بسم الله الرحمن الرحيم
حكم الصيام في الدول الاسكندينافية
قد فرض الله تعالى على المسلمين صيام شهر رمضان. قال تعالى: ﴿ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وقال تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾.
وفي الحديث الذي رواه النسائي، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ، قَالَ: «صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ، إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ شَيْئًا».
والصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع اقتران النية، لقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾.
وقد جعل الله تعالى لبدء يوم الصوم وانتهائه أسباباً، فيبدأ يوم الصوم مع وجود سببه وهو طلوع الفجر الصادق وينتهي مع وجود سببه وهو غروب الشمس.
وقد عرف علماء الأصول السبب بأنه وصف ظاهر منضبط دل الدليل السمعي على كونه معَرِّفاً لوجود الحكم. أي إن السبب هو أمارة وعلامة وضعها الشارع سبحانه لتعريف المكلَّف بوجود الحكم، وبالتالي فإن السبب يترتب على وجوده وجود الحكم وعلى عدمه عدم وجود الحكم. وعليه فإن انتهاء يوم الصوم واضحٌ بيِّنٌ وهو غروب الشمس، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم» رواه البخاري ومسلم.
فسبب انتهاء يوم الصوم هو غروب الشمس، وهذا الأمر في هذه البلاد واضح بين، إذ تغرب الشمس بشكل طبيعي، ولو طال النهار في أشهر الصيف.
وغياب الشمس في هذه البلاد يشمله الحديث السابق الذي رواه الشيخان «إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم».
أما بداية يوم الصوم، فقد ربطه الشارع سبحانه بسببه أيضاً، وسببه هو ظهور الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. قال تعالى:﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾. فيبدأ الصيام من طلوع الفجر الصادق.
فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال: «إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكثوم» رواه الشيخان في صحيحيهما.
فقد كان بلال يؤذن الأذان الأول ليوقظ الناس وليتأهبوا، ثم إذا دخل الوقت أذن ابن أم مكثوم. والفجر الذي يجب عنده الإمساك هو الذي ينشق من الليل. والذي يحصل في هذه البلاد أن الشفق لا يغيب.
صحيح أنه يحصل غياب طبيعي للشمس، إلا أن الاحمرار أو البياض لا يغيبان، وغياب الشفق هو وقت دخول صلاة العشاء. فقد ورد في صحيح مسلم «ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق...» وفي رواية «ثم أمره بالعشاء حين وقع الشفق...» أي غاب. لذلك فوجود الشفق لا يؤثر بعد الغروب في الإفطار ولا يؤثر كذلك في بداية الصوم حتى ولو كانت ظلمة الليل جزئية كما هو الحاصل عندنا في هذه البلاد. فإذا ما تغيرت هذه الظلمة إلى بياض ينتشر في الأفق، فهنا يبدأ وقت الإمساك. والبياض الذي يخالط ظلمة الليل عند الفجر لا يعني رؤية كل شيء، بل هو مراقبة الأفق عند المشرق، فنجد أن الظلمة "الجزئية" قد بدأت بالانقشاع، أي إن الرؤية أصبحت تنتشر يميناً وشمالاً في الأفق باختلاف الساعات التي عما قبلها.
فخلاصة القول في وقت الإمساك هو ظهور بياض أفقي أكثر من حالة الظلمة "الجزئية" أي عند بداية ظهور تغيير هذه الظلمة "الجزئية" تغييراً لافتاً للنظر نحو البياض الأفقي يميناً وشمالاً عند جهة المشرق. فهذا هو وقت الفجر الصادق وهو وقت الإمساك أي بداية الصوم.
وعليه فالصيام واجب على كل مسلم من طلوع الفجر إلى غياب الشمس كما بينت الأدلة الشرعية، ولا عبرة لطول النهار أو قصره لأن العلامات والأسباب ظاهرة، إلا أن يكون هناك عذر شرعي يمنع من الصوم كالمرض أو السفر قال تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾. أما غير القادر على الصيام، كالشيخ الكبير أو من به مرض مزمن، يفطر ويدفع كفارة عن كل يوم أفطره، قال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ ومعنى يطيقونه أي لا يستطيعونه.
فمن صام وشق عليه الصوم ولم يستطع إكمال يومه، وليس المقصود بالمشقة هنا المشقة التي تلحق كل صائم، فهذه المشقة طبيعية يجدها الصائم في هذه البلاد أو في غيرها، إذ لا صوم بلا مشقة. ولكن المقصود بالمشقة هي التي تلحق الضرر بالصائم، فهذا يفطر ثم يقضي ما أفطر بعد رمضان.
ولا يجوز بأي حال من الأحوال الإفطار ابتداءً دون عذر شرعي، وكذلك لا يجوز تقليل ساعات الصيام إلى وقت محدد، بتعليلات مختلفة طبية أو غيرها، فإن هذا القول ليس له حظ من رأي شرعي أو دليل، طالما أننا نعيش في بلاد يجتمع فيها الليل والنهار في اليوم الواحد خلال 24 ساعة حتى لو طالت ساعات النهار على ساعات الليل. فهذا هو الذي جاءت به الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، ولا عبرة للآراء المخالفة فكلها لا تستند إلى دليل شرعي ولا حتى إلى شبهة دليل.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾
التاريخ الهجري :27 من شـعبان 1436هـ
التاريخ الميلادي : الأحد, 14 حزيران/يونيو 2015م
حزب التحرير
اسكندينافيا