- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
صراع الكونغرس الأمريكي مع الرئاسة حول سوريا
يفضح حقيقة الديمقراطية الغربية والتفكير الأمريكي الاستراتيجي العظيم!
(مترجم)
الخبر:
إن الصدام داخل الحكومة الأمريكية مستمر بين شخصيات حكومية رفيعة المستوى وبين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول قراره سحب القوات الأمريكية من سوريا، وبالتالي السماح للقوات التركية بأخذ مكانها.
فبحسب الواشنطن بوست: وصفت السيناتور ليندسي غراهام (من الحزب الجمهوري)، يوم الخميس قرار الرئيس ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال سوريا بأنه "أكبر خطأ يقترفه في رئاسته"، في الوقت الذي قام فيه أعلى ثلاثة جمهوريين رتبة في المجلس باتخاذ خطوات من أجل فرض عقوبات على تركيا بسبب اعتدائها العسكري على القوات الكردية الحليفة لأمريكا.
وقامت غراهام وهي واحدة من أكبر المدافعين عن ترامب، بالانفصال عنه عقب قراره المفاجئ سحب القوات الأمريكية العسكرية، وهي حركة أثارت موجة واسعة من الإدانات من الجمهوريين والديمقراطيين. وقد توغلت القوات التركية في هجماتها على الأكراد يوم الخميس.
وقد أشعلت غراهام الانتقادات التي أدانت ترامب بسبب قراره وانتقدت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمر صحفي في كلية كيتاديل العسكرية في تشارلستون.
حيث قالت غراهام: "لقد تخلّى الرئيس عن الشعب الذي ساعدنا في القضاء على (داعش)، إن الفوضى تتكشف، وعندما أسمع الرئيس يقول "نحن سنخرج من سوريا" فعندها خطابي لك أن ما تفعله أسوأ مما فعله أوباما"، في مقارنة لترامب بنظيره السابق باراك أوباما. "عندما ترك أوباما العراق، اندلع الجحيم هناك، وإن كنت تعتقد، سيدي الرئيس، أن (داعش) لا يشكل تهديدا سوى لأوروبا، فأنت حقا لا تفهم (داعش). إن (داعش) يريد النيل منا جميعا. وليس فقط من أوروبا"...
وفي الوقت ذاته، أعلن الجمهوريون الثلاثة الأعلى رتبة - قائد الأقلية كيفن ماكارثي، وويب ستيف سكاليس، ورئيسة المؤتمر ليز تشيني - أعلنوا أنهم والعشرات غيرهم من زملائهم سيقدمون مقترح مشروع لفرض عقوبات على تركيا بسبب اعتدائها العسكري على القوات الكردية الحليفة لأمريكا.
التعليق:
على الرغم من استمراره في الهجوم على نظيره السابق، فإن الرئيس ترامب يواجه الضغوط السياسية نفسها حول سوريا والتي واجهها أوباما محليا وعالميا حول العراق وأفغانستان. والهجمات التي تشنّها السيناتور ليندسي غراهام على رئاسة ترامب لا تأتي من شخص واحد، وإنما تمثل معارضة كامل المؤسسة الأمريكية لخطط ترامب، والدليل على ذلك الدعم الواسع الذي تتلقاه غراهام من الكونغرس.
إن الهدف الحقيقي للوجود الأمريكي في سوريا ليس هزيمة تنظيم الدولة، والذي استُغل وجوده من أجل إعطاء أمريكا مزيداً من المبررات لاستمرار تدخلها. إن الهدف الحقيقي لأمريكا في سوريا هو هزيمة الثورة السورية، والذي تم تحقيقه من خلال تعاون عدد غير مسبوق من القوى في المنطقة، وخصوصا وجود روسيا بينهم، إضافة إلى إيران وتركيا والسعودية والإمارات والأردن، حيث تم تحقيق التوازن بينهم من خلال تعيين مناطق محددة لكل واحدة من هذه الدول لتحتويها. كما تواجدت القوات الأمريكية ولكن بشكل قليل جدا مقارنة بما كانت عليه في أفغانستان والعراق.
ومما لا شك فيه أن أمريكا هي القوة العظمى في العالم والأقوى عسكريا، حيث تمتلك ترسانة أسلحة لا مثيل لها في التاريخ البشري. إلا أن أمريكا توجد في الطرف الآخر من القارات مقارنة بأوروبا وآسيا وأفريقيا، وتعاني من تضاؤل قوتها بشكل ملحوظ عندما تحارب عن بعد. كما أن القوة الأمريكية هي بالأساس بحريّة، وبالتالي فهي تواجه عائقا آخر عندما تشترك بمعركة على اليابسة. وفي الوقت نفسه، فإن عودة الإسلام مجددا في نفوس الأمة الإسلامية بدعوته للجهاد سبب ذعرا لأمريكا من أن تُقدم على إرسال قواتها إلى بلاد المسلمين بأي عدد ملحوظ بعد الكوارث العسكرية التي تعرضت لها في العراق وأفغانستان.
إنها حقيقة من وجهة نظر أمريكا، أن الثورة السورية قد تم القضاء عليها، سامحة بذلك لترامب في المضي بالتعهد الذي التزم به في حملته الانتخابية بإنهاء الحروب الخارجية وبالتالي يتحقق له نجاح عظيم في السياسة الخارجية فقط في الوقت المناسب لحملة إعادة انتخابه العام القادم. إلا أن المؤسسة الأمريكية ترفض سحب القوات الأمريكية لثلاثة أسباب: الأول، إعادة دخول القوات التركية إلى سوريا سيهدد التوازن الداخلي الذي حاولت أمريكا تحقيقه في سوريا، مما يجعل الأمر أكثر صعوبة لانسحاب إيران وروسيا؛ ثانيا، إن التوسع التركي سيهدد التوازن الإقليمي حيث إن سوريا كما العراق أصبحت ضعيفة جدا مقارنة بتركيا؛ أما ثالثا، فبعد القيام بهذا الاستثمار الضخم على مدى العقد الماضي، فإن المؤسسة الأمريكية تتوق إلى وجود قاعدة عسكرية دائمة لها هناك ولن ترضى بانسحاب تام مهما كلف الأمر.
ومما لا شك فيه أن ترامب سيضطر للوصول إلى تسوية مع المؤسسة الأمريكية كما فعل أوباما قبله. حيث إن الديمقراطية الليبرالية الغربية ليست سوى وَهْم. فما الديمقراطية سوى خيال افتراضي لم يكن حقيقة أبدا، حتى في دول الإغريق التي هي منشأها. فنظام الحكم الغربي الحقيقي هو حكم الأقلية الرأسمالية، حيث يمسك بزمام الدول الغربية نخبة قليلة يهتمون بمصالحهم الخاصة. وأكبر ضغط على أي حاكم هو الشعب الذي سيخدمه. لكن في حالة نظام الحكم الغربي، فإنه بتوزيعه للسلطات، يضمن أن الفرع التنفيذي للحكومة يمكن السيطرة عليه واحتواؤه من قبل المشرعين والقضاة.
وبإذن الله تعالى فإن العالم سيشهد قريبا نموذجا مختلفا جدا من السياسات الخارجية والحكم من خلال إقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة. حيث سيكون للخليفة السلطة الكاملة في الدولة، حيث يمنع الإسلام وجود نخبة قوية في الدولة، من خلال جعل السياسة الخارجية منفصلة عن اعتبارات المصالح المادية. أما الضغط المحلي الوحيد الذي يتعرض له الخليفة فهو حق الأمة الإسلامية في محاسبته حتى لا يحيد أبدا عن التقوى. قال تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49]
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي في حزب التحرير
فائق نجاح