- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
مع الحديث الشريف
دولة الخلافة دولة بشرية
نحييكم جميعا أيها الأحبة في كل مكان، في حلقة جديدة من برنامجكم "مع الحديث الشريف" ونبدأ بخير تحية، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
روى مسلم في صحيحه قال: عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ: اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ"
أحبّتنا الكرام:
السمع والطاعة هي القاسم المشترك بين الأحاديث الشريفة التي تتعرض للعلاقة بين الأمة والخليفة وكذلك هي الآيات القرآنية التي تعرضت لهذه العلاقة ... فالسمع والطاعة، هي عهد في عنق كل مسلم، لا يحل له نبذه أو التبرؤ منه ما دام الخليفة قائماً بتطبيق أحكام الشرع، بغض النظر عن بعض الإساءات أو التجاوزات التي قد تقع من الخليفة أو من دونه من الولاة، إذا كانت هذه التجاوزات أو الإساءات لا تصل إلى تغيير أو العبث بالأحكام المعمول بها في الدولة والتي يجب أن تصدر كلها بلا استثناء من مصدر واحد هو الكتاب والسنة وما أرشدا إليه من إجماع صحابة وقياس شرعي....
فدولة الخلافة تقوم في أساسها على الفكرة الإسلامية: عقيدة ينبثق عنها منهج حياة للفرد والجماعة (الدولة)، أما في تطبيقها لهذا المنهج فإنها تقوم على البشر، أخرج البخاري عن أم سلمة عن رسول الله r أنه سمع خصومةً بباب حجرته فخرج إليهم فقال: «إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها» وكذلك أخرج الترمذي عنه عليه الصلاة والسلام: «وإني لأرجو أن ألقى ربي وليس أحد منكم يطلبني بمَظْلِمة في دم ولا مال». ما يدل على أنه كان يتولى منصبين: منصب النبوة والرسالة، ومنصب رئاسة المسلمين في الدنيا لإقامة شريعة الله التي أوحى له بها. وكان يتصرف في القيام بأعباء كل منصب منهما بما يقتضيه ذلك المنصب، ويتصرف في أحدهما على غير ما يتصرف في الآخر، وأما عصمة الرسول rفهي آتية من حيث كونه نبياً، لا من حيث كونه حاكماً، لأن العصمة من الصفات التي يجب أن يتصف بها جميع الأنبياء والرسل، بغض النظر عن كونهم هم الذين يحكمون الناس بشريعتهم ويطبقونها، أو كونهم يقتصرون على تبليغها، ولا يتولون الحكم بها ولا تطبيقها. فسيدنا موسى وسيدنا عيسى وسيدنا إبراهيم معصومون، كما أن سيدنا محمداً r معصوم، فالعصمة للنبوة والرسالة وليست للحكم. أما كونه r لا يفعل أثناء قيامه بأعباء الحكم فعلاً حراماً، ولا يترك القيام بفعل واجب، فذلك آت من حيث كونه معصوماً من ناحية النبوة والرسالة، لا من حيث كونه حاكماً، فيكون قيامه عليه الصلاة والسلام بالحكم لا يقتضي اتصافه بالعصمة، ولكنه r واقعياً كان معصوماً من حيث كونه نبياً ورسولاً. وعلى ذلك كان يتولى الحكم بوصفه بشراً يحكم بشراً؛ ولذلك فكل خلفاء الدولة الإسلامية بشر غير معصومين عن الخطأ والخطيئة، والنسيان والإساءة. فيجوز على الخلفاء أن ينسوا ويسهوا ويخطئوا ويعصوا بل ويظهروا الكفر البواح، وحينها أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن لا نطيعهم بل نقاتلهم. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ.
فدولة الإسلام إذاً هي دولة بشرية، حكامها ليسوا أنبياء ولا معصومين، بل هم من البشر الذين يخطئون ويصيبون، ليس فيها عصمة لعلماء ولا حكام ولا رعية .... بل دولة الإسلام اسمها دولة الخلافة: وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا.... فإذا بويع خليفة بيعة شرعية في أي بلد من بلاد المسلمين، وأقيمت الخلافة، فإنه يحرم على المسلمين في كل بقاع الدنيا أن يقيموا خلافة أخرى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتَيْنِ فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا"
هذه هي دولة الإسلام دولة الخلافة: دولة يحكمها بشر ليسوا أنبياء ولا معصومين حتى يقال أنها دولة إلهية ... فيها يبايع المسلمون خليفة لإقامة أحكام الشرع الإسلامي طاعة لله تعالى وطلباً لرحمته ورضوانه
أحبّتنا الكرام، وإلى حين أن نلقاكم مع حديث نبوي آخر، نترككم في رعاية الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.