- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
محاولات ترقيع النظام الرأسمالي (ح22)
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون:
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الثَّانِيَةِ وَالعِشْرِينَ, نُتَابِعُ فِيهَا استِعرَاضَنَا مَا جَاءَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي (نِهَايَةِ صَفحَة 37) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ, وَحَدِيثُنَا عَنْ مُحَاوَلاتِ تَرقِيعِ النِّظَامِ الرَّأسمَالِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: وَقَد ظَهَرَتْ فِي البِلادِ التِي تَعتَنِقُ الرَّأسمَالِيَّةَ فِي النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ سَيطَرَةُ الاحتِكَارَاتِ الرَّأسمَالِيَّةِ، وَاستَبَدَّ المُنتِجُونَ بِالمُستَهلِكِينَ، وَغَدَا فَرِيقٌ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ كَأصْحَابِ الشَّرِكَاتِ الكُبرَى، كَشَرِكَاتِ البُترُولِ وَالسَّيَارَاتِ وَالمَصَانِعِ الثَّقِيلَةِ وَغَيرِهَا يُسَيطِرُ عَلَى جَمهَرَةِ المُستَهلِكِينَ وَيَتَحَكَّمُ فِيهِمْ، وَيَفرِضُ عَلَيهِمْ أثْمَانًا مُعَيَّنةً لِلسِّلَعِ.
وَهَذَا مَا دَعَا إِلَى وُجُودِ مُحَاوَلاتٍ لِتَرقِيعِ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ. فَجَعَلُوا لِلدَّولَةِ الحَقَّ فِي أنْ تَتَدَخَّلَ فِي تَحدِيدِ الثَّمَنِ فِي ظُرُوفٍ خَاصَّةٍ لِحِمَايَةِ الاقتِصَادِ الأهْلِيِّ، وَحِمَايَةِ المُستَهلِكِينَ، وَلِتَقلِيلِ استِهلاكِ بَعضِ السِّلَعِ، وَالحَدِّ مِنْ سُلطَةِ المُحتَكِرِينَ، وَجَعَلُوا فِي تَنظِيمِ الإِنتَاجِ مَشرُوعَاتٍ عَامَّةً تَتَوَلاهَا الدَّولَةُ.
إِلاَّ أنَّ هَذِهِ التَّرقِيعَاتِ وَأمثَالَهَا بِالرَّغْمِ مِنْ أنَّهَا تُنَاقِضُ أسَاسَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ - وَهُوَ الحُرِّيةُ الاقتِصَادِيَةُ - فَإِنَّهَا تَكُونَ فِي أحوَالٍ وَظُرُوفٍ مُعَيَّنةٍ. عَلاوَةً عَلَى أنَّ كَثِيرِينَ مِنَ الاقتِصَادِيِّينَ، كَأصْحَابِ المَذهَبِ الفَردِيِّ لا يَقُولُونَ بِهَا وَيُنكِرُونَهَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ وَحْدَهُ كَفِيلٌ بِتَحقِيقِ الانسِجَامِ بَينَ مَصلَحَةِ المُنتِجِينَ، وَمَصلَحَةِ المُستَهلِكِينَ، دُونَ مَا حَاجَةٍ إِلَى أيَّةِ رَقَابَةٍ مِنْ حُكُومَةٍ. عَلَى أنَّ هَذِهِ التَّرقِيعَاتِ التَّيِ يَقُولُ بِهَا أنصَارُ التَّدَخُّلِ إِنَّمَا تَحصُلُ فِي ظُرُوفٍ وَأحوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، وَمَعَ ذَلِكَ فَحَتَّى فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ وَالأَحوَالِ لا تَجعَلُ تَوزِيعَ الثَّروَةِ عَلَى الأفرَادِ مُحَقِّقًا إِشبَاعَ جَمِيعِ الحَاجَاتِ لِجَمِيعِ الأفرَادِ إِشبَاعًا كُلِّيًا.
وَلِذَلِكَ يَبقَى سُوءُ التَّوزِيعِ الَّذِي قَامَ عَلَى أسَاسِ حُرِّيةِ المُلكِيَّةِ، وَعَلَى أسَاسِ جَعلِ الثَّمَنِ جِهَازَ التَّوزِيعِ الوَحِيدَ لِلثَّروَةِ، مُسيطِرًا عَلَى كُلِّ مُجتَمَعٍ يُطَبِّقُ النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ الرَّأسمَالِيَّ. أمَّا مَا يُشَاهَدُ فِي أمرِيكَا مِنْ أنَّ الثَّروَةَ قَدْ نَالَ مِنهَا كُلُّ فَردٍ أمرِيكِيٍّ مَا يُشبِعُ حَاجَاتِهِ الأَسَاسِيَّةَ جَمِيعَهَا إِشبَاعًا كُلِّياً, وَيُشبِعُ بَعضَ حَاجَاتِهِ الأُخرَى، فَإِنَّ ذَلِكَ نَاتِجٌ عَنْ وَفْرَةِ غِنَى تِلْكَ البِلادِ إِلَى حَدٍّ يُتِيحُ لِكُلِّ فَردٍ أنْ يَتَمَتَّعَ بِإشبَاعِ حَاجَاتِهِ الأَسَاسِيَّةِ كُلَّهَا، وَبَعضَ حَاجَاتِهِ الكَمَالِيَّةِ، وَلَيسَ رَاجِعًا لِجَعْلِ نَصِيبِ الفَردِ مُعَادِلاً لِقِيمَةِ الخِدْمَاتِ التِي سَاهَمَ بِهَا فِي الإنتَاجِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ أحبتنا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ: حَيَاةُ الرَّأسمَالِيِّينَ مَادِّيةٌ بَعِيدَةٌ عَنِ الدِّينِ وَالخُلُقِ تَظهَرُ فَيهَا الاحتِكَارَاتُ وَاستِبدَادُ المُنتِجينَ بِالمُستَهلِكِينَ.
1. حَيَاةُ الرَّأسمَالِيِّينَ ظهَرَتْ فِيهَا الاحتِكَارَاتُ وَاستَبدَّ المُنتِجُونَ بِالمُستَهلِكِينَ.
2. جَعَلَ الرَّأسمَالِيُّونَ لِلدَّولَةِ الحَقَّ فِي أنْ تَتَدَخَّلَ فِي تَحدِيدِ الثَّمَنِ وذلك لأربَعَةِ أسَبَابٍ:
أ- لِحِمَايَةِ الاقتِصَادِ الأهْلِيِّ.
ب- وَلِحِمَايَةِ المُستَهلِكِينَ.
ت- وَلِتَقلِيلِ استِهلاكِ بَعضِ السِّلَعِ.
ث- وَلِلْحَدِّ مِنْ سُلطَةِ المُحتَكِرِينَ.
3. مِنْ تَرقِيعَاتِ النِّظَامِ الرَّأسمَالِي تَدَخُلُ الدَّولَةِ فِي الأمرين الآتيين:
أ- في تَحدِيدِ الثَّمَنِ.
ب- وَفِي تَنظِيمِ إِنتَاجِ المَشرُوعَاتِ العَامَّةً.
4. هَذِهِ التَّرقِيعَاتُ وَأمثَالُهَا تُنَاقِضُ أسَاسَ النِّظَامِ الاقتِصَادِيِّ وَهُوَ الحُرِّيةُ الاقتِصَادِيَةُ.
5. كَثِيرُونَ مِنَ الاقتِصَادِيِّينَ، كَأصْحَابِ المَذهَبِ الفَردِيِّ لا يَقُولُونَ بِهَذِهِ التَّرقِيعَاتِ, وَيُنكِرُونَهَا.
6. يَقُولُ أصْحَابُ المَذهَبِ الفَردِيِّ: إِنَّ جِهَازَ الثَّمَنِ وَحْدَهُ كَفِيلٌ بِتَحقِيقِ الانسِجَامِ بَينَ مَصلَحَةِ المُنتِجِينَ، وَمَصلَحَةِ المُستَهلِكِينَ، دُونَ مَا حَاجَةٍ إِلَى أيَّةِ رَقَابَةٍ مِنْ حُكُومَةٍ.
7. التَّرقِيعَاتِ التَّيِ يَقُولُ بِهَا أنصَارُ التَّدَخُّلِ لا تَجعَلُ تَوزِيعَ الثَّروَةِ عَلَى الأفرَادِ مُحَقِّقًا إِشبَاعَ جَمِيعِ الحَاجَاتِ لِجَمِيعِ الأفرَادِ إِشبَاعًا كُلِّيًا.
8. يَبقَى سُوءُ التَّوزِيعِ الَّذِي قَامَ عَلَى أسَاسِ حُرِّيةِ المُلكِيَّةِ، وَعَلَى أسَاسِ جَعلِ الثَّمَنِ جِهَازَ التَّوزِيعِ الوَحِيدَ لِلثَّروَةِ، مُسيطِرًا عَلَى كُلِّ مُجتَمَعٍ يُطَبِّقُ النِّظَامَ الاقتِصَادِيَّ الرَّأسمَالِيَّ.
9. مَا يُشَاهَدُ فِي أمرِيكَا مِنْ أنَّ الثَّروَةَ قَدْ نَالَ مِنهَا كُلُّ فَردٍ أمرِيكِيٍّ مَا يُشبِعُ حَاجَاتِهِ الأَسَاسِيَّةَ, وَبَعضَ حَاجَاتِهِ الأُخرَى، فَهُوَ نَاتِجٌ عَنْ وَفْرَةِ غِنَى تِلْكَ البِلادِ، وَلَيسَ رَاجِعًا لِجَعْلِ نَصِيبِ الفَردِ مُعَادِلاً لِقِيمَةِ الخِدْمَاتِ التِي سَاهَمَ بِهَا فِي الإنتَاجِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ الراشدة على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.