- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 121)
الشروط الشرعية اللازمة لانعقاد وصحة الضمان
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الحادية والعشرين بعد المائة، وعنوانها: "الشروط الشرعية اللازمة لانعقاد وصحة الضمان". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الرابعة والثمانين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني. يقول رحمه الله:
"وبالرجوع إلى الضمان شرعا يتبين ما يلي: إن الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق. فلا بد فيه من ضم ذمة إلى ذمة، ولا بد فيه من ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له. وهو، أي الضمان، التزام حق في الذمة من غير معاوضة. ويشترط في صحة الضمان، أن يكون في حق من الحقوق المالية الواجبة، أو التي تؤول إلى الوجوب. فإذا لم يكن في حق واجب، أو يؤول إلى الوجوب، لا يصح الضمان. وذلك لأن الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الحق، فإذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضم فيه. وهذا ظاهر في الحق الواجب.
أما في الحق الذي يؤول إلى الوجوب، مثل قول رجل لامرأة: تزوجي فلانا، وأنا ضامن لك مهرك، فإن الضامن فيه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه، في أنه يلزمه ما يلزمه، وإن ما يثبت في ذمة مضمونه يثبت في ذمته. أما إذا لم يكن هناك حق واجب على أحد، أو حق يؤول إلى الوجوب، فلا يتحقق فيه معنى الضمان، إذ لا يوجد فيه ضم ذمة إلى ذمة، فلا يصح الضمان.
وعلى هذا، إذا لم يكن الحق واجبا للمضمون له على المضمون عنه، أو لا يؤول إلى الوجوب على المضمون عنه، لا يصح الضمان. إذ يشترط أن يكون من يضمن عنه ضامنا للعين إذا تلفت أو هلكت، أو ضامنا للدين، سواء أكان ضامنا بالفعل، إذا كان الحق واجبا وثابتا في الذمة، أم ضامنا بالقوة، إذا كان الحق يؤول إلى الوجوب والثبوت في الذمة.
فإن لم يكن من يضمن عنه ضامنا لا بالفعل، ولا بالقوة لا يصح الضمان، لأنه متى ما لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن. فمثلا رجل يتقبل من الناس الثياب، فقال رجل لآخر ادفع إليه ثيابك، وأنا ضامن. فتلفت الثياب هل يضمن الضامن، عمن يتقبل الثياب، ثمنها؟
والجواب على ذلك، إنه إن تلفت الثياب بغير فعله، ولا تفريط منه لم يلزم الضامن شيء؛ لأنه من الأصل لم يلزم المضمون عنه شيء، فإذا لم يلزم الأصيل فالضامن أولى أن لا يلزمه. وعليه لا بد من أن يكون الحق واجبا للمضمون له على آخرين، أو يؤول إلى الوجوب، حتى يصح الضمان. فثبوت الحق في الذمة حالا، أو مآلا شرط في صحة الضمان. إلا أنه لا يشترط أن يكون المضمون عنه معلوما، ولا يشترط أن يكون المضمون له معلوما. فيصح الضمان لو كان مجهولا. فلو قال شخص لآخر أعط ثيابك لغسال، فقال أخاف أن يتلفها، فقال له: أعط ثيابك لغسال، وأنا ضامنها لك إن تلفت، ولم يعين غسالا، صح. فلو أعطاها لغسال ثم تلفت يضمن، ولو كان المضمون عنه مجهولا. وكذلك لو قال: إن فلانا غسال ماهر، وكل من يضع عنده ثيابا، فأنا ضامن الغسال من كل تلف، صح، ولو كان المضمون له مجهولا.
ودليل الضمان واضح فيه أنه ضم ذمة إلى ذمة، وأنه ضمان لحق ثابت في الذمة. وواضح فيه أن فيه ضامنا ومضمونا عنه ومضمونا له، وواضح فيه أنه بدون معاوضة. وفيه المضمون عنه مجهول، والمضمون له مجهول، وهذا الدليل هو ما رواه أبو داود عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة الأنصاري: هما علي يا رسول الله، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. فمن ترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته". فهذا الحديث واضح فيه أن أبا قتادة قد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن. وواضح فيه أن في الضمان ضامنا ومضمونا عنه ومضمونا له، وأنه، أي الضمان الذي ضمنه كل منهما، التزام حق في الذمة من غير معاوضة. وواضح فيه أن المضمون عنه وهو الميت والمضمون له وهو صاحب الدين كان مجهولا عند الضمان. فالحديث قد تضمن شروط صحة الضمان، وشروط انعقاده".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
1. الضمان شرعا: الضمان هو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق.
2. عناصر الضمان: لا بد في الضمان من ضم ذمة إلى ذمة. وعناصر الضمان ثلاثة هي: ضامن، ومضمون عنه، ومضمون له.
3. تعريف الضمان: هو التزام حق في الذمة من غير معاوضة.
4. شروط صحة الضمان: يشترط في صحة الضمان ما يأتي:
1) أن يكون في حق من الحقوق المالية الواجبة، أو التي تؤول إلى الوجوب.
2) إذا لم يكن الحق واجبا للمضمون له على المضمون عنه، أو لا يؤول إلى الوجوب على المضمون عنه، لا يصح الضمان. وذلك لأن الضمان ضم ذمة إلى ذمة في التزام الحق.
أ- في الحق الواجب إذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضم فيه، وهذا ظاهر.
ب- في الحق الذي يؤول إلى الوجوب، مثل قول رجل لامرأة: تزوجي فلانا، وأنا ضامن لك مهرك، فإن الضامن فيه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه، في أنه يلزمه ما يلزمه.
3) يشترط أن يكون من يضمن عنه ضامنا للعين إذا تلفت أو هلكت، أو ضامنا للدين، سواء أكان ضامنا بالفعل، إذا كان الحق واجبا وثابتا في الذمة، أم ضامنا بالقوة، إذا كان الحق يؤول إلى الوجوب والثبوت في الذمة.
4) إن لم يكن من يضمن عنه ضامنا لا بالفعل، ولا بالقوة لا يصح الضمان، لأنه متى ما لم يجب على المضمون عنه لم يجب على الضامن.
5) لا يشترط أن يكون المضمون عنه معلوما، ولا يشترط أن يكون المضمون له معلوما. فيصح الضمان لو كان مجهولا.
5. دليل مشروعية الضمان: ما رواه أبو داود عن جابر قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين، فأتي بميت فقال: أعليه دين؟ قالوا: نعم ديناران. قال: صلوا على صاحبكم. فقال أبو قتادة الأنصاري: هما علي يا رسول الله، قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما فتح الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بكل مؤمن من نفسه. فمن ترك دينا فعلي قضاؤه، ومن ترك مالا فلورثته".
6. الضمان شرعا: هذا الحديث واضح فيه الأمور الآتية:
1) أن أبا قتادة قد ضم ذمته إلى ذمة الميت في التزام حق مالي قد وجب للدائن.
2) أن في الضمان ضامنا ومضمونا عنه ومضمونا له.
3) أن الضمان الذي ضمنه كل منهما، التزام حق في الذمة من غير معاوضة.
4) أن المضمون عنه وهو الميت والمضمون له وهو صاحب الدين كان مجهولا عند الضمان. فالحديث قد تضمن شروط صحة الضمان، وشروط انعقاده.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.