- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 44)
تعريف الملكية الفردية
الحَمْدُ للهِ الذِي شَرَعَ لِلنَّاسِ أحكَامَ الرَّشَاد, وَحَذَّرَهُم سُبُلَ الفَسَاد, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَيرِ هَاد, المَبعُوثِ رَحمَةً لِلعِبَاد, الَّذِي جَاهَدَ فِي اللهِ حَقَّ الجِهَادِ, وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الأَطهَارِ الأمجَاد, الَّذِينَ طبَّقُوا نِظَامَ الِإسلامِ فِي الحُكْمِ وَالاجتِمَاعِ وَالسِّيَاسَةِ وَالاقتِصَاد, فَاجْعَلْنَا اللَّهُمَّ مَعَهُمْ, وَاحشُرْنا فِي زُمرَتِهِمْ يَومَ يَقُومُ الأَشْهَادُ يَومَ التَّنَاد, يَومَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العِبَادِ.
أيها المؤمنون
السَّلامُ عَلَيكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ وَبَعدُ: نُتَابِعُ مَعَكُمْ سِلْسِلَةَ حَلْقَاتِ كِتَابِنا إِروَاءُ الصَّادِي مِنْ نَمِيرِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي, وَمَعَ الحَلْقَةِ الرَّابِعَةِ وَالأربَعِينَ, وَعُنوَانُهَا:
"تَعرِيفُ المِلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ". نَتَأمَّلُ فِيهَا مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النِّظَامِ الاقتِصَادِي فِي الإِسلامِ (صَفحَة 71) لِلعَالِمِ وَالمُفَكِّرِ السِّيَاسِيِّ الشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ النَّبهَانِيِّ.
يَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ عِندَ تَعرِيفِهِ لِلمِلكِيَّةِ الفَردِيَّةِ: "المِلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ هِيَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ مُقَدَّرٌ بِالعَينِ أوِ المَنفَعَةِ، يَقتَضِي تَمكِينُ مَنْ يُضَافُ إِلَيهِ مِنَ انتِفَاعِهِ بِالشَّيءِ، وَأخْذِ العِوَضِ عَنهُ. وَذَلِكَ كَمِلْكِيَّةِ الإِنسَانِ لِلرَّغِيفِ وَالدَّارِ، فَإِنَّهُ يُمكِنُهُ بِمِلْكِيَّتِهِ لِلرَّغِيفِ أنْ يَأكُلَهُ، وَأنْ يَبِيعَهُ، وَيَأخُذَ ثَمَنَهُ، وَيُمكِنُهُ بِمِلْكِيَّتِهِ لِلدَّارِ أنْ يَسكُنَهَا، وَأْنْ يَبِيعَهَا وَيَأخُذَ ثَمَنَهَا.
فَالرَّغِيفُ وَالدَّارُ كُلٌ مِنهُمَا عَينٌ، وَالحُكمُ الشَّرعِيُّ المُقَدَّرُ فِيهِمَا هُوَ إِذْنُ الشَّارِعِ لِلإِنسَانِ بِالانتِفَاعِ بِهِمَا استِهلاكًا وَمَنفَعَةً وَمُبَادَلَةً. وَهَذَا الإِذنُ بِالانتِفَاعِ يَستَوجِبُ أنْ يَتَمَكَّنَ المَالِكُ، وَهُوَ مَنْ أُضِيفَ إِلَيهِ الإِذنُ، مِنْ أكْلِ الرَّغِيفِ، وَسُكْنَى الدَّارِ، كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ بَيعِهَا. فَبِالنِّسبَةِ لِلرَّغِيفِ، الحَكْمُ الشَّرعِيُّ مُقَدَّرٌ بِالعَينِ، وَهُوَ الإِذنُ بِاستِهلاكِهَا. وَبِالنِّسبَةِ لِلدَّارِ، الحُكْمُ الشَّرعِيُّ مُقَدَّرٌ بِالمَنفَعَةِ، وَهُوَ الإِذنُ بِسُكنَاهَا. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ المِلْكِيَّةُ هِيَ إِذْنُ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ. وَعَلَى ذَلِكَ فَلا تَثبُتُ المِلْكِيَّةُ إِلاَّ بِإِثبَاتِ الشَّارِعِ لَهَا، وَتَقرِيرِهِ لأَسبَابِهَا.
وَإِذَنْ فَالحَقُّ فِي مِلْكِيَّةِ العَينِ لَيسَ نَاشِئًا عَنِ العَينِ نَفْسِهَا، وَعَنْ طَبِيعَتِهَا، أيْ عَنْ كَونِهَا نَافِعَةً أو غَيرَ نَافِعَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ نَاشِئٌ عَنْ إِذْنِ الشَّارِعِ، وَعَنْ جَعلِهِ السَّبَبَ الَّذِي يُبِيحُ المِلْكَ لِلعَينِ مُنتِجًا المُسَبَّبَ، الَّذِي هُوَ تَمَلُّكُهَا شَرعًا. وَلِهَذَا أذِنَ فِي تَمَلُّكِ بَعضِ الأعيَانِ، وَمَنَعَ مِنْ تَمَلُّكِ بَعضِهَا، وَأذِنَ فِي بَعضِ العُقُودِ، وَمَنَعَ بَعضَهَا، فَمَنَعَ تَمَلُّكَ الخَمْرِ وَالخِنْزِيرِ لِلمُسلِمِ، كَمَا مَنَعَ تَمَلُّكَ مَالِ الرِّبَا، وَمَالَ القِمَارِ لأيِّ وَاحِدٍ مِنْ رَعِيَّةِ الدَّولَةِ الإِسلامِيَّةِ، وَأذِنَ فِي البَيعِ فَأحَلَّهُ، وَمَنَعَ الرِّبَا فَحَرَّمَهُ، وَأذِنَ فِي شَرِكَةِ العَنَانِ، وَمَنَعَ الجَمْعِيَّاتِ التَّعَاوُنِيَّةَ. وَشَرِكَاتِ المُسَاهِمَةِ، وَالتَّأمِينِ.
وَالتَّمَلُّكُ المَشرُوعُ لَهُ شُرُوطٌ. كَمَا أنَّ لِلتَّصَرُّفِ فِي المِلْكِ قُيُودًا بِحَيثُ لا تَخرُجُ المِلكِيَّةُ عَنْ مَصلَحَةِ الجَمَاعَةِ، وَمَصلَحَةِ الفَردِ بِاعتِبَارِهِ جُزءًا مِنَ الجَمَاعَةِ، لا فَرْدًا مُنفَصِلاً، وَبِاعتِبَارِهِ إِنسَاناً فِي مُجتَمَعٍ مُعَيَّنٍ. وَالانتِفَاعُ بِالعَينِ المَمْلُوكَةِ إِنَّمَا حَصَلَ بِسُلْطَانٍ مِنَ الشَّارِعِ، أيْ أنَّ أصْلَ المِلْكِيَّةِ لِلشَّارِعِ، وَهُوَ أعطَاهَا لِلفَردِ، بِتَرتِيبٍ مِنهُ عَلَى السَّبَبِ الشَّرعِيِّ. فَهِيَ تَمْلِيكٌ مِنَ الشَّارِعِ لِفَردٍ فِي الجَمَاعَةِ شَيئًا خَاصًّا، لَمْ يَكُنْ لِيَحِقُّ لَهُ مُلكُهُ لَولا هَذَا التَّملِيكُ. عَلَى أنَّ المِلْكِيَّةَ لِلعَينِ هِيَ مِلْكِيَّةٌ لِذَاتِ العَينِ، وَمِلْكِيَّةٌ لِمَنفَعَتِهَا، وَلَيسَتْ هِيَ مِلْكِيَّةً لِلمَنفَعَةِ فَقَطْ، وَإِنَّ المَقصُودَ الحَقِيقِيَّ مِنَ المِلْكِيَّةِ هُوَ الانتِفَاعُ بِالعَينِ انتِفَاعًا مُعَيَّنًا بَيَّنَهُ الشَّرُع.
وَعَلَى ضَوءِ هَذَا التَّعرِيفِ لِلْمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ يُمكِنُ أنْ يُفْهَمَ أنَّ هُنَاكَ أسبَابًا مَشرُوعَةً لِلتَّمَلُّكِ، وَيُمْكِنُ أنْ يُفهَمَ أنَّ هُنَاكَ أحَوالاً مُعَيَّنَةً لِلتَّصَرُّفِ بِهَذِهِ المِلْكِيَّةِ، وَيُمكِنُ أنْ يُفْهَمَ أنَّ هُنَاكَ كَيفِيَّةً مُعَيَّنَةً لِلانتِفَاعِ بِمَا يُمَلَّكُ، وَيُمكِنُ أنْ تُفهَمَ الحَوَادِثُ الَّتِي تُعتَبَرُ اعتِدَاءً عَلَى حَقِّ المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ. وَهَكَذَا يُمكِنُ أنْ يُفْهَمَ مِنَ التَّعرِيفِ المَعنَى الحَقِيقِيُ لِلحِيَازَةِ الَّتِي أبَاحَهَا الشَّارِعُ، وَمَعنَى السَّعْيِ لِهَذِهِ الحِيَازَةِ وَالانتِفَاعِ بِمَا حَازَهُ، وَبِعِبَارَةٍ أُخرَى يَدُلُّ التَّعرِيفُ عَلَى المَعنَى الحَقِيقِيِّ لِلْمِلْكِيَّةِ.
وَقَبلَ أَنْ نُوَدِّعَكُمْ مُستَمِعِينَا الكِرَامَ نُذَكِّرُكُمْ بِأَبرَزِ الأفكَارِ التِي تَنَاوَلهَا مَوضُوعُنَا لِهَذَا اليَومِ:
1. تَعرِيفُ المِلكِيَّةُ الفَردِيَّةُ: هِيَ حُكْمٌ شَرعِيٌّ مُقَدَّرٌ بِالعَينِ أوِ المَنفَعَةِ، يَقتَضِي تَمكِينُ مَنْ يُضَافُ إِلَيهِ مِنَ انتِفَاعِهِ بِالشَّيءِ، وَأخْذِ العِوَضِ عَنهُ.
2. المِلْكِيَّةُ هِيَ إِذْنُ الشَّارِعِ بِالانتِفَاعِ بِالعَينِ استِهلاكًا وَمَنفَعَةً وَمُبَادَلَةً.
أ- أذِنَ فِي تَمَلُّكِ بَعضِ الأعيَانِ: أذَنِ فِي تَمَلُّكِ الدَّارِ وَالسَّيَّارَةِ.
ب- مَنَعَ مِنْ تَمَلُّكِ بَعضِ الأعيَانِ: مَنَعَ تَمَلُّكَ الخَمْرِ وَالخِنْزِيرِ لِلمُسلِمِ.
ت- أذِنَ فِي بَعضِ العُقُودِ: أذِنَ فِي عَقْدِ البَيعِ فَأحَلَّهُ.
ث- وَمَنَعَ بَعضَ العُقُودِ: مَنَعَ عَقْدَ الرِّبَا فَحَرَّمَهُ.
3. لا تَثبُتُ المِلْكِيَّةُ إِلاَّ بِإِثبَاتِ الشَّارِعِ لَهَا، وَتَقرِيرِهِ لأَسبَابِهَا.
4. وَالتَّمَلُّكُ المَشرُوعُ لَهُ شُرُوطٌ. كَمَا أنَّ لِلتَّصَرُّفِ فِي المِلْكِ قُيُودًا بِحَيثُ لا تَخرُجُ المِلكِيَّةُ عَنْ مَصلَحَةِ الجَمَاعَةِ، وَمَصلَحَةِ الفَردِ بِاعتِبَارَينِ اثنَينِ:
أ- بِاعتِبَارِ الفَردِ جُزءًا مِنَ الجَمَاعَةِ، لا مُنفَصِلاً عَنهَا.
ب- وَبِاعتِبَارِهِ إِنسَاناً فِي مُجتَمَعٍ مُعَيَّنٍ.
5. الانتِفَاعُ بِالعَينِ المَمْلُوكَةِ إِنَّمَا حَصَلَ بِسُلْطَانٍ مِنَ الشَّارِعِ، أيْ أنَّ أصْلَ المِلْكِيَّةِ لِلشَّارِعِ، وَهُوَ أعطَاهَا لِلفَردِ، بِتَرتِيبٍ مِنهُ عَلَى السَّبَبِ الشَّرعِيِّ.
6. المِلْكِيَّةُ لِلعَينِ هِيَ مِلْكِيَّةٌ لِذَاتِ العَينِ، وَمِلْكِيَّةٌ لِمَنفَعَتِهَا، وَلَيسَتْ هِيَ مِلْكِيَّةً لِلمَنفَعَةِ فَقَطْ.
7. المَقصُودُ الحَقِيقِيُّ مِنَ المِلْكِيَّةِ هُوَ الانتِفَاعُ بِالعَينِ انتِفَاعًا مُعَيَّنًا بَيَّنَهُ الشَّرُع.
8. عَلَى ضَوءِ هَذَا التَّعرِيفِ لِلْمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ يُمكِنُ أنْ يُفْهَمَ:
أ- أنَّ هُنَاكَ أسبَابًا مَشرُوعَةً لِلتَّمَلُّكِ.
ب- أنَّ هُنَاكَ أحَوالاً مُعَيَّنَةً لِلتَّصَرُّفِ بِهَذِهِ المِلْكِيَّةِ.
ت- أنَّ هُنَاكَ كَيفِيَّةً مُعَيَّنَةً لِلانتِفَاعِ بِمَا يُمَلَّكُ.
9. وَعَلَى ضَوءِ هَذَا التَّعرِيفِ لِلْمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ يُمكِنُ أنْ يُفْهَمَ:
أ- المَعنَى الحَقِيقِيُ لِلحِيَازَةِ الَّتِي أبَاحَهَا الشَّارِعُ.
ب- مَعنَى السَّعْيِ لِهَذِهِ الحِيَازَةِ وَالانتِفَاعِ بِمَا حَازَهُ.
ت- المَعنَى الحَقِيقِيِّ لِلْمِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ.
ث- الحَوَادِثُ الَّتِي تُعتَبَرُ اعتِدَاءً عَلَى حَقِّ المِلْكِيَّةِ الفَردِيَّةِ.
أيها المؤمنون:
نَكتَفي بِهذا القَدْرِ في هَذِه الحَلْقة, وَلِلحَدِيثِ بَقِيَّةٌ, مَوعِدُنَا مَعَكُمْ في الحَلْقةِ القادِمَةِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى, فَإِلَى ذَلِكَ الحِينِ وَإِلَى أَنْ نَلْقَاكُمْ وَدَائِماً, نَترُكُكُم في عنايةِ اللهِ وحفظِهِ وأمنِهِ, سَائِلِينَ الَمولَى تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَن يُعزَّنا بِالإسلام, وَأنْ يُعزَّ الإسلام بِنَا, وَأن يُكرِمَنا بِنَصرِه, وَأن يُقِرَّ أعيُننَا بِقيَامِ دَولَةِ الخِلافَةِ على منهاج النبوة في القَريبِ العَاجِلِ, وَأَن يَجعَلَنا مِن جُنُودِهَا وَشُهُودِهَا وَشُهَدَائِها, إنهُ وَليُّ ذلكَ وَالقَادِرُ عَلَيهِ. نَشكُرُكُم عَلى حُسنِ استِمَاعِكُم, وَالسَّلامُ عَليكُم وَرَحمَةُ اللهِ وَبَركَاتُه.
محمد النادي