بسم الله الرحمن الرحيم
بخلافة راشدة على منهاج النبوة نخلع الاستعمار وننقذ تونس من الانهيار
ترزح البلاد التونسية تحت وطأة أزمات اقتصادية ومالية خانقة تلامس أحياناً حدود الانهيار، فغلاء المعيشة، وتدهور القدرة الشرائية للناس، وتفاقم العجز التجاري، وارتفاع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية، وأزمات الحكم المتعاقبة رغم التوافق المزعوم، كل ذلك غيض من فيض المآسي التي تعيشها بلادنا. وتتجلى الأزمة في أبشع صورها عندما يتحول جهاز الدولة من دور رعاية شؤون الناس، إلى دور الراعي لمصالح الدول الاستعمارية وشركاتها الناهبة لثرواتنا الطبيعية، وما حصل مؤخرا في قرقنة عندما عمدت الحكومة إلى قمع وإرهاب أهلنا المحتجين على الشركة البريطانية "بتروفاك" والمطالبين باسترجاع ثرواتنا الطبيعية وإدارتها بأيدينا ليعود نفعها على أهل البلاد، هو دليل واضح على أن حكام تونس الحاليين ليسوا سوى خدم لأسيادهم الغربيين. ولم يعد خافيا تدخل السفارات الأجنبية والدوائر الغربية في شؤوننا الداخلية وهو ما جاء صراحة على لسان بعض المسؤولين في الرئاسة والحكومة، فضلا عن تفريط الحكومة في أمن البلاد لصالح الأجنبي بتسليم أجهزتنا الأمنية لدولة بريطانيا إشرافا وتدريبا، وإدخال عسكريين أمريكيين وألمان إلى الجنوب التونسي بحجة تأمين الحدود من الجماعات الإرهابية، هذا عدا عن تغلغل المخابرات الأجنبية التي تحوك المؤامرات والأعمال القذرة في بلادنا.
ويشتد الأمر بشاعة عندما تستمر الدولة في التذلل على أبواب المؤسسات المالية المقرضة حتى أصبحنا نعيش تحت مديونية فاحشة تقوي قبضة الدول الاستعمارية على بلادنا، فهذه القروض والمساعدات تعطى عادة للسيطرة على الدول المدينة وإفقارها ومصادرة سيادتها، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة قد تعيد انتصاب الحماية الرأسمالية الاستعمارية من جديد في بلادنا، وهذا الأمر لا يؤرق حكام تونس لأنهم لا يرون غضاضة في التفريط في أرض من بلادنا للمستعمر كما هو الحال في التفريط بقطعة من أرض تونس لأمريكا تعويضا لها عن أضرار أحداث السفارة الأمريكية، حيث صرح خميس الجهيناوي وزير خارجية تونس "بأن تعويض أضرار السفارة الأمريكية بقطعة أرض كانت مبادرة من أمريكا وتونس استجابت لها". هكذا وبكل بساطة يعالج حكام تونس الجدد أزماتهم المالية، تفريط في الأرض والعرض، ولنا أن نتساءل: إذا كان العجز عن تسديد 36 مليون دولار أمريكي يقضي بتسليم قطعة أرض لدولة طامعة في بلادنا بمجرد طلبها، فكيف سيكون الحال عندما يتعلق الأمر بتسديد مليارات الدولارات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في حال العجز عن السداد ومطالبة الدول الاستعمارية الكبرى كأمريكا وبريطانيا وفرنسا الداعمة لهذه المؤسسات المالية بتعويض مستحقاتها المالية بجزيرة قرقنة مثلا؟!
إن الفشل في حل مشاكل الناس من طرف الحكومات المتعاقبة ليس مرده إلى ضعف الإمكانات المادية كما يصورون لنا، وإنما سببه النظام الرأسمالي الجاثم على صدورنا، فهو أس الداء ومبعث الشقاء ومفرخ الفساد والمفسدين، فهو بالإضافة لكونه مخالفاً لشرع الله الحنيف، وهذا وحده كفيل لإثارة غضب الله علينا لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾ [طه: 124]، فإنه إلى جانب ذلك يؤسس للتبعية السياسية والاقتصادية، فلا يصل إلى الحكم إلا من رضي عنه الغرب. ولا مشاريع تنموية إلا وفق مصالح الغرب وشروطه التي تجعل البلاد لا تنفك عن ربقة الاستعمار، وهذا واضح جلي في دور المال القذر والسفارات الأجنبية في إيصال حكام تونس الحاليين إلى الحكم، وواضح أيضا في المشاريع التنموية للحكومة التي لا تخرج عن جلب الاستثمارات الأجنبية والاقتراض من البنوك الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وهي في مجملها تجعل البلاد تحت رحمة الأجنبي وشروطه، ولا تنفع البلاد بقدر ما تنفع الغرب نفسه وفئة من رؤوس الأموال الفاسدين.
أيها الأهل في تونس، يا أهل القوة والنجدة،
إن بلادنا تتمتع بخيرات وفيرة وكنوز دفينة ولكنها نهبٌ للكفار ولا يبقى منها إلا النزر اليسير يأخذه الحكام العملاء وبعض رؤوس المال الفاسدين. لقد كان واجبا على الحكومة أن تتصرف بما يوجبه عليها الإسلام، وذلك بإدارة مواردنا وثرواتنا الطبيعية بنفسها دون الاعتماد على الشركات الأجنبية الناهبة، ثم استخدام تلك العوائد لزيادة الثروة الزراعية بما يحقق الاكتفاء الذاتي وإنشاء الصناعات الثقيلة والبدء فورا بصناعة الآلات التي تحقق الاكتفاء الذاتي في بناء المصانع الفرعية والمعدات الثقيلة التي تزيد في الثروة الزراعية وتوفر لأمننا وجيشنا السلاح اللازم حتى لا يبقى أمننا رهينة مصالح الدول المُصنّعة وشروطها المذلة. هذه الحلول لا يقوى على تنفيذها العملاء والضعفاء العاجزون أصلا عن إدارة مواردهم الفلاحية كالحليب الذي بات يراق في الشوارع، في حين لا يجد عشرات الآلاف من التونسيين جرعة حليب لأطفالهم!! فكيف الحال إذا تعلق الأمر باسترجاع الثروات الطبيعية من الشركات الأجنبية الناهبة؟ فإنهم بلا شك لا يقدرون حتى على محاسبتها، فضلا عن طردها ورد الموارد المنهوبة لأصلها باعتبارها ملكية عامة يعود نفعها على أهل البلاد دون غيرهم.
أيها الأهل في تونس، يا أهل القوة والنجدة والنخوة،
لقد بات واضحا أن حكام تونس أضحوا كالموظفين لدى الدوائر الغربية، يدافعون عن مصالح أسيادهم ولو بقمع شعوبهم، وإنه لا خلاص لنا إلا بقلع النفوذ الأجنبي بكل أشكاله وأركانه ورموزه، ووضع الإسلام العظيم موضع التطبيق والتنفيذ، في ظل خلافة راشدة على منهاج النبوة، تُظلُّها رايةُ رسول الله e، بالطريقة نفسها التي سار عليها رسولنا الكريم e، وذلك بإنشاء كتلة تقوم على أساس الإسلام، وتحمل الدعوة بين المسلمين وأبنائهم من أهل القوة والنصرة لإقناعهم بوجوب تطبيق شرع الله الحنيف ونصرة دينه القويم، حتى نقيم خير دولة لخير أمة، دولة تسترد الثروات المنهوبة، وتضمن إشباع جميع الحاجات الأساسية لجميع الأفراد، دولة قادرة على كسب ثقة جمهور الناس بحسن تطبيقها للإسلام لتوجه طاقتهم لتحقيق الأهداف الصعبة كالتصنيع، هذا هو سبيل خلاصنا، وبهذا وحده تنهضُ الأمةُ من سقوطها، وتقومُ من كبوتها، وتحفظ ثرواتها، وتعيد سيرتها الأولى، فينصرُها اللهُ العزيز الحكيم ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾.
أيها الأهل في تونس، يا أهل القوة والنجدة والنخوة،
لقد أكرمكم الله أن كنتم أول الثائرين على الحكام الطغاة المجرمين، فأتموا ثورتكم بالإسلام، وانصروا الله بتطبيق شرعه الحنيف، ينصركم ويثبت أقدامكم، ونحن إخوانكم في حزب التحرير، نستنهض هممكم ونستصرخ نخوتكم لتعملوا معنا وتنصرونا، نصرةً تعيد الخلافةَ الراشدة الثانية، خلافةً على منهاج النبوة بعد هذا الملك الجبري الذي نحن فيه تحقيقاً لوعد الله سبحانه ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ ولبشرى رسول الله e بعد هذا الملك الجبري «...ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ نُبُوَّةٍ».
التاريخ الهجري :29 من رجب 1437هـ
التاريخ الميلادي : الجمعة, 06 أيار/مايو 2016م
حزب التحرير
ولاية تونس
1 تعليق
-
لا هوادة حتّى إقامة الخلافة الرّاشدة على منهاج النّبوّة ....