الجمعة، 18 صَفر 1446هـ| 2024/08/23م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

خطبة جمعة الدية في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً، الحمد لله الذي جعل الليل والنهار آيتين فمحى آية الليل، وجعل آية النهار مبصرة لنبتغي فضلاً من ربنا، ولنعلم عدد السنين والحساب وكل شيء فصله تفصيلا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، اللهم فصلّ عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً... أما بعد،

يقول المولى عز وجل: ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) ( النور (51- 52).

أيها المسلمون: إن الفلاح هو الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب، والفائز من نجا من النار وأدخل الجنة، فهاتين الصفتين الفلاح والفوز) جعلهما الله تعالى لعباد مخصوصين وهم المؤمنون الذين يستجيبون لدعوة التحاكم إلى الله ورسوله، ويقولون سمعنا وأطعنا، ويخشون الله ويتقونه سبحانه، فبالتالي أيها الأحبة الكرام إن الله أرسل رسولنا صلى الله عليه وسلم ليخرجنا من الظلمات إلى النور، وذلك بعقيدة الإسلام، التي تبين لنا سبب وجودنا في الحياة، وتبين لنا الأحكام التي ترفعنا في الدنيا والآخرة، ولذلك كان الواجب علينا بعد الإيمان الطاعة بالاحتكام إلى الله ورسوله، والقول دوماً بالسمع والطاعة كما نقول في صلواتنا وتلاوتنا (إياك نعبد وإياك نستعين).

ايها المسلمون: إن الإسلام بلا طاعة لا يعني شيئاً غير الضنك والخسارة في الدنيا والآخرة، وقد وصف الله سبحانه أولئك الذين لا يحتكمون إلى الله ورسوله بالظالمين، قال سبحانه: (وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (47-50)  النور). نعم أيها الأحبة الكرام لقد كان الإستفهام؛ وهو أشد في التوبيخ كيف نقول إننا مؤمنون ولا نحتكم إلى الله ورسوله، فهل ذلك من شك وريب، أم شك في نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عدل الإسلام، أم هو خوف من أن الإسلام يجور في الحكم والظلم، ويا سبحان الله.

أيها المسلمون: إن من أعظم ما جاء به الإسلام لحفظه حفظ النفس، وشرع أحكاماً تحفظ النفس البشرية، وجعل منها عقوبات رادعة وزاجرة لكل من تسول له نفسه سفك الدماء المسلمة أو الذمية، بل جعل كفارة القتل الخطأ الدية المخففة مع صيام شهرين متتابعين، والدية قسمان: دية مغلظة وهي مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها، وهي تؤخذ في القتل العمد إذا اختيار الولي العقل أي الدية، ويدفعه القاتل فحسب، أما القسم الثاني فهو الدية من غير تغليظ، وهي مائة من الإبل، وتؤخذ في القتل الخطأ وفي ما أجري مجرى الخطأ. والإبل في الدية أصل من أصول الدية، فلا يؤخذ بدلها، ولا تقوّم، فلا يؤخذ بقر ولا غنم، وتؤخذ الإبل وليس غيرها، فلا تقوّم بالنقد لأنه لم يرد نص بتقويمها به، ولأنها دية أصل وليست بدلاً، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَالسُّنَنُ وَالدِّيَاتُ ... جاء فيه «وَأَنَّ فِي النَّفْسِ الدِّيَةَ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ ....» النسائي. هذا كله في دية النعم؛ وهي دية الإبل، وأما دية النقد فقدرها في الذهب ألف ديناراً وفي الفضة اثنا عشر ألف درهماً، ودليلها ما رواه النسائي «.... وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ»، والدينار يساوي أربعة جرامات وربع الجرام من الذهب.

أيها المسلمون: هذا هو حكم الإسلام في قتل النفس، فإذا طبق هذا الحكم فإنه يحفظ النفس من القتل العمد، ويجعل الناس يهتابون فلا يقعون  في القتل الذي كثر في هذه الأيام، فنجد اليوم أن القتل العمد اصبح كثيراً، وقد خيّر الإسلام أولياء الدم بين إحدى ثلاثة، إما القتل (القصاص) وإما العفو أو الدية والتي هي إما مائة من الإبل أربعين منها أولادها في بطونها، أو ألف دينار ذهب أو اثني عشر ألف درهم فضة، وقد جعل الشرع من يدفع الدية على تفصيل: فدية القتل العمد هي من مال القاتل وليست على العاقلة وهم العصبات، أما شبه العمد والخطأ وما أجري مجرى الخطأ فإن الدية على العاقلة. ولكن نجد اليوم كثرت جرائم القتل العمد والخطأ نسبة للتهاون في أمرين، أولهما إن الدية المطبقة حالياً ليست لها علاقة بالدية الشرعية، والأمر الثاني من هو الذي يدفع هذه الدية.

فقد أوردت الصحف في الأسبوع الماضي خبراً عن رفع قيمة الدية من ثلاثين إلى أربعين ألفاً (أي اصبحت الدية أربعين مليوناً بالقديم) وأن السلطة القضائية تجري مشاورات مع بعض الجهات ذات الاختصاص ومنها شركات التأمين التي تدفع الدية للمشتركين معها بدفع أقساط لها، وذلك بغية أن تستعد هذه الشركات لكيفية طرح هذه الزيادات على المشتركين. هنا يأتي سؤال أين نحن في هذا الأمر من قوله تبارك وتعالى: ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، فهل الدية التي كانت ثلاثين مليوناً هي الدية الشرعية؟ أم الزيادة المتوقعة إلى أربعين مليوناً هي الشرعية، ثم هل الجهة التي تدفع هذه الدية هي شركات التأمين؟!

الخطبة الثانية

الحمد لله والصلاة والسلام على الحبيب المصطفى وآله وصحبه الكرام النجباء وبعد.

ايها المسلمون: إن الدية إما أن تكون من الإبل أو الذهب، والإبل لا تقوّم إنما يدفعها أهل الإبل إبلاً ولا تستبدل بنقود، أما من أراد ان يدفع نقوداً فقد حدده الرسول صلى الله عليه وسلم بألف دينار ذهب أو اثني عشر ألف درهماً، والأف دينار ذهب تعادل (4250) جراماً، وسعر الجرام يتراوح بين (60-70) جنيهاً، فإذا حسبنا بسعر (60) يكون مقدار الدية (255) الف جنيه، أي أكثر من ستة اضعاف الـ (40) ألف التي رفع إليها مبلغ الدية، قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا) (36 الأحزاب) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ » رواه مسلم.

أيها المسلمون: لقد كان تخفيض قيمة الدية عن الدية الشرعية يجعلها دية غير شرعية، وهي التي تجعل الناس يجرؤون على القتل لقلة المقدار بالنسبة للدية الشرعية، أما المسألة التي لا تقل خطورة عن مقدار الدية هي من يدفع الدية، فإن القتل الذي يحدث لا يتحمل الدية القاتل وحده حسب ما حدده الشرع، إنما تتحملها كل القبيلة، فيكون مقدار ما يدفعه الفرد زهيداً فمثلاً يكون نصيب الفرد من القبيلة عشرة جنيهات بمن فيهم القاتل نفسه، وربما لا يدفع عندما يقول للذين يجمعون الدية ليس عندي، لذلك كان التهاون في القتل، والذي يحدث في حوداث السير التي يموت من جرائها العشرات غير المصابين نجد انه من اسباب انتشارها أن الدية أصبح الذي يتحملها ليس العاقلة الذين يتحملون دية القتل الخطأ، بل تتحملها شركات التامين، واصبح الواحد يدفع أقساطاً سنوية ليضمن دفع الدية عند حدوث القتل، فساعد ذلك على الاستهتار وازهاق الأرواح. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أيها الأحبة الكرام: إنه لا فلاح لنا ولا نجاة إلا بالاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلا فإن الضنك والعذاب سيلازمانا، ونعوذ بالله من ذلك، نسأل الله سبحانه أن نكون من المفلحين الفائزين لا من الظالمين الخاسرينن قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) (11 الرعد)

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

عد إلى الأعلى

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع