- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي
(ح 135)
معالجة الإسلام لمشكلة الفقر (ج2)
الحمد لله الذي شرع للناس أحكام الرشاد، وحذرهم سبل الفساد، والصلاة والسلام على خير هاد، المبعوث رحمة للعباد، الذي جاهد في الله حق الجهاد، وعلى آله وأصحابه الأطهار الأمجاد، الذين طبقوا نظام الإسلام في الحكم والاجتماع والسياسة والاقتصاد، فاجعلنا اللهم معهم، واحشرنا في زمرتهم يوم يقوم الأشهاد يوم التناد، يوم يقوم الناس لرب العباد.
أيها المؤمنون:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نتابع معكم سلسلة حلقات كتابنا إرواء الصادي من نمير النظام الاقتصادي، ومع الحلقة الخامسة والثلاثين بعد المائة، وعنوانها: "معالجة الإسلام لمشكلة الفقر". نتأمل فيها ما جاء في الصفحة الخامسة عشرة بعد المائتين من كتاب النظام الاقتصادي في الإسلام للعالم والمفكر السياسي الشيخ تقي الدين النبهاني.
يقول رحمه الله: "أما بالنسبة لمن تجب عليه النفقة للفقير والمسكين من الأقارب، فإنها لا تجب إلا على من كان في غناء، أي من استغنى عن غيره. ويعتبر الشخص في غناء إذا كان ممن تطلب منه الصدقة، أما من نهي عن الصدقة فلا. روى البخاري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
والغنى هنا ما يستغني به الإنسان مما هو قدر كفايته لإشباع حاجاته. ويقول الفقهاء: "والغنى هو ما يقوم بقوت المرء وأهله على الشبع من قوت مثله، وبكسوتهم كذلك، وسكناهم، وبمثل حاله من مركب وزي". فهذا يقع عليه في اللغة اسم غنى، لاستغنائه عن الناس. ويقال في اللغة أغنى غناء الرجل: أجزأه وكفاه.
وعلى هذا لا تجب النفقة للفقير، والمسكين، إلا على من كان مستغنيا عن غيره، أي من كان في سعة. قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله). (الطلاق 7) وروى مسلم عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا، يقول فبين يديك، وعن يمينك، وعن شمالك".
ونفقة الإنسان على نفسه هي سده لكفاية حاجاته التي تتطلب إشباعا، وليست كفاية حاجاته الأساسية فحسب. وذلك لأن الشرع أوجب عليه نفقة زوجته بالمعروف، وقد فسر بأنها حسب حالها وأمثالها. قال تعالى: (رزقهن وكسوتهن بالمعروف). (البقرة 233) فتكون نفقته على نفسه أيضا بالمعروف، وليس الكفاية. وقال عليه الصلاة والسلام لهند امرأة أبي سفيان: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف". رواه البخاري وأحمد فلم يقل: "ما يكفيك" فقط، بل زاد كلمة "بالمعروف" مما يدل على أن المراد ما يكفيها حسب المتعارف عليه من كفايتها، وكفاية ولدها، بالنسبة لحالهما وأمثالهما. فلا يقدر إذن غناؤه الذي لا بد من توفره، حتى تجب عليه النفقة بما يكفي حاجاته الأساسية فحسب، بل بما يكفي حاجاته الأساسية، وبما يكفي حاجاته الأخرى التي يعرف بين الناس أنها من حاجاته، وذلك لا يقدر بمقدار، وإنما يترك للشخص، ومستوى المعيشة الذي يعيش عليه.
وقد قدر بعض الفقهاء الحاجات التي يعتبر ما زاد عليها غنى خمسة أشياء هي: المأكل، والملبس، والمسكن، والزواج، وما يركبه لقضاء حاجاته البعيدة. غير أن ذلك لم يرد به نص صريح، وإنما حسب ما كان يعتبر أنه بالمعروف. ولذلك يقدر الغنى بما يفضل عن إشباع حاجاته بالمعروف، فإن زاد وجبت النفقة عليه للفقير والمسكين، وإن لم تزد لا تجب عليه. والحاصل أن الفقير الذي تجب له النفقة هو من عدم إشباع حاجاته الأساسية، أي من احتاج إلى الطعام، والكسوة، والسكنى، وأما الغني الذي تجب عليه النفقة، ويجب عليه ما يجب على جميع المسلمين من التكاليف المالية، فهو من ملك ما يفضل عن إشباع حاجاته بالمعروف، لا حاجاته الأساسية فقط. ويقدر ذلك بحسب حاله وأمثاله من الناس".
وقبل أن نودعكم أحبتنا الكرام نذكركم بأبرز الأفكار التي تناولها موضوعنا لهذا اليوم:
الغنى في اللغة:
1. الغنى هو ما يستغني به الإنسان مما هو قدر كفايته لإشباع حاجاته.
2. يقع اسم الغنى في اللغة على ما يجعل المرء مستغنيا عن الناس.
3. يقال في اللغة أغنى غناء الرجل: أجزأه وكفاه.
الغنى في الشرع:
هو ما يقوم بقوت المرء وأهله على الشبع من قوت مثله، وبكسوتهم كذلك، وسكناهم، وبمثل حاله من مركب وزي.
الأحكام الشرعية المتعلقة بمن تجب عليه النفقة:
1. لا تجب النفقة للفقير والمسكين من الأقارب إلا على من كان في غناء عن غيره.
2. يعتبر الشخص في غناء إذا كان ممن تطلب منه الصدقة.
3. من نهي عن الصدقة فلا تجب عليه لقول النبي: "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى".
4. لا تجب النفقة للفقير، والمسكين، إلا على من كان مستغنيا عن غيره، أي من كان في سعة.
5. نفقة الإنسان على نفسه وعلى زوجته ومن تلزمه نفقتهم تكون بالمعروف.
6. النفقة بالمعروف هي سد كفاية الحاجات التي تتطلب إشباعا وليست حاجاته الأساسية فحسب.
ما يرشد إليه حديث النبي: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف":
1. قال عليه الصلاة والسلام لهند امرأة أبي سفيان: "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
2. لم يقل النبي عليه الصلاة والسلام: "ما يكفيك" فقط، بل زاد كلمة "بالمعروف".
3. قوله "بالمعروف" يدل على أن المراد ما يكفيها حسب المتعارف عليه من كفايتها، وكفاية ولدها، بالنسبة لحالهما وأمثالهما.
4. لا تقدر النفقة بما يكفي الحاجات الأساسية فحسب، بل وبما يكفي الحاجات الأخرى التي يعرف بين الناس أنها من حاجاته.
5. لا تقدر النفقة بمقدار معين، وإنما تترك للشخص، ومستوى المعيشة الذي يعيش عليه.
6. قدر بعض الفقهاء الحاجات التي يعتبر ما زاد عليها غنى خمسة أشياء هي: المأكل، والملبس، والمسكن، والزواج، وما يركبه لقضاء حاجاته البعيدة.
7. لم يرد بذلك نص صريح، وإنما حسب ما كان يعتبر أنه بالمعروف.
8. يقدر الغنى بما يفضل عن إشباع حاجاته بالمعروف.
9. إن زاد ما يفضل عن حاجاته بالمعروف وجبت عليه النفقة للفقير والمسكين.
10. إن لم يزد ما يفضل عن حاجاته بالمعروف لا تجب عليه النفقة للفقير والمسكين.
ملخص ما سبق:
1. الفقير الذي تجب له النفقة هو من عدم إشباع حاجاته الأساسية.
2. الحاجات الأساسية هي الحاجة إلى الطعام، والكسوة، والسكنى.
3. الغني هو من ملك ما يفضل عن إشباع حاجاته بالمعروف، لا حاجاته الأساسية فقط.
4. ويقدر غنى الغني بحسب حاله وأمثاله من الناس.
5. تجب على الغني النفقة على الفقراء، ويجب عليه ما يجب على جميع المسلمين من التكاليف المالية.
أيها المؤمنون:
نكتفي بهذا القدر في هذه الحلقة، موعدنا معكم في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، فإلى ذلك الحين وإلى أن نلقاكم ودائما، نترككم في عناية الله وحفظه وأمنه، سائلين المولى تبارك وتعالى أن يعزنا بالإسلام، وأن يعز الإسلام بنا، وأن يكرمنا بنصره، وأن يقر أعيننا بقيام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة في القريب العاجل، وأن يجعلنا من جنودها وشهودها وشهدائها، إنه ولي ذلك والقادر عليه. نشكركم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.