- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
دبلوماسية الذل في زمن الهوان
الخبر:
انعقدت جلسة خاصة للمجلس الوطني الانتقالي السوداني بخصوص رفع العقوبات عن السودان وقد بارك المجلس قرار رفع العقوبات عن السودان وثمن جهود الحكومة والدبلوماسية السودانية لجهودها التي أدت إلى رفع العقوبات عن السودان.
وقد ابتدر الحديث البروفيسور إبراهيم أحمد عمر في تلك الجلسة الخاصة بالقرار الأمريكي مباركا، ومؤيدا لقيادة البلاد ولكسبها ود الأصدقاء وللدبلوماسية السودانية والدور الذي قامت به. مؤملا مواصلة جهودها لرفع اسم السودان من قائمة (الدول الراعية للإرهاب) وقضية المحكمة الجنائية الدولية. وتابع قائلا: (لا خير فينا إن لم نستفد من دروس الحياة ولا بركة فينا إن تخلينا عن هدي السماء).
التعليق:
أود أن أعلق على ثلاث نقاط وردت في حديث رئيس المجلس الوطني:
النقطة الأولى، وصفه لأمريكا بأنها صديقة. والنقطة الثانية، ثناؤه على الحكومة وعلى الدبلوماسية السودانية وما حققته من نتائج. وأخيرا مسألة التخلي عن هدي السماء.
إنه لمن السخرية أن نسمع أحد المسلمين يتكلم عن صداقة أمريكا، بعد كل التصريحات العدائية التي تصم آذاننا صباحا ومساء من المسؤولين الأمريكيين وإهاناتهم التي يوجهونها للإسلام والمسلمين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي ترامب. أما ما يجري على الأرض من قتل وتدمير وتشريد في بلاد المسلمين فإنه يكذب الذين يحاولون مداراة عداوتهم. فهل بعد ذلك من عذر أن يصف أحدهم أمريكا بأنها صديقة، سيما إن كان من المسؤلين في حكومة السودان التي ملأت الدنيا نعيقا بالشعارات المعادية لأمريكا من جنس (الأمريكان ليكم تسلحنا) و(لن نذل ولن نهان ولن نطيع أمريكان) و(أمريكا قد دنا عذابها) وما إلى ذلك من الشعارات التي ما لبثت أن تبدلت بين عشية وضحاها إلى (أمريكا صديقتنا) و(ترامب ود خالتنا كما قال أحد المغنين)!!
من المعلوم بدهة أن العملية الدبلوماسية الناجحة تعني تحقيق أكبر مكاسب بلا ثمن أو بأقل التكاليف. ويستحضرني في هذا المقام ما جرى أيام الحقبة السوفيتية وبعد أن نصبت أمريكا صورايخها في تركيا مما جعل موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتي تحت مرمى نيرانها، وبذلك استطاعت أن تضعف مواقف الاتحاد السوفيتي التفاوضية. وهنا تجلت مهارة الدبلوماسية السوفيتية التي دخلت في سباق ماراثوني تفاوضي مكن به الحكومة السوفيتية من نشر صواريخهم في كوبا التي جعلت واشنطن عاصمة أمريكا تحت رحمتها. وبذلك انتهى التفاوض بسحب كل بلد لصواريخه وعدّت الأزمة السوفيتية دون أن تقدم أي تنازل. وحق للشعب السوفيتي في حينها أن يفخر بحكومته وبدبلوماسيتها.
أما إذا ما انتقلنا إلى الحالة السودانية وما جرى من أعمال بعد فرض الحظر الأمريكي على السودان وتتبعنا تصريحات المسؤولين في هذا الشأن، فها هو رأس الدبلوماسية السودانية الدكتور إبراهيم غندور وزير الخارجية يقول: (نحن مستمرون في التعاون مع الولايات المتحدة على المستوي الثنائي بين المؤسسات المتناظرة، مثلا بين أجهزة المخابرات أو وزارة الخارجية في كل من البلدين). وأضاف غندور أن بلاده أدت ما عليها وليس لديها ما تقدمه أو تضيفه بشأن المسارات الخمسة. ومن بين هذه المسارات تعاون الخرطوم مع واشنطن في مكافحة (الإرهاب)، والمساهمة في تحقيق السلام في دولة جنوب السودان، إضافة للشأن الإنساني المتمثل في إيصال المساعدات إلى المتضررين من النزاعات المسلحة في السودان. وفي سياق متصل ذكر وزير الدفاع السوداني الفريق ركن عوض محمد بن عوف أن هنالك تقدماً في العلاقات بين بلاده وأمريكا سيما التعاون الأمني والعسكري.
أما في اللقاء الذي أجرته صحيفة واشنطن تايمز مع سفير السودان لدى أمريكا معاوية عثمان خالد فقد ذكر أن بلاده سبق وأن سلمت معلومات مهمة لأجهزة الأمن الأمريكية الحليفة بشأن أنشطة تنظيم الدولة في ليبيا ومصر والصومال وغيرها في شمال أفريقيا. وقال خالد: (نظرا لما يتمتع به السودان من أدوار قيادية في أجهزة الاستخبارات بشرق ووسط أفريقيا - التنسيق في تنفيذ عمليات مكافحة (الإرهاب) على نطاق أفريقيا مع نظرائهم الفرنسيين والإيطاليين والأمريكيين) وأضاف خالد أن السودان سيكون لاعبا إقليميا حاسما في جهود كبح تنظيم الدولة، وقال إن دور بلاده غير محدود ومن الممكن توسيعه في شتى المجالات والمهمات. هذا وفي الصعيد الأمني ذكر الفريق حنفي عبد الله أن مكاتب المخابرات الأمريكية (سي آي إيه) بالخرطوم من أكبر المكاتب الموجودة في الشرق الأوسط وذلك في حديثه لصحيفة السوداني، ويرى حنفي أن التعاون الاستخباراتي بين الخرطوم وواشنطن بدأ منذ العام 1999م. وفي السياق الأمني أيضا يقول السفير عبد الله لصحيفة الصيحة إن التعاون الأمني والعسكري هو المهم بالنسبة لواشنطن، مضيفا بأن الأولوية في الأجندة الأمريكية في التعاطي مع السودان هي التعاون الأمني والعسكري مع السودان أكثر من التعاون الدبلوماسي.
هل بعد كل ما سردناه من تصريحات صادرة عن مسؤولين في الدول وكل ما قامت به حكومة السودان على أرض الواقع يمكن أن نصف هذا العمل بأنه عمل دبلوماسي دعك من أن يكون ناجحا أو غير ناجح؟! أم مجرد تنفيذ لأوامر صادرة من الإدارة الأمريكية تتزلف وتتقرب به الحكومة لأمريكا كي تعينها على الاستمرار في الحكم؟!
أما النقطة الأخيرة والتي ذكرها رئيس البرلمان على استحياء محاولا إيهام الناس بأن الحكومة متمسكة بهدي السماء، فإن الرد عليها لا يعدو جملة واحدة ذكرها الرئيس في آذار/مارس 2009م حينما قال: (إذا أمريكا رضيت عنا فهذا معناه أننا فارقنا الشرعة والدين). فها أنتم تتبجحون بأن أمريكا صديقتكم فهل إلى هدي السماء عندكم من مقام؟!
قد يقول قائل إن السودان ليس بمقام الاتحاد السوفيتي كي يتسنى له الوقوف في وجه أمريكا، هذا صحيح والذي صنع السودان وصنع الدولة وجميع الدول القطرية القائمة في العالم الإسلامي إنما صنعها كي تظل عاجزة عن الوقوف في وجه الدول الطامعة وأن تظل في حالة ضعف وهوان. ولكن الله اختار لنا أن نكون خير أمة أخرجت للناس، فلماذا نفضل اختيار سايكس بيكو على اختيار ربنا؟! ولماذا نرضى بالدنية في ديننا ودنيانا؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
حسب الله النور – أبو معاذ