هل بقيت لأمة محمّد (صلى الله عليه وسلم) مهابة في قلوب أي أمة على وجه الأرض مهما كانت ضعيفة أو فقيرة؟ لا، لا نرى ذلك، مع أنه عليه الصلاة والسلام يقول: «نصرت بالرعب مسيرة شهر» ويقول: «الإسلام يعلوا ولا يعلى عليه».
إن المؤمن المخلص الصادق عندما يرى جال المسلمين اليوم بعد غياب سلطان الإسلام الحارس الذي يتقى به حين يرى ذلك يتميّز من الغيظ على كل مسلم لا يعمل للتغير ويرضى بعيش الذل والهوان وهو قد رأى بعينيه وسمع بأذنيه وأدرك بحواسه جميعها أن العزّة والمهابة والقوّة والسيادة لا تكون إلا بسلطان الإسلام ودولة الإسلام، ورحم الله عمر القائل: "أيها الناس كنتم أذلّ النّاس فأعزكم الله بالإسلام ومهما ابتغيتم العزة من غيره أذلكم الله". وأضرب لكم مثالا واحداً على المهابة التي كانت للمسلمين في كل شيء، والمثال الذي سأذكره هو كيف كان يدير المسلمون المفاوضات مع الكفار.
"لقي عمرو بن العاص أحد بطارقة الروم في فلسطين، فقال البطريق: ما الذي جاء بكم فقد كانت الآباء اقتسمت الأرض فصارّ لكم ما يليكم وصار لنا ما يلينا. وقد عرفنا أنكم إنما أخرجكم من بلادكم الجهد وسنأمر لكم بمعروف وتنصرفوا.
فقال له عمرو: أما القسمة التي تحدّثت عنها فإنها كانت قسمة شططا، ونحن نريد أن نتراضى فتكون قسمة معتدلة لنأخذ نصف ما في أيديكم من الأنهار والعمارة ونعطيكم نصف ما بأيدينا من الشوك والحجارة ونحن لا نفارقكم حتى نصيّركم عبيداً أو تقتلوننا.
فالفت البطريق إلى أصحابه وقال : ( صدقوا). ثم افترقا ثم لحق بهم المسلمون حتى طووهم عن فلسطين والأردن".
أقول ما تسمعون و أستغفر الله العظيم لي و لكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين و على اله و صحبه اجمعين وبعد، هذا غيض من فيض مما خسره المسلمون ويخسرونه في كل يوم في غياب دولتهم وإمامهم، ولقد بدا أن الخلافة فوق كونها ضرورة شرعية يجب علينا إيجادها فهي حاجة ملحة للمسلمين، وهي كذلك حاجة إنسانية للبشرية جمعاء، {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}.
إن تاريخ الثالث من مارس يجب أن يمحى وتمحى كل آثاره من حياة المسلمين، فالأمم الحية هي التي تعمل على تدوين أيام العزّ لا على تدوين أيام القهر والذل، والأمة الإسلامية وإن احتفظت بهذا التاريخ في ذاكرتها فلكي تمحوه لا لتخلده، ولكي تنطلق منه لإيجاد تاريخ جديد بعودة الخلافة من جديد بإذن الله تعالى مصداقا لقول النبي (صلى الله عليه وسلم): «تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا عاضا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون ملكا جبريا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها. ثم تكون خلافة على منهاج النبوة. ثم سكت» أخرجه الإمام أحمد بسند صحيح عن حذيفة.
أيها الإخوة الكرام، إن الله و ملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين امنوا صلوا عليه و سلموا تسليما. اللهم صلي و سلم و بارك على سيدنا و حبيبنا و نور قلوبنا محمد و على اله و صحبه أجمعين، اللهم نسألك إيمانا لا يتزعزع و شجاعة لا تلين و إرادة لا تقهر و عزما لا يفل و أعصابا لا تضطرب، اللهم ثبتنا على دينك و حمل دعوتك إلى أن نلقاك، اللهم كن لنا السند و المعين، اللهم آزرنا بأتقياء المؤمنين، اللهم نسألك خلافة راشدة تعز بها الإسلام و أهله و تذل بها النفاق و أهله و تجعلنا فيها من القادة إلى سبيلك، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم لا تمتنا قبل أن نشهد ذلك اليوم العظيم، اللهم اجعله منا قريبا يا ارحم الراحمين.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د. سعيد بن حسين