- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي (ح 174) سعر الصرف بين الدول التي تتبع النظام الورقي الإلزامي
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الرابعة والسبعين بعد المائة، وعنوانها: "سعر الصرف بين الدول التي تتبع النظام الورقي الإلزامي". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة التسعين بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "وأما إذا اتبعت عدة دول النظام الورقي الإلزامي، فإنه ينشأ عندئذ موضوع تحديد سعر الصرف بينها. فإنه عند امتناع تحويل العملة إلى ذهب بسعر محدود، فإن المشكلة التي تواجه الدول حينئذ، هي كيف يتحدد سعر الصرف بين هذه الدول التي تتبع النظام الورقي الإلزامي؟ وحل هذه المشكلة، هو أن العملات الورقية المختلفة، هي سلع مختلفة يتداولها الناس في السوق النقدي العالمي، ويشترونها لا لذاتها، وإنما لقدرتها على شراء سلع أخرى في مواطنها الأصلية؛ لذلك فإن نسبة الاستبدال بين عملتين ورقيتين، أو سعر الصرف بينهما، يتحدد تبعا للقوة الشرائية لكل منهما في موطنها الخاص. وعلى هذا، فسعر الصرف هو نسبة الاستبدال بين عملتين. فلو كانت مصر وإيطاليا تتبعان النظام الورقي، وكانت الليرة الإيطالية تشتري بها في إيطاليا عشر وحدات من السلع، وكان الجنيه المصري تشتري به في مصر مائة وحدة من السلع، لكانت نسبة الاستبدال بينهما هي جنيه مصري واحد لكل عشر ليرات إيطالية.
إلا أن سعر الصرف هذا يمكن أن يتغير؛ لأن العملات الورقية هي عبارة عن سلع مختلفة، يتبادل الناس بها في السوق النقدي العالمي، ويشترونها، لا لذاتها، وإنما لقدرتها على شراء سلع وجهود من البلدان التي أصدرتها، فترتفع قيمتها بانخفاض أسعار السلع في مواطنها الأصلية، وتنخفض بارتفاع أسعار تلك السلع. فمنفعة العملة الأجنبية عندنا تتوقف على قوتها الشرائية. فإن زادت هذه القوة زادت منفعتها لدينا، وازداد استعدادنا لدفع كمية أكبر من عملتنا، للحصول على كمية تقابلها من العملة الأجنبية. وإن قلت هذه القوة قلت منفعة تلك العملة لدينا، وقل استعدادنا لدفع كمية كبيرة من عملتنا، للحصول على كمية من العملة الأجنبية؛ لأن تلك العملة الأجنبية صرت لا تستطيع أن تشتري بها، في مواطنها الأصلية، بالقدر الذي كنت تشتريه بها، في حين أن عملتنا لا تزال محافظة على قيمتها. فلو فرضنا أن مستوى الأسعار بين مصر وإنجلترا في سنة معينة كان مائة في البلدين، وكان سعر الصرف بينهما هو جنيه مصري لكل جنيه إنجليزي، فإن سعر الصرف يكون متعادلا، ويكون القصد من الصرف هو الحصول على سد الحاجة من البضائع الإنجليزية، ولذلك لا يحصل إقبال، ولا إعراض، على الجنيه الإنجليزي في بلادنا. ولكن لو ارتفع مستوى الأسعار عندنا إلى مائتين، وبقي مستوى الأسعار في إنجلترا مائة، فإن الجنيه الإنجليزي في بلادنا تتضاعف قيمته، فيصبح سعر الصرف هو جنيه مصري لنصف جنيه إنجليزي، فيحصل الإقبال على الجنيه الإنجليزي لانخفاض الأسعار في إنجلترا، ويقل الإقبال على الجنيه المصري لارتفاع الأسعار في مصر. ويترتب على ذلك أن طلب الإنجليز للجنيهات المصرية سيقل، وبالتالي سيقل إقبالهم على السلع المصرية. وسيفضلون عليها حتما سلعهم الحالية؛ لأن أسعار السلع المصرية قد ارتفعت إلى الضعف، بينما أسعار السلع المنتجة عندهم قد ظلت كما هي. وهكذا يتغير سعر الصرف تبعا لتغير أسعار السلع في البلد التي أصدرت العملة. ولو ارتفع مستوى الأسعار في بلد ما عنه في بلد آخر، بسبب زيادة النقود مثلا، فإن سعر الصرف لا بد من أن يتغير بينهما، فتنخفض القيمة الخارجية لعملة الدولة التي ارتفعت الأسعار فيها. إن أسعار الصرف، بين عملة دولة ما والعملات الأجنبية، تتمشى مع العلاقة، بين أسعار الصرف للعملات الأجنبية فيما بينها، بمعنى أنه لو كان الدينار العراقي يعادل (100) ريال إيراني، أو (200) ليرة إيطالية، أو (400) فرنك فرنسي، فإن أسعار الصرف، بين العملات الأجنبية هذه، تكون في إيران هي: ريال واحد إيراني = ليرتين إيطاليتين، أو 4 فرنكات فرنسية. وفي إيطاليا، ليرة إيطالية واحدة = فرنكين فرنسيين، أو نصف ريال إيراني وهكذا. وهذا هو ما يحدث فعلا، لو كانت كل دولة تترك القيمة الخارجية لعملتها، تتغير تبعا لتغير مستوى الأسعار فيها، ولا تفرض القيود الثقيلة على حركة التجارة الدولية، وعلى تحويل النقد الأجنبي إلى نقد محلي، أو النقد المحلي إلى نقد أجنبي".
وقبل أن نودعكم مستمعينا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
مشكلة تحديد سعر الصرف:
1. إذا اتبعت الدول النظام الورقي الإلزامي، فإنه ينشأ موضوع تحديد سعر الصرف بينها.
2. عند امتناع تحويل العملة إلى ذهب بسعر محدود، فإن المشكلة التي تواجه الدول هي كيفية تحديد سعر الصرف بين هذه الدول التي تتبع النظام الورقي الإلزامي.
حل مشكلة تحديد الصرف:
حل المشكلة، هو أن نسبة الاستبدال بين عملتين ورقيتين، أو سعر الصرف بينهما، يتحدد تبعا للقوة الشرائية لكل منهما في موطنها الخاص.
تعريف سعر الصرف: هو نسبة الاستبدال بين عملتين.
مثال يوضح سعر الصرف:
لو كانت مصر وإيطاليا تتبعان النظام الورقي، وكانت الليرة الإيطالية تشتري بها في إيطاليا عشر وحدات من السلع، وكان الجنيه المصري تشتري به في مصر مائة وحدة من السلع، لكانت نسبة الاستبدال بينهما هي جنيه مصري واحد لكل عشر ليرات إيطالية.
سبب تغير سعر الصرف:
سعر الصرف يمكن أن يتغير؛ لأن العملات الورقية ترتفع قيمتها بانخفاض أسعار السلع في مواطنها الأصلية، وتنخفض بارتفاع أسعار تلك السلع.
منفعة العملة تتوقف على قوتها الشرائية:
1. إن زادت القوة الشرائية زادت منفعتها وازداد استعدادنا لدفع كمية أكبر من عملتنا، للحصول على كمية تقابلها من العملة الأجنبية.
2. إن قلت القوة الشرائية قلت منفعة تلك العملة لدينا، وقل استعدادنا لدفع كمية كبيرة من عملتنا، للحصول على كمية من العملة الأجنبية.
مثال يوضح تغير سعر الصرف بتغير القوة الشرائية:
1. يتغير سعر الصرف تبعا لتغير أسعار السلع في البلد التي أصدرت العملة.
2. لو فرضنا أن سعر الصرف بين مصر وإنجلترا هو جنيه مصري لكل جنيه إنجليزي، فإن سعر الصرف يكون متعادلا.
3. يكون القصد من الصرف هو الحصول على سد الحاجة من البضائع الإنجليزية، ولذلك لا يحصل إقبال، ولا إعراض، على الجنيه الإنجليزي في بلادنا.
4. لو ارتفع سعر الصرف فأصبح جنيها مصريا لكل نصف جنيه إنجليزي، فيحصل الإقبال على الجنيه الإنجليزي لانخفاض الأسعار في إنجلترا، ويقل الإقبال على الجنيه المصري لارتفاع الأسعار في مصر.
5. يترتب على ارتفاع سعر الصرف للجنيه المصري أمران:
1) سيقل طلب الإنجليز للجنيهات المصرية وبالتالي سيقل إقبالهم على السلع المصرية.
2) سيفضل الإنجليز سلعهم الحالية على السلع المصرية حتما؛ لأن أسعار السلع المصرية قد ارتفعت إلى الضعف، بينما أسعار السلع المنتجة عندهم قد ظلت كما هي.
خلاصة البحث في سعر الصرف بين الدول التي تتبع النظام الورقي الإلزامي:
1. لو ارتفع مستوى الأسعار في بلد ما عنه في بلد آخر، بسبب زيادة النقود، فإن سعر الصرف لا بد من أن يتغير بينهما، فتنخفض القيمة الخارجية لعملة الدولة التي ارتفعت الأسعار فيها.
2. إن أسعار الصرف، بين عملة دولة ما والعملات الأجنبية، تتمشى مع العلاقة، بين أسعار الصرف للعملات الأجنبية فيما بينها.
3. لذلك لا تترك الدول القيمة الخارجية لعملتها، تتغير تبعا لتغير مستوى الأسعار فيها، بل تفرض القيود الثقيلة على حركة التجارة الدولية، وعلى تحويل النقد الأجنبي إلى نقد محلي، أو النقد المحلي إلى نقد أجنبي.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته