الأربعاء، 23 جمادى الثانية 1446هـ| 2024/12/25م
الساعة الان: (ت.م.م)
Menu
القائمة الرئيسية
القائمة الرئيسية

المكتب الإعــلامي
ولاية لبنان

التاريخ الهجري    6 من ربيع الثاني 1429هـ رقم الإصدار:
التاريخ الميلادي     السبت, 12 نيسان/ابريل 2008 م

أزمة الغلاء أكبر من أن تحل برفع الأجور

خلت المؤسسات التعليمية الخاصة والرسمية من مدارس وثانويات وجامعات من طلابها المليون البارحة، بسبب الإضراب الذي نفذه الأساتذة والمدرسون في كافة مستوياتهم، احتجاجاً على عدم "تصحيح الرواتب والأجور"، بعد التضخم وارتفاع الأسعار المتسارع، وبالتالي ضعف القدرة الشرائية لدى محدودي الدخل، وفي مقدمتهم الموظفون. وإذا كان الإضراب اليوم خاصاً بالقطاع التعليمي، فإن الأزمة التي طالت القطاعات كافة، ستؤدي إلى إعلان المزيد من الإضرابات والاحتجاجات عما قريب.
وكما جرت العادة، فإنه حتى قضايا الناس المعاشية التي تتعلق بأبسط حقوق الرعاية، تسخرها الطبقة السياسية في هذا البلد في بازار تسجيل المواقف والتجاذب والابتزاز الرخيص، بعيداً عن المعنى الحقيقي لرعاية شؤون الناس.
ومن جهتنا سنترفع، كعادتنا أيضاً، عن هذه الأعراف الفاسدة التي تمارسها الأطراف السياسية في لبنان، لننظر إلى هذه المشكلة من زاوية رعاية شؤون الناس، بناء على ما يقتضيه مبدؤنا، أي الإسلام، والذي نجزم أنه الموافق لفطرة الإنسان والصالح لعلاج مشكلاته.
إن مشكلة التضخم المستمر، وما يتبعها من غلاء في الأسعار، وبالتالي ضعف القدرة الشرائية عند ذوي الدخل المحدود، هي إحدى المشكلات الأصيلة التي أفرزها النظام الرأسمالي الفاسد الذي اجتاح العالم منذ أكثر من قرنين من الزمان واستحكم بعد سقوط المنظومة الشيوعية. وبالتالي فإنه على الرغم من الأسباب المحلية لمشكلة الغلاء في لبنان - وعلى رأسها فساد الطبقة السياسية والإدارية المتحكمة برقاب الناس - فإنه من الواضح أن مشكلة التضخم وغلاء الأسعار والركود الدوري للاقتصاد هو ظاهرة عالمية، المسؤول عنها بشكل أساسي النظام الرأسمالي الظالم وأربابه المتوحشون.وبكل تأكيد لا يسع بياناً كهذا أن يحيط بكل عوامل هذه المشكلة المؤلمة. إلا أنه يمكن إلقاء الضوء على جانب أساسي من عوامل هذه الأزمة. ألا وهو مشكلة العملات الورقية الوثيقة التي بدأ اعتمادها منذ أوائل القرن الميلادي الماضي، إلى أن اعتمدت كلياً في السبعينات منه، بعد أن فكّت الولايات المتحدة الأميريكية ما تبقى من الارتباط النسبي بين الذهب والعملات المتداولة، لتجعل الدولار الأميريكي الأساس الذي ترتبط به سائر العملات.
ولما لم يعد للعملات المتداولة في دول العالم أي قيمة حقيقية، أي لم يعد لها قيمة مقدرة بوزن معين من الذهب أو الفضة، بات التعويل في قيمة هذه العملة على مدى الثقة باقتصاد الدولة التي تصدر هذه العملة، فما دامت هذه الدولة قادرة على استحواذ الثقة بعملتها وما دام مصرفها المركزي قادراً على احتواء اضطراب العرض والطلب الحاصل على عملتها، من خلال ما يمتلك من احتياط من العملات الصعبة، فإن هذه العملة تبقى محافظة على استقرار قيمتها. فإن اختل هذا الميزان، بحيث انعدمت الثقة بقوة اقتصاد الدولة، وعجز المصرف المركزي عن احتواء الفائض المعروض من عملته حين يسارع الناس إلى التخلي عنها، عند فقدان تلك الثقة، فإن هذه العملة تنهار قيمتها ويصل التضخم فيها إلى درجة أن تصبح مدخرات الناس من هذه العملة بلا قيمة، بعد أن كانت تساوي ثروة ضخمة، وتضعف القدرة الشرائية لدى ذوي الدخل المحدود إلى درجة الفقر المدقع, لأن أوراق العملة في جيوبهم فقدت معظم قيمتها الشرائية. وهذا الواقع الذي شهده لبنان خلال الثمانينيات وحتى أوائل التسعينيات، حين انهارت قيمة الليرة اللبنانية إلى درجةٍ حولت عشرات الألوف من الميسورين إلى فقراء أو متسولين، فترك الموظفون مراكز عملهم، ليلتمسوا رزقهم في أسواق البورصة لاعبين على تذبذب الأسعار يومياً, بل بين ساعة وأخرى، فيما يشبه إلى حد كبير لعبة القمار.
أما الدولة التي تنجح في المحافظة على قيمة عملتها، فهي وإن تجنبت كارثة انهيار العملة، فهذا لا يعني أنها نجت من فخ العملة الورقية الوثيقة، إذ إنها ربطت عملتها بالعملة الصعبة- وهي غالباً الدولار الأمريكي إذ تحافظ على قيمة ثابتة لعملتها بالنسبة للدولار- كما هو شأن الليرة اللبنانية التي حافظت على معادلة ألف وخمسمائة ليرة ونيف مقابل الدولار الواحد منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. وبالتالي جعلت نفسها رهينة تلك العملة المشؤومة، إذ حين تهبط قيمة الدولار الشرائية كما يحصل باطراد منذ سنوات, تهبط قيمة الليرة اللبنانية بقدر ما تهبط قيمة الدولار الأمريكي. وعلى الرغم من أن معظم الواردات إلى لبنان تأتي من دول الاتحاد الأوروبي، ويدفع أهل لبنان ثمنها باليورو الذي يرتفع باطراد أمام الدولار، تبقى السياسة المالية في لبنان مصرّة بكل سخف على ربط الليرة بالدولار الأمريكي. ونتيجة هذه السياسة المالية الخرقاء، وجد أصحاب الدخل المحدود في لبنان ـ وفي مقدمتهم الموظفون والعمال ـ أنفسهم أمام كارثة تدهور القدرة الشرائية لديهم.
إن الحل بالطبع ليس، كما يظن بعض المتحذلقين، بربط العملة المحلية بسلة من العملات الصعبة، لأن ما يصدق على الدولار الأمريكي يصدق على سائر العملات، من حيث هي كلها عملات وثيقة لا قيمة حقيقية لها.
إن الحل الوحيد لهذه المشكلة، مشكلة التضخم المالي، تكمن في العودة إلى النظام الصحيح الذي شرعه الإسلام، والذي لطالما اعتمدته الأمم طوال التاريخ فطرياً، أي العودة إلى قاعدة الذهب. بحيث يكون الذهب هو العملة المتداولة، أو تكون قيمة العملة الورقية المتداولة مقدرة بوزن محدد من الذهب، فتصدر الدولة أوراقاً لا تزيد قيمتها عما تملك من رصيد ذهبي، بحيث يتمكن أي شخص يحمل عملة تلك الدولة استبدال ذهب بقيمتها المحددة متى شاء. ولا يحسبن أحد أن الاحتياط في المصارف المركزية للدول يقوم بهذه الوظيفة في النظام الحالي, إذ لا ارتباط بين قيمة أوراق العملة التي تصدرها هذه الدول وبين كمية احتياطها الذهبي، وإنما هو مجرد رصيد تستخدمه عند الحاجة لتفادي مشكلة عارضة، بل لطالما ترددت في استعماله خشية فقدانها عاملاً من عوامل الثقة المتزعزعة بها.
إن العودة إلى نظام القاعدة الذهبية هو من أهم الإجراءات التي من شأنها أن تنقذ العالم من تسلط الدولار الأميريكي ووحوشه المفترسة، وبالطبع فإن "أشكال الدول" ـ كما هو حال لبنان ـ ليست مؤهلة لهكذا مهمة، إذ تحتاج دولاً حقيقية تملك قرار نفسها. ولعل المرشح الوحيد لهذه المهمة الجليلة هي الأمة الإسلامية, حين تعيد بناء خلافتها عما قريب إن شاء الله تعالى.
إننا على ثقة بأن من يصرّ على حبس نفسه في القمقم اللبناني سيرى هذا الطرح خيالياً, لأنه أوسع كثيراً من أُفُـقه. أما من اتسع أفقه بسعة الإسلام، أو على الأقل من عرف عظمة الإسلام من خارجه، جدير بأن يقدر قيمة هذا الفكر، وأن يفكر ملياً به، إذ من اتسع تفكيره ليطال الإنسان - بوصفه إنساناً - فإنه لا بد أن يترفع على التفكير على قياس لبنان.
وصدق الله العظيم إذ قال:
(وألّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً...).

المكتب الإعلامي لحزب التحرير
ولاية لبنان
عنوان المراسلة و عنوان الزيارة
تلفون: +961 3 968 140
فاكس: +961 70 155148
E-Mail: tahrir.lebanon.2017@gmail.com

تعليقات الزوَّار

تأكد من ادخال المعلومات في المناطق المشار إليها ب(*) . علامات HTML غير مسموحة

البلاد الإسلامية

البلاد العربية

البلاد الغربية

روابط أخرى

من أقسام الموقع