- الموافق
- كٌن أول من يعلق!
- حجم الخط تصغير حجم الخط زيادة حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم
وحدة شمال أفريقيا واجب تحققه الخلافة وليس حلماً يرعاه الاستعمار
الخبر:
أجرى الأستاذ راشد الغنوشي رئيس مجلس نواب الشعب خلال الأسبوع الأول من شهر رمضان الجاري، سلسلة من الاتصالات الهاتفية مع السادة رؤساء البرلمانات المغاربية. وقد تمّ تبادل التهاني بمناسبة شهر رمضان المعظم كما تم الاطمئنان على الوضع الصحي للشعوب المغاربية.
وخلال المحادثات تم التطرق لسبل تعميق التعاون بين المؤسسات المغاربية بما يخدم شعوب المنطقة المغاربية وفي مقدّمتها مجلس الشورى المغاربي، الذي كان من المُزمع انعقاده في بداية شهر نيسان/أبريل الماضي في تونس بدعوة من رئيس مجلس نوّاب الشعب وقد حالت جائحة كورونا دون ذلك.
وعبّر السادة الرؤساء على أهميّة توخي هذا المنهج في التعاون وتفعيل المؤسسات المغاربية لا سيما أثناء الجائحة وبعدها مع تأكيدهم على ما يجمع الشعوب المغاربية من أواصر الوحدة والمحبّة والأخوّة التي نحتاجها في مواجهة التحديّات المشتركة.
التعليق:
ربما نسي البعض بعد الثورة أن الاتّحاد المغاربي، هو هيكل عظمي بلا روح لوحدة شكلية بين بلدان شمال أفريقيا يرعاها ويشرف عليها الاستعمار عبر أدواته إثر خروج آلته العسكرية، حيث بدأ إيهام الشعوب بالوحدة والاتحاد في عهد بورقيبة وحزبه الدستوري ثم جاء بن علي ليتظاهر بإحياء جثته الهامدة حين قام بالتّوقيع على ما سُمّي بمعاهدة إنشاء اتّحاد المغرب العربي في 1989/02/17.
وهذا الاتحاد الصوري، فوق كونه يعبّر عن وحدة جوفاء عقيمة منبتّة عن تاريخها وثقافتها ومتنافرة مع حضارتها وعقيدتها ومسقطة على شعوب شمال أفريقيا بما يكرّس سجنهم داخل أقفاص الوطنية وخلف أسلاكها الشائكة، فهي من افتعال الاستعمار الأوروبي (بريطانيا وفرنسا أساسا) لسدّ الفراغ في الهويّة والانتماء الذي تركه هدم دولة الخلافة العثمانية سنة 1924م، لتنسى شعوب شمال أفريقيا أيام العز التي كانت فيها أمريكا تدفع ضريبة لوالي الجزائر عند مرورها بالبحر الأبيض المتوسط، وتتمسك بالدفاع عن مشروع دولة الاستقلال المزعوم على أمل أن تتحرر الأوطان وتتوحد على أعين من قسّم وجزأ، ولكن كيف للشعوب أن تتحرر والكافر المستعمر لا يزال يرسم لها خارطة طريق سيرها؟!
جميعنا يذكر كيف استشعرت الإمبراطورية العجوز (بريطانيا) بشكل مبكّر الخطر الأمريكي المحدق بنفوذها في شمال أفريقيا، فبدأت في خطوة استباقيّة بالتّسويق لمشروع الاتّحاد المغاربي منذ الحقبة الاستعمارية، لنجد الحكام الجدد (بعد أكثر من نصف قرن من الزمان) يرددون الشعارات الزئبقية الخادعة نفسها حول تمتين أواصر الأخوّة وتحقيق التّقدّم والرّفاهية والتّنمية الاقتصادية والثقافية وفتح الحدود وتكريس حرّية التّنقل للأفراد والسّلع، في الوقت الذي يسير فيه المستعمر نحو إحكام قبضته على بلادنا ومزيد نهب ثرواتنا.
ولعلّنا الآن أمام مسار جديد من النفخ في روح هذا الهيكل العظمي، بالحديث عن اتحاد دون تحديد أساس الوحدة، في انتظار مسلسل جديد من التسويفات والتعديلات الدستورية. فتونس هي الدّولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمس التي قامت بدسترة الاتّحاد، حيث نصّ دستور 2014 في فصله الخامس على أنّ (الجمهورية التونسية جزء من المغرب العربي تعمل على تحقيق وحدته وتتّخذ كافة التدابير لتجسيمها)، ليمرّ رئيس البرلمان في تونس إلى بحث سبل تعميق التعاون بين المؤسسات المغاربية في الإطار القديم نفسه الذي شكله الاستعمار، بل لا يخفى على كل متابع أن الأمين العام لهذا الاتحاد هو الطيب البكوش عضو اللجنة المركزية للحزب الحاكم في عهد المخلوع بن علي.
إن بلدان شمال أفريقيا الممثلة لهذا "الاتّحاد المغاربي" تمثّل بلا منازع قوّة وثقلا مركّبا على جميع المستويات الجغرافية منها والديمغرافية والاستراتيجية والاقتصاديّة، إذ يمتدّ على أكثر من ستّة ملايين كم2 (أكبر من الاتّحاد الأوروبي) ويتجاوز عدد سكّانه 100 مليون نسمة أغلبهم من الشّباب، كما ينتصب في مكان استراتيجي مفصلي متوسّط بين أفريقيا وأوروبا بحيث يُعتبر مفتاحا للقارّتين ويتحكّم في الحوض الغربي للمتوسّط مع واجهة أطلسيّة متّسعة. أمّا على المستوى الاقتصادي فحسبك أنّه يشكّل معينا لا ينضب لعصب الحياة بالنسبة إلى الغرب (الطاقة والمحروقات والمناجم والموادّ الفلاحيّة)…
إذ تعتبر الجزائر وليبيا من بين أكبر المنتجين والمصدّرين للنفط والغاز في العالم حيث يكفي الاحتياطي لديهما لأكثر من 100 عام، ناهيك أنّ الجزائر بمفردها تزوّد إيطاليا وأجزاء من أوروبا بالغاز الطّبيعي عبر أنبوب يمر من تونس. وتزخر بلدان المغرب العربي بثروات منجميّة هائلة ومتنوّعة، فموريتانيا من أكبر منتجي الحديد في العالم (10.5 مليون طن) والمغرب يمتلك 70% من احتياطي الفوسفات العالمي، هذا إلى جانب الرّصاص والنّحاس والذّهب والفحم والزّئبق واليورانيوم والرّخام. كما أنّ اتّساع مساحة الاتّحاد وامتداد سواحله وتعدّد أنماطه المناخية وأهمية موارده المائية والتّساقطات المهمّة التي يحظى بها سنويّا مكّنته من فلاحة متنوّعة مزدهرة جعلت منه سلّة أوروبا بامتياز، فهو من أبرز منتجي التّمور وزيت الزيتون والحمضيّات والأسماك إلى جانب كمّية كبيرة من القمح والخضراوات. أما عن التضاريس، فتكاد جبال الأطلس تنطق فتنفي وجود حدود بين تونس والجزائر والمغرب، حيث تمتد هذه السلسلة الجبلية على 2500 كيلومتر بين الأقطار الثلاثة.
فماذا لو أضفنا إلى كل هذا تملك الإرادة وتحقق السيادة والانتقال نحو التصنيع وتفعيل خيار الفلاحة باستغلال الأراضي الصالحة للزراعة وتشجيع البحث العلمي والتطور التكنولوجي والتعاون بين بلدان الشمال الأفريقي في هذه المجالات؟ بل ماذا لو توحدت جيوش المغرب العربي وشكلت تكتلا عسكريا إقليميا في هذا الموقع الاستراتيجي المهم؟
إن هذا السيناريو المرعب للغرب، هو ما يخيف الاستعمار الجاثم فوق صدورنا إلى يوم الناس هذا خاصة في مرحلة ما بعد الثورات، وإن كل دعوة إلى الوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية على غير أساس الإسلام، هي دعوة إلى الانتحار السياسي الجماعي، وهي تقديم للشعوب قرابين يذبحها الكافر المستعمر بسكاكين الدساتير الوضعية التي تقرها الأنظمة الجائرة، وعليه فإن الوحدة كمطلب لشعوب الأمة هي ضرورة واقعية ملحّة أكثر من أي وقت مضى، وهي قبل ذلك واجب شرعي على المسلمين يحتم الاعتصام بحبل الله لا بحبائل الكافر المستعمر. قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾.
وعليه فإن وحدة شمال أفريقيا، لا يجب أن تكون مطيّة لتمرير أجندة المستعمرين، ولا مجرد أمنية لدى بعض الحالمين، بل هي مشروع سياسي حقيقي لدى العاملين الجادين، وإنه لا سبيل لتحقيقها إلا على أساس مبدأ الإسلام العظيم، بإقامة دولته دولة الخلافة الراشدة، حيث لا وجود لمشاكل الأقليات وسط هذا الانسجام، لتعود شمال أفريقيا طريقا للفتوحات الإسلامية إن شاء الله، بل لعلها تكون منطلقا لتحقيق بشارة فتح روما بإذن الله بعد استعادة الأندلس السليب، فنعيد مجد حضارة أضاءت أوروبا في مختلف العلوم والفروع ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
المهندس وسام الأطرش