- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
خبر وتعليق
استراتيجية الحكومة البريطانية لاستعمار عقول أطفالنا
الخبر:
في الرابع من تشرين الأول/أكتوبر، نشرت الجزيرة مقالا عنوانه "برنامج في المدارس للتحذير من الكلمة المفتاحية يرفع العلم الأحمر". وقد ناقش المقال مشروعا تجريبيا في عدد من المدارس في بريطانيا حيث يتم فيها استخدام برنامج مراقبة لمساعدة المعلمين على كشف الطلاب المعرضين لخطر ما يسمى "التطرف". الأطفال الذين يبحثون في أجهزة كمبيوتر هذه المدارس عن كلمات كمثل "الخلافة" "الإسلام" "مرتد" "جهادي" أو حتى أسماء نشطاء سياسيين مسلمين، أو جماعات تعرف بأنها "متطرفة" يتم وصمهم على أنهم مشاريع تأييد محتمل للإرهاب. إن "برنامج الكلمة المفتاحية" هذا يرسل للمعلمين تنبيهات عن حصول "انتهاك" عندما يظهر المصطلح المعين على شاشة الطالب وذلك لمساعدة المعلمين في رصد نشاط الطلاب على الإنترنت. كما يمكن للمعلمين أن يحتفظوا بلقطات لشاشة الطالب ومن ثم استخدامها كدليل بعد إرسالها ومشاركتها مع "قناة" تابعة لبرنامج الحكومة البريطانية لمكافحة تطرف الشباب المسلم. كما يتضمن البرنامج "دالة الثقة" التي يتمكن من خلالها الأطفال عن الإبلاغ عن أي زميل من زملائهم إذا ما كان عندهم مخاوف تجاهه.
التعليق:
إن "برنامج مراقبة الأخ الأكبر" هو جزء من استراتيجية الحكومة البريطانية لمكافحة التطرف سيئ السمعة والذي لعب دورا بارزا في تجريم وتهميش وإثارة التمييز بين المسلمين وغيرهم في بريطانيا. وقد تسللت أصابع الخبث بالفعل إلى الفصول الدراسية في البلاد مع مهمة أسندت حاليا للمعلمين كواجب قانوني في حقهم بضرورة مراقبة الأطفال لكشف ما يسمى علامات "تطرف" والإبلاغ عنها للشرطة. ومع ذلك، فإن تحديد "علامات ومؤشرات التطرف" في لغة الحكومة البريطانية قد أصبحت مرادفة للبحث عن وجود علامات ومؤشرات "أسلمة". وفي تموز/يوليو من هذا العام، ذكرت قناة الجزيرة أيضا أن أطفال المدارس في بريطانيا يتعرضون للاستجواب من قبل الشرطة بسبب تفاعلهم مع "قناة" للتعبير عن دعمهم لفلسطين. وأشارت إلى تعرض طالب بعمر 15 سنة للاستجواب من قبل الشرطة واتهمه ضابط بحمله وجهات نظر "شبيهة بالإرهابيين" لأخذه منشورات معه إلى المدرسة تروج لمقاطعة "كيان يهود". قيل له أن شارات "فلسطين حرة" تعتبر متطرفة كما أنه لا يستطيع مناقشة أمور هذا الصراع في المدرسة مع الأصدقاء. وقال أليكس كيني من الاتحاد الوطني للمعلمين بأن المعلمين قد نصحوا من قبل ضباط المكافحة بإبقاء العين على أي طفل ممن "يخرجون في مظاهرات ضد قصف غزة".
إنه لمن الواضح أن الحكومات الغربية كما استعمرت بلاد المسلمين وحاولت محو مفهوم الحكم الإسلامي والوحدة الإسلامية في ظل الخلافة الإسلامية من وعي المسلمين في المنطقة، تسعى اليوم إلى توظيف الاستراتيجية ذاتها على أطفال المسلمين في بلادهم - لاستعمار عقولهم وقطع صلتهم بالثقافة والتاريخ الإسلاميين. وقد قال اللورد كرزون وزير خارجية بريطانيا بين عامي 1919 - 1924 ذات مرة: "يجب علينا أن نضع حدا لكل ما قد يؤدي إلى الوحدة بين المسلمين. وكما قد نجحنا في إنهاء الخلافة، فإن علينا أن نضمن ألا تنشأ وحدة أبدا بين المسلمين، لا فكرية ولا ثقافية". إن الحكومة البريطانية الحالية كما سابقاتها تسعى وبوضوح إلى السير على خُطا كرزون، حتى لو أدى ذلك إلى تحويل معلميها وطلابها إلى مخبرين، يصمون أطفال المسلمين الصغار بالإرهاب، ويجعلون من المدارس ذراعا لأجهزة المخابرات تتجسس عبره على الشباب. إن الدول الغربية اليوم تحمل صفات الدول الاستبدادية، المخابراتية التي تسعى للسيطرة على العقول، حتى العقول الشابة منها، وهي اليوم تفرض قوانين صارمة لمكافحة الإرهاب تستخدمها الحكومات لإسكات المعارضة السياسية وسحق أي فكر يتعارض مع أيديولوجية الدولة وخطاباتها السائدة. كل هذا من أجل منع ظهور دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي من شأنها أن تهدد قبضتهم الاستعمارية على السياسة والاقتصاد في العالم الإسلامي.
إن تمديد سياسة "المنع" في الفصول الدراسية في بريطانيا واستخدام هذا البرنامج للتجسس وتجريم الطلبة الذين يبحثون عن مواضيع كـ"الخلافة"، هو اعتراف من قبل الحكومة البريطانية بفشلها في إقناع عقول الشباب المسلم باستخدام الحجة بتفوق القيم الليبرالية العلمانية ونظام الحكم الديمقراطي على العقيدة الإسلامية والنظام السياسي الإسلامي لدولة الخلافة. وعلاوة على ذلك، فهو دليل أكثر وضوحا على أن "حرية الفكر والاعتقاد" في ظل الديمقراطية لا تشمل إلا أولئك الذين يفكرون داخل المربع العلماني الضيق.
إن الاعتقاد بالحاجة إلى "الخلافة" ليست وصمة ولا مؤشرا على دعم الإرهاب، والتطرف. بل هو جزء لا يتجزأ من الإسلام والتراث الإسلامي الفكري الغني الذي يجب أن تحمله الأمة جمعاء. وبالتالي، فإن محاولات الحكومات الغربية لمحو هذا المفهوم من عقول أجيال المستقبل المسلمة، يوازي تماما تصرفات أولئك الذين يشاركون في طمس وتدمير الحقائق التاريخية في المعتقدات والثقافات الأخرى. ومع ذلك، فإن السعى لإخفاء وطمس 1400 سنة من التاريخ الغني بالارتقاء والازدهار من عقول هذه الأمة وشبابها عن دولة قادت العالم وكانت مثالا للعدل والرخاء والإنسانية والتقدم التكنولوجي وتوفير الرعاية الصحية وحقوق النساء وأتباع الديانات الأخرى، والتفوق الأكاديمي، هذه الأمور التي ترجع كلها إلى تطبيق نطام الإسلام وقوانينه - هو مهمة مستحيلة ومسعى فاشل بإذن الله. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة من قبل الأجيال المتعاقبة من المستعمرين لدثر مفهوم الخلافة والوحدة السياسية بين المسلمين وبلاد المسلمين، إلا أن هذه الفكرة قد أقحمت نفسها في الخطابات السياسية للحكومات والساسة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الغرب. وعلى الرغم من المحاولات الواسعة لتشويه صورة الإسلام وبث الخوف من فكرة دولة الخلافة، إلا أن الشوق لإعادة إقامتها أصبح الرغبة العارمة لملايين المسلمين في جميع أنحاء العالم.
﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ [الصف: 8]
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير