- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
فتوى بقدر الطلب!!
الخبر:
تحدثت كثيرٌ من منابر المساجد يوم الجمعة المنصرم عن الربا، وقد بيَّنوا حكم الربا وفظاعة جرمه، وأنه حرب من الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وأن درهماً من الربا أشد عند الله من ست وثلاثين زنية في الإسلام، والربا بضعة وستون باباً، أدناها أن ينكح الرجل أمه تحت أستار الكعبة... كل ذلك أثرٌ لانتشار ظاهرة التعامل بالربا بين الأفراد في السودان نتيجة لشح السيولة النقدية، ولمنع الحكومة الناسَ من سحب أموالهم المودعة لدى البنوك، في محاولة منها للتحكم في حجم السيولة النقدية المتداولة بين الناس.
التعليق:
إن حرمة الربا من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فقليله وكثيره حرام، كما أنه محرم على جميع الأصعدة، وعلى جميع الناس؛ فهو محرم على الفرد، كما هو محرم على الجماعة وعلى الدولة، ولم يرتبط تحريمه بأية علة من العلل، فهو حرام مطلقا، وهو جرم عظيم، ولكن ما لفت نظري في هذه الخطب التي تحدثت عن الربا مؤخراً، إغفال أمرين مرتبطين بالموضوع، ولا يستقيم الحديث مطلقا مع التغافل عنهما. أولهما: عدم التطرق ولا حتى الإشارة للأسباب التي دفعت إلى ظهور التعامل بالربا فجأة إلى السطح، بعد أن كان أمراً لا وجود له، أو لا أثر له يذكر. والتعامل مع أعراض المشاكل دون التطرق للأسباب الحقيقية لا يشفي مرضاً، ولا يُخفف ألماً، وإنما يجعل المرض يستفحل، ويصعب علاجه.
فكان من الواجب عدم تناول ظاهرة التعامل بالربا بمعزل عن تلك الإجراءات التي اتخذتها الحكومة ووضعت بموجبها يدها على أموال الناس، فحرمتهم من سحب أموالهم نقداً من البنوك، فدفعتهم الحاجة إلى البحث عن سبل للحصول على سيولة نقدية يقضون بها حاجاتهم التي لا يمكن قضاؤها عن طريق الشيكات؛ (لا أعني أن هذا مبرر شرعي للتعامل بالربا، ولكن هذا هو السبب الذي دفع الناس للوقوع في المهالك).
فالحكومة ارتكبت إثماً مزدوجاً فهي اغتصبت أموال الناس من جانب، وهذا محرمٌ، فقد قال r: «كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ». أخرجه مسلم عن أبي هريرة. ومن جانب آخر، فإن الذي دعا إلى ضلالة فعليه إثم من وقع فيها، وذلك بدفع الحكومة للناس دفعا للتعامل بالربا، فلماذا تم التغافل عن هذا الأمر مع وضوحه أم هي الفتوى بقدر الطلب؟!
أما الأمر الآخر الذي تم التغافل عنه فهو تلك القروض المتكررة التي أخذتها الدولة ولسنين متتالية عديدة جهاراً نهاراً، وعبر ما يسمى بالمجلس الوطني؛ ففي العام 2013م أجاز البرلمان القرض الكويتي بقيمة 25 مليون دينار بفائدة ربوية لصالح مشروع كهرباء شرق السودان، وفي 2016/6/13م أجاز البرلمان قرضاً ربوياً آخر بقيمة 60 مليون دولار وذلك لتمويل مشروع الروصيرص المرحلة الأولى، وفي العام 2017م غير الإجازات السابقة للقروض الربوية، أجاز البرلمان قرضاً بقيمة 172 مليون دولار بربا نسبته 2% لتمويل محطة الباقير للكهرباء، وفي كل هذه الإجازات للقروض الربوية، كان بعض النواب يعترضون ويصفون ذلك العمل بأنه حرب مع الله ورسوله عليه الصلاة والسلام، وبعضهم خرج من الجلسة كنوع من الاحتجاج، وفي الختام تُجاز هذه القروض الربوية، وينشر خبرها في جميع وسائل الإعلام، ولم نسمع لأصحاب هذه المنابر صوتاً، فأُلجمت أفواههم، وخرست ألسنتهم، إلى أن بلغت ديون السودان مع الربا عليها ما يقارب 60 مليار دولار، وهو ما يعادل 166% من إجمالي الدخل المحلي (حسب تقييم البنك الدولي).
إن القروض الربوية التي تأخذها الدولة أعظم ضرراً من قروض الأفراد (وكلٌّ منكر عظيم)، فقروض الدولة فوق ضررها الاقتصادي والذي نعاني من ويلاته الآن؛ فإنها ترهن سيادة البلاد للدول الاستعمارية المسيطرة على السياسة الدولية، فكان الأولى أن تُسدد سهام النَقْد على هذه السياسات التي تقوم بها الحكومة، بل العمل على تغييرها، وإقرار سياسة شرعية، تُرضي الله تعالى، ويرضى عنها ساكن السماء والأرض.
وأخيراً نقول لهؤلاء الخطباء: إن المنبر الذي تصعدون عليه هو منبر رسول الله r، وهو إنما نُصب لقول الحق، فآتوه حقه يؤتكم الله ثوابكم مرتين، فاتقوا يوماً يتبرأ فيه الذين اتُّبِعوا من الذين اتَّبَعوا.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس حسب الله النور
الخرطوم – ولاية السودان