- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
"في الحروب تموت الحقائق أولاً ثم الأطفال"!
(مترجم)
الخبر:
قال رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان: "سنحل موضوع عفرين، وسنحل كذلك موضوع إدلب، ونريد لإخوتنا اللاجئين أن يعودوا إلى أراضيهم وبلادهم مرة أخرى، وأظن أنه لا يمكننا أن نستمر في إيواء 3.5 ملايين شخصٍ هنا إلى اللانهاية. وهم في الأصل يريدون العودة إلى ديارهم. يمكن لبعضهم أن يبقى هنا، وهذه قضية أخرى. لقد أفسدنا اللعب الذي يدور في شمال العراق بالتعاون مع بغداد وإيران. وبالمثل قمنا بالتعاون مع روسيا وإيران بخطوات نحو تشكيل منطقة آمنة في إدلب. وأخيراً قمنا بمبادرة منا بإطلاق عمليتنا "غصن الزيتون" في عفرين... ولو ترك الأمر له [في إشارة إلى رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض] يقول: "تحدثوا مع الأسد". ما الذي نتحدث به مع شخص قتل مليوناً من شعبه؟ ويتحدث بلا خجل ولا حياءٍ عن تعاوننا مع داعش. فأيُّ فهمٍ هذا؟". (جريدة حريات)
التعليق:
العنوان أعلاه يعود للجنرال الأمريكي جورج س. باتون الضابط الذي قاد المعارك ضد الجيش الألماني في الحرب العالمية الثانية. هذا الاكتشاف الذي قام به الضابط الأمريكي مهم جداً لرؤية الحملات الإعلامية وعملياتها في عالمنا، وكيف تقلب الحقائق، وكيف تصور القضاء على حياة كثيرٍ من الناس بجملة من المصالح الوطنية.
وقد قامت أمريكا بقتل الحقائق قبل غزوها العراق وأفغانستان، ثم قتلت الأطفال. وكذلك أصمّت الدول العالمية آذانها وكفت أبصارها عن مجازر الإبادة الجماعية التي ارتكبها الأسد ولا يزال في سوريا، وقتل إعلامها الحقائق. وكذلك استمر الأسد بقتل الأطفال الصغار بوحشية في حلب! وتولت تركيا وروسيا وإيران حَبْك الفخ والمكيدة، وتولى الإعلام مرة أخرى طمس الحقائق وقتلها. وتولى الإعلام مرةً أخرى تسويق الخيانة التي ارتكبتها تركيا في حلب على أنها وقوف تركي إلى جانب أهل سوريا! والإعلام يلعب دور الحكم بشكل موازٍ للحكومات، فالحكومات تكتب السيناريوهات ويتولى الإعلام تسويقها! فمسعود البرزاني على سبيل المثال كان يفرش له السجاد الأحمر في أنقرة، وكان ضيف مؤتمرات حزب العدالة والتنمية الوحيد الذي لا يتغير. وكان البرزاني في لقائه الأخير مع رئيس الجمهورية أردوغان في مطار (أتاتورك) يرفع علم حكومة كردستان العراق. وكان الإعلام بالطبع يزخرف القول للبرزاني. كان ذلك حتى تغير موقف أنقرة، وسرعان ما ظهرت دمغة الخيانة تدمغ البرزاني.
وهذا أردوغان يعلن من جانب "ما الذي نتحدث به مع شخص قتل مليوناً من شعبه؟"، لكنه من جانب آخر، لا يوجد من يسأله: "مع من تلتقي في جنيف وأستانة وأخيراً في سوتشي؟" ولا يسأله أحد: "كيف تتعاون مع أمريكا وروسيا وإيران التي تحمي نظام الأسد؟".
والإعلام يسوق للشعب سياسات الحكومة في سوريا، والتي تقول اليوم شيئاً وتقول نقيضه غداً، وتصفق لكلا الموقفين. وعمليات التصور التي تقوم به وسائل الإعلام تفصل الأقنعة لكل خيانة! وهذا ليس في السياسة الخارجية فحسب! بل كذلك في عفرين التي يجري تحويلها إلى السياسة الداخلية، ويجري تحويل كل خسارةٍ إلى مفتاح يفتح كل باب، ورغم خبر كل شهيد جديد. وتجري أقلام كتاب حزب العدالة والتنمية من جانبٍ آخر "ما قبل عفرين وما بعد عفرين" في إشارةٍ إلى تزايد ألاعيب حزب العدالة والتنمية. والحرب باختصار تسوّق باسم غصن الزيتون كعملية سلام. وفي الحقيقة لم يقتصر هذا على عفرين وحدها. فالحقائق تُقتل في البداية ثم أهلنا في سوريا منذ اندلاع التمرد في سوريا. ومنذ إعلان أمريكا الحرب على تنظيم الدولة والثورة السورية تزداد حصاراً واختناقاً. والحقيقة المُرّة أن الحرب المزعومة على تنظيم الدولة في الأصل هي حرب على الثورة الإسلامية في سوريا. وبالتزامن يقتل الإعلام الحقائق بحنكة ودهاء. وكما يشير أردوغان عندما يقول: "سنحل موضوع عفرين، وسنحل كذلك موضوع إدلب، ونريد لإخوتنا اللاجئين أن يعودوا إلى أراضيهم وبلادهم مرة أخرى، وأظن أنه لا يمكننا أن نستمر في إيواء 3.5 ملايين شخصٍ هنا إلى اللانهاية" هو يشير في الحقيقة إلى خطة أمريكا؛ فإنه تعبير آخر لكلام قليجدار أوغلو: "إن على السوريين أن يعودوا إلى بيوتهم". وكذلك يتبين أن إعطاء الضوء الأخضر لعملية عفرين يعني حل موضوع إدلب. وطغى كلام أردوغان "قمنا بالتعاون مع روسيا وإيران بخطوات نحو تشكيل منطقة آمنة في إدلب" على القنابل التي تقصف إدلب.
والآلام التي تعيشها الشعوب المسلمة في أفغانستان والعراق وسوريا اليوم، وصرخات الأطفال لا تبلغ أسماع العالم بسبب الجدار السميك الذي يبنيه الإعلام دونها. والسبب الوحيد لهذا الوضع هو وسائل الإعلام والحكومات التي تحرف الحقائق.
لكن الحقائق تحمل في طبيعتها الظهور ولو بعد حين، والحكومات تخطئ كثيراً إن كانت تظن أنها تستطيع أن تنسي خياناتها بما تقوم به من قمع لأدنى ما يمكن أن يظهر من ردود الأفعال. ولو نسي العالم هذه الخيانات فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن الغفلة والنسيان، وهو سبحانه يمهل ولا يهمل، وهو أحكم الحاكمين.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
عثمان يلديز